بمناسبة هطول الأمطار

عبد الحميد بن جعفر داغستاني
عناصر الخطبة
  1. منافع الأمطار .
  2. المطر مظهر من مظاهر الرحمة .
  3. المطر كما يكون رحمة يكون عذاباً .
  4. مظاهرة لسلوكيات سيئة لبعض الناس .
  5. هدي النبي عند نزول المطر .
اهداف الخطبة
  1. بيان نعمة الله تعالى بالمطر
  2. التذكير بوجوب شكره سبحانه

اقتباس

ويعجب الانسان من حال بعض من استوفي الأجر من منفذي شبكات المجاري، فمد شبكة للمجاري في منطقة ما يعجب الإنسان عندما يرى الماء يخرج منها بدلا من أن تستوعبها، فاجتمع على الناس في بعض الأحياء ماء ينزل من السماء، وآخر يخرج من الأرض، فلا حول ولا قوة إلا بالله. ويتألم المسلم ذو الحس المرهف لبعض المستهترين ممن يسير بسرعة جنونية في مياه الأمطار فيؤذي المارة، ويرش عليهم...

الخطبة الأولى:

أما بعد: فيكفى أن من أسماء المطر الغيث، دلالة على عميم نفعه وعظيم وقعه.

ولما كانت الأمطار ذات أثر نافع عظيم على العباد والبلاد ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في العديد من المواطن في كتابه المجيد, الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فمن منافع الامطار: جريان الانهار قال تعالى: (وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) [الأنعام: 6],  وسيلان الأودية: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا) [الرعد: 17], وسريان الينابيع من الأرض: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) [الزمر: 21], وامتلاء الارض بالمياه الجوفية ليرجع الناس إليها عند حاجتهم وليجدوا ماء ربهم عندما تخوي آبارهم في أرضهم: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ) [المؤمنون: 18]، ولو لم يسخر الله ماء المطر لمات الناس عطشا، فحق للمولى سبحانه أن يمن علينا ويقول: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ) [الواقعة: 68، 69] ويقول: ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) [الحجر: 22], ويقول: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ ) [النحل: 10].

إنه لو لم يسخر الله لنا المطر، ولو لم يسق الماء في الارض لماتت بهائمنا التي تحمل أثقالنا الى بلاد لا نبلغها إلا بشق الأنفس: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ) [السجدة: 27].

إن دوام جريان الأنهار والبحار إنما يحصل من جراء هطول الامطار، ففي الأنهار تبحر المراكب والعبارات، وفي البحار تمخر السفن فتنقل الأحمال والأرزاق والمؤن والتجارة، ويعيش السمك في طياتها، ويستخرج بنو الإنسان اللحم الطري الذى يأكلونه والحلية والجواهر كاللؤلؤ والمرجان وخلافه: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الجاثية: 12]. ومن أعظم منافع الماء استخدام الإنسان إياه في حاجاته اليومية من طبخ وغسل وتنظيف وفي طهارته لعبادته وإزالة حدثه فيتوصل الى مرضاة ربه (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: 48]. وكما أن الماء شراب الإنسان فهو وسيلة لإثبات طعامه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام: 99]. والماء وسيلة لوجود الحدائق التي ترطب الجو وتبهج النفس وتظل من الحر: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ) [النمل: 60].

ولا ننسى أن المطر علامة لرحمة الله لعباده: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) [الشورى: 28]. والمطر علامة لغفران الذنوب: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ) [نوح: 10، 11] وهذا هود -عليه السلام- يخاطب قومه كما خاطب نوح قومه فيقول: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ) [هود: 52]

ومن لطيف قدرة الله ورأفته بعباده أن الأمطار إنما تهطل على هيئة قطرات، ولو سقط ماء المطر جملة واحدة لأتلف الأنفس والأموال.

معشر المؤمنين: كما أن الماء مظهر من مظاهر رحمة الله، فهو جندي مطيع من جنود الله, يسلطه الله على هلكة العاصين من عباده الكافرين, كما حصل مع قوم نوح المكذبين الذين لم تنفع دعوة رسول الله نوح -عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام- والتي استمرت ألف سنة إلا خمسين عاما، ويحكى المولى -عز وجل- قصتهم فيقول: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) [القمر: 9 - 16]. وما حادثة بركان كولومبيا التي نقلت أخباره إلينا منا ببعيد، فهذا بركان تفجر وأذاب طبقة عظيمة من الجليد تحولت إلى ماء, فأغرقت المدينة وغمرتها بالفعل فما أعظم قدرة الله، وما أقوى جنده، ولله جنود السموات والارض.

إننا لنحمد الله إذ لم تكن الامطار التي هطلت علينا مؤخرا أعاصير مدمرة كما يحصل فيمن حولنا، ونشكره سبحانه وتعالى عليها. وإنه بقدر ما دخلت نفوسنا الفرحة الغامرة برحمة الله ساءنا ما شاهدنا من غش بعض المنفذين للطرقات، فتجمعت المياه في تلك الطرقات وجمعت الأوحال والاوساخ فيما بعد أسرابا من الحشرات.

 إن منفذ تلك الطرقات ومستلمها شريكان في الوزر والإثم أمام الله أولا ,ثم أمام من كلفهم من المسؤولين في الدولة ثم أمام عامة الناس المتضررين من هذا الغش، ولكم يتألم الإنسان عندما يرى غش مقاول وبناء لم يحكم البناء الموكل له، فترى السقف مثلا  يخر من ماء المطر أو النوافذ تسرب الماء، فتفسد أثاث البيوت، ويعجب الانسان من حال بعض من استوفي الأجر من منفذي شبكات المجاري، فمد شبكة للمجاري في منطقة ما يعجب الإنسان عندما يرى الماء يخرج منها بدلا من أن تستوعبها، فاجتمع على الناس في بعض الأحياء ماء ينزل من السماء، وآخر يخرج من الأرض، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ويتألم المسلم ذو الحس المرهف لبعض المستهترين ممن يسير بسرعة جنونية في مياه الأمطار فيؤذي المارة، ويرش عليهم مما في الأرض، فيقذر ملابسهم ويملأ بالأقذار أجسامهم.

كما ويؤلم المسلم ما يراه من استغلال بعض الناس فرصة امتلاء الشوارع بمياه الأمطار, فيسلطون مضخات كهربائية تنفث في الشوارع محتويات مجاري وفضلات خزانات صرف هؤلاء.

إن أمثال هذه التصرفات السيئة تضاد سمو خلق المسلم, وتقلب رحمة الله وفرحة عباده المؤمنين بأمطاره إلى نقمة ونكد، فلا يتمنى أحد بعد ذلك هطول مطر ولا نزول غيث.

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- اذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ما أرسلت به" رواه مسلم. وكان عبد الله بن الزبير إذا سمع الرعد ترك الحديث فقال: "سبحان الذى يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته". وروى الترمذي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك" سنن الترمذي. وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما يروي البخاري: "إذا رأى المطر قال: اللهم صيبا نافعا". ويروي مسلم عن أنس قال: "أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر قال: فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه" صحيح مسلم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي