الحذر من سوء الخاتمة

علي عبد الرحمن الحذيفي

عناصر الخطبة

  1. غنى الله تعالى عن عباده وأعمالهم
  2. الأعمال الصالحة سبب الخير في الدنيا والآخرة
  3. توفيق الصالحين لحسن الخاتمة
  4. أسباب التوفيق إلى حسن الخاتمة
  5. الترهيب من سوء الخاتمة
  6. أسباب سوء الخاتمة

الحمد لله العليم الخبير، السميع البصير، أحاط بكل شيءٍ علمًا، وأحصى كل شيءٍ عددًا، لا إله إلا هو إليه المصير، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الكبير، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله البشير النذير، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله ذوي الفضل الكبير.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق تقواه، وسارِعوا دائمًا إلى مغفرته ورِضاه؛ فقد فاز وسعِد من أقبل على مولاه، وخابَ وخسِرَ من اتبع هواه وأعرض عن أُخراه.

عباد الله: إن ربكم غنيٌّ عنكم، لا تضره معصيةُ من عصاه، ولا تنفعه طاعةُ من أطاعه، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني". رواه مسلم من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.

وكما قال تعالى: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 176].

فالأعمال الصالحات سببُ كل خيرٍ في الدنيا والآخرة، وأعظم الأعمال وأفضلها: أعمال القلوب؛ كالإخلاص، والإيمان، والتوكل، والخوف، والرجاء، والرغبة، والرهبة، وحب ما يحبُّ اللهُ، وبُغض ما يُبغِضُ اللهُ، وتعلُّق القلب بالله وحده في جلب كل نفع ودفع كل ضر، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107].

وأعمال الجوارح الصالحة تابعةٌ لأعمال القلوب، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى". رواه البخاري ومسلم من حديث عمر -رضي الله عنه-.

والأعمال السيئة الشريرة سببٌ لكل شرٍّ في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]، وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].

والعبدُ مأمورٌ بالطاعات، ومنهيٌّ عن المحرمات في جميع الأوقات، ولكنه يتأكَّد الأمر بالعمل الصالح في آخر العمر وفي آخر ساعةٍ من الأجل، ويتأكَّد النهيُ عن الذنوب في كل وقتٍ من الأوقات، ولكنه يتأكَّد أكثر في آخر العمر وفي آخر ساعةٍ من الأجل، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالخواتيم". رواه البخاري من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-.

فمن وفَّقه الله للعمل الصالح في آخر عمره وفي آخر ساعةٍ من الأجل فقد كتب الله له حُسن الخاتمة، ومن خذلَه الله فختَمَ ساعة أجله بعمل شرٍّ، وذنب يُغضِبُ الرب، فقد خُتِمَ له بخاتمة سوءٍ -والعياذ بالله-.

وقد حثَّنا الله تعالى وأمرنا بالحرص على نيل الخاتمة الحسنة، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

والسعيُ لحسن الخاتمة غايةُ الصالحين، وهمةُ العباد المتقين، ورجاء الأبرار الخائفين، قال الله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 132]، وقال تعالى في وصف أولي الألباب: ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: 193]، وقال تعالى عن التائبين: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: 126].

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن -عز وجل- كقلبٍ واحد يُصرِّفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم مُصرِّف القلوب: صرِّف قلوبنا على طاعتك". رواه مسلم.

فمن وفَّقه الله لحُسن الخاتمة فقد سعِدَ سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، ولا كربَ عليه بعد ذلك التوفيق، ومن خُتِمَ له بسوء الخاتمة فقد خسِر في دنياه وأُخراه.

والصالحون تعظُم عنايتُهم بالأعمال الصالحة السوابق للخاتمة، كما أنهم يجتهدون في طلب الخاتمة الحسنة؛ فيُحسِنون الأعمال، ويُحسِنون الرجاء والظنَّ بالله تعالى، ويُسيئُون الظن بأنفسهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 218].

ومن صدقَ اللهَ في نيته وعمِل بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتبع هديَ أصحابه؛ فقد جرَت سنةُ الله تعالى أن يختِمَ له بخيرٍ، وأن يجعل عواقِبَ أموره إلى خير، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: 30]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: 112]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: 143].

وأسبابُ التوفيق إلى حُسن الخاتمة: النيةُ الصالحة، والإخلاص لله، والمتابعة لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النية والإخلاص شرط الأعمال المقبولة.

ومن أسباب الخاتمة الحسنة: المحافظةُ على الصلوات جماعةً؛ ففي الحديث: "من صلَّى البردَيْن دخل الجنة". رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى. والبرْدان: الفجرُ والعصرُ. وصلاتُه لغيرهما من باب أَوْلى.

ومن أسباب التوفيق لحُسن الخاتمة: الإيمان والإصلاح، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأنعام: 48].

ومن أسباب توفيق الله لحُسن الخاتمة: تقوى الله في السرِّ والعلَن، بامتثال أمره، واجتناب نهيِه، والدوام على ذلك، قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83].

ومن أسباب التوفيق لحُسن الخاتمة: اجتنابُ الكبائر وعظائم الذنوب، قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: 31].

ومن أسباب التوفيق لحُسن الخاتمة: لزوم هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباع طريق المهاجرين والأنصار والتابعين -رضي الله عنهم-، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ﴾ [التوبة: 100].

ومن أسباب التوفيق لحُسن الخاتمة: البُعد عن ظلم الناس، وعدمُ البغي والعُدوان عليهم في نفسٍ أو مالٍ أو عِرض، قال -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمُهاجِرُ من هجَرَ ما حرَّم الله".

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "واتّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ". رواه البخاري.

وفي الحديث: "ما من ذنبٍ أسرع من أن يُعجِّل الله عقوبته من البغي وقطيعة الرحِم".

ومن أسباب التوفيق لحُسن الخاتمة: الإحسانُ إلى الخلق، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 274].

وصفةُ السخاء وسماحةُ النفس مع الإسلام سببٌ للتوفيق لحُسن الخاتمة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صنائعُ المعروف تقِي مصارِعَ السوء".

ومن أسباب حُسن الخاتمة: العافيةُ من البدع؛ فإن ضررَها كبير، وفسادَها خطير، والبدعُ هي التي تُفسِدُ القلوب، وتهدِمُ الدين، وتنقُض الإسلام عروةً عُروة، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69]. وهؤلاء المُنعَمُ عليهم مُبرَّؤون من البدع كلها.

ومن أسباب حُسن الخاتمة: الدعاء بذلك للنفس، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، وفي الحديث: "لا يُنجِي حذَرٌ من قدَر، والدعاءُ ينفعُ مما نزل ومما لم ينزل". ودعاءُ المسلم لأخيه المسلم بحُسن الخاتمة مُستجاب، وفي الحديث: "ما من مُسلمٍ يدعو لأخيه بالغيب إلا قال الملَك: آمين، ولك بمثلِه".

فاسعَوا -رحمكم الله- إلى تحصيل أسباب حُسن الخاتمة؛ ليُوفِّقكم الله إلى ذلك، واحذروا أسباب سوء الخاتمة؛ فإن الخاتمة السيئة هي المُصيبة العُظمى، والداهيةُ الكبرى، والكسرُ الذي لا ينجبِر، والخُسران المُبين -والعياذ بالله-، فقد كان السلف الصالح يخافون من سوء الخاتمة أشد الخوف.

قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مُلَيْكة: "أدركتُ ثلاثين من الصحابة كلهم يخافُ النفاقَ على نفسه".

وقال ابن رجب: وكان سفيان الثوري يشتدُّ قلقه من السوابق والخواتم، فكان يبكي ويقول: "أخافُ أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا"، ويبكي ويقول: "أخافُ أن أُسلَبَ الإيمان عند الموت".

وقال بعض السلف: "ما أبكى العيون ما أبكاها الكتابُ السابق".

وقد قيل: "إن قلوب الأبرار مُعلَّقةٌ بالخواتيم؛ يقولون: ماذا يُختَم لنا؟! وقلوب المُقرَّبين مُعلَّقةٌ بالسوابق يقولون: ماذا سبق لنا؟!".

يقول مالك بن دينار -يقوم طول الليل- ويقول: "رب قد علمتَ ساكنَ الجنة والنار، ففي أي منزلٍ مالك؟!".

وكلام السلف في الخوف من سوء الخاتمة كثير.

ومن وقف على أخبار المُحتضَرين عند الموت، وشاهَدَ بعضًا منهم، اشتدَّت رغبةُ المسلم في تحصيل أسباب حُسن الخاتمة؛ ليكون مع هؤلاء المُوفَّقين لحُسن الخاتمة؛ فقد شُوهِد بعضهم وهو يقول: مرحبًا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنسٍ ولا جان.

وشُوهِد من المُحتضَرين من يلهَجُ بـ"لا إله إلا الله"، و"من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة".

وشُوهِد بعضهم يتلو القرآن، وشُوهِد بعضهم يُقسِّم مسائلَ الفرائض ويتكلَّم في مسائل العلم.

وقال بعضهم: لا تخافوا عليَّ؛ فقد بُشِّرتُ بالجنة الساعة.

قال بعض أهل العلم: "الخواتيم ميراثُ السوابق".

فكونوا -عباد الله- مع المُوفَّقين؛ فمن سلك سبيلَهم حُشِر معهم، والمرءُ مع من أحبَّ، ولا تسلُكوا سُبُل الهالكين المخذولين الذين خُتِم لهم بخاتمة سوءٍ -والعياذ بالله-، فاتبعوا أهواءهم.

قال عبد العزيز بن روَّاد: "حضرتُ رجلاً عند الموت يُلقَّنُ: لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافرٌ بها، ومات على ذلك -والعياذ بالله-"، قال: "فسألتُ عنه، فإذا هو مُدمنُ خمر".

وقيل لآخر عند الموت: قل: لا إله إلا الله، فقال: عشرة بأحد عشر. وكان مُرابيًا. وقيل لآخر: اذكر الله، فقال: رضا الغلام فلان أحبُّ إليه من رضا الله. وكان يميلُ إلى الفاحشة اللوطية.

وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال:

يا رُبَّ قائلةٍ يومًا وقد تعِبَت *** أين الطريقُ إلى حمام مِنجابِ

وكان خدَعَ جارية تريد حمام مِنجاب، فأدخلها دارَه؛ لأنها تُشبِه ذلك الحمام -يريد بها الفاحشة-، فهامَ بها، فغلبَت على عقله.

وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: سيجارة سيجارة. لأنه كان يشرب الدخان.

وأسبابُ سوء الخاتمة كثيرة؛ منها: ترك الفرائض، وارتكاب المُحرَّمات، وترك الجُمَع والجماعات؛ فإن الذنوب ربما غلبَت على الإنسان واستولَت على قلبه بحبِّها، فيأتي الموتُ وهو مُصِرٌّ على المعصية، فيستولي عليه الشيطان عند الموت، وهو في حالة ضعفٍ ودهشةٍ وحيرة، فينطِقُ بما ألِفَه وغلَبَ على حاله، فيُختَم له بسوء الخاتمة.

ومن أسباب سوء الخاتمة: البدع التي لم يشرَعها الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فالبدعة شُؤمٌ وشرٌّ على صاحبها، وهي أعظم من الكبائر، وفي الحديث: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يرِدُ عليَّ أناسٌ من أمتي الحوض، أعرفهم فتطردهم الملائكة وتقول: إنك لا تدري ما أحدَثوا بعدك، فأقول: سُحقًا سُحقًا لمن غيَّر بعدي".

ومن أسباب سوء الخاتمة: ظلم الناس، والعدوان عليهم في الدم أو المال أو العِرض أو الأرض، وظل النفس بنوعٍ من أنواع الشرك بالله -تبارك وتعالى-، قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: 21].

ومن أسباب سوء الخاتمة: الزهد في بذل المعروف، وعدم نفع المسلمين، والزهد في الدعاء، فلم يطلب الخير، قال الله تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67]، وقال تعالى: ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [الأحزاب: 19].

ومن أسباب سوء الخاتمة: الرُّكون إلى الدنيا وشهواتها وزُخرفها، وعدم المُبالاة بالآخرة، وتقديمُ محبة الدنيا على محبة الآخرة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(8)﴾ [يونس: 7، 8].

ومن أسباب سوء الخاتمة: أمراض القلوب؛ من الكبر، والحسد، والحِقد، والغِلّ، والعُجب، واحتقار الناس، والغدر، والخيانة، والمكر، والخِداع، والغِش، وبُغض ما يُحبُّ اللهُ، وحبِّ ما يُبغِضُ اللهُ، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾ [الشعراء: 87- 89].

ومن أسباب سوء الخاتمة: عُقوق الوالدَين وقطيعة الأرحام، قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ(23)﴾ [محمد: 22، 23].

ومن أسباب سوء الخاتمة: الوصية الظالمة المخالفة للشرع الحنيف، قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه واتقاه، ومُذِلِّ من خالف أمره وعصاه، أحمد ربي وأشكره على ما أسبغ من نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله ولا ربَّ سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، اصطفاه مولاه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى بلزوم طاعاته، ومُجانبة مُحرَّماته؛ تنجو من عذابه، وتفوزوا بجنَّاته.

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: 33].

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده؛ إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". رواه البخاري ومسلم.

فاطلبوا حُسن الخاتمة بالمُداومة على طاعة ربكم والبُعد عن معصيته، فما أعظمها من غاية، وما أجلَّ حُسن الخاتمة من مطلب!!

فالاستقامة على الدين ضامنةٌ لحُسن الخِتام، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأحقاف: 13].

عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الكفر والكافرين، اللهم اقمَع أهل البدع يا رب العالمين، اللهم أذِلَّ أهل البدع إلى يوم الدين يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام.  


تم تحميل المحتوى من موقع