وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم, البركة في الأموال، والبركة في العيال، والبركة في الشؤون والأحوال، نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال, الله وحده منه البركة ومنه الخيرات والرحمات، فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه. لذلك إذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه وقوته، إنها البركة التي يصير بها القليل كثيرًا، ويصير حال العبد إلى فضل ونعمة وزيادة وخير، فالعبرة...
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حقيقة التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى، وأكثروا من ذكر الموت والبلى وقرب المصير إلى الله جل وعلا.
عباد الله: إن الله أنعم علينا بنعم عظيمة ومنن جليلة كريمة, نعمٌ لا تعد ولا تحصى ومننٌ لا تكافأ ولا تجزى، فما من طرفة عين إلا والعبد ينعم فيها في نعم لا يعلم قدرها إلى الله -جل وعلا-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6].
خلق الخلق فأحصاهم عددًا, وقسم أرزاقهم وأقواتهم فلم ينس منهم أحدًا، فما رفعت كف طعام إلى فمك وفيك إلا والله كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق السموات والأرض، سبحان من رزق الطير في الهواء والسمكة والحوت في ظلمات الماء، سبحان من رزق الحية في العراء والدود في الصخرة الصماء، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي فهو المتكفل بالأرزاق، كتب الآجال والأرزاق وحكم بها فلم يعقب حكمه، ولم يُردُّ عليه عدله، سبحان ذي العزة والجلال مصرف الشؤون والأحوال.
وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم, البركة في الأموال، والبركة في العيال، والبركة في الشؤون والأحوال، نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال, الله وحده منه البركة ومنه الخيرات والرحمات، فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه.
لذلك -عباد الله- إذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه وقوته، إنها البركة التي يصير بها القليل كثيرًا، ويصير حال العبد إلى فضل ونعمة وزيادة وخير، فالعبرة كل العبرة بالبركة, فكم من قليل كثره الله، وكم من صغير كبره الله, وإذا أراد الله أن يبارك للعبد في ماله هيأ له الأسباب وفتح في وجهه الأبواب.
ومن أعظم الأسباب التي تفتح بها أبواب الرحمات والبركات تقوى الله -جل جلاله-، تقوى الله التي يفتح الله بها أبواب الرحمات ويجزل بها العطايا والخيرات (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [الأعراف:66]. الخير كل الخير، وجماع الخير في تقوى الله -جل وعلا-، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فلن تضيق أرض الله على عبد يتقي الله، ولن يضيق العيش والرزق على من خاف الله واتقاه.
عباد الله: ومن أسباب البركات ومن الأمور التي يفتح به الله أبواب البركات على العباد الدعاء والالتجاء إلى الله -جل وعلا-، فهو الملاذ وهو المعاذ, فإن ضاق عليك رزقك وعظم عليك همك وغمك وكثر عليك دينك فاقرع باب الله الذي لا يخيب قارعه، واسأل الله -جل جلاله- فهو الكريم الجواد، وما وقف أحد ببابه فنحّاه، ولا رجاه عبد فخيبه في دعائه ورجاه، "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى مسجده المبارك فنظر إلى أحد أصحابه وجده وحيدًا فريدًا ونظر إلى وجه ذلك الصحابي,, فرأى فيه علامات الهم والغم رآه جالسًا في مسجده في ساعة ليست بساعة صلاة فدنى منه الحليم الرحيم -صلوات الله وسلامه عليه- وكان لأصحابه أبر وأكرم من الأب لأبنائه, وقف عليه رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا أبا أمامة ما الذي أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟" قال: يا رسول الله، هموم أصابتني وديون غلبتني -أصابني الهم وغلبني الدين الذي هو همّ الليل وذل النهار - فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟" صلوات ربي وسلامه عليه، ما ترك باب خير إلا ودلنا عليه, ولا سبيل هدى ورشد إلا أرشدنا إليه فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته "ألا أدلك على كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟" قال: بلى يا رسول الله، قال: "قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" قال رضي الله عنه وأرضاه: فقلتهن فأذهب الله همي وقضى ديني.
الدعاء حبل متين وعصمة بالله رب العالمين (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]. فإذا أراد الله أن يرحم المهموم والمغموم والمنكوب في ماله ودينه ألهمه الدعاء، وشرح صدره لسؤال الله -جل وعلا- من بيده خزائن السموات والأرض، يده سحاء الليل والنهار لا تغيضها نفقة.
ومن أسباب البركات، ومن الأسباب التي يوسع فيها على أرزاق العباد صلة الأرحام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب منكم أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، وأن يزاد له في عمره فليصل رحمه".
صِلُوا الأرحام؛ فإن صلتها نعمة من الله ورحمة يرحم الله بها عباده، أدخل السرور على الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وسائر الأرحام والقرابات. فمن وصلهم وصله الله وبارك له في رزقه ووسع له في عيشه.
ومن أسباب البركات التي توجب على العباد الرحمات والنفقات والصدقات، فمن يسر على معسر يسر الله له في الدنيا والآخرة، ومن فرج كربة المكروب فرج الله كربته في الدنيا والآخرة، فارحموا عباد الله يرحمكم من في السماء، والله يرحم من عباده الرحماء، وما من يوم تصبح فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما: "اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".
يا ابن آدم أنفق ينفق الله عليك، وارحم الضعفاء يرحمك من في السماء، فرجوا الكربات وأغدقوا على الأرامل والمحتاجين، فإن الله يرحم برحمته عباده الراحمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا أسماء، أنفقي يُنفق الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك", امرأة يقول لها: "أنفقي ينفق الله عليك"، فمن أنفق لوجه الله ضاعف الله له الأجر؛ فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله، ولك الخلف من الله، فما نقصت صدقة من مال. كان الناس إلى عهد قريب يعيشون حياة شديدة صعبة، ومع ذلك فرج الله همومهم، ونفس الله غمومهم بفضله ثم بما كان بينهم من الرحمات، كانوا متراحمين متواصلين متعاطفين فجعل الله القليل كثيرًا، وانظر إلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف كانوا رحماء بينهم فرحمهم الله من عنده.
ومن الأسباب التي يبارك الله بها في الأرزاق، بل يبارك بها في الأعمار وفي أحوال الإنسان العمل والكسب الطيب، الإسلام دين العمل، دين الكسب، الحلال الذي يعف الإنسان به نفسه عن القيل والقال وسؤال الناس، فمن سأل الناس تكثرًا جاء يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم, والعياذ بالله.
خذ بأسباب الرزق وامش في مناكبها (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15]. بسط الله الأرض وأخرج منها الخيرات والبركات، وجعل الخير في العمل، والشر في البطالة والكسل، الإسلام دين الجهاد والعمل قال -صلى الله عليه وسلم-: يرشدنا إلى فضل الأعمال وما فيها من الخير في الأرزاق "وجعل رزقي تحت ظل رمحي".
فليست الأرزاق أن يجلس الإنسان في مسجده، فلا رهبانية في الإسلام فإن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، خذوا بالأسباب واطلبوا الرزق الحلال من أبوابه يفتح الله لكم من رحمته، وينشر لكم من بركاته وخيراته، الرجل المبارك يسعى على نفسه وأهله وولده، فيكتب الله له أجر السعي والعمل، ليس العمل بعار، فقد عمل أنبياء الله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، كان نبي الله داود يعمل صنعة لبوس فكان يعمل في الحدادة فكانت منة من الله على عباده.
ليس بعار أن تكون حدادًا أو نجارًا، ولكن العار كل العار في معصية الله -جل وعلا- والخمول والكسل والبطالة حين يعيش الإنسان على فتات غيره، حين يعيش الرجل على فتات غيره مع أنه صحيح البدن قوي في جسده، فهذا من محق البركة في الأجساد، فخذوا -رحمكم الله- بأسباب البركة بالعمل المباح والكسب المباح، فلن يضيق الرزق -بإذن الله- على من اكتسب, قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا". فأخبر أنها تغدو وأخبر أنها تذهب، فمن ذهب للرزق يسر الله أمره.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار, وعلى جميع أصحابه الأبرار, ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
عباد الله: بعد أيام قليلة ينتهي هذا النصف من العام الدراسي وتُقبل العطل على الناس فيعيش الناس هذه العطلة والله أعلم بما غيبت لهم من الأقدار والأخبار, ولكنَّ كثيرًا من الناس قد يكرمهم الله عز وجل بفضله فيغتنمون هذه العطل في خير يعود عليهم بصلاح دينهم ودنياهم وأخراهم.
ومن الأمور التي يكثر وقوعها في هذه العطلة: الزواج: الرحمة العظيمة والمنة الجليلة الكريمة التي بها يضاف بيت مسلم إلى بيوت المسلمين, فنسأل الله العظيم أن يبارك للمسلمين فيما يكون لهم من ذلك وأن يجعل أفراحهم عونًا على طاعته ومحبته ومرضاته، وأن يُخرجَ منها الذرية الصالحة التي تقر بها العيون.
فيا معشر الشباب: يا معشر الآباء والأمهات إن الزواج مسئولية عظيمة، فمن أراد أن يكرمه الله بنعمته فليأخذ بأسباب الخير في هذا الرباط العظيم خيرها وأفضلها:
أن يتقي الله عز وجل في نكاحه, فلا تنكح إلا عبدًا صالحًا, ولا تنكح إلا مؤمنة تتقي الله وتخافه, قال رجل للحسن البصري -رحمه الله-: يا إمام إن لي ابنة لمن أزوجها؟ قال: زوجها التقي؛ فإنه إن أمسكها أكرمها وإن طلقها لم يظلمها.
فاتقوا الله -عز وجل- في اختيار الأزواج والزوجات، وإذا أكرمك الله فوجدت المرأة الصالحة وأردت أن تبني هذا البيت فابنه على تقوى من الله ورضوانه، فإنه الأساس المتين والحصن الحصين بإذن الله رب العالمين، فمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان أسعده الله في حياته وبارك له في نفقة الزواج, فخير النساء وأبركهن أيسرهن مئونة، فإياك والإسراف, إياك والبذخ, فإن الله لا يحب المسرفين، واشكر نعمة الله -عز وجل- عليك، وجليل منته لديك، إذ أعطاك المال وحرم غيرك، فاتق الله في مالك وما تنفقه في زواجك ونكاحك، واطلب اليسير فإن الله يجعله كثيرًا بفضله ورحمته.
لو كان التفاخرُ في المهور ومئونة النكاح خيرًا لفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-والأخيار من بعده فخيرُ النساء وأبركهن أيسرهن مئونة.
الأمر الثالث: اتق الله في ليلة عُرسك، اتق الله أن تستفتح هذا الزواج بمعاصي الله، وانتهاك حدود الله ومحارم الله وجمع العباد على ما يسخط الله ويغضب الله، اللهَ اللهَ أن تستفتح هذا النكاح بما يوجب غضب الله عليك وسخطه عليك فإنه من يخادع الله يخدعه، ومن يكفر نعمة الله -عز وجل- فإن الله عزيز ذو انتقام.
عباد الله: إن الله أمرنا بالصلاة والسلام على خير الأنام...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي