هذه الأحياء المبثوثة في كل مكان فوق سطح الأرض، وفي تضاعيفها، وفي أعماق البحار، وفي أجواء الفضاء أسراب من الطيور، لا يعلم عددها إلا الله، وأسراب من النمل، والنحل وأخواتها، لا يحصيها إلا الله، وأسراب من الحشرات، والهوام والجراثيم، لا يعلم موطنها إلا الله، وأسراب من الأسماك، وحيوان البحر، لا يطلع عليها إلا الله، وقطعان من الأغنام، والوحوش هائمة، وشاردة في كل مكان، وقطعان من البشر مبثوثة في الأرض، في كل مكان، ومعها .....
الحمد لله الذي جعل الكسوف والخسوف للمؤمنين آية، أحمده سبحانه وأشكره، وعد المتقين الحسنى وزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دعا إلى الخير والهداية، وحذر من الشر والغواية، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم القيامة.
أما بعد:
فأوصيكم –ونفسي- بتقوى الله، فالتقوى سبيل المؤمنين، والنجاة في الدنيا، ويوم يقوم الناس لرب العالمين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
في عتمة الليل وسحرته، وفي غلسه وبلجته، إذا أظلم الليل ودجى، وأدلهم وسجا، وظهرت آية من آيات الله كانت الموعظة والذكرى، قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ)[آل عمران: 190].
دعوة إلى التدبر في الكون، وتأمل مدى دقته، وتناسق نواصيه وأجزائه، إن الخالق -عز وجل- الذي لا تدركه أبصارنا لم يتركنا هكذا في بيداء الحياة، بل أظهر آياته في كتاب منظور، نراه ونحس به، وكتاب نقرؤوه ونرتله.
إنه معجزة النبي الخالدة، إنه القرآن الكريم بآياته وعظاته، يعمد إلى تنبيه الحواس والمشاعر، وفتح العيون والقلوب، إلى ما في هذا الكون العظيم من مشاهد وآيات، تلك التي أفقدتها الألفة غرابتها، وأزالت من النفوس عبرتها، قال تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)[يونس: 101].
يعرض القرآن الكريم هذه الآيات بأسلوب أخاذ، ليعيد طراوتها، وجدته في الأذهان، فكأنها ترى لأول وهلة.
يلفت النظر إلى هذه الأرض الفسيحة وقد سقيت ورويت بماء الحياة، فتغلغل إلى أعماقها، فاكتظت أعاليها بالنعم الوفيرة: من أنهار جارية، وأشجار مثمرة، وزروع نضرة، وجبال شامخة راسية، وبحار واسعة مترامية، رفت في جوانبها الطيور المغردة، وداعب النسيم ما عليها من زينة الأشجار المحننة، فبدت كأنها عروس تختال في حللها، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا)[النبأ: 14-16].
قال تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)[النازعات: 30-33].
وقال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا)[عبس: 24-31].
وقال تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)[الغاشية: 17-20].
إن التأمل في مطلع الشمس ومغيبها، والتأمل في الظل الممدود، ينقص بلطف ويزيد، والتأمل في الخصم الزاخر، والعين الفوارة، والنبع الروي، والتأمل في النبتة النامية، والبرعم الناعم، والزهرة المتفتحة، والحصيد الهشيم، والتأمل في الطائر السابح في الفضاء، والسمك السابح في الماء، والدود السارب، والنمل الدائب، والتأمل في صبح أو مساء في هدأة الليل، أو في حركة النهار.
إن التأمل في كل ذلك يحرك القلب لهذا الخلق العجيب، ويشعر العبد بعظمة الخالق -تبارك وتعالى-.
قال عز وجل: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ)[الشورى: 29].
هذه الأحياء المبثوثة في كل مكان فوق سطح الأرض، وفي تضاعيفها، وفي أعماق البحار، وفي أجواء الفضاء أسراب من الطيور، لا يعلم عددها إلا الله، وأسراب من النمل، والنحل وأخواتها، لا يحصيها إلا الله، وأسراب من الحشرات، والهوام والجراثيم، لا يعلم موطنها إلا الله، وأسراب من الأسماك، وحيوان البحر، لا يطلع عليها إلا الله، وقطعان من الأغنام، والوحوش هائمة، وشاردة في كل مكان، وقطعان من البشر مبثوثة في الأرض، في كل مكان، ومعها خلائق أربى عدداً، وأخفى مكاناً في السموات من خلق الله كلها يجمعها الله حين يشاء لا يضل منها فرد واحد ولا يغيب، فهل قدر العباد ربهم حق قدره؟
العقول وما يتردد فيها من أفكار القلوب وما يتجدد فيها من مشاعر الأجسام، وما يتدفق فيها من دماء نرى عظمة الله في ما نشاهده من تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا ولحومنا، وتكوين أعصابنا، وانسياب شعورنا، وتشكل أطرافنا: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)[لقمان: 11].
(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الفرقان: 61-62].
إن الناظر في الكون وآفاقه يشعر بجلال الله، الكون كله، عاليه ودانيه، صامته وناطقه، أحياؤه وجماداته، كلها خاضع لأمر الله، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانيته وعظمته، ناطق بآيات علمه وحكمته، دائم التسبيح بحمده: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[الإسراء: 44].
هذه السيارات المنطلقة، والكواكب التي تزحم الفضاء، وتخترق عباب السماء، معلقة لا تسقط سائرة، لا تقف لا تزيغ ولا تصطدم: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يــس: 38- 40].
من الذي سير أفلاكها، ونظم مسارها، وأشرف على مدارها من أمسك أجرامها، ودبر أمرها: (قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)[الأنعام: 91].
(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ)[فاطر: 41].
إن الله -تبارك وتعالى- خلق كل شيء فقدره تقديراً، هذا وضع المشمس أمام الأرض مثلا، ثم على مسافة معينة، لو نقصت فازداد قربها من الأرض، لاحترقت أنواع الاحياء من نبات وحيوان، ولو بعدت المسافة لعم الجليد والصقيع وجه الأرض، هلك الزرع والضرع، من الذي أقامها في مكانها ذاك؟ وقدر بعدها لننعم بحرارة مناسبة تستمر معها الحياة والأحياء: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)[النمل: 88].
وستجد الأجيال في كل عصر نصيبها من الآيات مدخراً، وستبقى معارض الكون ومشاهده حافلة بكل عجيب وجديد، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[فصلت: 53].
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أي إن القرآن حق، فأخبر أنه لابد أن يربهم من آياته المشهودة ما يبين لهم أن آياته المتلوة حق ثم أخبر بكفاية شهادته على صحة خبره بما أقام من الدلائل والبراهين على صدق رسله، فآياته شاهدة بصدقه، وهو شاهد بصدق رسوله بآياته، فهو الشاهد والمشهود له، وهو الدليل والمدلول عليه" [انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-].
إن آيات الله في الكون لا تتجلي على حقيقتها، ولا تؤدي مفعولها إلا للقلوب الذاكرة القلوب المؤمنة، تلك التي تنظر في الكون بعين التأمل والتدبر، تلك التي تعمل بصائرها وأبصارها وأسماعها وعقولها، ولا تقف عند حدود المنظر المشهود البادي للعيان لتنتفع بآيات الله في الكون: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران: 191].
أما الكفار فهم عمي البصائر غلف القلوب متحجرو العقول، إنهم لا يتبصرون الآيات وهم يبصرونها، ولا يفقهون حكمتها، وهم يتقلبون فيها، فأنى لهم أن ينتفعوا بها: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم: 7].
(وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)[الحجر: 14-15].
وكذا بعض طرائق البحث العلمي، لن تؤتي ثمارها في معزل عن الإيمان بقطع الصلة بين الخلق والخالق، وجعل الخلق بدون خالق: فالكون في تصورها مادة وإن لم تصرح بذلك، فهي تتعامل مع الآيات الكونية بجفاء، فتحدث في القلوب ضلالا، وفي العقول ظلاماً، وفي الفطرة انتكاساً، حين تجعل من الآيات الكونية العظيمة في الأرض والسماء معلومات جامدة، لا تنبئ عن شيء متحجرة في الأذهان، وتلك عثرة من عثرات هذه الطرق للبحث العلمي، وتحجير العقل عيب هذه الحضارة الحديثة، وإن شع بريقها، فبهرت أنها تكشف الآيات العظيمة، ثم تقف حيث يجب أن تنطلق تظهر الأسباب، وتسدل الستار على رب الأسباب، وكأنه لا وجود له، أو لا عمل له، وكأن هذه الأسباب التي يفسرون بها حصول الخسوف والكسوف، والزلازل والبراكين، ونزول الأمطار، وغيرها، كأن هذه الأسباب هي الفاعل الحقيقي وما عداها وهم، هذا ضلال بعيد.
أما المنهج الإيماني فإنه لا ينقص شيئاً من ثمار البحث العلمي، لكنه يزيد عليه بربط هذه الحقائق بخالقها، وموجدها ومدبرها ومصرفها، ليقدر العباد ربهم حق قدره، وليعلموا أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، فلا يستحق العبادة إلا هو، ولا يتوجه بخوف، أو رجاء إلا إليه، ولا يخشى إلا هو، ولا يذل إلا له، ولا يطمع إلا في رحمته.
إن المزيد من العلم ينبغي أن يقود إلى المزيد من الإيمان القوي.
هذه الآيات الخسوف والكسوف حين خضعت للبحث العلمي المجرد عن الإيمان تجمد تأثيرها، وقتل مدلولها، فلا تحرك قلبا، ولا تخوف عبداً، بل تنسيه أن له ربا مدبراً مصرفاً.
وحين أودع الله في العقل البشري ما يمكنه من تحديد زمان الكسوف والخسوف تحديداً دقيقاً قبل وقوعه، بإذن الله -تعالى- كان ذلك دليلا على أن هذا الكون يسير بنظام وتدبير، واتزان عظيم وتقدير، وكان من الأولى أن يزيده ذلك خوفاً من الله، ماذا لو اختل نظام هذا الكون قيد شعرة، وانفرط عقده، فأفسد مستقره؟
إنه سينهار بكل ما فيه ومن فيه.
ماذا لو تصادمت أفلاكه؟ وتناثرت في الفضاء أجرامه؟ ماذا لو حجبت عنا عناية الله طرفة عين؟ أو أقل من ذلك أو أكثر؟ إننا ستهلك ويهلك كل من معنا: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الزمر: 62-63].
الخسوف والكسوف آيتان يخوف الله بهما عباده، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا" [رواه البخاري].
وكان يفزع إلى الصلاة، ويأمر بها، وبالدعاء والصدقة.
هذه الآيات تحملنا على أن نفر إلى ربنا، ونغسل إساءتنا، ونمحو ذنوبنا، إن المسلم إذا احتمى بربه واستعان به واستجار، فهو في أعز جوار، وآمن ذمار.
إن كل شيء إذا خفته هربت منه، وإذا خفت الله -عز وجل- هربت إليه.
وهكذا يبقى الكون كتاباً مفتوحاً، يقرأ بكل لغة، ويدرك بكل وسيلة، قال تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ)[ق: 8].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
قال الله -تعالى-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر: 67] أي ما عظموه وما عرفوه حق معرفته.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟" [رواه البخاري].
وله عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك" [أخرجه البخاري].
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر: 67].
من عصى الله وخالف أمره لم يقدر الله حق قدره.
من نفى عن الله صفاته أو شبهه بخلقه ما قدر الله حق قدره.
من امتلأ قلبه من خوف المخلوقين، فترك بعض الصالحات خوفا منهم، أو عمل بعض المنهيات رجاء ما عندهم، ما قدر الله حق قدره.
من دعا غير الله وطلب منه الشفاعة، أو تفريج الكروب، ما قدر الله حق قدره.
من أطاع بشراً في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، ما قدر الله حق قدره.
من هجر كلام الله فلم يقرأه، أو لم يحكمه، أو لم يعمل به، ما قدر الله حق قدره.
من أحدث حدثا في دين الله، ما قدر الله حق قدره.
من أكل أموال الناس بالباطل ما قدر الله حق قدره.
ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، ومعلم البشرية الخير.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي