واعلموا أن السنة لمن خرج إلى مصلى العيد من طريق أن يرجع من طريق. ولقد جرت عادة الناس أن يتصافحوا ويهنئ بعضهم بعضا في العيد، وهذه عادة حسنة تجلب المودة وتزيل البغضاء. أما زيارة القبور في هذا اليوم بالذات فلم أعلم لها أصلا من الشرع، فزيارة القبور مشروعة في كل وقت ولم يرد تخصيص يوم العيد بزيارتها...
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من إتمام الصيام والقيام، فإن ذلك من أكبر النعم، واسألوه أن يتقبل ذلك منكم ويتجاوز عما حصل من التفريط والإهمال، فإنه تعالى أكرم الأكرمين وأجود الأجودين.
واعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر" أخرجه مسلم, وتفسير ذلك أن صيام رمضان يقابل عشرة أشهر، وصيام ست من شوال يقابل شهرين فذلك تمام العام.
وأما صيام يوم واحد بعد العيد وتسميته يوم الصبر فهذا غير صحيح، ويوم الصبر كل يوم تصوم فيه فهو يوم صبر، لأنك تصبر نفسك وتمنعها مما يمتنع في الصيام، وقد اعتقد بعض العوام أن من صام الست في سنة لزمه أن يصومها كل سنة وهذا غير صحيح، فصيام الست سُنَّة، فيها ما سمعتم من الفضل ولا بأس أن يصومها الإنسان سنة ويتركها أخرى، ولكن الأفضل أن يصومها كل سنة ولا يحرم نفسه من ثوابها.
أيها الناس: تذكروا بجمعكم هذا يوم الجمع الأكبر حين تقومون يوم القيامة من قبوركم لرب العالمين، حافية أقدامكم، عارية أجسامكم، شاخصة أبصاركم, (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحج: 2] (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) [عبس: 34 - 37], يوم تفرق الصحف ذات اليمين وذات الشمال، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا ) [الانشقاق: 7 - 12]. يوم توضع الموازين (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ)[المؤمنون: 102 - 105]. يوم ينصب الصراط على جهنم فتمرون عليه على قدر أعمالكم ومسابقتكم في الخيرات، فمن كان سريعا في الدنيا في مرضاة الله كان سريعا في مروره على الصراط، ومن كان بطيئا في الدنيا في مرضاة الله ومتثاقلا فيها كان مروره على الصراط كذلك، جزاءً وفاقا.
فاستبقوا الخيرات -أيها المسلمون- وأعدوا لهذا اليوم عدته لعلكم تفلحون، واعلموا أن السنة لمن خرج إلى مصلى العيد من طريق أن يرجع من طريق.
ولقد جرت عادة الناس أن يتصافحوا ويهنئ بعضهم بعضا في العيد، وهذه عادة حسنة تجلب المودة وتزيل البغضاء.
أما زيارة القبور في هذا اليوم بالذات فلم أعلم لها أصلا من الشرع، فزيارة القبور مشروعة في كل وقت ولم يرد تخصيص يوم العيد بزيارتها.
أيها الناس: قبل انتهاء خطبتنا هذه أحب أن أوجه موعظة للنساء كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعظهن في صلاة العيد بعد الرجال. فأقول: أيتها النساء، إن عليكن أن تتقين الله في أنفسكن، وأن تحفظن حدوده، وترعين حقوق الأزواج والأولاد، (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء: 34].
أيتها النساء: لا يغرنكن ما يفعله بعض النساء من الخروج إلى الأسواق بالتبرج والطيب وكشف الوجه واليدين, أو وضع ستر رقيق لا يستر, فلقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد"، وذكر: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" مسلم.
وإذا مشيتن في الأسواق فعليكن بالسكينة ولا تزاحمن الرجال ولا ترفعن أصواتكن، ولا تلُبسن بناتكن ألبسة مكروهة، ولا تتشبهن بالرجال فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن المتشبهات من النساء بالرجال وقال الرسول-صلى الله عليه وسلم- للنساء: "رأيتكن أكثر أهل النار لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير" متفق عليه.
اللهم إن عبادك خرجوا إلى هذا المكان يرجون ثوابك وفضلك ويخافون عذابك، اللهم حقق لنا ما نرجو وأمِّنا مما نخاف، اللهم تقبل منا واغفر لنا وارحمنا، اللهم انصرنا على عدونا واجمع كلمتنا على الحق، ويسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى إنك جواد كريم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي