الزواج

عبد الحميد التركستاني
عناصر الخطبة
  1. الحكمة من شرع الزواج .
  2. أدلة مشروعية النكاح .
  3. أسباب الإحجام عن الزواج .
  4. النهي عن التبتل وترك الزواج .
  5. بيان الحكمة من الزواج .
  6. بعض معوقات الزواج .
اهداف الخطبة
  1. الترغيب في الزواج
  2. التحذير من التبتل وعضل البنات وبيان مفاسده

اقتباس

اتقوا الله ولا تمنعوا زواج بناتكم من أجل أهوائكم ورغباتكم الشخصية أو من أجل أطماعكم الدنيئة أو عدم مبالاتكم، فإنهن أمانات في أعناقكم وقد استرعاكم الله عليهن "وكل راع مسؤول عن رعيته". وربما يسبب منع تزويج الفتيات أو تأخيره عارا وخزيا لا تغسله مياه البحار. ولا يكن همكم الطمع في المهور أو المباهاة والمفاخرة في الظاهر واستئجار أفضل القصور ونسيان العواقب واعتبروا بالمجتمعات التي اشتغلت نساؤها بالدراسات والوظائف وعطلت الزواج أو قللت الاهتمام به، ماذا حصل فيها...

الخطبة الأولى:

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -عز وجل- واعلموا أنه سبحانه قد شرع الزواج وحث عليه ورغّب فيه تأسيا بالمرسلين وابتعادا عن الرهبنة والتقوقع في حياة العزوبية, وهروبا من الفواحش التي تجر إليها الشهوة المسعورة غير المنضبطة بدين ولا حياء ولا مروءة.

فالزواج سنة من سنن الله في الخلق والتكوين وسبب في التكاثر والازدياد لا يشذ عنها عالم الإنسان أو الحيوان أو النبات قال تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات: 49] وقال أيضا: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ) [يس: 36].

والزواج هو الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر واستمرار الحياة، ولم يشأ الله أن يجعل الإنسان كغيره من العوالم فيدع غرائزه تنطلق دون وعي، ويترك اتصال الذكر بالأنثى فوضى لا ضابط له، بل وضع النظام الملائم لسيادته والذي من شأنه أن يحفظ شرفه ويصون كرامته، فجعل اتصال الرجل بالأنثى اتصالا كريما مبنيا على رضاهما وعلى إيجاب وقبول وعلى إشهاد على أن كلا منهما قد صار للآخر، وبهذا وضع للغريزة سبيلها المأمونة، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة من أن تكون كلأً مباحا لكل راتع، هذا هو النظام الذي ارتضاه الله وأبقى عليه الإسلام وهدم كل ما  عداه من الزيجات التي كانت في الجاهلية.

وأما أدلة مشروعية الزواج:

فمن القرآن قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) [النساء: 3] وقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) [النور: 32] وأما أدلة مشروعية النكاح من السنة فكثيرة جدا فمنها:

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس منى، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وجاء" رواه ابن ماجه.

وحديث ابن مسعود المتفق عليه: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تناكحوا تكاثروا" ففي هذه الأحاديث الأمر بالنكاح والترغيب فيه، لأنه من سنته ومن رغب عنه فقد ترك سنة نبيه وطريقته التي سلكها.

وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على مشروعية النكاح من عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إلى يومنا هذا.

وقد كان من حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على هذه السنة قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام لتزوجت مخافة الفتنة", ويقول ابن عباس-رضي الله عنه-: "لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج" وقال عمر -رضي الله عنه-لرجل لم يتزوج: "إنما يمنعك من الزواج عجز أو فجور"، ولهذا قال العلماء بأن الزواج يكون واجبا لمن استطاعه وخشي على نفسه العنت والوقوع في الفاحشة, وذلك لأن صيانة النفس عن الحرام واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، بل قد يقدّم على الحج الواجب إذا كان اشتياقه إليه شديدا.

عباد الله: ولما كان الزواج بهذه الأهمية في الكتاب والسنة، وفيه هذه الفوائد العظيمة، فإنه يجب على المسلمين أن يهتموا بشأنه ويسهلوا طريقه، ويتعاونوا على تحقيقه، ويمنعوا من يريد تعويقه من العابثين والسفهاء والمخذلين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

أيها المسلمون: لقد رغّب الله -عز وجل- في كتابه في الزواج بصور متعددة فتارة يذكر أنه من سنن المرسلين قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد: 38], وتارة يذكره في معرض الامتنان: (للَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ) [النحل: 72], وأحيانا يذكره أنه آية من آياته فيقول عز وجل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

وقد يتردد المرء في الزواج، فيحجم عنه خوفا من الاضطلاع بتكاليفه وهروبا من احتمال أعبائه، فيلفت الإسلام نظره، إلى أن الله سيجعل الزواج سبيلا إلى الغنى، قال تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32], وقد بين ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- في قوله: "ثلاثة حق على الله عونهم... وذكر منهم: الناكح يريد العفاف".

بل إن الإسلام يحث على الزواج حثا شديدا حتى في لحظات اليقظة الروحية عندما يريد الإنسان أن يتبتل وينقطع للعبادة, فيبين أن ذلك مناف للفطرة ومغاير لسنة الأنبياء والمرسلين وقد أتى ثلاثة رهط إلى منزل النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوا عن عبادته، فكأنهم تقالّوها -أي رأوها قليلة- فقال أحدهم: أما أنا أصوم فلا أفطر، وقال الآخر: وأما أنا فأقوم ولا أرقد، وقال الثالث: وأما أنا فلا أتزوج النساء. فلما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- بمقالتهم، قال لهم - مبينا السبيل الأقوم-: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما والله إني أقوم وأرقد وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي  فليس مني" رواه البخاري ومسلم.

فالدين الإسلامي دين يسر وليس دين عسر ودين فسحه لا دين شده ولهذا لم يرض النبي -صلى الله عليه وسلم-بفعل هؤلاء الثلاثة وبين لهم الاعتدال في العبادة ونبههم إلى أن العبادة لا تكون عائقا أمام الملذات المباحة بل تكون هذه الملذات من العبادة ذاتها كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "وفي بضع أحدكم صدقة؟" فقال أحد الصحابة: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟ قال: "نعم، أرأيت لو وضعها في حرام أما كانت عليه وزر؟ قالوا: بلى قال:" كذلك إذا وضعها في الحلال".

ولهذا أيها الإخوة: كان الزواج عبادة يستكمل به الإنسان نصف دينه ويلقى ربه على أحسن حال من الطهر والنقاء، قال عليه الصلاة والسلام: "من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي". فالزوجة الصالحة من العوامل التي تساعد على تقوى الله فهي فيض من السعادة يغمر البيت ويملؤه سرورا وبهجة وإشراقا.

ولهذا امتدح النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة إذا كانت صالحة قانتة صينةً عابدة تقية فقال: "خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله" وفي رواية لمسلم قال: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" وفي رواية قال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة تراها تعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، وثلاث من الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفا فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك والدار تكون ضيقة قليلة المرافق" رواه الحاكم وهو حديث صحيح.

وأما الحكمة من الزواج فهي تتمثل في فوائد وحكم كثيرة أذكر منها ما يلي:

أولا: أنه يصرف النظر عن التطلع إلى ما لا يحل له ويحصّن الفرج ويحفظه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج".

ثانيا: أنه يبعث الطمأنينة في النفس، ويحصل به الاستقرار والأنس، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

ثالثا: أنه سبب لحصول الذرية الصالحة التي ينفع الله بها الزوجين وينفع بها مجتمع المسلمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".

رابعا: أن الزواج سبب لنموّ غريزة الأبوة والأمومة لدى الزوجين في ظلال تربية الأطفال، وتنمو مشاعر الود والعطف الحنان.

خامسا: الشعور بتبعة الزواج مما يبعث على النشاط والجد في طلب الرزق وبذل الوسع في ذلك، حتى يستطيع الزوج القيام بكفالة زوجته ونفقتها, وتوفير الراحة لها وصيانتها, ورفعتها عن التبذل والامتهان في طلب مؤنتها, وإعزازها من الذلة والعنوسة والكساد في بيت أهلها.

سادسا: ومن حكم الزواج وضع الغريزة الجنسية في موضعها الطبيعي في الحلال, وهو أنسب مجال حيوي لإشباع الغريزة الجنسية. قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأت أهله فإن ذلك يردما في نفسه" رواه مسلم.

هذه بعض حكم الزواج وإلا فحكمه كثيرة جدا لمن تأملها وأمعن فكره فيها.

أيها الإخوة: وبعد الذي ذكرت من الترغيب في الزواج وفوائده وحكمه هل بعد هذا يتردد أعزب عن الزواج؟ أو هل يحجم ولي امرأة عن تزويج ابنته ويعضلها ويجلسها في البيت حتى العنوسة؟. أرجو ألا يكون شيء من ذلك, وأتمنى  أن يسهل أولياء الأمور تزويج أبنائهم وبناتهم حتى لمن أراد التعدد؛ لكي تقل الفواحش من معاكسات وزنى واختطاف وغير ذلك من الجرائم, التي من أهم أسبابها هو الصد عن الخير وإعاقة أمر الزواج وتصعيبه أمام شبابها المستهدف من أعداء الدين, الذين يتربصون بهم الدوائر من إغراء وتهييج وإثارة حتى يقع هؤلاء الشباب ضحية المرأة العارية التي ليس لها هم سوى إغواء الشباب البعيد عن الزواج, حتى يصبح هذا الشاب ليس له همّ ولا طموح ليكون لنفسه حياة زوجية سعيدة بل يذهب إلى هنا وهناك ليطفئ سعار الشهوة المتهيجة في نفسه.

فالله الله في فتيانكم وفتياتكم يسّروا أمر الزواج ولا تعسروه وكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

الخطـبة الثانــية:

أيها الإخوة: اعلموا أن هناك معوقات أمام الشباب تصده وتعوقه عن الزواج ومن أهم هذه المعوقات:

غلاء المهور: فغلاء المهر سبب رئيسي لإحجام الكثير من شبابنا وعزوفهم عن الزواج؛ خوفا من أن يثقل أحدهم كاهله بدين يصعب على الجبال الراسيات حمله، ولقد استنكر النبي -صلى الله عليه وسلم-المغالاة في المهور، كما ورد ذلك عنه في الحديث الصحيح أنه قال لرجل: "على كم تزوجت"؟ قال الرجل: على أربع أواق يعني من الفضة، فقال له عليه الصلاة والسلام: "على أربع أواق، كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل" قال العلماء: أنكر عليه النبي-صلى الله عليه وسلم- هذا المبلغ لأنه كان فقيرا، فالفقير يكره له تحمل الصداق الكثير, بل يحرم عليه إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة، والغني يكره له دفع المهر الكثير إذا كان من باب المباهاة، ولأنه يسن سنة سيئة لغيره.

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا تغلوا في صدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة، كان أولاكم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية"، رواه الخمسة وصححه الترمذي، والاثنتا عشرة أوقية تساوي مائة وعشرين ريالا سعوديا من الفضة، وأين هذا المبلغ من مبالغ المهور الباهظة التي تعلمونها اليوم.

وقد قال عليه الصلاة والسلام: "خير الصداق أيسره" رواه أبو داود وهو صحيح، وقال أيضا: "أكثر النساء بركة أيسرهن مؤونة".

وأكثر الناس في قضية المهر طرفان ووسط غال وجاف وكلاهما مذموم, فبينما نرى رجلا يبالغ في التبسط حتى يصل مهر ابنته إلى ريال واحد, نجد آخر يغلو ويسرف حتى تبلغ نفقات ليلة الزواج ما يكفي لزواجات كثيرة.

فالتوسط هو الأفضل كما يقول أحد الكتاب: إن التوسط والبعد عن الإفراط والخيلاء وحب المظاهر من أسباب السعادة الزوجية, وهو أمر مطلوب من الأغنياء والوجهاء قبل غيرهم، لأنهم هم الذين يصنعون تقاليد المجتمع والآخرون يتشبهون بهم أ.هـ.

ومع غلاء المهور نجد هناك أيضا المباهاة في إقامة الحفلات، واستئجار أفخم القصور مما لا مبرر له إلا إرضاء النساء والسفهاء، ومجاراة المبذرين والسخفاء، مع أن الوليمة بمناسبة الزواج مستحبة فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه لما تزوج: "أولم ولو بشاة" وهي على قدر حال الزوج, فلا ينبغي الأغنام الكثيرة أو الإبل ثم لا تؤكل ويلقى بلحمها إلى القمامة أو يهدر في التراب، بل وصل الأمر إلى أن بعض الناس دعوا إلى حفل زفافهم خمسة آلاف شخص, وانظروا كم أنفق فيها من أموال لو دفعت إلى جياع المسلمين ومنكوبيهم لوسعتهم.

أيها الإخوة: إن بساطة المهر، وقلة تكاليف حفل الزفاف، خطوة تحتاج إلى عزيمة صادقة وهمة عالية، لا تبالي بأقوال سفهاء الناس ودهمائهم.

ومن معوقات الزواج: تبذل المرأة وسفورها وكثرة خروجها من المنزل مما يلقي الريبة في قلوب الخطاّب. ونظراً لكثرة المعاكسات وانتشار الفواحش لا سيما فاحشة الزنا، أصبح كثير ممن يمارسون هذه الجرائم لا يثقون بأي امرأة كانت، وذلك لأن محيطهم المليء بالمنكرات يعمي عليهم أبصارهم وأفئدتهم, فيصبحون لا يرون إلا بمنظارهم الأسود الذي لا يريهم إلا الخبيثات من النساء وكأن المجتمع قد خلا من الصالحات.

وقد يكون هؤلاء معذورين شيئا ما، وذلك لكثرة خروج النساء وهن متبذلات سافرات أو متنقبات مائلات مميلات يصدن بسهامهن كل من في قلبه مرض, والسبب في تصّيد المرأة للرجال الأجانب وفعلها معهم فاحشة الزنا هو منعهن من الزواج المبكر, مما يثير فيها سعار الشهوة إذا كانت  قليلة الدين ولا توجد رقابة لها، فتذهب إلى الأسواق أو إلى هنا أو هناك من أجل أن تطفئ ما بها من الهيجان. وقد قيل قديما: الفراغ للرجل غفلة وللنساء غلمة (أي محرك للغريزة).

فنحن نطالب أولياء الأمور أن يتقوا الله في بناتهن وألا يكونوا حجر عثرة أمام تزوجهن، وأن يبادر أحدهم بالبحث عن الزوج الكفء لابنته إن لم يتقدم إليها أحد, ولا عيب في ذلك كما فعل عمر بن الخطاب عندما بحث بنفسه عن زوج لابنته حفصة -رضي الله عنها- فتزوجها الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وهذه أفضل من أن يمانع من زواج ابنته ويعرضها بعد ذلك لأمور لا تحمد عقباها فلنتنبه لهذا الأمر جيدا.

ومن العقبات أيضا: تأخير زواج البنت بحجة الدراسة حتى يصير عمرها خمسا وعشرين أو ثلاثين سنة, فلا يفكر حينئذ أي أحد أن يتقدم للزواج منها لأنها قد كبرت ولم تصبح أهلا للزواج، وليس معنى هذا أننا لا نرى دراسة المرأة, بل تدرس وتطلب الشهادات العليا لكن إن تقدم إليها عريس وكان كفؤا فلترض به, ولتتزوج ولا تتعذر بالدراسة لأنه قد يكون أول عريس وآخر عريس ويفوتها القطار وتعض بعد ذلك أصابع الندم.

ومن العقبات: ما يفعله بعض الناس من تحجير المرأة على ابن عمها أو قريبها لا يزوجها إلا به, ولو كانت لا تريده وهذا من الخطأ ومن الظلم.

ومن الظلم العظيم للنساء وعرقلة طريق الزواج عليهن أن يمتنع الولي من تزويج ابنته إلا بشرط أن يزوجه الآخر ابنته، وهذا ما يسمى نكاح البدل أو الشغار فإن لم يسمِ فيه مهرا لهما، وجعلت المرأة في مقابل المرأة فهو نكاح باطل بإجماع أهل العلم، وإن سمي فيه المهر فقد اختلف العلماء في صحته.

أيها الإخوة: اتقوا الله ولا تمنعوا زواج بناتكم من أجل أهوائكم ورغباتكم الشخصية أو من أجل أطماعكم الدنيئة أو عدم مبالاتكم، فإنهن أمانات في أعناقكم وقد استرعاكم الله عليهن "وكل راع مسؤول عن رعيته". وربما يسبب منع تزويج الفتيات أو تأخيره عارا وخزيا لا تغسله مياه البحار.

 ولا يكن همكم الطمع في المهور أو المباهاة والمفاخرة في الظاهر واستئجار أفضل القصور ونسيان العواقب واعتبروا بالمجتمعات التي اشتغلت نساؤها بالدراسات والوظائف وعطلت الزواج أو قللت الاهتمام به، ماذا حصل فيها من فساد الأخلاق وانتهاك الأعراض، وتفكك الأسر وفساد التربية وخواء البيوت من الزوجات الصالحات حتى صارت النساء كالرجال: ربات أعمال لا ربات بيوت، ولا مربيات أطفال، بيوتهن كبيوت العزاب بحاجة إلى من يقوم بها، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من لم تنفعه المواعظ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [النور: 32].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي