إنها حالة يتصف بها المسلم تمتنع بها نفسه عن غلبة الشهوات، إنها العفة، هذا الخلق الحميد، والسلوك الرشيد، الذي متى ما تأصل في المجتمع وتحقق، وتمثل به أفراده رجالا ونساءً؛ عاش المجتمع حينئذ حياة هانئة مستقرة مطمئنة يحترم فيها كل فرد أخاه، ويعرف حدوده فلا...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومَن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وذلك بملازمة أوامر الله، والبعد عن مخالفته، أعانني الله وإياكم على ذلك، وسلك بنا جميعا أسباب محبته وولايته، إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو العليم الحكيم.
إن من أعظم الخصال، وأجمل الخلال، وأشرف الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، خلق "العفة".
هذه الخصلة التي تعني في مضمونها: الكف والامتناع عن كل فعل أو تصرف لا يجمل بالإنسان فعله، إنها الكف عن القبائح، والتجافي عن الرذائل.
إنها حالة يتصف بها المسلم تمتنع بها نفسه عن غلبة الشهوات، إنها العفة، هذا الخلق الحميد، والسلوك الرشيد، الذي متى ما تأصل في المجتمع وتحقق، وتمثل به أفراده رجالا ونساءً؛ عاش المجتمع حينئذ حياة هانئة مستقرة مطمئنة يحترم فيها كل فرد أخاه، ويعرف حدوده فلا يتجاوزها.
أما ذلك المجتمع الذي يتخلى فيه أفراد عن العفة بحيث لا يعود للعفاف فيه وجود فلا تسل بعد ذلك عن الفوضوية التي تقيم عليه في شتى المجالات، حتى تنشأ من ذلك أخلاق سيئة وسلوك منحرف؛ بسبب غياب العفة وفقدان العفاف، حيث ينتشر الزنا والاغتصاب والتعدي على الحرمات.
إن من أبرز مظاهر العفة وأجلى صورها التي دعت إليها هذه الشريعة "عفة الفرج"، وذلك بصيانته عما لا يحل، هذا النوع من العفة الذي أشاد الله -عز وجل- بأهله في القرآن العظيم في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، يقول الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون:5-6].
وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- الطريق الشرعي لإعفاف الفرج بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ".
وأَمَرَ من لم يستطع الزواج بالاستعفاف بقوله -تعالى-: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النور:33].
وهذا الاستعفاف الذي أرشد الله -عز وجل- إليه كل من لا يجد النكاح إنما يكون بالبعد عن الزنا، والحذر من كل ما يقرب إليه من أسباب ودواعٍ، ومن ذلك الحذر من إطلاق البصر في ما لا يحل النظر إليه.
يقول الله -عز وجل- موجها عباده المؤمنين والمؤمنات إلى هذا الخلق الكريم: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...) [النور:30-31]، كل هذا التأكيد لأن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس؛ بل هي بريد الزنا كما قال بعض السلف.
ويتأكد هذا التوجيه الرباني في الأمر بغض البصر يوم يخلو العبد مع هذه الأجهزة الحديثة المملوءة بالمناظر المحرمة والمقاطع الجنسية الإباحية، يتأكد حينئذ استحضار هذا التوجيه الرباني من الله -عز وجل- لعباده المؤمنين: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...).
إن الموفق من عباد الله -أيها الإخوة المسلمون- من راقب نظراته وحرص على حفظ بصره من أن يمتد نظره إلى ما حرم الله عليه، مستحضرا في ذلك وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "فَلا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّمَا لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الأُخْرَى".
فأين كثير من الناس اليوم رجالا ونساءً عن هذا الخلق الإسلامي العظيم؟ أين أولئك الذين يبيتون ويصبحون ولا هَمّ لهم إلا العكوف على ما تعرضه وسائل الإعلام والقنوات الفضائية من صور النساء؟ تلك الصور التي تحرك الغرائز وتثير الشهوات وتؤجج لهيبها في الصدور والنفوس، سواء كانت تلك الصور على هيئة تمثيلية أو مسرحية، أو صورة مجردة على غلاف جريدة أو مجلة، أو مقطع يوتيوب، أو نحو ذلك.
وقد أحسن من قال:
كـُلُّ الحوادث مبداها مِن النَّظَرِ *** ومُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كم نظرةٍ فَعَلَتْ في قلب صاحِبِها *** فِعْلَ السِّــهَامِ بلا قَوْسٍ ولا وَتَر
يسـُرُّ مُقلتَهُ ما ضَـرَّ مُهْجَـَتهُ *** لا مـرحباً بسُرورٍ عادَ بالضَّـَرر
إن غض البصر -أيها الإخوة المسلمون- سلوكٌ رشيدٌ يتطلب من المسلم مجاهدةً لنفسه، وصبرا على ذلك؛ حتى يتخلق ويتحلى به، ومَن ترك النظر إلى ما لا يحل مخافة من الله -عز وجل- أبدله الله -عز وجل- إيمانا يجد حلاوته في قلبه.
إن النظر إلى الحرام نوعُ عقوبةٍ يعاقب الله -عز وجل- العبد بها؛ ولهذا لما دعت أم جريج على ولدها قالت: "اللهم لا تُمِتْهُ حتى يرى وجوه المومسات"؛ كحال أولئك الذين باختيارهم وطوعهم وإرادتهم يسمّرون أبصارهم يعكفون الساعات الطوال على المشاهد المحرمة وعلى المناظر الإباحية التي تهز الإيمان وتذهبه من القلوب والنفوس، عياذا بالله!.
أيها الإخوة المسلمون: إن إطلاق البصر ليرتع في كل ما حرم الله -عز وجل- بداية الانحراف، وأول خطوة من خطوات البعد عن الصراط المستقيم؛ ولهذا تكاثرت النصوص في السنة النبوية الآمرة بحفظ البصر وغضه حفاظا على إيمان العبد وصلاحه وتقواه.
إن أردت -أيها المسلم- أن يقوى الإيمان في قلبك وتتعزز التقوى في نفسك فعليك بلزوم هذا الخلق العظيم، وهو الحرص على حفظ الأبصار، وغض الأبصار من النظر إلى ما حرم الله -عز وجل-.
ومن الدواعي التي تقرب من الزنا مصافحة النساء الأجنبيات، حيث لا يخفى ما تحدثه ملامسة المرأة الأجنبية ولو بالمصافحة من أثر سيء في النفس، وما تلقيه فيها من وساوس شيطانية.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ؛ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ".
قال النووي -رحمه الله-: معنى الحديث أن ابن آدم قُدِّر عليه نصيبه من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقيا بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من كان زناه مجازيا بالنظر إلى الحرام، أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد، بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرِّجل إلى الزنا، أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع من الزنا المجازي. والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، ومعناه أن يتحقق الزنا بالفرج أو لا يتحقق...
ولهذا جاء التوجيه القرآني بالابتعاد عن الزنا وعدم قربانه: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى) [الإسراء:32]، ولم يأتِ التوجيه القرآني بالكف عن الزنا مباشرة، وإنما بالأمر بعدم القرب من الزنا، وفي ذلك دلالة وإشارة إلى تنبيه المسلم إن هو أراد حفظ نفسه من الوقوع في هذه الفاحشة أن يبتعد عن كل وسيلة وعن كل خطوة تقرب من هذه الجريمة الشنيعة.
لا يغرنك -أخي المسلم- ما يفعله مَن ضعُف الإيمان في قلبه من المسارعة إلى مصافحة الأجنبيات تقليدا للكفرة الذين لا يقيمون للعفة وزنا ولا للفضيلة قدرا؛ (أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف:179].
لقد بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النساء كما بايع الرجال؛ لكنه -صلى الله عليه وسلم- لم تمس يده يد امرأة لا تحل له، وإنما كانت مبايعته -صلى الله عليه وسلم- للنساء بالكلام.
وكان يقول محذرا أمته: " لأن يُطعنَ في رأسِ أحدِكم بمخيطٍ من حديدٍ خيرٌ له من أن يمسَّ امرأةً لا تحلُّ له".
إن الامتناع عن مصافحة النساء الأجنبيات ليس تحقيرا للمرأة، ولا نقصا من قدرها في دين الله، وإنما هو في حقيقة الأمر إكرامٌ لها، وإكرام لزوجها، وإعزاز لها، ومحافظة عليها؛ وهو -قبل ذلك وبعده- استجابة لأمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه.
لقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتنة النساء، وقال فيما صح عنه: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
ومن الأسباب المقربة من فاحشة الزنا الخلوة بالمرأة الأجنبية في أي مكان وفي أي موضع، وقد تكاثرت النصوص في التحذير من هذا الباب، وشددت فيه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما". مَن يقول هذا الكلام؟ يقوله الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-! "لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما".
ومتى كان الشيطان ثالث اثنين قربت المسافة من المعصية، وقوي تحقق الفحشاء والمنكر، والشواهد على ذلك كثيرة، وها هي نسب التحرش بالنساء في أماكن العمل المختلطة تزداد يوماً بعد يوم، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
ومن الأسباب المقربة من الزنا: الاختلاط المحرم، هذه الظاهرة العفنة التي امتدت إلى مجتمعات المسلمين محاكاة للمجتمعات الغربية التي تخلت عن كل فضيلة، وروجت لكل رذيلة، حتى شرعت للزنا واللواط والشذوذ، شرعت له قانونا ونظاما يحمي هؤلاء المجرمين، ويجعل أعمالهم -عياذا بالله- من جملة القانون.
بل -والعياذ بالله- نظمت بعض تلك المجتمعات الكافرة زواج المثليين، زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، وباركت كنائسُهم -عياذا بالله- هذه القضية، نعوذ بالله من انتكاس الفطر، وطمس القلوب والبصائر!.
والعجب ليس في تلك المجتمعات الكافرة، فليس بعد الكفر ذنب، وإنما العجب من مجتمعات تدين بالإسلام ترضى لنفسها بانتشار الاختلاط المحرم، والمسارعة إليه، والترحيب بكل مظهر من مظاهره، وعده مظهرا من مظاهر التقدم والتطور، والتشجيع عليه!.
لقد جربت مجتمعات عديدة من مجتمعات المسلمين هذا الاختلاط فما رأينا فيها تقدما مدنيا ولا نموا اقتصاديا ولا استقرارا اجتماعيا ولا سياسيا ولا قضاء على البطالة؛ بل صار ذلك الاختلاط البوابة الكبرى لانتشار الفواحش وتعدد حوادث الزنا والاغتصاب والتحرش؛ فهل يراد لمجتمعنا أن يجرب هذه التجربة المرة التجربة المؤلمة بكل تداعياتها يوم يزج بالنساء للاختلاط المحرم؟ يوم يشجع على العمل المختلط في البنوك والمؤسسات التجارية والحكومية وغيرها؟.
نسأل الله -عز وجل- أن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي خلق النفوس وسواها، وألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها.
خلق -سبحانه- الحياة كلها بما فيها وجعلها ميدانا للاختبار والابتلاء؛ ليظهر الصادقون في إيمانهم، المستجيبون لربهم، الممتثلون لسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، من المتبعين لشهوات نفوسهم، وأهواء قلوبهم؛ ليميز الله الخبيث من الطيب.
أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- في جميع ما تأتون وما تذرون؛ فإن تقوى الله -عز وجل- ليست صلاة فقط ولا صوما ولا زكاة ولا حجا فقط؛ ولكن تقوى الله -عز وجل- تعني العمل بما يحب الله ويرضى في جميع الأمور، صغيرها وكبيرها.
إن في كل عمل تعمله ولفظ وقول تتلفظ به ميدانا ومجالا لاكتساب مزيد من التقوى أو لإضعاف التقوى، فكن ممن ينمي التقوى في قلبه لربه -عز وجل- بأفعاله وأقواله وتصرفاته، واسأل نفسك قبل الإقدام على كل عمل أو قول: هل هذا التصرف مما ينمي التقوى ويعمقها أم أنه مما يضعفها؟ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أيها الإخوة المسلمون: كلما تخلق الإنسان بخلق العفة وتربى عليه كلما كان ذلك أدعى للاستمرار عليه، وإن مما يقوي هذا الخلق في النفوس استشعار مراقبة الله -عز وجل- واطلاعه على العبد في جميع أحواله، فهو (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الشعراء:218-220].
وتقوية الشعور بالخوف من الله -عز وجل-، وأنه سبحانه إذا أخذ من انتهك حدوده وتعدى حرماته فإن أخذه أليم شديد.
إن مما يعين على تحقيق العفة أن يربى الأبناء والبنات على العفة من الصغر؛ ولهذا جاء في الحديث الشريف: "مروا أبناءكم للصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".
إن ذلك العبد الذي يسمح لابنته وإن كان صغيرة بلبس القصير الذي يبدي عورتها وتظهر أمام الناس أو أمام إخوانها أو أمام الأجانب به، لا يزرع العفة في نفس تلك الطفلة البريئة وإنما يزرع في نفسها التمرد على العفة والتمرد على الحياء؛ ولهذا فإن مما يتعين على الآباء والأزواج أن يُعْنَوا بملابس زوجاتهم وبناتهم، وأن يحذروا من الألبسة التي تظهر مفاتن المرأة وتبدي عوراتها سواء في الأعراس أو الحفلات أو غير ذلك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر من هذا الفعل بإخباره عن صنفين من أمته لم يرهما من أهل النار، أحدهما: "نساء كاسيات عاريات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها".
وإن مما يعين على التخلق بخلق العفة وتنشئة الأبناء والبنات عليها: عدم السماح للقنوات الإباحية والقنوات الجنسية التي تجاهر بالرذيلة عبر مذيعاتها وعبر أفلامها ومشاهدها، عدم السماح لتلك القنوات بأن تغزو بيوتنا ومنازلنا، والقنوات المحافظة -وهي كثيرة بحمد الله- تغني عن القنوات التي لا يجوز للمسلم إدخالها في بيته لأنها تدمر أخلاق أبنائه وبناته وتقضي على الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوسهم.
وكل واحد من الأولياء مسؤول ومحاسب يوم القيامة عن هذه الأمانة: "كلكم راع ومسئول عن رعيته"، فماذا أعددت أيها الأب لذلك الموقف العظيم يوم تقف بين يدي الله -عز وجل- وتُسأل عن إدخالك لهذه القنوات الإباحية والقنوات المحرمة في منزلك ليعكف عليها أبناؤك وبناتك؟ هل قمت بالأمانة التي أمرك الله بها -عز وجل-؟ أم أنك فرطت في ذلك؟ والله -سبحانه وتعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
نسأل الله -عز وجل- أن يعننا جميعا على ما فيه صلاح نفوسنا وصلاح ذريتنا وأهلينا وأولادنا؛ إن ربي على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلى عليّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً".
اللهم صل وسلم وبارك...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي