فكما أنَّ الأموال فيها زكاةٌ تطيِّبُها وتُطهِّرها، فكذلك الأبدان تجب عليها زكاة الفطر؛ طُهرةً لها، فالحكمة من زكاة الفطر تسديدُ الخلل الذي حصل في الصيام من فُحْش الكلام ورديئه، ومواساةٌ للفقراء في يوم العيد؛ فعن ابن عباسٍ قال: "فرض رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- زكاة الفطر؛ طُهرة للصائم من اللِّغو والرِّفث، وطُعْمة للمساكين، مَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".
إن الحمد لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضللِ الله فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فكما أنَّ الأموال فيها زكاةٌ تطيِّبُها وتُطهِّرها، فكذلك الأبدان تجب عليها زكاة الفطر؛ طُهرةً لها، فالحكمة من زكاة الفطر تسديدُ الخلل الذي حصل في الصيام من فُحْش الكلام ورديئه، ومواساةٌ للفقراء في يوم العيد؛ فعن ابن عباسٍ قال: "فرض رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- زكاة الفطر؛ طُهرة للصائم من اللِّغو والرِّفث، وطُعْمة للمساكين، مَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات". رواه أبو داود وابن ماجه وإسناده حسن إن شاء الله.
من حكمة مشروعية زكاة الفطر: أنها طعمة للفقراء، فلا تجزئ إلا من طعام البلد؛ فعن أبي سعيد: "كنَّا نخرج في عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم الفطر صاعًا من طعام"، وقال أبو سعيد -رضي الله عنه-: "وكان طعامنا الشعير والزَّبيب والأَقِطِ والتمر". رواه البخاري [الأَقِط: نوع من اللبن]، وأفضل طعام الناس "الرُّزُّ" فالأفضل أن تخرج منه، وفي ظلِّ ارتفاع أسعار "الرز" قد يشقُّ على البعض أن يخرج زكاة الفطر رزًّا، و"الرز" ليس مُتحتِّمًا، فيجوز أن تُخرَجَ من الأطعمة الأخرى، فيجوز أن تخرج زكاة الفطر من التمر، والبُرِّ (القمح)، والطحين؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة". رواه البخاري ومسلم
ووزن الصَّاع النبويِّ من التمر السكري المتوسط الذي ليس من طيب السكري، وليس من رديئه: (كيلو وستمائة جرام تقريبًا)، أما البُرُّ فالصاع منه يساوي: (2 كيلو وأربعين جرامًا)، وكذلك صاع "الرز" يساوي: (2 كيلو وأربعين جرامًا).
زكاة الفطر عبادةٌ شرع النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قدرها صاعًا من طعام، والأصل في العبادات التوقيف؛ فلا يُجزئ غير الطعام؛ فلا يجزئ إخراج قيمتها من الأوراق النقدية، ولو كانت القيمة تجزي لبيَّن ذلك النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فالدراهم والدنانير كانت موجودةً في عهده -صلى الله عليه وسلم- ولم يُشرعْ إخراج زكاة الفطر منها.
والواجب في الزكاة الوسط، وهو العدل للمزكي وللفقير؛ فنهانا ربنُّا أن نخرج من الرديء في قوله -تعالى-: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) [البقرة: 267]؛ لأن في ذلك إضرارًا بالفقير، ونهَى السُّعاةَ أن يأخذوا من طيب المال؛ لأن في ذلك إضرارًا بالمتصدِّق؛ حيث قال لمعاذٍ -رضي الله عنه- لمَّا بعثه لليمن: "فإيَّاك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوةَ المظلوم". رواه البخاري (1496)، ومسلم (19)، فلم يَبقَ إلا وسَط المال، وقد أمرنا ربنُّا -تبارك وتعالى- أن نخرج في كفارة اليمين من الوسَط: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) [المائدة: 89]؛ فيَحرُم على مَن وجبتْ عليه زكاة الفطر أو زكاة المال أن يخرج من الرديء، بل الواجب من الوسط، وإن أخرج من الطيب الذي يرتضيه لنفسه، فهذا أفضل وأحبُّ إلى الله: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: 92].
وتجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يومٍ من رمضان، فسببُها الفطر من رمضان، والفطر يكون بغروب شمس آخر يومٍ منه، فمَن أسلم، أو وُلِد قبل غروب الشمس، ودام وجودُه إلى الغروب، وجبتْ عليه زكاةُ الفطر، وإن وُجد ذلك بعد الغروب، أو مات قبل الغروب، لم تجب؛ لأنَّه لم يوجَد سبب الوجوب وهو الفطر؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- زكاةَ الفطر…"، فأضاف الصدقة إلى الفطر، والفطر من رمضان يكون بغروب شمس آخر يوم من رمضان؛ فتُخرج ليلة العيد، ويَحرُم تأخيرها إلى بعد صلاة العيد من غير عذر، ومن أخَّرها يجب عليه إخراجها بعد الصلاة.
ويُستحبُّ أن تخرج عن الخدم المسلمين من الرجال والنساء؛ قال نافع مولى ابن عمر: "كان ابن عمر يُعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان لَيُعطي عن بَنِيَّ". رواه البخاري .
ومَن تبرَّع له غيره بزكاة الفطر أجزأت، وإن كان غنيًّا؛ فبعض الآباء لا تطيب نفوسُهم إلا بإخراجهم زكاة الفطر عن أبنائهم المتزوجين وزوجاتهم وأولادهم.
والأفضل أن يتولَّى الشخص زكاة الفطر بنفسه شراءً وتوزيعًا، ولِنَعتنِ بالبحث عمَّن يحتاجُها، وينتفعُ بها قوتًا، فالمُشاهَد أنَّ بعض مَن يأخذُها لا يريد الطعام، بل يريد المال؛ فلذا يبيعُها بثمن بخس.
الفقير إذا تُصدِّق عليه بزكاة الفطر أو غيرها، مَلَكَها؛ فيجوز له أن يأكَلها، أو يخرجها عن نفسه، أو يبيعها، وهي حلال على مَن اشتراها منه من غير كراهة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: وأُتِي النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بلحْم، فقلت: هذا ما تُصدِّق به على بَرِيرَة، فقال: "هو لها صدقة ولنا هدية". رواه البخاري ومسلم
فالنبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- تَحرُم عليه الصدقة، وأكَل من لحم تُصُدِّق به على بَرِيرَة، فهي بعد ما مَلَكَتْه أهدتْه للنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ففيه دليل على جواز التصرف بالصدقة بعد ملكها.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فيا أخي: احرص على صلاة العيد ولا تتركها إلاَّ من عذر؛ فقد أمرَنا ربنُّا بها في قوله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2]؛ أي: صلِّ صلاة العيد، وكان النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُحرِّض الناس على صلاة العيد حتى يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور، وأمر الحُيَّض أن يعتزلْنَ المصلَّى؛ فعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمر النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- الناس بالخروج إليهما، حتى العواتق والحُيَّض يشهدْنَ الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحُيَّض المصلَّى". رواه البخاري ومسلم
ودَاوَم النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على فعلها في الحَضَر، ولم يتركْها حتى عندما علم بهلال شوال بعد الزوال قضاها من الغد؛ فعن أبي عُمَير بن أنس قال: حدثني عمومة لي من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "غُمَّ علينا هلالُ شوال فأصبحنا صيامًا، فجاء رَكْبٌ من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد". رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
والقول بوجوب صلاة العيد أرجح من جهة الدليل، فهي واجبة على الأعيان، فكلُّ مَن وجبتْ عليه صلاة الجمعة، وجبتْ عليه صلاة العيد.
ومن فاتتْه صلاة العيد كلُّها أو بعضُها، قضاها؛ لعموم قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "مَن نسي الصلاة فليصلِّها إذا ذكرها". رواه مسلم ، ولقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا". رواه البخاري ومسلم
وقد كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- إذا لم يشهدِ العيدَ بالبصرة جمع أهلَه وولده ومواليه، ثم يأمر مولاه عبدَ الله بنَ أبي عتبة فصلَّى بهم ركعتين. رواه عبد الرزاق وإسناده صحيح.
كان من هَدي النبي زيارة المقابر في الليل والنهار، وأمرنا بزيارتها وأطلق وقت الزيارة ولم يُنقلْ عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولا عن أصحابه أنهم كانوا يخُصُّون زيارة المقابر بأيام معينة كالجمعة والأعياد، ولو كانت زيارة الأقارب الأموات في الأعياد والجمعة من البر، لبيَّن ذلك لنا النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولسبَقَنا إليه أصحابُه؛ فهم أحرص الأمة على الخير؛ قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" : "المشروع أن تُزار القبور في أيِّ وقت تيسَّر للزائر من ليل أو نهار، أمَّا التخصيص بيوم معيَّن أو ليلة معينة، فبدعةٌ لا أصلَ لـه".
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- "اللقاء الشهري" "لا تتقيَّد الزيارة بيوم معيَّن بل تستحب ليلاً ونهاراً في كل أيام الأسبوع... وأما تخصيص الزيارة يوم الجمعة وأيام الأعياد فلا أصل له، ليس في السُّنَّة عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ما يدلُّ على ذلك".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي