أيها الإخوة في الله: الملائكة خلق من خلق الله، لهم أعمال موكلة بهم، وأول أعمالهم عبادتهم لرب العالمين: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6]. وقد وكلّهم الله لبني آدم من خلقهم إلى وفاتهم، فـ"إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله - تعالى - إليها ملكًا فصوّرها، خلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم....
إن الحمد لله نحمده ونستعينه...
أما بعد:
فأوصيكم -عباد الله-: تحدثنا في الخطبة الماضية عن ملائكة الرحمن، وما أعطاهم الله من قدرات وأوصاف، وكيف أنهم يحاربون أعداء الله، ويشاركون المؤمنين في جهادهم وقتالهم، وكم أهلك الله بهم من أمم وأقوام: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[المدثر: 31].
أيها الإخوة في الله: الملائكة خلق من خلق الله، لهم أعمال موكلة بهم، وأول أعمالهم عبادتهم لرب العالمين: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
وقد وكلّهم الله لبني آدم من خلقهم إلى وفاتهم، فـ"إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله - تعالى - إليها ملكًا فصوّرها، خلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: "أي رب ذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك" أي يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فإذا ما انقضى أجل الإنسان توفاه ملك الموت، وهم شهود عليه منذ ولادته إلى وفاته وبينهما، فعند وفاته إن كان مؤمنًا صالحًا نزل إليه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، وتخرج روحه كما تسيل القطرة من فيّ السقاء ويقال لها: اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، بل وقد تشهد الملائكة جنازة المؤمن وتدعو له، كما حصل لسعد بن معاذ -رضي الله عنه- فقد شهد جنازته وشيعه مع المؤمنين سبعين ألف ملك.
وأما إن كان العبد كافرًا أو فاجرًا فإنه عند احتضاره تنزل إليه ملائكة سود الوجوه معهم مسوح من النار -أي لباس خشن-، وينتزع الملك روحه من جسده نزعًا كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، ويقال لها: اخرجي إلى سخط من الله وغضب، نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله أن يحسن ختامنا، ويجعلنا من عباده الصالحين المتقين، وهم قبل وفاة العبد محصون عليه كل صغيرة وكبيرة: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].
فيا عجبًا من عبدٍ محاط بملائكة الله من قبل ولادته وطوال حياته إلى مماته، كيف لا يستحي منهم وهم السفرة الكرام الكاتبون؟
كيف وهم يراقبون العبد ويسجلوا عليه حركاته وسكناته وألفاظه: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الإنفطار: 10-12].
عباد الله: وملائكة الرحمن -عز وجل- من أكثر الخلق استجابة للدعوات، فدعاؤهم مستجاب؛ لأنهم لا يقولون قولاً لم يأذن فيه الله -سبحانه وتعالى- ولا يعملون عملاً إلا بأمره -عز وجل- ولا يدعون إلا لمن كان مرضيًا عند الله - تعالى -.
ودعاء الملائكة يرد في الآيات والأحاديث بلفظ الصلاة.
والصلاة من الله للعباد تأتي بمعنى الثناء من الله على العبد عند ملائكته، وتأتي بمعنى تزكية الله ورحمته بهم، وغيرها من المعاني.
وأما صلاة الملائكة على العباد، فقيل، هي: الدعاء، وقيل: الاستغفار لهم، وجمع بعض العلم بين القولين، فقال: صلاة الملائكة هي الدعاء والاستغفار.
وقد ورد في الكتاب والسنة ذكر أناسا من السعداء الذين تصلي عليهم الملائكة، وتدعو لهم، كما جاء فيهما ذكر أناس من الأشقياء الذين تلعنهم الملائكة، وتدعو عليه.
ومن منا -عباد الله- لا يحرص على أن تصلي عليه الملائكة وتدعو له؟
أو من منا لا يخشى من لعنة الملائكة له بسبب فعلٍ فعله، أو قول تفوّه به؟!.
وسنستعرض وإياكم في هذه الجمعة من تصلي عليه الملائكة، وفي الخطبة القادمة -بإذن الله- من تلعنهم وتدعو عليهم، سائلاً المولى -جل جلاله- أن يجعلنا ممن تصلي عليهم الملائكة، وتدعو لهم وأن يبعدنا عمن تلعنهم الملائكة، وتدعو عليهم.
أيها الإخوة في الله:
1- وأول السعداء الذين تصلي عليهم الملائكة "من بات طاهرًا" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من بات طاهرًا بات في شعاره ملك، فلم يستيقظ إلا قال الملك: "اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهرًا" فما أيسره من عمل! وما أجلّه من جزاء.
2- ومنهم: القاعد في انتظار الصلاة، وهو الذي يجلس في المسجد ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما لم يحدث، تدعو له الملائكة: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" فهو مادام أنه في انتظار الصلاة فهو في صلاة ورحمة ودعاء، ولذا كان السلف -رحمهم الله- يحرصون على هذا العمل الجليل.
3- ومنهم: أهل الصفوف المتقدمة في الصلاة فهؤلاء من أصحاب الحظ العظيم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته ليصلون على الصف الأول".
وكلما كان الصف متقدمًا كان أفضل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله -عز وجل- وملائكته يصلون على الصفوف الأول".
وأفضل الصفوف الأول لقول المصطفى -عليه الصلاة والسلام-: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".
4- وممن يسعدون باستغفار الملائكة لهم أولئك: الذين يكونون عن يمين الإمام في الصلاة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف".
وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يحرصون أن يكونوا عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند صلاتهم خلفه، فقد روى مسلم عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحببنا أن نكون عن يمينه يُقبل علينا بوجهه".
5- وممن تصلي عليهم الملائكة: الذين يصلون الصفوف ويتمونها ويسدون فيها الفُرج، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله -عز وجل- وملائكته -عليهم السلام- يصلون على الذين يصلون الصفوف". "ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة".
وفي رواية: "على الذين يصلون الصفوف الأول".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ يتمون الصلاة بالصفوف الأول ويتراصون في الصف".
ولذا كان الصحابة يلزق أحدهم منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه.
6- وممن يسعدون بدعاء الملائكة واستغفارهم من عناهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إذا قال الإمام: (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)[الفاتحة: 7]. فقولوا آمين، فإنه من قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
وفي الصحيحين قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه".
أيها الإخوة في الله:
7- وممن تصلي عليهم الملائكة وتدعو لهم: من جلس في مصلاه بعد الصلاة يذكر الله لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا جلس في مصلاه بعد الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".
وهذا الفضل عام في صلاة الفجر وغيرها من الصلوات، مادام في مصلاه، وما لم يحدث كما ورد في أخرى.
ومصلاه أي المكان الذي صلى فيه، ولو قام إلى بقعة أخرى على نية انتظار الصلاة، أو ذكر الله لكان له الأجر -إن شاء الله-.
وهذا الحكم يشمل بفضل الله من صلى في غير المسجد لعذر، كالمريض يصلي في بيته أو في المستشفى على سريره، أو الخائف أو المرأة تصلي في بيتها، فمن صلى منهم وبقي في مصلاه يذكر الله أو يقرأ القرآن، فإنه يحصل له من الأجر والثواب من الله.
عباد الله:
8- ومن صلى الفجر والعصر في جماعة كان ممن تدعو لهم الملائكة وتستغفر لهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر، فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل، فيسألهم ربهم: كيف تركتم عباد؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون فاغفر لهم يوم الدين".
جعلنا الله وإياكم منهم.
9- وممن تصلي عليهم الملائكة: الذين يصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم –: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".
10- ومن دعا لأخيه بظهر الغيب والمدعو له تدعو لهم الملائكة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل".
فالداعي والمدعو له مستفيدان من هذا الفضل العظيم.
قال القاضي عياض: كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تستجاب ويحصل له مثلها.
وذكر الحافظ الذهبي عن أم الدرداء أنه كان لأبي الدرداء - رضي الله عنه - ستون وثلاثمائة خليل في الله، يدعو لهم في الصلاة، فقالت له في ذلك، فقال: "أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة".
وذكر هذا عن الإمام أحمد والشافعي وغيرهم - رحمهم الله -.
11- وممن تشملهم رحمة الله وفضله بدعوة الملائكة: المنفق في سبيل الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".
فهذا الملك يدعو لمن أنفق في سبيل الله أن يعوّضه الله -تعالى- عمّا ذهب عنه من مال، والإنفاق يشمل الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال وإكرام الضيف والصدقات وغيرها.
12- وتصلي الملائكة أيضًا على المتسحرين لصيامهم، ولأن أكلة السحور بركة، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، ولذا أكده النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء".
13- وممن يحظى بصلاة سبعين ألف ملك؟! عائد المريض، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من عاد مريض بُكرًا -أي نهارًا- شيّعه سبعون ألف ملك، كلهم يستغفر له حتى يمسي، وكان له خريف في الجنة، وإن عاده مساءً شيّعه سبعون ألف ملك، كلهم يستغفر له حتى يصح، وكان له خريف في الجنة".
الله أكبر، ما أيسره من عمل وما أجله وأعظم من أجر! ولهذا الفضل الكبير كان حرص نبينا - صلى الله عليه وسلم - على عيادة المريض صغيرًا كان أو كبيرًا قريبًا أم بعيدًا، رجلاً أو امرأة، مسلمًا أو ذميًّا، من مرض كبير أو صغير وكان يكرر العيادة على المريض يدعو له، والأحاديث في ذلك مشهورة معلومة.
14- وهنيئًا -عباد الله- لمن حمل لدعوة إلى الله همًّا، ولتبليغ دين الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وتعليم الناس الخير جهدًا وبذلاً، فقد قال الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في حجرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير، فما أعظمه من ثواب يناله الداعية إلى الله -عز وجل- وباذل الخير والمعروف إلى الناس بالكلمة الطيبة والنصيحة المشفقة، والشريط النافع والكتاب المفيد والمطوية المؤثرة؛ فكلهم من معلمي الناس الخير: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26].
15- وحملة العرش، هؤلاء الملائكة العظام الذين وكلهم الله بحمل عرشه العظيم، وهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم وأقربهم إلى الله -جل جلاله- يدعون ويستغفرون للذين آمنوا وتابوا إلى الله -عز وجل- وأنابوا إليه، واتبعوا سبيله -عز وجل-، يستغفرون لهم؛ لأنهم أقبلوا على الله بصدق وإيمان وإخلاص، ويدعون لهم أن يدخلهم الله الجنة، وينجيهم من العذاب والنار، فأكرم وأعظم بها من دعوات مباركات مستجابات من ملائكة عظام، قال الله -تعالى-: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [غافر: 7-9].
جعلنا الله وإياكم من المؤمنين التائبين المتبعين بمنه وكرمه إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له...
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه في السر والعلن، واستشعروا مراقبة الملائكة الكاتبين لكم في الليل والنهار، فهم أهلٌ لأن يُستحيَ منهم.
أيها الأحبة في الله: ملائكة الله -عز وجل- يحبون الصالحين المؤمنين، ويحبون محلهم الطيبة المباركة، ففي البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لله -تبارك وتعالى- ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر -لا يلتمسون أهل الغيبة والنميمة، أو أهل التجارات والاستراحات، أو أهل الأفلام والقنوات، وإنما أهل الذكر- فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله -تعالى- تنادوا هلّموا إلى حاجتكم، قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا".
ومن أجل وأفضل أماكن الذكر بيوت الله -عز وجل-، ولذا: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".
عباد الله: ولا أجل وأفضل من صلاة الجمعة وذكرها، ولذا قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر".
فالله الله في التكبيرات إلى الجمعة، فهي صلاة مشهودة من الملائكة، وهنيئًا لمن سابق ليكون من الأوائل يوم الجمعة وعظّم الله أجر من تأخر حتى خرج الإمام نفسه من كتابه اسمه في سجلات الملائكة.
والملائكة تشهد صلاة الفجر خاصة: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الإسراء: 78].
بل ومن رحمة الله وفضله على عباده المحافظين على الصلاة وإقامتها ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إذا كان الرجل بأرض في أي صحراء فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه".
وفي رواية: "وكتبت له صلاته بخمسين درجة".
وهذا من فضل الله وكرمه، وفيه دلالة على فضل الأذان والإقامة، وفيه فضل إقامة ذكر الله في الأماكن الخالية من الناس، ولو كان الإنسان وحده.
عباد الله: وقد وكل الله بكل إنسان قرينًا من الملائكة ملازمًا له، وقرينًا من الجن، ففي صحيح مسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة" قالوا: "وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
ولعل هذا القرين غير الملائكة الذين أمروا بحفظ أعمال العبد، قيضه الله له ليهديه ويرشده ويحفظه.
وهكذا الإنسان بين قرينين قرين من الملائكة وقرين من الجن هذا يأمره بالشر، وذاك يحثه على الخير ويرغب فيه؛ فعن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملاك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد من ذلك شيئًا فليعلم أنه الله وليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 268].
وتأمل –أخي- هذا الحديث لتعرف كيف يتسابق القرين الجني وقرين الملائكة على توجيهك للعمل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أوى الإنسان إلى فراشه، ابتدره ملك وشيطان، فيقول الملك: اختم بخير، ويقول الشيطان: اختم بشر، فإذا ذكر الله - تعالى - حتى يغلبه يعني النوم طرد الملك الشيطان وبات يكلؤه، فإذا استيقظ ابتدره ملك وشيطان، فيقول الملك: افتح بخير -أي استفتح يومك بطاعة، ويقول الشيطان: افتح بشر. فإن قال: الحمد الذي أحيا نفسي بعد ما أماتها، ولم يمتها في منامها، الحمد لله الذي يمسك التي قضى عليه الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى، الحمد لله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده، الحمد لله يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، طرد الملك الشيطان وظل يكلؤه".
والشاهد: تسابق الشيطان والملك على ابن آدم فإلى أيهما أنت مقبل؟!
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يكلأنا بحفظه وعنايته، وأن يعيذنا من الشيطان ونزغاته ووساوسه.
اللهم اغفر للمسلمين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي