أيها الأخوة: إن هذا الدين العظيم يعلمنا الأسلوب الصحيح في مواجهة ضغوط الخارج وتحدياته، لا يكون في الرد عليها، مما قد يجرنا إلى معارك خاسرة، وإنما يتمثل في الانكفاء على الداخل بالإصلاح، والتنقية، والتدعيم. هناك طريقان: أن نواجه؛ هم أقوى منا بكثير، هم يخترعون لنا الاتهامات ونحن بريئون منها، أقوى منا بكثير لكن يقول تعالى، ينبغي أن نعود إلى ...
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
العدو البعيد والقريب يخطط لمجتمعاتنا الإسلامية أن تمزق وتضعف وتفتقر:
أيها الأخوة الكرام: من الموضوعات الساخنة التي نعيشها في هذه الأيام: أن العدو البعيد والقريب يخطط لمجتمعاتنا الإسلامية أن تمزق، وأن تضعف، وأن تفتقر، وأن تفسد، وأن تغوص في أوحال الحروب الأهلية، وأن تسقط في حمأة الرذيلة والفساد، وأن تتخلى عن دينها، ويكفي دلالة على ذلك أن يخرج أحدنا إلى شارع من شوارع المسلمين، أو إلى سوق من أسواقهم، أو أن يشاهد أخبارهم، ليرى نتائج هذا الغزو الثقافي، ونتاج هذا التدمير العسكري، الذي يراد لهذه الأمة، وهذه الحقيقة المُرّة: أنا أراها دائماً وأبداً أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، ما لم نعرف حجم المشكلة لا نستطيع أن نواجهها.
فهذه الأمة التي يمكر بها أعداؤها مكراً تزول منه الجبال، يخططون لإفقارها، ولإضلالها، ولإفسادها، ولإذلالها، ولإبادتها، تحت اسم براق هو "الشرق الأوسط الجديد"، قال الله -تعالى-: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)[إبراهيم: 46].
لكن الله -جلّ في علاه- رسم لنا معشر المؤمنين طريق الخلاص من مكرهم الذي تزول منه الجبال.
حلّ مشكلات العالم الإسلامي بأكمله بكلمتين في القرآن الكريم: الصبر والتقوى:
بل هل تصدقون أن مشكلات العالم الإسلامي على عظمها، وعلى كثرتها، وعلى تنوعها، وعلى تصور أنها ثابتة ليس بالإمكان أن تزال؟!
هناك آية واحدة، قال تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)[آل عمران: 120].
لأنهم: (مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)[إبراهيم: 46].
مكرهم الكبير غير المعقول، خططهم الجهنمية، بأسهم الشديد، قوتهم العسكرية، قنابلهم النووية، طيرانهم المرتفع، سماؤهم المغطاة بالأقمار الصناعية، كل هذا العَدد والعُدد، والتقنية، والذكاء، والخبرات، كلها تتلاشى عندما تتقوا وتصبروا، هذه شعار المسلمين اليوم: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)[آل عمران: 120].
أيها الأخوة: إن هذا الدين العظيم يعلمنا الأسلوب الصحيح في مواجهة ضغوط الخارج وتحدياته، لا يكون في الرد عليها، مما قد يجرنا إلى معارك خاسرة، وإنما يتمثل في الانكفاء على الداخل بالإصلاح، والتنقية، والتدعيم.
هناك طريقان: أن نواجه؛ هم أقوى منا بكثير، هم يخترعون لنا الاتهامات ونحن بريئون منها، أقوى منا بكثير لكن يقول تعالى، ينبغي أن نعود إلى أنفسنا لنصطلح مع الله، ينبغي أن نجدد إيماننا، أن نبحث عن الثغرات التي في حياتنا، ينبغي أن نحاسب أنفسنا حساباً عسيراً، لذلك الانكفاء على الداخل بالإصلاح، والتنقية، والتدعيم، ولا ريب أن هذا شاق على النفس؛ لأن المرء ينقد نفسه، والآية الكريمة تقول: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)[آل عمران: 120].
هذه الآية التي نحن بصددها، مَعْلَم في التأصيل لهذا الانكفاء، ولعلنا نقتبس منها الحقائق التالية؛ إن كثيراً من النصوص توجهنا نحو الانكفاء على الداخل، عندك خارج معتدل، وعندك داخل، شيء طبيعي من وسائل الدفاع أن تهاجم، لكن في مرحلة معينة، حينما تنكفئ إلى الداخل وتصطلح مع الله، حينما تنكفئ إلى الداخل وتقيم الإسلام في نفسك، حينما تنكفئ إلى الداخل وتقيم الإسلام في بيتك، تنكفئ إلى الداخل وتقيم الإسلام في عملك، هذا اسمه انكفاء إلى الداخل، أنت حينما تصطلح مع الله، وحينما تتوب إليه توبة نصوحا، وحينما تعقد العزم على نصرة هذا الدين وأنت مستقيم، عندئذ ترى الأشياء التي لا تصدق.
مشكلاتنا هي أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله:
أيها الأخوة: حينما ذكر القرآن الكريم أسباب انقراض الأمم الكبيرة، والقوية، واندثار حضاراتها، هذا لا يعود إلى قصور في العمران، أو سوء في إدارتها، أو استغلالها، وإنما يعود إلى قصور داخلي، يتمثل في الإعراض عن منهج الله، أقول لك: بإمكانك أن تعدد الآن ألف مرض من أمراض المسلمين، هناك انتماء للذات لا انتماء للمجموع، هناك تفضيل المصلحة الشخصية على مصلحة الأمة، هناك قلق، هناك خوف، هناك ثقافة اليأس، ثقافة الطريق المسدود، ثقافة الإحباط، هناك أمراض نفسية لا تعد ولا تحصى نعيشها، اعتقد معي يقيناً أن كل هذه الأمراض ليست أمراضاً إنما أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله - عز وجل -، لذلك لنتفق على تسميتها بأنها أعراض الإعراض، الإعراض عن الله يسبب انتماء ذاتياً لا إلى المجموع، الإعراض عن الله يسبب أنانية، يسبب حرصاً على المال ولو كان السبب دينه، لذلك حينما حلّت الهزيمة بالمسلمين في أُحد، قال بعض الصحابة -رضوان الله عليهم-: كيف نُهزَم ونحن جند الله؟ فجاء الجواب القرآني: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)[آل عمران: 165].
( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن: 11].
القوة لا تفعل شيئاً بل على الإنسان أن يرجع إلى الله ويستقيم على أمره ويصطلح معه:
هناك خلل داخلي لا تفسره بقوة الأعداء، الله أقوى من الجميع، لكن فسره بخلل داخلي، هناك خلل داخلي، إذاً ينبغي أن لا نضخم قوة العدو، بل ينبغي أن نبحث عن الخلل في حياتنا، هذا موقف، أحياناً دون أن نشعر ننساق أو نقدم الاعتذار عن عدم الانتصار بقوة العدو، قوة العدو أمام قدرة الله لا شيء، لكن هناك تقصيراً من عند أنفسنا -أيها الأخوة- قال تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ)[النساء: 104].
فرق كبير هم يتألمون أيضاً، المؤمنون بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض، يتعاونون، يخططون، يجتمعون، يرسمون المستقبل المعين، هم أيضاً يفعلون هذا، لذلك نحن في أمس الحاجة إلى وعي كاف لهذه الحقيقة، بدل أن نلجأ إلى التربية والتوجيه، والتعاضد والتراحم، واكتساب عادات جديدة، واقتلاع المشكلات من جذورها، نواجه هذا التفسخ الاجتماعي، والانحراف السلوكي بأمرين: بالقوة، والقوة لا تفعل شيئاً، الذي يفعل كل شيء أن ترجع إلى الله، وأن تستقيم على أمره، وأن تصطلح معه، وأن تعلن توبة نصوحا، وبعدئذ شمر وابدأ.
تخلف المسلمين سببه نقض العهد بينهم وبين الله -عز وجل-:
سيدنا عمر بن عبد العزيز قال: "يحدث للناس من البلاء على مقدار ما يُحدثون من الفجور".
لذلك قالوا: إن العقوبات الرادعة لا تنشئ مجتمعاً لكنها تحميه، هذه رؤية إسلامية جلية، آيات الأحكام والعقوبات جزء منها لا تشكل أكثر من عُشْر آيات القرآن الكريم، أما الباقي تسعة أعشار آيات القرآن الكريم فتستهدف البناء الإيجابي للإنسان من الداخل.
هات لي مؤمناً صادقاً، مستقيماً، أميناً، عفيفاً، متقناً لعمله، رب أسرة ناجح، وخذ ما شئت من النصر، العبرة لا أن يكون الانتماء للإسلام انتماء شكلياً، أي ينتمي إلى الإسلام، بيته غير إسلامي، عمله غير إسلامي، دخله غير إسلامي، إنفاقه غير إسلامي، نشاطاته الاجتماعية غير إسلامية، هذا الانتماء الشكلي إلى الدين لا يقدم ولا يؤخر، لذلك وأنا معكم في هذه الحيرة: "ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ" [أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس].
والمسلمون اليوم مليار وثمانمائة مليون، أكثر من ربع سكان الأرض، وعندهم ثروات لا يعلمها إلا الله، ولهم موقع بالتعبير المعاصر استراتيجي في الأرض، ومع ذلك الشعوب الإسلامية أفقر الشعوب، وفيها معظم الأمراض، السبب أن العهد الذي بينها وبين الله نقض، فلما نقض كان هذا التخلف.
النصر الخاص يسبق النصر العام:
أيها الأخوة الكرام: قيل: إن النصر الخاص يسبق النصر العام، أنت حينما تنتصر على نفسك تسهم في النصر العام؛ لأن المهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، لذلك الله - عز وجل - وجهنا إلى أمرين: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ).
عندئذ لا يضركم كيدهم شيئاً، توجهنا إلى أمرين: الصبر، والتقوى.
الصبر: احتمال المشاق، ومتابعة صارمة في تأدية التكاليف الربانية، مهما تكن الظروف قاسية؛ لأن الصبر نصف النصر، والنصف الثاني يأتي من أخطاء العدو.
الصبر استخدام للوقت في الخلاص من مشكلات لا نستطيع الآن أن ننجح في الخلاص منها، هناك مشكلة قائمة لا نستطيع أن نزيح هذه المشكلة، ما الذي ينبغي أن نفعله؟
أن نصبر، قال تعالى: (ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)[النحل: 110].
أما التقوى: فنوع من الحصانة الداخلية، من التأثر بالظروف السيئة المحيطة، إذ إن الهزائم العسكرية، والظروف الاجتماعية، والاقتصادية القاسية، كل ذلك محدود الضرر ما لم نغير في المبادئ، والقيم، والنفوس، والأخلاق، والسلوك، إنها تقوي روح المقاومة، وتُكسب الخبرة، وتكشف عن الأجزاء الرخوة في البناء الداخلي، وتحطِّم هيبة العدو في النفوس.
الصبر هو: تهذيب الذات وتحسينها وتدعيمها والرقي بها:
أيها الأخوة: المفهوم الأساسي للصبر تهذيب الذات، وتحسينها، وتدعيمها، والرقي بها، وهذا التدعيم يأخذ أشكالاً كثيرة، منها المزيد من الالتزام الصارم بالعبادات، ومقاومة الشهوات، والتعاون، والمواساة، والتضحية، والإيثار.
إن الفرد المسلم لا يستطيع أن يبتعد كثيراً بمسافات كبيرة عن الوضعية العامة للمجتمع، هذا التباعد مرهق ومكلف، فحين يكون كسب القوت الضروري لا يتأتى للسواد الأعظم من الناس إلا عن طرق محرمة أو ملتوية مثلاً، فإن الذين يستجيبون لنداء اللقمة الحلال سيكونون قلة، الفساد خطير، أحياناً الأشياء التي يمكن أن تأخذها لا بد من أن تكون على شكل لا يرضي الله - عز وجل -، من هنا ورد: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ"[مسلم عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-] تساوي الهجرة.
الدين العظيم دين فردي وجماعي بوقت واحد:
إذاً هذه الآية لحل مشكلاتنا: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)[آل عمران: 120].
هذه الآية تعني الأفراد والمجتمعات، أنت كمؤمن أنت حينما تتصبر وتتقي، لك مكافأة عند الله، والأمة حينما تصبر وتتقي تنتصر، هذه الآيات أو هذا الدين العظيم دين فردي ودين جماعي بوقت واحد، إن طبقه الفرد قطف ثماره، وإن طبقته الأمة قطفت ثمارها.
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) آية فيها بشارة لأهل الإيمان بأن للكرب نهاية مهما طال أمده.
الآية الثانية: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 6].
في هذه الآية خير عظيم، فيها البشارة لأهل الإيمان بأن للكرب نهاية مهما طال أمده، وأن الظلمة تحمل في أحشائها الفجر المنتظر، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن في رحم كل ضائقة أجنة انفراجها ومفتاح حلها، وأن جميع ما نعانيه من أزمات له حلول مناسبة إذا ما توفر لها عقل المهندس، ومبضع الجراح، وحرقة الوالدة، عقل المهندس، ومبضع الجراح، وحرقة قلب الأم.
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 6].
أيها الأخوة: الأمل الذي كان في نفوس الصحابة -رضوان الله عليهم- حيث رأوا في تكرار الآية توكيداً لوعود الله - عز وجل - بتحسن الأحوال، قال ابن مسعود: "لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه".
الفرج لا يزامن الشدة وإنما يعقبها:
وذكر بعض أهل اللغة: أن العسر معرّف ب"ال" ويسراً منكر، وأن العرب إذا أعادت المعرفة كانت عين الأولى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 6].
عسران لا عسر واحد، ما دام العسر معرفاً فالتكرار يعني شيئاً واحداً، أما النكرة إذا تكررت فلها معنيان: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ).
وإذا أعادت النكرة فكانت الثانية غير الأولى، وخرجوا على هذا بقول: "لن يغلب عسر يسرين".
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
وهذه الآية: فيها إشارة بديعة إلى وجود الفرج في الشدة، مع أن الفرج لا يزامن الشدة وإنما يعقبها، حسب المنطق: إن بعد العسر يسراً، إن مع العسر الذي أنت فيه بذور الفرج.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكان يظن أنها لا تفرج
كن عن همومك معرضا *** وكل الأمور إلى القضا
وابشر بخير عاجل *** تنسى به ما قد مضى
فلرب أمر مسخط *** لك في عواقبه رضا
ولربما ضاق المضيق *** ولربما اتسع الفضا
الله يفعل ما يشاء *** فلا تكن معترضا
الله عودك الجميل *** فقس على ما قد مضى
كل إنسان يرى أن الطريق مسدود إنسان واهم:
أيها الأخوة الكرام: أنا أشعر أن معظم المسلمين وقعوا في ثقافة اليأس والإحباط، والطريق المسدود، لم يعد الإنسان يصدق النصر، لم يعد يصدق أي نصر؛ لأن ثقافة اليأس والإحباط والطريق المسدود، هذه الثقافة هيمنت على المسلمين، بسبب تتالي النكبات التي أصابت الأمة الإسلامية في العصر الحديث، فكل إنسان يرى أن الطريق مسدود إنسان واهم، إنسان مخطئ، الله موجود والأمر بيده، أي: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً)[القصص: 4].
دقق: (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[القصص: 4]
النتيجة: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[القصص: 5-6].
مراتب الدنيا مؤقتة والموت ينهي كل شيء:
أيهما أفضل أن يعاني الإنسان من التهاب معدة حاد ومع الحمية الصارمة يشفى من هذا المرض أم أن يعاني من ورم خبيث منتشر في كل أحشائه؟
الأول لو سأل الطبيب ماذا آكل؟ يعطيه حمية قاسية جداً، أما الثاني لو سأل الطبيب ماذا أكل؟ فيقول له: كُلْ ما شئت، وهذا معنى قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)[الأنعام: 44].
بلاد خضراء جميلة، أمطار، صناعة، رفاه، انحراف، كل شيء مباح: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام: 44].
لا، أنا أفضل ألف مرة أن أعاني من مرض قابل للشفاء، وخاضع لحمية شديدة جداً، عن أن أكون مصاباً بمرض لا علاج له، ويقول لي الطبيب: كُلْ ما شئت: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام: 44].
السعي لتربية تقوم على بث روح التفاؤل والثقة بالله والثقة بهذا الدين العظيم:
أيها الأخوة: نحن بحاجة إلى تربية تقوم على بث روح التفاؤل، والثقة بالله، والثقة بهذا الدين العظيم، لا على تربية تقوم على بث روح التشاؤم، واليأس من صلاح الزمان وأهله، يقول لك: لا يوجد بيدنا شيء، انتهينا، هذه ثقافة شيطانية، لا لم ننتهِ، الأمر بيد الله، والله موجود، وإذا اصطلحنا معه تتبدل الأمور، خطأ أن نربي تربية أساسها الطريق المسدود واليأس والتشاؤم، هذه تربية يدفع من يربي بهذه التربية ثمناً باهظاً.
الآن هناك تعامل مع الواقع على أنه لا يتغير، غير صحيح، الواقع يتغير، كلكم يعلم أنه يوجد ببعض الدول المجاورة دولة علمانية، تعادي الدين عداء يفوق حدّ الخيال، كلكم يعلم ذلك، دولة يقوم كيانها على محاربة الدين، وكيف أن الله بدل هؤلاء بدولة شبه إسلامية، أليس كذلك؟ أنا أقول لكم: هناك محبطات في حياتنا، هذه المحبطات، تتالي النكبات، سببت ثقافة اليأس، الله - عز وجل - رحمة بنا أعطانا جرعات منعشة، من هذه الجرعات المنعشة، أن الذين كانوا في شمال بلادنا يحاربون الدين حرباً شعواء أصبحوا مع الدين، هذه نقلة غير متوقعة، نقلة تكاد تكون بالحلم، عشرة آلاف مقاوم في غزة ينتصرون على أعتى جيش في المنطقة، لمدة عشرين يوماً ولم يتحقق أي هدف للعدو، كأن الله يقول لنا: أنا موجود يا عبادي، الأمر بيدي، هذه جرعة ثانية، انهيار النظام المالي العالمي، مئة وخمسة وخمسون مصرفاً في أمريكا يعلن إفلاسه، النظام العالمي المالي انهار، فئة قليلة، عشرة آلاف مقاتل، معهم بنادق، يقفون أمام أكبر جيش في المنطقة، أول جيش في العالم في تنوع الأسلحة، رابع جيش في المنطقة، بيوم واحد دمروا أربعاً وستين دبابة، جرعة منعشة ثانية، انتصار أخوتنا جرعة منعشة، انهيار النظام المالي جرعة منعشة، وتبدل الوضع العام في بلد في شمالي سوريا جرعة منعشة، معنى ذلك أن الله موجود، وكأن الله يقول لنا من خلال هذه الجرعات المنعشة: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)[طه: 14].
الله -عز وجل- أعطانا جرعات منعشة ليؤكد لنا أنه موجود:
أيها الأخوة: لا شك أن الأمر بيدنا، والكرة في ملعبنا، والاصطلاح بين أيدينا، لأنه: "إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله"[ورد في الأثر].
أيها الأخوة: هذا ينبغي أن يكون هدف كل واحد منا، أن نصطلح مع الله، وأن نقدم لهذه الأمة كل ما نستطيع، وأن روح اليأس والتشاؤم ينبغي أن نقتلعها؛ لأن الله - عز وجل - أعطانا جرعات منعشة من خلالها يؤكد لنا أنه موجود، والأمر بيده: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)[آل عمران: 120].
الآية الأولى، والآية الثانية: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 6].
العسر المعرّفة ب "ال" لو كُررت عسر واحد، النكرة إذا كررت يسران، لن يغلب عسر يسرين -إن شاء الله-، الآية الكريمة: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً)[القصص: 5].
والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أعداؤنا فقدوا ثلاثة أشياء؛ الحسم وتبدل الأمن إلى البقاء وتوازن الرعب:
أيها الأخوة: أقول لكم: المجتمع مجموعة أفراد، وكل فرد إذا اصطلح مع الله وصار هناك عدد كاف من أبناء الأمة اصطلحوا مع الله، واستقاموا على أمره، صار هناك إمكان أن يتحقق شيء من آمالنا بالانتصار على أعدائنا، أعداؤنا -وهذه حقيقة أقولها لكم وهي دقيقة جداً- فقدوا ثلاثة أشياء، فقدوا ما يسمى بالحسم، كانوا يبدؤون بمعركة وبيدهم إنهاء الحرب، هم يقررون، ستة أيام، أربع ساعات، خمسة أيام، الآن هم أقوياء لكن فقدوا الحسم، فقدوا القدرة على إنهاء الحرب، هذا إنجاز كبير، الآن يعدون للمليون قبل أن يشنوا حرباً على دول مجاورة، يبدؤون النهاية متى؟ عندما هاجموا غزة خططوا لها يوماً واحداً، ضربوا بيوم ثمانمئة هدف، والأمر استمر، و لم تنتهِ المقاومة إلا بعد اثنين وعشرين يوماً، فقدوا الحسم، الحسم القدرة على إنهاء الحرب، اقرأ صحفهم، اليهود لستين سنة ماضية كان هدفهم الأمن فقط الآن هدفهم البقاء، كانوا يقصفوننا ونخاف، وندخل الملاجئ، الآن يَقصفون ويُقصفون، نخاف ويخافون، ندخل الملاجئ ويدخلون، توازن الرعب، احفظوا هذه المصطلحات، فقد الحسم، وتبدل الأهداف الكبيرة من الأمن إلى البقاء، وتوازن الرعب، هذه إنجازات محققة واضحة، والأمل بالله كبير، روح اليأس، والاستسلام، والإحباط، والطريق المسدود، هذا أكبر عدو لنا، هناك تقرير ل "سي أي أ" أنا قرأته بنفسي، وذكرته في بعض الخطب أن عمر هذه الدولة لن يزيد عن خمس وعشرين سنة قادمة، الفرنجة قعدوا في بلادنا تسعين سنة ثم رحلوا جميعاً، الأمل كبير جداً بأن يرحل عنا هؤلاء.
الدعاء:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي