الإيمان باليوم الآخر

محمد راتب النابلسي

عناصر الخطبة

  1. أهمية الإيمان باليوم الآخر
  2. من لوازم عدم الإيمان بالآخرة
  3. وصية جامعة للفاروق عمر

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقرارًا بربوبيته وإرغامًا لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا، وأرِنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أيها الإخوة الكرام: موضوع الخطبة اليوم عن الدار الآخرة، وسبب طرح هذا الموضوع هو أن بعض رواد المساجد ممن يحضرون خطب الجمعة، لو دققت في أعمالهم لا تجد أنهم يعملون للآخرة، من طريقة كسب بعض أموالهم، من طريقة علاقاتهم، فالإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان، بل إن الله -سبحانه وتعالى- قرن الإيمان به مع الإيمان باليوم الآخر في أكثر آيات القرآن؛ لأنه من لوازم الإيمان بالله أن تؤمن أنه خلق الإنسان لجنّةٍ عرضها السماوات والأرض، من لوازم الإيمان بالله أن تؤمن أن هذه الدنيا دار ابتلاء، من لوازم الإيمان بالله أن تؤمن أن الله -سبحانه وتعالى- عدل حكم، وأن الله -سبحانه وتعالى- سيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فالإنسان حينما يكسب مالاً حرامًا، حينما يقيم علاقة محرّمة، معنى ذلك أنه لا يؤمن بالآخرة، ولو آمن بالآخرة حق الإيمان لانضبط.

ما من مخلوق يؤمن أن عمله مسجل عليه، وأنه سيحاسب عليه من دون شك، إلا وينضبط، ولو أن الإنسان تأمّل في علاقاته في الدنيا لوجد أنه ينضبط مع أية جهة تضبط سلوكه وتحاسبه على عمله، أيعقل أن يكون إيمان الإنسان بإنسان وبوعيده أشد من إيمانه بالله -عز وجل- ووعيده.

أيها الإخوة الكرام: لا أكتمكم أن أخطر أنواع التكذيب هو التكذيب العملي، اللسان يؤمن، لكن السلوك لا يؤمن، لا تجد في السلوك الإيمان الذي قاله اللسان.

أيها الإخوة الكرام: في القرآن الكريم ما يزيد عن مائة آية متعلقة بالدار الآخرة، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ(113)﴾ [الأنعام: 112، 113].

الإصغاء للباطل من لوازم عدم الإيمان بالآخرة، الإصغاء إلى طرح متناقض مع القرآن الكريم من لوازم عدم الإيمان بالآخرة، الإصغاء إلى الباطل إلى الزخرف الذي نهى الله عنه من لوازم عدم الإيمان: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ(113)﴾ [الأنعام: 112، 113].

أول مظهر للذي لا يؤمن بالآخرة حقيقة أنه يصغي إلى الباطل، يعجبه، يتبناه، يتمسك به، ليقترف ما هو مقترف.

أيها الإخوة الكرام: ﴿الّذِينَ يَصُدُونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود: 19].

من لوازم عدم الإيمان بالآخرة الصد عن سبيل الله، وأن يرضى أن تكون الأمور على طريقة غير مستقيمة: ﴿الّذِينَ يَصُدُونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾.

الصد عن سبيل الله: أن تريد الأمور على شكل غير صحيح، الإصغاء للباطل، هذه من لوازم عدم الإيمان بالآخرة: ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: 22].

إنكار القلب للحق، والاستكبار عن الحق، أن تستكبر أن تقبل الحق الذي جاء به القرآن الكريم؛ قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء: 65]، ﴿لِلّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النحل: 60].

الذي لا يؤمن بالآخرة مَثَل سيئ في علاقاته، في أخلاقه، في حركاته، في نشاطاته، مثل سيئ، يصور الإنسان في أدنى حالاته، في ضعفه في تمزقه، في دناءته.

أيها الإخوة الكرام: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً﴾ [الإسراء: 45]، تقرأ القرآن، تستمع إلى القرآن، فلا تفهم منه شيئًا، ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً﴾، ومن أدق الآيات التي تصف الذين لا يؤمنون بالآخرة: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ [المؤمنون: 74].

لا ينحرف منحرف إلا لأنه ما آمن بالآخرة، لو آمن بالآخرة ما استطاع أن ينحرف، هناك تلازم بين عدم الإيمان بالآخرة وبين الانحراف.

أيها الإخوة الكرام: أنت مع إنسان قوي، إذا كان بإمكانه أن يضبط عملك، وأن يحاسبك حسابًا عسيرًا، هل يمكن أن تخالف أمره؟! لا يمكن.

أيها الإخوة الكرام: ﴿وَإِنّ الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾، ﴿وَأَن الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ [الإسراء: 10].

شيء آخر: حينما يُزين للإنسان عمله السيئ، ويراه حسنًا، حينما تبرق أمام الإنسان بوارق لا ترضي الله، فهذا من علامات عدم الإيمان بالآخرة: ﴿إِنّ الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ [النمل: 4]. عمله السيئ يراه حسنًا، يدافع عنه، يغطيه بفلسفة واهية، يبرره، يسوغه، إنه لم يؤمن بالآخرة، أعجبه عمله السيئ، برره، غطاه: ﴿بَلِ الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَلَالِ الْبَعِيدِ﴾ [سبأ: 8].

كيف يقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ فَإِمّا يَأْتِيَنّكُمْ مِنّي هُدًى فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123]. لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، بالمقابل: ﴿بَلِ الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾.

من علامات الذين لا يؤمنون بالآخرة: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: 45].

أيها الإخوة الكرام: الإصغاء إلى الباطل، الصد عن سبيل الله، أن يبتغي المرء الذي لا يؤمن الأمور عوجًا، إنكار القلب، الاستكبار، المثل السيئ، الحجاب المستور عن القرآن الكريم، الانحراف عن طريق الحق، تزيين العمل السيئ، عذاب في الدنيا وضلال في العقول، اشمئزاز من التوحيد وراحة للشرك.

الذين لا يؤتون الزكاة، لماذا؟! وهم بالآخرة هم كافرون.

شيء آخر: ﴿وَالّذِينَ كَذبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 147]، لهذه الآية معنيان، المعنى الأول: أن أعمالهم مادام أصحابها لم يؤمنوا بالآخرة جعلوها للدنيا، لمصالح قريبة، لمكاسب مادية، ولو أن أعمالهم في ظاهرها أعمال إنسانية، مادام الإنسان يعمل عملاً طيبًا للدنيا؛ ليكسب سمعةً، أو ليجني مالاً، أو لينتزع إعجاب الآخرين، فهذا العمل الصالح يحبطه الله -عز وجل-.

والمعنى الآخر: أن قوله تعالى: ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾، أي أن أعمالهم أصبحت دنيئة، منحرفة. ﴿وَالّذِينَ كَذّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

شيء آخر: ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة: 38].

يؤكد الله لنا -جل جلاله- أن متاع الدنيا قليل، وفي آية أخرى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النساء: 77]، ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلّا مَتَاعٌ﴾ [الرعد: 26]، قال بعض العلماء: المتعة لذة طارئة، يعقبها ألم طويل، وكآبة شديدة، والسعادة سعادة متنامية إلى ما شاء الله، فالاتصال بالله يثمر سعادة، والسير في طريق الشهوة يورث لذة عابرةً، يعقبها ألم شديد.

أيها الإخوة الكرام: هذا الذي لا يؤمن بالآخرة، إنْ بقوله، وهم قلة قليلة، وإنْ بعمله، وهم كثرة كثيرة، يصغي إلى الباطل ويُعجب به، ويتبناه، ويدافع عنه، يصد عن سبيل الله من حيث يشعر أو لا يشعر، يريد الأمور على غير ما ينبغي أن تكون عليه، ينكر قلبه الحق ويأنس بالباطل، يستكبر على أن ينصاع للحق، يعطي المثل السيئ في عمله، في علاقاته، في كل أحواله، هو في ضلال، وفي عذاب، ضالّ في عقله، وعذاب في حياته الدنيا.

إن أدق الآيات في هذا الموضوع: ﴿وَإِن الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ [المؤمنون: 74].

هناك تلازم ترابطي بين الانحراف، وبين الكفر باليوم الآخر، فمن لم يجعل الآخرة همه، ومحط رحاله، ومنتهى آماله، من لم ينقل اهتماماته إلى الدار الآخرة هذه صفاته.

من هذه السلبيات: ﴿إِن الذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيّنّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ [النمل: 4].

أصيب بالعمى: أي عمى القلب، عمله السيئ يراه حسنًا، كلما طرحت الأمور طرحًا توحيديًا اشمأز قلبه، فيرتاح إذا قلت فلان وعلان وزيد وعبيد، أما إذا قلت الله…

﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُل مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112].

إن فسّرت الأمور تفسيرًا توحيديًا اشمأز قلبه، أما إن فسرتها تفسيرًا أرضيًا شركيًا ارتاحت نفسه، هذه من علامة الذي لا يؤمن بالآخرة.

لا فرق بين أن لا تؤمن بلسانك، وبين أن لا تؤمن بعملك، العبرة العمل، من قال: أنا حريص على النجاح حرصًا لا حدود له، ولم يفتح الكتاب ولا مرةً واحدة، هل نصدقه؟! لا نصدقه، عمله يكذبه.

أيها الإخوة الكرام: خلافات مالية بين المسلمين لا تُعد ولا تُحصى، قنص للأموال، قنص للأعراض، ومع ذلك يقول لك: أنا مسلم، أين إيمانك بالآخرة؟! أين إيمانك بأن الله سيحاسبهم حسابًا دقيقًا؟! أين إيمانك بقوله تعالى: (فَوَرَبكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر: 92، 93].

أين إيمانك بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8)﴾ [الزلزلة: 7، 8]، أين إيمانك بقوله تعالى: ﴿إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1]، (إِن رَبّكَ لَبِالْمِرْصَادِ? [الفجر: 14].

أيها الإخوة الكرام: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 94]. الذي ينخلع قلبه حينما يشعر أنه دنا من الموت، هذه علامة ليست في صالحه، أما الذي آمن بالله واليوم الآخر، وسعى للآخرة سعيها، إذا جاء أجل الله يقول: مرحبًا بلقاء الله.. واكربتاه يا أبت، قال: "لا كرب على أبيك بعد اليوم، غدًا ألقى الأحبّة، محمدًا وصحبه". حب الموت من علامات المؤمنين باليوم الآخر.

أيها الإخوة الكرام: الله -سبحانه وتعالى- يقول عن صحابة نبيه الكرام: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ﴾ [آل عمران: 152]، لما حصلت إرادة يسيرة للدنيا لم يحققوا أملهم يوم أحد، ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ﴾.

أيها الإخوة الكرام: ﴿الّذِينَ يَسْتَحِبّونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ [إبراهيم: 3]. من الضلال البعيد أن تستحب الدنيا على الآخرة، ﴿إِن هَؤُلَاءِ يُحِبّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾ [الإنسان: 27]، ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ﴾ [الزخرف: 83].

أيها الإخوة: آيات كثيرة كثيرة تتحدث عن يوم القيامة، وتتحدث عن اليوم الآخر، ومن لوازم الإيمان بالله أن تؤمن باليوم الآخر، لكن الله -سبحانه وتعالى- يتفضل على عباده المؤمنين، بأن يجعل نعم الدنيا متصلةً بنعم الآخرة، قال تعالى: ﴿وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [النحل: 122]. من الأدعية المأثورة: "اللهم اجعل نعم الدنيا متصلةً بنعم الآخرة".

الدار الآخرة كسبية وليست وهبية، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ [الإسراء: 19]، سعى لها، لم يقل: سعيًا، بل سعى لها سعيها، أي لها سعي خاص، لها شروط خاصة، لها بذل خاص، لها علم خاص.

من لوازم عدم الإيمان بالآخرة، الترف في الدنيا: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الّذِينَ كَفَرُوا وَكَذبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُنْيَا مَا هَذَا إِلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون: 33].

البذخ، والإنفاق غير المعقول، والإسراف، والتبذير، والرغبة الجامحة في الظهور، وفي الاستعلاء، وفي الكبر، هذا من لوازم عدم الإيمان بالآخرة.

أيها الإخوة الكرام: يأمرنا الله -جل جلاله- أمرًا قطعي الدلالة، أن نوظف كل إمكاناتنا للدار الآخرة، من خلال قصة قارون: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِن اللّهَ لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77]، بإمكانك أن توظف كل ما آتاك الله، من أجل الحق، وعندئذ تربح الدنيا والآخرة معًا، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ﴾ [القصص: 83]، لا يريد أن يعلو على الناس، ولا أن يفسد ما أمر الله به أن يكون صالحًا، ﴿تِلْكَ الدّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ﴾.

فإن لم تكن تريد العلو في الأرض، ولا الفساد في الأرض، ووظفت كل ما وهبك الله إياه في سبيل الحق، ولم تكن مترفًا، ولا مسرفًا، ولا مبذرًا، قال تعالى: ﴿وَالذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ [الفرقان: 67].

أيها الإخوة: مثل هؤلاء ينالون الدار الآخرة؛ الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿اعْلَمُوا أَنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفارَ نَبَاتُهُ ثُمّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُم يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: 20].

اللعب: العمل الذي لا طائل منه، أما الأخطر منه اللهو، أن تلهو بالخسيس عن النفيس، والزينة تنتهي عند الموت، زيِّن مهما بدا لك أن تزيّن، زيِّن كل مكان أنت فيه، لابد من أن تغادر الدنيا، ملك الموت لا يمكن أن يعفي أحدًا من أن يأخذه إلى الدار الآخرة.

﴿وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ﴾ علامَ تفتخر، بمال امتن الله به عليك؟! افتخر بعلم، افتخر بدعوة، افتخر بعمل صالح قدره الله على يديك.

﴿وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ هذه الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر، إنما: أداة قصر، يعني هذه هي الدنيا ولا شيء سواها.

أيها الإخوة الكرام: ﴿يَا قَوْمِ إِنّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدنْيَا مَتَاعٌ وَإِنّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ [غافر: 39]، شيء عابر، ﴿وَإِن الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾، بيت تسكنه استئجارًا، ونظام الإيجار لو افترضنا أن المستأجر يجب أن يغادر البيت لأدنى إشارة من مالكه من دون قيد أو شرط أو سبب أو مبرر، ولك دخل كبير، أتنفق هذا الدخل الكبير على بيتك المُستأجر؟! ولا تملك أن تبقى فيه ثانية واحدة، وتدع بيتك الذي تملكه وإليه مصيرك مهدمًا، أهذا هو العقل؟!

الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- يقول: "يا نفس: لو أن طبيبًا حذّرك من أكلة تحبينها لا شد أنك تمتنعين، يا نفس: أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟! إذًا ما أكفرك، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله؟! إذًا ما أجهلك!!".

الإمام الغزالي يدمغ كل عاصٍ بالجهل وبالكفر، إما جهل مطبق أو كفر مطبق.

أيها الإخوة الكرام: القضية ليست أن تقول بلسانك كلامًا لا يؤكده علمك، الإيمان ما وقر في القلب، وأقر به اللسان وصدقه العمل، العبرة بالعمل، فمن ادعى أنه مؤمن باليوم الآخر، ولم تجد في طريقة كسبه للمال، ولا في علاقاته الاجتماعية، ولا في حركته ونشاطه ما يؤكد هذا الورع، فهذا إيمان لا ينفعه يوم القيامة، ألم يقل إبليس اللعين: ﴿قَالَ فَبِعِزتِكَ لَأُغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: 81]، ألم يقل: رب؟! ألم يقل: فبعزتك؟! أنفعه هذا الإيمان؟!

أيها الإخوة الكرام: الوقت ثمين، والعمر قصير، والدنيا فانية وزائلة، ولابد من وقفة نقف بها أمام الله -عز وجل- لنُسأل عن أعمالنا كلها؛ عن عقيدتنا، عن تصوراتنا، عن سلوكنا، عن مواقفنا، عن عطائنا، عن منعنا، عن غضبنا، عن رضانا، عن صلتنا، عن قطيعتنا: (فَوَرَبّكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر: 92، 93].

أيها الإخوة الكرام: الإيمان بالدار الآخرة من لوازم الإيمان بالله، إن لم تؤمن بالآخرة كأنك لم تؤمن بالله؛ لأن الله حكم عدل، وفي الدنيا غني وفقير، وقوي وضعيف، وصحيح وسقيم، ومعمر وقصير العمر، كيف تُسوَّى هذه الفروقات؟! متى تسوى؟! لا يمكن أن يكمل إيمانك من دون أن تؤمن بيوم آخر، تسوى فيه الحسابات، يؤخذ للمظلوم من ظالمه، وللضعيف ممن تقوّى عليه.

أيها الإخوة الكرام: الإيمان بالله مرتبة من أعلى المراتب، هي مرتبة أخلاقية، ومرتبة علمية، ومرتبة جمالية، أن تنال هذه المرتبة العلمية والجمالية والأخلاقية من دون جهد، من دون بذل وقت، من دون اهتمام، من دون اكتراث، ليس هذا هو الذي يوصلك إلى الله -عز وجل-، لابد من أن تجدد إيمانك، لابد من أن تراجع حساباتك، لابد من أن تمحص معتقداتك، لابد من أن تتبصر بعملك، لابد من أن تتأمل، لابد من أن تحاسب نفسك حسابًا عسيرًا، ليكون حسابك يسيرًا، أما إذا أهملت حساب نفسك جاء الحساب عسيرًا يوم القيامة.

أيها الإخوة الكرام: كملخص لهذه الخطبة، أي عمل تعمله، هيئ لربك جوابًا عنه، لو أن الله سألك: لمَ فعلت هذا؟! لمَ طلقت؟! لمَ أعطيت؟! لمَ منعت؟! لمَ خرقت الاستقامة؟! لمَ خالفت؟! هيئ لله جوابًا عن كل عمل تعمله.

شيء آخر: كل عمل يأخذ من جهدك ووقتك الثمين، وقتًا وجهدًا هل تنتهي ثماره عند الموت؟! إذًا هو من الدنيا، هل تبدأ ثماره بعد الموت؟! إذًا هو من الآخرة، هل تبدأ ثماره من الآن وتستمر لما بعد الموت؟! إذًا هو من الآخرة، اجهد أن تكون أعمالك من التي تستمر عطاءاتها بعد الموت.

لهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ". أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدرامي.

أيها الإخوة: إن الناقد بصير: "يا أبا ذر: جدِّد السفينة، فإن البحر عميق".

وما أظن أن يومًا مرّ على المسلمين كهذه الأيام التي فيها الفتن مستعرة والضلالات منتشرة، ويمسي الرجل مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يمسي كافرًا ويصبح مؤمنًا لشهوة اقتنصها، أو زلة وقع بها، أو تقليد لبدعة سار فيها.

أيها الإخوة الكرام: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. عن ابن عمر: "دينك دينك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا".

راجع -أيها الأخ الكريم- آيات الدار الآخرة في القرآن الكريم، تأمل ذاتك، هل تراها منطبقةً عليك، الذي يؤمن بالآخرة لا يريد علوًّا في الأرض ولا فسادًا، الذي يؤمن بالآخرة يبتعد عن الترف، الذي يؤمن بالآخرة يحاسب نفسه حسابًا عسيرًا، الذي يؤمن بالآخرة يستقيم على أمر الله، يحل الحلال، ويحرم الحرام، يأتمر بما أمر وينتهي عما نهى عنه وزجر، هذا الذي يؤمن بالآخرة.

أيها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة الكرام: عثرت على وصية لسيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مؤلفة من ثماني عشرة حكمة، وفي هذه الحكم -أيها الإخوة- من الخير ما لا يعلمه إلا الله، قبل أن أذكرها لكم، الحكمة: كما يعرفها المعرفون تجربة مكثفة في كلمات، تجربة عمر مديد مكثفة في كلمات، هذه التجربة مستقاة من كتاب الله، من سنة رسول الله، من واقع الحياة، من المعاناة، من الممارسة، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:

"ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه". إنسان استغباك، وعصى الله فيك، كيف تعاقبه؟! بأن تضبط لسانك ولا تعصي الله فيه.

إنسان أخذ من مالك غصبًا، اغتصابًا، كيف تعاقبه؟! بأن لا تأخذ من ماله غصبًا.

قال رجل لبعض العلماء المخلصين: إني أشفق عليك مما يقوله عنك الآخرون، فقال: هل سمعت مني عليهم شيئًا؟! قال: لا، قال: فعليهم أشفق.

"ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه".

إنسان أخطأ معك، لا تخطئ معه، أخذ من مالك حرامًا، لا تأخذ من ماله، اغتابك، لا تغتبه.

ووصية أخرى: "ضع أمر أخيك على أحسنه، حتى يجيئك منه ما يغلبك". يعني التمس لأخيك عذرًا، ولو سبعين مرة، دائمًا فسّر الأمور تفسيرًا لصالح أخيك، لا تفسر الأمر تفسيرًا سيئًا، لا تكن سوداويًا، متشائمًا تبحث عن العيوب، احمل كل قول، وكل تصرف على أحسن ما يُحمل عليه، إلى أن يجيئك ما يغلبك باليقين.

كلمة قيلت عن مؤمن، احملها محملاً حسنًا، فسِّر عمله تفسيرًا طيبًا إلى أن يأتيك الدليل القطعي، عندئذ غير ظنك فيه.

الثالثة: "لا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملاً".

كلمة في ظاهرها شريرة، لكن يمكن أن تؤول تأويلاً طيبًا، القصة المشهورة، أن أحد أصحاب رسول الله قال: إني أصلي بغير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء، وإني أكره اليقين، وأفرّ من رحمة الله.

يُروى على ذمة هذه الرواية، أن الإمام عليًّا قال: هذا يصلي على النبي بغير وضوء، ويفر من المطر وهي رحمة الله، ويكره اليقين وهو الموت طمعًا في العمل الصالح، وله في الأرض زوجة وأولاد، ما ليس لله في السماء.

يعني إذا أمكن من أجل أن تمتُن العلاقات بين المؤمنين، أن تحمل كلمة قالها مؤمن على محمل حسن، إلى أن يأتي اليقين أنه أراد بها شرًّا.

أيها الإخوة الكرام: من عرض نفسه للتهم فلا يلومن أحدًا إذا أساء الظن به.

عن عَلِي بْن الْحُسَيْنِ -رَضِي الله عَنْهمَا- أَنَ صَفِيةَ زَوْجَ النَبِيِ -صَلَى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَهِ -صَلَى اللَهم عَلَيْهِ وَسَلَمَ- تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَبِيُ -صَلَى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَمَ- مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِ سَلَمَةَ مَرَ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَمَا عَلَى رَسُولِ اللَهِ -صَلَى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَمَ- فَقَالَ لَهُمَا النَبِيُ -صَلَى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَمَ-: "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَمَا هِيَ صَفِيَةُ بِنْتُ حُيَيٍ"، فَقَالا: سُبْحَانَ اللَهِ يَا رَسُولَ اللَهِ!! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَبِيُ -صَلَى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَمَ-: "إِنَ الشَيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَمِ، وَإِنِي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا". وضِّح الأمور، البيان يطرد الشيطان.

قال: ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، وعليك بإخوان الصدق، اختر أصحابك من المؤمنين المتفوقين، من المؤمنين الورعين، من المؤمنين العالمين، من المؤمنين المخلصين.

قال: "عليك بإخوان الصدق تعش بأكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء. وعليك بالصدق وإن قتلك، ولا تعترض فيما لا يعنيك".

لا تعترض على الله فيما لا يعنيك، لله في خلقه شؤون، لو اطلعت على الغيب لوجدت الواقع محض الكمال، ليس في الإمكان أبدع مما كان.

"ولا تسأل عما لم يكن، فإنَّ فيما كان شغلاً عما لم يكن". هذا الفكر الافتراضي، تضيع وقتك في مسائل افتراضية لا تقدم ولا تؤخر، ولا تقع في ألف عام.

"لا تطلبن حاجة إلى من لا يحب نجاحها لك".

"لا تتهاون بالحلف الكاذب، فيهلكك الله -عز وجل-".

"لا تصحب الفجار كي تتعلم من فجورهم". من صاحب الفجار صار فاجرًا، يجب أن تحتمي، أن تبحث عن حمية اجتماعية، كما تبحث عن حمية لطعامك وشرابك، الصاحب الفاجر يجعلك فاجرًا.

"واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله، وتخشع عند القبور، وتذلل عند الطاعة، وانظر أن هذه الطاعة امتن الله بها عليك، واستعصم عند المعصية، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى، فإن الله تعالى يقول: ﴿كَذَلِكَ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].

ثماني عشرة حكمة وردت على لسان سيدنا عمر الذي وصفه النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: "لو كان نبي بعدي لكان عمر".


تم تحميل المحتوى من موقع