إن وسائل الإعلام المرئية تنشط في رمضان -كما هو مشاهد- بشكل عجيب، تكثف جهودها، وتحشد جنودها، وترص صفوها؛ من أجل شغل الأوقات في هذا الشهر الكريم، عبر استعدادات كبيرة وإمكانات ضخمة، وفي أي شيء يا ترى شغلت تلك القنوات الأوقات؟! لقد بثوا برامج صنعت وأعدت خصيصاً لشهر الصيام، فيها الأغاني الماجنة، والأفلام الهابطة، والرقصات الفاجرة، والأفكار الضالة الماكرة، حتى أضحى...
الحمد الله الذي اختار للخيرات أوقاتًا وأيامًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب المغفرة لمن صام رمضان إيماناً واحتساباً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، بعثه الله للناس إماماً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما ذكره الذاكرون قعوداً أو قياماً.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- في كل الأزمان والدهور، فهي والله نعم العدة لأهوال القبور؛ قال الله في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33].
أيها المسلمون: إن من الناس من اتخذوا رمضان موسمًا لطاعة الله ومضاعفة الخيرات، صاموا نهاره فأحسنوا الصيام، وقاموا ليله فأحسنوا القيام، ومنهم من لم ينتفع برمضان ولم يستفد مما فيه من صيام وقيام جعله الله تعالى للقلب والروح فجعلوه للبطن والمعدة، جعله الله تعالى للحلم والصبر فجعلوه للغضب والبطش، جعله الله تعالى للسكينة فجعلوه شهر السباب والشجار، جعله الله تعالى ليغيروا فيه من صفات أنفسهم، فما غيروا إلا مواعيد أكلهم وشربهم وشهواتهم، جعله الله تعالى تهذيباً للغني الطاعم ومواساة للبائس المحروم فجعلوه معرضاً لفنون الأطعمة والأشربة تزداد فيه تخمة الغني بقدر ما تزداد حسرة الفقير.
عباد الله: هنيئاً لكم بشهر الصيام، شهر البر والقيام، وشهر الخيرات والفضائل العظام، شهر الكف عن الحرام، وترك فضول الطعام والكلام، شهر رمضان المساجد فيه مليئة معمورة، والسيئات فيه بعيدة مهجورة، والناس فيه بين صائم وقائم، وتال لكتاب ربه وذاكر، ومتصدق وباذل، وأقلهم من كف نفسه عن الأذى والحرام.
أيها المسلمون: وفي ظل هذه الصور المشرقة والمضيئة نجد رمضان قد صار -وللأسف- عند فئات من الناس: شهرًا للأكل والكسل، والتسوق والسهر، وامتد الأمر عند بعضهم إلى أن صار شهر رمضان عندهم: شهرًا للغو واللهو الحرام. فما أنْ يَهِلّ هلالُ رمضان؛ حتى تتسابق القنوات الفضائية بتقديم رصيدها الإعلامي من البرامج والمسلسلات والأفلام، حالةٌ محمومة يتسابق فيها المفسدون بشتَّى أجناسهم وطبقاتهم؛ لتوظيف الناس وإشغالهم لمتابعة برامجهم الساقطة، مع تحريك الغرائز، وبثِّ الشبهات، ودسِّ السمِّ في العسل.
عباد الله: إن وسائل الإعلام المرئية تنشط في رمضان -كما هو مشاهد- بشكل عجيب، تكثف جهودها، وتحشد جنودها، وترص صفوها؛ من أجل شغل الأوقات في هذا الشهر الكريم، عبر استعدادات كبيرة وإمكانات ضخمة، وفي أي شيء يا ترى شغلت تلك القنوات الأوقات؟!
لقد بثوا برامج صنعت وأعدت خصيصاً لشهر الصيام، فيها الأغاني الماجنة، والأفلام الهابطة، والرقصات الفاجرة، والأفكار الضالة الماكرة، حتى أضحى فئام من الناس يفطرون على نعمة الله تعالى، ويشاهدون ما فيه معصية لله؛ من برامج هزلية، ومسلسلات فكاهية، تتهكم بالشريعة، وتسخر من أهل الفضيلة بحجة حرية الرأي والفكر.
أيها الصائمون: لقد تبلد الإحساس عند بعض الناس؛ بسبب السيل الجارف من القنوات، وما تحمله من العفن والقاذورات، وماتت الكثير من الفضائل فصار بعض الناس يتقبل أن ينظر في الشاشة رجلاً يحتضن شابة؛ لأنه يمثل دور أبيها، وصرنا لا ننكر أن تظهر المرأة حاسرة للرأس، كاشفة عن الشعر والرقبة، مظهرة للذراعين والساقين، بل ألف البعض منا مناظر احتساء الخمور وصور الاغتصاب والسرقات والقتل والسباب بأقذع الألفاظ بدعوى التمثيل والفكاهة.
أيها الصائمون: قولوا لي بربكم: هل يتناسب ما يطرح في تلك الفضائيات مع شهر الصيام والخيرات؟! وهل حقق التقوى من أمضى وقته في التسمر أمام الشاشات والقنوات؟! أيعقل -يا أولي الألباب- أن يصير هذا الشهر عند المحرومين شهراً يتضاعف فيه الإثم والعصيان؟! أيليق أن يقابل شهر الخيرات، بالإقبال على الموبقات والإدبار عن الصالحات؟!
عباد الله: ما الفائدة من عرض قصص الحب والغزل، ومشاهد العري والسفور، في شهر رمضان؟! هل يريد أرباب هذه القنوات والبرامج الفاضحة أن يُفَرِّغوا رمضان من محتواه الحقيقي ليتحوَّل إلى موسم للفجور؟! وصدق الله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27].
عباد الله: وإذا كان هذا هو حال الكثير من البرامج في قنواتنا العربية التي تعرض في بيوت المسلمين، فإن الأمر يزداد خطراً في بعض البرامج الطائشة التي يشاهده -وللأسف- الكثير من الناس، ولتي لم تقف عند حد الإغراء والإغواء الأخلاقي؛ بل تجاوزه إلى السخرية المباشرة من ثوابت العقيدة وشرائع الإسلام ومن أهل العلم من علماء ومشايخ. فهذه تستهزئ بالدين، وتلك تستهزئ بعلمائنا ومشايخنا، حتى والله أنبياء الله والصالحين لم يسلموا من هذه القنوات والعياذ بالله، يأتي شخص يجالس العري ويقارع الكأس يأتي على أنه نبي الله زكريا وآخر على أنه يوسف -عليه السلام-، وآخر على أنه خليفة رسول الله عمر بن الخطاب، وتلك التي تجدها تمثل العري والقبلات الساخنة تأتي على أنها مريم العذراء، فأي استهزاء بعد هذا؟! وإلى أين سيصل هؤلاء؟!
لقد جاء في بيان علمائنا الكبار في فتوى اللجنة الدائمة تحريم إنتاج هذا المسلسل وبيعه وترويجه وعرضه على المسلمين لاشتماله على الاستهزاء ببعض أُمور الدين والسُّخرية مِمَّن يعملُ بها، واشتمالُه على ما يُعارض الشرع الْمُطهَّر، ولنشره الرذيلة، وطمسه معالم الفضيلة، وإشاعته الفساد ومحبَّة المنكرات والاستئناس بها، إلى آخر ما ورد في البيان.
معاشر الصائمين: ونحن نتحدث عن هذا البرنامج وغيره من برامج القنوات الفاسدة، نقول: أيها المشاهدون؟! أما تخشون على دينكم وأنتم تشاهدون؟! وربما تضحكون ممن يسخر ويستهزئ بالله ورسوله وشعائر دينه وأوليائه! ألم يُفْتِ علماؤنا الكبار بتحريم مشاهدة هذا المسلسل فرميتم بها عرض الحائط؟! ما لَكُم كيف تحكمون؟!
أيها المشاهد: لو استهزأ هؤلاء الطائشون بوالدك أو أسرتك، كيف ستكون ردة فعلك؟! فكيف بك الآن وأنت تراهم يستهزئون بدينك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-؟! هل تعلم أنك مشارك لهم في الإثم بمجرد المشاهدة؟!
يا معاشر الصائمين: توبوا إلى ربكم، وأنيبوا إلى مولاكم واعلموا أن من صامت حواسه عما حرم الله فهو المقبول إن شاء الله، ومن صام عن الطعام والشراب، وأفطر بصره على الحرام، وسمعه على الحرام، وقلبه على الأنس بالحرام، فيخشى عليه من رد الصيام والقيام أو من فقدان أجرهما، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أي يدع طعامه وشرابه".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأعوانه.
معاشر الصائمين: لقد استطعنا كبح شهواتنا المباح منها والمحرم في نهار رمضان؛ فلماذا لا نكبح نفوسنا عن الحرام في ليالي رمضان؟! وإذا جاهدنا أنفسنا في نهار الصيام، فقضينا أوقاتنا فيما يرضي الملك العلام؛ فلماذا لا يستمر ذلك الخير في ليالي الصيام؟!
أيها الصائمون: إنني أخاطب الإيمان الذي في قلوبكم بأن تحفظوا وتحافظوا على نعمة البصر، ولا تطلقوا النظر فيما حرم الله، وليخش الذين يصرون على الشهوات والنظر إلى الحرمات أن يسلب الله منهم نعمة البصر، ويبتليهم بطمس البصر والبصيرة -والعياذ بالله-؛ فإن النعم إنما تدوم بشكرها لا بكفرها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
هذا؛ وصلوا على النبي الكريم، فقد أمركم الله بذلك ربكم العليم الحكيم فقال قولاً مبينًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا أرحم الراحمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي