فالتفت آدم إلى حواء باكيا, وقال: استعدي للخروج من جوار الله, قالت: يا آدم، والله ما ظننت أن أحدا يحلف بالله كاذبا! ومعلوم أنّ الإنسان لم يفضّل على غيره بحسن صورته، أو بطبيعة تركيبه؛ بل التفضيل مرتبط بسلوكه واستخدامه لعقله، فالملائكة ركبت من نور وليس عندها شهوة، وركبت البهائم من شهوة وليس لها عقل، وركّب الإنسان من عقل وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو...
الحمد لله الذي خلقنا وسوَّانا، وعلى موائد برِّه وكرمه ربَّانا؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أدَّبه ربه فأحسن تأديبه، وأثنى عليه بقوله -جل ثناؤه-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وعلى آله وصحبه الذين صلحت قلوبهم، وتهذَّبت أخلاقهم، فدانت لهم مشارق الأرض ومغاربها، وكانوا هم من الفائزين الغالبين.
عباد الله: خلق الله -عز وجل- الجن قبل أن يخلق آدم -عليه السلام-، وكانوا قوما مفسدين في الأرض، يسفكون الدماء، فعاقبهم الله، وأمر الملائكة أن تحبسهم في جزر البحار والمحيطات، إلا إبليس، كان من أصلحهم وأعلمهم.
وكان اسمه عزازيل كما روي عن ابن عباس وغيره، ثم سمي بعد استكباره بإبليس، وهي مشتقة من كلمة "مبلس"، أي: اليائس والخاسر.
وسمي شيطاناً؛ لأنه شطن عن أمر ربه، أي: ابتعد، لكن في أول أمره كان صالحا عالما، فكرّمه الله -سبحانه- برفعه إلى الملأ الأعلى مع الملائكة، ولم يكن من الملائكة طرفة عين.
ثم بعد الجن أذن الله -عز وجل- أن يخلق آدم -عليه السلام-، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) [البقرة:30]، وهنا السؤال استفهامي وليس استنكاريا، فحاش لله أن تعترض الملائكة على أمر الله!.
لكنها أرادت أن تسأل ربها: هل هذا الخلق الجديد سيكون مثل الجن في إفساده للأرض وسفكه للدماء؟ فخاطبهم الحق -سبحانه- قائلا: (قَالَ إنِّي أعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:30]، لم تكن الملائكة تعلم أن من هذا الخلق الجديد سيخرج الأنبياء والشهداء والصالحون والصِدِّيقون.
فأمر الله ملَكا منهم بأن يذهب إلى الأرض فيأخذ من كل ترابها شيئا، الأبيض والأسود والأحمر، فصار منه بنو آدم، اختلفت ألوانهم واختلفت طِباعهم، ولذلك سمي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض، أي: التراب الذي على وجهها.
وقد بين الله في آيات كثر المراحل والكيفية التي خلق فيها آدم من التراب، وخلاصتها أن آدم خُلِق في آخر ساعة من يوم جمعة، بُلِّل التراب ماء فصار طينا، ثم ازداد تماسكه فصار طينا "لاَزِباً"، ثم صار حمأً "مَسْنُوناً"، أي: طينا أسود له رائحة، ثم يبس وصار صلصالاً كالفخار، وبقي هكذا جسدا بلا روح.
ثم إن الله -جل وعلا- أمر الملائكة بما فيهم إبليس فقال: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر:29]، وبدأ الاحتفال الرهيب، وتلك اللحظة العظيمة التي كان يترقبها كل مَن في الملأ الأعلى، إنها بداية تاريخ البشرية، إنها لحظة نفخ الروح.
بدأت الروح تسري في رأس آدم -عليه السلام- فبدأ ينظر إلى الجنة وثِمَارها وأنهارها، وصلت الروح إلى أنفه فَعَطَس، فقالت الملائكة: يا آدم، قل الحمد لله! فقال: الحمد لله! فقال الله -عز وجل-: يرحمك ربك!.
وصلت الروح إلى جوف آدم -عليه السلام- فاشتهى ثِمار الجنة فأراد أن يقوم قبل أن تصل الروح إلى قدميه، قال -تعالى-: (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء:37].
فلما اكتملت الروح في آدم -عليه السلام- جاء وقت تنفيذ الأمر الإلهي بالسجود له، سجود تكريم لا سجود عبادة، والحق -سبحانه- قد كرّم الإنسان وفضّله على كثير من خلقه، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) [الأسراء:70].
ومعلوم أنّ الإنسان لم يفضّل على غيره بحسن صورته، أو بطبيعة تركيبه؛ بل التفضيل مرتبط بسلوكه واستخدامه لعقله، فالملائكة ركبت من نور وليس عندها شهوة، وركبت البهائم من شهوة وليس لها عقل، وركّب الإنسان من عقل وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة:7]، ومن غلبت شهوتُه عقلَه فهو شرٌّ من البهائم: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان:44].
فإذا بالملائكة كلهم، وعلى رأسهم جبريل، يسجدون لآدم: (فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [ص:73]، إلا مخلوقا واحدا ظل قائما ينظر إلى من حوله بكبر وحسد، إنه إبليس، (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ) [ص:74].
سأله الحق -عز وجل- وهو أعلم به: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر:32]؟ وانظروا إلى الإجابة الوقحة والساذجة: (قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُد لِبَشَرٍ خَلَقْته مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون) [الحجر:33]، (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص:76].
إنه الكبر والحسد، هما أول معصية عُصِيَ الله بها في السماء , وأول معصية عُصِيَ الله بها في الأرض.
والكبر: احتقار الناس، والتعالي عليهم؛ والحسد: تمني زوال النعمة عنهم.
فإذا بربنا -عز وجل- يطرده من الملأ الأعلى والمكانة العالية التي كان فيها: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وإنَّ عليكَ اللعنةَ إلى يومِ الدِّينِ) [الحجر:34-35].
ولم يطلب هذا الرجيم من ربه العفو والمغفرة، ولو طلبها لأخذها، ولو تاب لتاب الله عليه؛ وإنما طَلَبَ أمرا آخر: (قالَ رَبِّي أنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [ص:79]، هو يؤمن بربه، ويؤمن بيوم البعث، ويؤمن بالجنة والنار، لكن؛ قاتَلَ الله الكبر! ماذا يفعل بأصحابه؟.
فاستجاب الله له: (قالَ إنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [ص:80]، قال: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:82-83].
فقال الله له: (قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) [الإسراء:63-65].
أما آدم -عليه السلام- فقد أدخله الله -عز وجل- الجنة يتمتع بها، إلا أن آدم -عليه السلام- قد استوحش وأصابه الهمّ، فخلق الله من ضلعه حواء -عليها السلام- وهو نائم، فلما استيقظ رأى امرأة عنده، قال: من أنت؟ قالت: أنا حواء.
وسميت حواء لأنها خُلِقَتْ من شيء حي، قال: ولِم خلقك؟ قالت: لِتَسْكُنَ إلي. وهذا مصداقا لقوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
فينبغي أن يتعامل كل من الزوجين مع الآخر على أنّه قطعة منه لا غنى له عنها، وهذا الشعور هو الذي يحقّق السكن النفسي، والمودة القلبية، والرحمة فيما بينهما.
ثم خاطب الله آدم وزوجته: (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأعراف:19]، إلا شجرة واحدة أنذرهما من القرب منها.
والحكمة من ذلك -والله أعلم- أن الحق -سبحانه- أراد أن يقوي الإرادة عند آدم وحواء، وإنما تقوى الإرادة في اجتناب المنهيات وهي في متناول اليد؛ ولذلك شرع الصيام ليقوي إرادة المؤمن.
وحذرهما الله من إبليس: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) [طه:117]، وهذا ما حدث، وسوس لهما الشيطان وقال: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف:20-21]، أي: حلف لهما أقساما كثيرة بأنه لهما ناصح، فنسي آدم وحواء وصية الله إليهما؛ فأكلا منها.
(فلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَة بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) [الأعراف:22]، ما كان آدم -عليه السلام- يرى سوأة حواء ولا حواء ترى سوأة آدم، فلما أكلا من الشجرة انكشفت السَوْأتَانِ؛ فعلما أنهما وقعا في أمر عظيم، وأخذا يُغطيان أنفسهما بأوراق الشجر، مصداقا لقوله -تعالى-: (وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ) [الأعراف:22].
ومن هنا نعلم أن أول طريق للمعاصي هو نزع الحياء من قلب المؤمن، فأول ما أراده إبليس حتى يغوي آدم وزوجته هو أن يريهما عوراتهما، قال الله: (يا بَنِي آدم لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا) [الأعراف:27]، لأن النفس إذا تعوّدت النظر إلى العورات استمرأت كل الفواحش، واستصغرت كل المعاصي، وما صنعه الشيطان قديماً يصنعه حديثاً، هو وشياطين الإنس، من خلال المواقع والقنوات الفاضحة وغيرها.
أخذ آدم -عليه السلام- يهرب في الجنة والأشجار تتعلق به، فيُناديه الرب -عز وجل-: "أتَفِرُّ مني يا آدم؟"، فيقول: "لا يا رب، ولكن حياء منك"، وهذه أول خطوات التوبة النصوح: الحياء من الله.
التوبة ينبغي أن يكون منبعها هو الحياء من الله، أكثر من الخوف من العقاب؛ جاء رجل لأحد السلف وقال له: أوَيغفر الله لي فاحشة ارتكبتها؟ فقال له: نعم؛ إن تبت وصدقت. فشكر الله، وظهرت آثار الفرح على وجهه. ثم مشى خطوات انتهى من قضية العقاب؛ لكن برز له معنى أدق وهو معنى المعاملة مع الله، فرجع وقد تغير وجهه. فقال: أوكان يراني عندما كنت أعصيه؟ فأجابه نعم. فصرخ صرخة سقط مغشيا عليه؛ حياء مِن الله.
فالتفت آدم إلى حواء باكيا, وقال: استعدي للخروج من جوار الله, قالت: يا آدم، والله ما ظننت أن أحدا يحلف بالله كاذبا! (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:22-23].
قبل الله توبة آدم وحواء، لكنه أنزلهما إلى الأرض ومعهما إبليس لتبدأ المعركة، (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:123-124].
الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عباد الله: يصور ابن القيم مشهد نزول آدم إلى الأرض، وندمه على ذنبه، فيقول: أَوْحَى اللَّهُ -عز وجل- إِلَى الْمَلَكَيْنِ: أَخْرِجَا آدم وَحَوَّاءَ مِنْ جِوَارِي فَإِنَّهُمَا قَدْ عَصَيَانِي، فَنَزَعَ جِبْرِيلُ التَّاجَ عَنْ رَأْسِهِ، وَحَلَّ مِيكَائِيلُ الإِكْلِيلَ عَنْ جَبِينِهِ.
فَلَمَّا هَبَطَ مِنْ مَلَكُوتِ السماء إِلَى دَارِ الْجُوعِ، بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، حَتَّى نَبَتَتِ الأَرْضُ عُشْبًا مِنْ دُمُوعِهِ، فَمَرَّ بِهِ نَسْرٌ قَدْ أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ، فَشَرِبَ مِنْ دُمُوعِ آدم، وَأَنْطَقَه اللَّهُ سُبْحَانَهُ.
فَقَالَ: يَا آدم، أَنَا فِي هَذِهِ الأَرْضِ قَبْلَكَ بسنين، وَشَرِبْتُ مِنْ أَوْدِيَتِهَا، وَغُدْرَانِ جِبَالِهَا، فمَا شَرِبْتُ مَاءً أَعْذَبَ وَلا أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ هَذَا الْمَاءِ! قَالَ آدَمُ: وَيْحَكَ! أَتَعْقِلُ مَا تَقُولُ؟ مِنْ أَيْنَ تَجِدُ عُذُوبَةَ دَمْعِ عَبْدٍ عَصَى رَبَّهُ؟ وَأَيُّ دَمْعٍ أَمَرُّ مِنْ دَمْعِ عَاصٍ طرد مِنْ دَارِ النِّعْمَةِ إِلَى دَارِ الْبُؤْسِ وَالْمَسْكَنَةِ؟!.
قَالَ النَّسْرُ: يَا آدم، وَأَيُّ دَمْعٍ أَعْذَبُ مِنْ دَمْعِ عَبْدٍ عَصَى رَبَّهُ، وَذَكَرَ ذَنْبَهُ، فَوَجِلَ قَلْبُهُ، وَخَشَعَ جِسْمُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ.
إن الحسرة كل الحسرة، والمصيبة كل المصيبة، أن يجد الإنسان راحة في قلبه حين يعصي ربه -جل وعلا-، هذا -والعياذ بالله!- هو الخسران المبين.
قالوا: إن ابن مسعود -رضي الله عنه- جاء إليه رجل، وذكر إليه ذنبا قبيحا قد ارتكبه؛ فتغير وجه ابن مسعود لما سمع هذا الذنب، كأنه كان كبيرا، فقال: ألي من توبة؟ فأعرض ابن مسعود عن الرجل، فلما مشى خطوات التفت إلى الرجل؛ فإذا بدموعه تسيل على وجنتيه، فقال له: اعلم أن الله قد غفر لك إن صدقت معه، واعلم أن الله قد خلق للجنة ثمانية أبواب، كلها تفتح وتغلق، إلا باب التوبة.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي