والحقيقة أن العاقل المنصف يقف أمام هذه الدلائل والبينات مذعوراً، ولا يسعه إلا أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وهذا خبر عام بأن الله يعصمه من جميع الناس، فكلٌّ من هذه الأخبار الثلاثة قد وقع كما أخبر الله -تعالى-، فقد كفاه الله أعداءه بأنواع عجيبة خارجة عن العادة المعروفة، ونصره مع كثرة أعدائه وقوتهم وغلبتهم، وانتقم...
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليماً كثيراً.
أَمّا بعد: عباد الله، اتقوا الله -تعالى- كما أمركم بذلك، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: اعلموا أن الله -تعالى- قد جعل لهذا النبي الكريم معجزاتٍ تدل على صدقه، وأنه -تعالى- أرسله.
وقد سبق لنا أنّ أعظم المعجزات معجزة القرآن الكريم الذي تحدى الله به الأولين والآخرين، فلم يأتوا بسورة من مثله.
ومن المعجزات التي يُشاهدها الناس بأمّ أعينهم عياناً ما وقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- من المعجزات الحسية الكثيرة، وهي أنواع كثيرة.
ومنها: انشقاق القمر: وهذه من أُمَّهات معجزاته -صلى الله عليه وسلم- الدالة على صدقه، فقد سأل أهل مكة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا جبل حِراء بينهما. متفق عليه.
قال -تعالى-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [القمر:1-2].
وصعوده -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء والمعراج إلى ما فوق السماوات، وهذا ما أخبر به القرآن الكريم، وتواترت به الأحاديث، قال -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء:1].
وهذه الآية من أعظم معجزاته -صلى الله عليه وسلم-، فإنه أُسري به إلى بيت المقدس، وقطع المسافة في زمن قصير، ثم عُرِجَ به إلى السماوات، ثم صعد إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، ورأى الجنة، وفُرِضَت عليه الصلوات، ورجع إلى مكة قبل أن يُصبح، فكذَّبته قريش، وطلبوا منه علامات تدلّ على صدقه، ومن ذلك علامات بيت المقدس؛ لعلمهم بأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يرَ بيت المقدس قبل ذلك، فجلَّى الله له بيت المقدس ينظر إليه ويخبرهم بعلاماته وما سألوا عنه. متفق عليه.
وغير ذلك من الآيات العلوية، كحراسة السماء بالشهب عند بعثته -صلى الله عليه وسلم- .
ومن هذه المعجزات طاعةُ السَّحاب له -صلى الله عليه وسلم- بإذن الله -تعالى-، في حصول ونزول المطر وذهابه بدعائه-صلى الله عليه وسلم-. متفق عليه.
ومن هذا النوع نصر الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالريح التي قال -تعالى- عنها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب:9].
وهذه الريح هي ريح الصَّبَا، أرسلها على الأحزاب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "نُصِرْتُ بالصّبا، وأُهْلِكت عادٌ بالدَّبورِ" رواه مسلم. وغير ذلك.
ومن هذه المعجزات تصرفه في الحيوان والإنس والجن والبهائم؛ فقد ثبت أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- اشتكى عينيه من وجعٍ بهما، فبصقَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهما ودعا له فبرأ، كأَنْ لم يكن به وجع. متفق عليه.
وثبت أن ساق عبد الله بن عتيك -رضي الله عنه- انكسرت، فمسحها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكأنها لم تنكسر قطُّ [رواه البخاري].
وأُصيب سلمة بن الأكوع بضربة في ساقه يوم خيبر، فنفث فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث نفثات، فما اشتكاها سلمة بعد ذلك [رواه البخاري].
وكان -صلى الله عليه وسلم- يُخرج الجن من الإنس بمجرد المخاطبة. فيقول: "اخرج عدو الله أنا رسول الله" رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وأخرج الشيطانَ من صدر عثمان بن أبي العاص، فضرب صدر عثمان بيده ثلاث مرات، وتفل في فمه، وقال: "اخرج عدو الله"، فعل ذلك ثلاث مرات، فلم يُخالط عثمان الشيطان بعد ذلك. رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
وتصرفه في البهائم: وقد حصل له مراراً، ومن ذلك أنه جاء بعير فسجد للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال أصحابه: يا رسول الله! تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحقُّ أن نسجد لك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اعبدوا ربَّكم، وأكرِمُوا أخاكُم، ولو كنتُ آمراً أحداً أن يسجُدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها" رواه أحمد وصححه الهيثمي.
وتأثيره في الأشجار والثمار والخشب؛ فقد جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في سفر، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام، فقال الأعرابي: ومن يشهد لك على ما تقول؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "هذه السَّلمة" والسلمة: شجرة من أشجار البادية، فدعاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخدّ الأرض خدّاً، أي: تشقها أخدوداً، حتى قامت بين يديه، فأشهدها ثلاثاً، فشهدتْ ثلاثاً أنه كما قال، ثم رجعت إلى مَنْبَتِها. رواه الدارمي وإسناده صحيح.
ومن ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يقضي حاجته وهو في سفر، فلم يجد ما يستتر به، فأخذ بغصن شجرة وقال: "انقادي عليَّ بإذن الله"، فانقادت معه كالبعير المخشوم -أي: البعير الذي جعل في أنفه عوداً، ويشد فيه حبل ليذل وينقاد إذا كان صعباً- حتى أتى الشجرة الأخرى، ففعل وقال كذلك، ثم أمرهما أن تلتئما عليه فالتأمتا، ثم بعد قضاء الحاجة رجعت كل شجرة، وقامت كل واحدة منهما على ساق. رواه مسلم.
وجاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: بم أعرف أنك نبي؟ قال: "إن دعوت هذا العِذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟"، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: "ارجع"، فعاد؛ فأسلم الأعرابي. رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يخطب في المدينة يوم الجمعة على جذع نخل، فلما صنع له المنبر ورقِي عليه صاحَ الجذعُ صياحَ الصبي، [وخارَ كما تخورُ البقرة، جزعاً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالتزمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضمه إليه وهو يئن، ومسحه حتى سكن]. رواه البخاري، وما بين المعكوفين رواه أحمد.
وتأثيره -صلى الله عليه وسلم- في الجبال والأحجار وتسخيرها له: فقد صَعِدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أُحداً، ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه -صلى الله عليه وسلم- برجله، وقال: "اثبت أحد! فإن عليك نبي، وصدِّيق، وشهيدان" متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم- : "إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلِّم عليّ قبل أن أُبعثَ، إني لأعرفه الآن" رواه مسلم.
وعندما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في معركة حنين، واشتدّ القتال، نزل عن بغلته وقبض قبضة من تراب الأرض، واستقبل به وجوه القوم، فقال: "شاهَتِ الوُجُوه!"، فما خلق الله إنساناً منهم إلا ملأ عينيه من تلك القبضة، فهزمهم الله وقسم غنائمهم بين المسلمين. رواه مسلم.
وتفجير الماء، وزيادة الطعام والشراب والثمار؛ وهذا النوع حصل له -صلى الله عليه وسلم- مراتٍ كثيرة جدّاً، كما جاء في البخاري ومسلم وغيرهما.
فقد عطش الناس في الحديبية، فوضع يده -صلى الله عليه وسلم- في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كالعيون، فشربوا وتوضؤوا، قيل لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. متفق عليه.
وقدم -صلى الله عليه وسلم- تبوك، فوجد عينها كشراك النعل، فغُرِفَ له منها قليلاً قليلاً، حتى اجتمع له شيء قليل، فغسل فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماءٍ مُنهمرٍ، وبقيت العين إلى الآن. رواه مسلم.
ومن ذلك قصة أبي هريرة -رضي الله عنه- وقدح اللبن، وزيادة لبن القدح حتى شرب منه أضياف الإسلام. رواه البخاري.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في ألف وأربعمائة من أصحابه في غزوة، فأصابهم مشقة، فأمر -صلى الله عليه وسلم- أن يجمعوا ما معهم من طعام، وبسطوا سفرة، وكان الطعام شيئاً يسيراً فبارك فيه، وأكلوا، وحشوا أوعيتهم من ذلك الطعام. متفق عليه.
وقد بقي الصحابة والنبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الخندق ثلاثة أيام لا يذوقون طعاماً، فذبح جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عناقاً، وطحنت زوجته صاعاً من شعير، ثم دعا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فصاح النبي -صلى الله عليه وسلم- بأهل الخندق يدعوهم على هذا الطعام اليسير، ثم جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وبصقَ في العجين وبارك، وبصقَ في البرمة وبارك، قال جابر -رضي الله عنهما-: وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغطّ -أي: تغلي- كما هي! ، وإن عجيننا ليخبز كما هو. متفق عليه.
وجاء رجل يستطعم النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطعمه شطرَ وسْقِ شعيرٍ، فما زال الرجل يأكل منه وأهله حتى كاله، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لو لم تكِلْهُ لأكلتم منه ولقام لكم" رواه مسلم.
وكان على والد جابر دين، وما في نخله لا يقضي ما عليه سنين، فجاء جابر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليحضر الكيل، فحضر، ومشى حول الجرن، ثم أمر جابراً أن يكيل فكال لهم حتى أوفاهم، قال جابر -رضي الله عنه-: "وبقي تمري وكأنه لم ينقص منه شيء" رواه البخاري.
وقد أيد الله -تعالى- رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالملائكة في عدة مواضع؛ نُصرةً له ولدينه، منها ما حصل له في الهجرة، قال المولى – جل وعلا -: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40].
وما حصل له ببدر، قال الله -تعالى-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال:9].
وما وقع له في أُحدٍ، قاتل جبريل وميكائيل – عليهما السلام – عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن يساره. متفق عليه.
وما حصل له في الخندق، قال الله – عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب:9].
وما أيّده الله به في غزوة بني قُريظة، فقد جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن وضع السلاح من غزوة الخندق واغتسل، فقال له جبريل: قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، فاخرُجْ إليهم، فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إلى أين؟" فأشار إلى بني قريظة، فخرج -صلى الله عليه وسلم-، ونصره الله عليهم. متفق عليه.
وما حصل له في حنين، قال الله – سبحانه وتعالى-: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) [التوبة:26].
وقد كفاه الله -تعالى- أعداءه وعصمه من الناس؛ فقد كفاه الله -تعالى- المشركين والمستهزئين، فلم يصلوا إليه بسوء، قال -تعالى-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر:94-95].
وكفاه الله أهل الكتاب، قال -تعالى-: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:137].
وعصمه -تعالى- من جميع الناس بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة:67].
وهذا خبر عام بأن الله يعصمه من جميع الناس، فكلٌّ من هذه الأخبار الثلاثة قد وقع كما أخبر الله -تعالى-، فقد كفاه الله أعداءه بأنواع عجيبة خارجة عن العادة المعروفة، ونصره مع كثرة أعدائه وقوتهم وغلبتهم، وانتقم ممن عاداه.
ومن ذلك أن رجلاً نصرانيّاً أسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ارتدّ وعاد نصرانيّاً، فكان يقول: ما يَدْري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنه قومه، فأصبح وقد أخرجته الأرض من بطنها، فأعادوا دفنه، وأعمقوا قبره، فأصبح وقد أخرجته الأرض منبوذاً على ظهرها، فأعادوا دفنه وأعمقوا له، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أن هذا ليس من الناس؛ فتركوه منبوذاً. متفق عليه.
ومن معجزاته العظيمة إجابة دعواته -صلى الله عليه وسلم-: فإن الأدعية التي دعا بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وشُوهدت إجابتها كالشمس في رابعة النهار كثيرة جدّاً، لا تُحصر.
فقد دعا لأنس -رضي الله عنه- فقال: "اللهم أكْثِرْ ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته" متفق عليه، "وأطل حياته واغفر له" رواها البخاري في الأدب المفرد، وغيره.
قال أنس: "فوالله! إنّ مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادُّون على نحو المائة اليوم". رواه مسلم. "وحدثتني ابنتي أمينة أنه دُفِنَ لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة" رواه البخاري.
وكان له -رضي الله عنه- بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منها ريح المسك. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
ودعا -صلى الله عليه وسلم- لأم أبي هريرة بالهداية فهداها الله فوراً، وأسلمت، وقصَّتها عجيبة جدًّا. رواه مسلم.
ودعا -صلى الله عليه وسلم- لعروة بن أبي الجعد البارقي: "اللهم بارك له في صفقة يمينه"، فكان يقف في الكوفة ويربح أربعين ألفاً قبل أن يرجع إلى أهله. رواه أحمد، "وكان لو اشترى التراب لربح فيه" رواه البخاري.
ودعاؤه -صلى الله عليه وسلم- على بعض أعدائه، فلم تتخلّف الإجابة، كأبي جهل، وأميّة، وعقبة، وعتبة، وغيرهم كثير. متفق عليها.
ودعاؤه يوم بدر، ويوم حنين، وعلى سراقة بن مالك -رضي الله عنه- وغيرهم كثير. [دعاؤه يوم بدر وحنين رواهما مسلم، وقصة سراقة رواها البخاري].
والحقيقة أن العاقل المنصف يقف أمام هذه الدلائل والبينات مذعوراً، ولا يسعه إلا أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله -تعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم- : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة:67].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن الله -تعالى- قد جعل على يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- معجزات تدلّ على صدقه، وأنه -تعالى- أرسله، وهذه المعجزات تزيد إيمان المؤمن، وتُوجب على غيره من الناس الانقياد والدخول في دين النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أيده الله بالمعجزات الباهرات، صلوات الله وسلامه عليه.
هذا وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم الله -تعالى- بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً" رواه مسلم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وارضَ اللهم عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعَنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وجميع ولاة أمر المسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، وأعذهم من عذاب القبر وعذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى، اللهم اهدنا وسددنا، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:202].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي