الصلاة إذا زينها الخشوع، وترسخ في أقوالها وأفعالها الذل والانكسار، والتعظيم والمحبة والوقار، نهت صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فيستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتنعدم في الشر. بالخشوع يزداد إقبال المصلي على...
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة قلوب الأخيار، وهي طريق السعادة في دار القرار، أحمده سبحانه وأشكره، جعل الجنة مأوى الذين اتقوا ومثوى الكافرين النار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الحق في البر والجو والبحار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بادر إلى الصلاة بسكينة ووقار، ووقف بين يدي الله بمحبة وخضوع وانكسار، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ما تعاقب الليل والنهار، وما تساقط ورق الأشجار.
أما بعد:
فأوصيكم –ونفسي- بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
الحديث عن الصلاة يحتاج إلى تذكير وتكرار، فلا يمل سماعه الأبرار، ولا تشبع منه قلوب الأخيار، الصلاة من أعظم الفرائض أثراً، وأفظعها عند الترك خطراً، وأجلها بيانا وخيراً، فيها أكرم قول يردده لسان، مع أكرم حركة يؤديها الإنسان، هي عمود الدين، ومفتاح جنة رب العالمين، عرج برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفتحت له أبواب السماء، فأخذ يتجاوزها مكاناً ومكانة، عرج به لمستوى، يسمع فيه صريف الأقلام، فكان قاب قوسين أو أدنى، ثم نزل عليه الأمر من ربه -تبارك وتعالى- بالصلاة، وحين حضرته الوفاة وأتى عليه أجله علم أنه يودع الدنيا إلى لقاء ربه، فكانت الصلاة خاتمة وصيته بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، فأصبح يقول: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" [رواه أحمد].
إخوة الإسلام: من حافظ عليها فقد توثق من عرى دينه، وأخذ بأصله، ومن ضيعها فقد ضاع دينه من أصله.
الصلاة دواء يشفي من أمراض القلوب وأدوائها، وفساد النفوس وأسقامها، والنور المزيل لظلمات الذنوب والمعاصي، فيتطهر بها المسلم من غفلات قلبه، وهفوات نفسه، كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" [رواه مسلم].
وكما ورد في حديث فضائل الوضوء، وفيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: "فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه" [رواه مسلم].
لذا كان اهتمامه بأمر الصلاة صلى الله عليه وسم عظيماً.
إن عبادة هذه نتائجها وعملا هذا شأنه لجدير بأن نسعى لتحقيقه والعناية به، وأن نجعله نصب أعيننا، وحديث نفوسنا.
الله أكبر، حي على الصلاة، حي على الفلاح، نداء يصدح في الأرجاء، وأذان يخترق الآذان، ليوقظ أجساداً مشرقة بالإيمان، وقلوباً مخبتة، فإذا بالوفود تتقاطر، والجموع تصطف ولا تتناثر، ولها هدير كالبحر في تلاطمه، وعرش النحل في تلاحمه، وترى المسجد وقد غص بالناس فاتصلوا وتلاحموا، تجد الصف منهم على استوائه، كما تجد السطر في الكتاب ممدوداً محتبكاً منتظماً، وتراهم تتابعوا صفا وراء صف، ونسقا على نسق، فالمسجد بهم كالسنبلة ملئت حباً، ما بين أولها وآخرها، كل حبة هي في لف أهلها وشملها، فليس فيها على الكثرة حبة واحدة، تهبها السنبلة فضل تمييز، لا في الأعلى ولا في الأدنى.
قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1-2].
بالخشوع يجمع المصلي في صلاته بين طهارة الظاهر والباطن، إذ كان يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعه في الصلاة: "خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي وعصبي" [رواه مسلم].
وفي رواية: "وما استقلت به قدمي" [رواه أحمد].
بالخشوع تغفر الذنوب، وتكفر السيئات، وتكتب الصلاة في ميزان الحسنات؛ كما ثبت في صحيح مسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله" [رواه مسلم].
الصلاة إذا زينها الخشوع، وترسخ في أقوالها وأفعالها الذل والانكسار، والتعظيم والمحبة والوقار، نهت صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فيستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتنعدم في الشر.
بالخشوع يزداد إقبال المصلي على ربه، فيكون اقتراب ربه منه، فقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي -رحمهم الله تعالى- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال الله -عز وجل- مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه" [رواه النسائي].
الخشوع: أمر عظيم شأنه، سريع فقده، نادر وجوده، خصوصاً في زماننا وحاضرنا، وحرمان الخشوع من أكبر المصائب والعلل، وخطب جلل، كان يستعيذ منه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ويقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع" [رواه الترمذي].
وما أصاب بعض المسلمين من ضعف في أخلاقهم، وانحراف في سلوكهم إلا لأن الصلاة غدت جثة من غير روح، وحركات ليس لها من الخير مسوح، أخرج الطبراني وغيره: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعا" [رواه الطبراني].
وقال الصحابي الجليل حذيفة -رضي الله عنه-: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصل لا خير فيه، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعا".
وحين تتجول في سير الأوائل، ترى أن أمثالهم قلائل، فإن في أخبار صلاتهم عبراً، ودموعهم تنهل على قلوبهم غيثا، ذكروا من خير الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "أنه كان يباسطهم ويحدثهم، فإذا حانت الصلاة كأنه لم يعرفهم ولم يعرفوه".
الصلاة أنس المسلم وسلواه، وغاية مراده ومناه، ويقول لبلال: "أرحنا بها" [رواه أبو داود].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" [أخرجه النسائي وأحمد].
قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق، حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها، يخلع على أعتاب المسجد الدنيا ومباهجها، ويترك هناك أموالها وشواغلها، فيطوي صحيفة ذكرها من قلبه، ويدخل المسجد بقلب أخذته أريحته لإجلال الله، وعقل تهيأ لتدبر كلام إلهه.
والصديق أبوبكر -رضي الله عنه-: "إذا كان في صلاته كأنه وتد، وإذا جهر فيها بالقراءة خنقته عبرة من البكاء".
والفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كان إذا قرأ لم يسمع من خلفه من البكاء".
وعمر بن عبدالعزيز -رحمه الله تعالى-: "إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشب".
وعلى ابن أبي طالب -رضي الله عنه-: إذا حان وقت الصلاة يضطرب، ويتغير، فلما سئل رضي الله عنه قال: "لقد آن أوان أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها".
ومن الناس من يصلون بأجسامهم وأعضائهم، يحركون ألسنتهم وشفاههم بالكلم، يحنون ظهورهم راكعين، ويهوون إلى الأرض ساجدين، لكن قلوبهم لم تتحرك نحو بارئها الأعلى، يظهرون له الخضوع، وقلوبهم نافرة، يقرؤون القرآن لكنهم لا يتدبرونه، يسبحون لكنهم لا يفقهون، زيّنوا ظواهرهم وغفلوا عن بواطنهم، وقفوا أمام الله وفي بيته وهم في الحقيقة واقفون أمام مشاغلهم، مقيمون بأرواحهم في مساكنهم، فترى الرجل قد شاب عارضاه في الإسلام، وصلّى زمانًا طويلاً لكنه لم يكمل صلاته يومًا؛ لأنه لا يتم ركوعها وسجودها وخشوعها.
أمثال هؤلاء لا ينتفعون بصلاة، فترى الواحد منهم يأكل أموال الناس بالباطل، ويسعى بالفساد بين الناس، يقوم بأعمال تتنافى مع الدين والأخلاق، بل ربما اتخذ الصلاة أحبولة يتصيد بها ثناء الناس عليه، ويستر بها جناية يديه ورجليه.
إخوة الإسلام: هذا الحديث للمحاسبة، فقف مع نفسك وقفة صادقة، لترى أين موقعك، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدها، خمسها، ربعا، ثلثها، نصفها" [رواه أبو داود وأحمد].
قال حسن بن عطية -رحمه الله تعالى-: "إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض".
إذ ليس حظ القلب العامر بمحبة الله، وخشيته وتعظيمه من الصلاة، كحظ القلب الخالي من ذلك، وليس حظ القلب المخبت الخاشع كحظ القلب الذي لملذات الدنيا وشهواتها خاضع، ليس حظ القلب الذي يرتع في رياض القرآن كحظ القلب الذي تملكه الشيطان.
هذا قلب أتم صاحبه القعود والقيام، وذاك يسرق من صلاته حتى فقد التمام، وهذا قلب اجتمع همه على الله، وفرغ قلبه للمناجاة، فما يشعر بالساعات، وذاك قلب يستكثر في صلاته الدقائق واللحظات؛ لأنها عنده أثقل من الجبال، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)[النساء: 142].
أيها المصلي الخاشع: إنها معركة حامية الوَطِيس مع الشيطان، معركة الوساوس والصوارف والخطرات؛ لأنك قمت أعظم مقام، وأقربه وأغيظه للشيطان، يزين أمام ناظريك الملذات، يعرض مشاهد ومغريات، يذكرك ما نسيت فيستطير فرحًا حين تلف صلاتك كما يلف الثوب الخَلَقَ، لا أجر ولا فضل.
أيها المصلي: من جرى على منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسلك طريقته في الصلاة تحقق له الخشوع، ومما يعين على الخشوع ويحقق في القلب الخضوع أمور، منها:
أن يخرج المصلي إلى المسجد مبكرًا بسكينة ووقار، قد نظف ثيابه، وطهر بدنه، وطيب رائحته، وأن يعمل على تسوية الصفوف، وسُدّ الفُرَجِ.
وقد نهي المؤمن عن رفع بصره إلى السماء، فهو يخل بالخشوع، وكذلك نهي عن الالتفات ببصره أو بقلبه، وهذا خلف بن أيوب سئل: "ألا يؤذيك الذباب في صلاتك؟ قال: لا أعود نفسي شيئاً يفسد علي صلاتي، قيل له: وكيف تصبر على ذلك؟ قال: بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان، فيقال: فلان صبور، ويفتخرون بذلك، فأنا قائم بين يدي ربي، أفأتحرك لذبابة".
وبعضنا يملأ صلاته حركة بدون ذبابة، فكيف إذا تراءت أمام ناظريه الذبابة؟
ومن الأمور: عدم التهويش في القرآن على الآخرين، وأن لا يصلي في ثوب، أو قميص فيه نقوش، أو كتابات، أو ألوان، أو تصاوير، تشغله وتشغل غيره، وأن لا يصلي وهو حاقن، أو حاقب.
عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته"، قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها" [أخرجه أحمد].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفقيه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
من أعظم الدواعي لحضور القلب وخشوعه في سائر الأيام والليالي: تدبر الألفاظ والمعاني، فكلما قال المصلي: "الله أكبر" تأمل عمق هذا المفهوم، وجلال المدلول، "الله أكبر" من الشيطان يغرره بالدنيا، "الله أكبر" من الشهوات والمال والجاه والولد، فإذا استقر في قلبه معنى هذه الكلمة، وأتى بمقتضاها، اطرح خلف ظهره كل ما عداها.
تأمل في صلاته هذا الجزاء العظيم في كل فاتحة يقرؤها، وركعة يركعها، قال صلى الله عليه وسلم: "قال الله -تعالى-: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الفاتحة: 2] قال الله -تعالى-: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)[الفاتحة: 3] قال الله -تعالى-: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة: 4] قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة: 5] قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحة: 6-7] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" [رواه مسلم].
فيا قرة عينك، وسعادة قلبك، حين يقول لك ربك ثلاثاً: عبدي، عبدي، عبدي.
تأمل هذا الدعاء: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فقد زلت مع الفتن أقدام، وتوغل في أوحالها أقوام.
تأمل الأجور الجزيلة.
ومنها: إذا قرأ الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قالت الملائكة آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، وأجور جزيلة أخرى، وفضائل كبرى في القيام والقعود، وأذكار الركوع والسجود، من تأملها أيقن برحمة الإله المعبود، لمن حقق الخشوع والحدود.
ومما يجلب الخشوع: وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخالدة وللقلوب هي شافية، إذ يقول: "صل صلاة مودع" [أخرجه ابن ماجة وأحمد].
والمتأمل في الأيام، وما تؤول إليه الأحوال، وفي مصاير الناس حين يؤخذون على التوالي، يعلم جلال هذه الوصية: "صل صلاة مودع".
دواء ناجح، لمن يروم القلب الخاشع، فإذا شرع العبد في صلاته، فكأنها آخر عهدة بهذه الدنيا، فأحسن خشوعها، وأتم سجودها وركوعها؛ لأن لحظة الرحيل بين عينيه، وكأن هادم اللذات مقبل عليه، فلا يلتفت بصره، ولا يشغل قلبه بشيء غير الله، ولا يذهل لبه، ولو رأيت منصور ابن المعتمر التابعي الجليل: لو رأيته يصلي لقلت يموت الساعة، كما قال سفيان الثوري.
ثم إن عثمان بن أبي العاص أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذاك شيطان يقال له: "خنزب"، فإذا أحسسته فتعود بالله منه، واتفل على يسارك، ثلاثا، قال: ففعلت ذلك فأذبه الله عني" [رواه مسلم].
ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، ومعلم البشرية الخير.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي