قبل رحيل رمضان

عبدالمحسن بن محمد القاسم
عناصر الخطبة
  1. أيام رمضان تأذن بالرحيل .
  2. المسلم والخوف من عدم القبول .
  3. ضرورة المداومة على العمل الصالح .
  4. علامة قبول الطاعات .
  5. مشروعية زكاة الفطر .
  6. آداب وأحكام العيد .

اقتباس

أيامٌ مباركةٌ أذِنَت بالرَّحيل وأوشكَت على الزَّوال، موسمٌ يُودِّعُه المُسلِمون، كم من حيٍّ لن يعود عليه رمضان وكُتِب في عِداد أهل القبور، فأصبحَ مرهونًا بما يعمله اليوم! قال -سبحانه-: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر: 38]. والعاقلُ من اغتنمَ بقيَّة لحظات شهره فشغلَها بالطاعات وعظيم القُرُبات، واستبدلَ السيئات بالحسنات، ومن كان في شهرِه مُنيبًا وفي عملِه مُصيبًا فليُحكِم البناءَ ولا يهدِم ما بناهُ بالخطيئات فيكونُ كالتي...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.

أيها المسلمون: يتفضَّل الله على عباده بمواسِم الخيرات ليتزوَّدوا من الطاعات، ولحكمته -سبحانه- لا تدومُ الأيام المباركات ليتسابقَ المُتسابِقون في لحظاتها.

والمُسلِمون في شهرٍ فاضلٍ ذاقُوا حلاوتَه؛ ففي نهاره صيامٌ وبذلٌ وعطاءٌ، وفي ليلِه تهجُّدٌ وقرآنٌ ودعاءٌ. يُغفَر فيه للمُسيئين، ويُوهَبُ فيه للمحرومين، ويسعَدُ به أشقياء، ويُستجابُ فيه الدعاء.

أيامٌ مباركةٌ أذِنَت بالرَّحيل وأوشكَت على الزَّوال، موسمٌ يُودِّعُه المُسلِمون، كم من حيٍّ لن يعود عليه رمضان وكُتِب في عِداد أهل القبور، فأصبحَ مرهونًا بما يعمله اليوم! قال -سبحانه-: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر: 38].

والعاقلُ من اغتنمَ بقيَّة لحظات شهره فشغلَها بالطاعات وعظيم القُرُبات، واستبدلَ السيئات بالحسنات، ومن كان في شهرِه مُنيبًا وفي عملِه مُصيبًا فليُحكِم البناءَ ولا يهدِم ما بناهُ بالخطيئات فيكونُ كالتي نقضَت غزلَها من بعد قوةٍ أنكاثًا.

وإذا أكملَ المُسلمُ العملَ وأتمَّه وجبَ عليه الخشيةُ من عدم قبولِه أو فسادِه بعد قبولِه. قال عليٌّ -رضي الله عنه-: "كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل". قال -سبحانه-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27].

قال سلمة بن دينار -رحمه الله-: "الخوفُ على العمل ألا يُتقبَّل أشدُّ من العمل".

والمرءُ مأمورٌ بعبادة الرحمن في كل وقتٍ وآنٍ، قال -جل وعلا-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].

ومن كان يعملُ الصالحات في رمضان فليُداوِم عليها، قال -عليه الصلاة والسلام-: "أحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ". متفق عليه.

قال النووي -رحمه الله-: "قليلُ العمل الدائم خيرٌ من كثيرٍ مُنقطِع، وإنما كان القليلُ الدائمُ خيرًا من الكثير المُنقطِع لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمُراقبة والنيَّةُ والإخلاص والإقبال على الخالق، ويُثمِرُ القليلُ الدائمُ بحيث يزيدُ على الكثير المُنقطِع أضعافًا كثيرة".

ومن كرم الله أن الأعمال الصالحة في رمضان دائِمةٌ طوال العام، فيُشرَع صيامُ ستٍّ من شوال، ومن صامَها كان كصيام الدهر. وتلاوةُ القرآن العظيم مأمورٌ بها على الدوام، وقيامُ الليل مشروعٌ في كل ليلةٍ يغربُ شمسُ نهارها، والصدقةُ بابٌ مفتوحٌ، والدعاءُ لا غِنى للمرء في حياته.

ومن عملَ طاعةً فعلامةُ قبولِها أن يصِلَها بطاعةٍ أخرى، وعلامةُ ردِّها أن يُعقِبَ تلك الطاعة بمعصية. وما أحسنَ الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسنُ منها الحسنةُ بعد الحسنة تتلُوها، وما أقبحَ السيئة بعد الحسنة تمحقُها وتعفُوها.

فزكُّوا أنفسَكم بفعل طاعته والإخلاص في عبادته، واختِموا شهرَكم بكثرة الاستِغفار؛ فالأعمالُ بالخواتِيم.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "العبرةُ بكمال النهايات لا بنقصِ البدايات".

وتوبوا إلى الله في خِتام شهركم من جميع الذنوب، فالتوبةُ في الأيام الفاضِلة أرجَى للقبول، واتَّقوا ربَّكم في كل آنٍ ومكان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون: شرعَ الله في خِتام الشهر زكاةَ الفِطر طُهرةً للصائم من اللغو والرَّفَث، وطُعمةً للمساكين، ويُستحبُّ إخراجُ الزكاة عن الجَنين، ولا بأسَ بنقلِ الزكاةِ إلى بلدٍ آخر، وإخراجُها في البلد الذي أنت فيه أفضلُ، ويجوزُ إخراجُها قبل العيد بيومٍ أو يومين، ويُستحبُّ إخراجُها حين الذهابِ إلى صلاة العيد.

والعيدُ فرحٌ بتفاؤُل قبول الأعمال الصالحة في شهر البرَكات، فيُشرَعُ التكبيرُ من ليلتِه إلى صلاة العيد، وكان -عليه الصلاة والسلام- يخرجُ إلى العيد في أجمل ثيابِه، وإذا أراد أن يخرُج إلى صلاة العيد وأكل تمراتٍ وخرجَ من طريقٍ إلى المُصلَّى وعادَ من طريقٍ آخر.

ومن فاتَتْه صلاةُ العيد فإنه يُصلِّيها على صِفَتها سواء في المُصلَّى أو في غيره جماعةً أو فُرادَى.

قال البخاري -رحمه الله-: "إذا فاتَه العيدُ يُصلِّي ركعتَيْن".

ويحرُم على المرأة أن تخرُج بزينتِها إلى المُصلَّى أو غيره.

والعيدُ سرورٌ واستِبشارٌ بإسباغ فضل الله على عبادِه، فيُكثِرُ العبدُ في يوم العيد من ذكرِ الله، قال -عليه الصلاة والسلام-: "وإن هذه الأيام أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله -عزّ وجل-". رواه أبو داود.

وليحذَر المُسلمُ أن يتجاوزَ في العيد ما حدَّه الله له، فيهدِمُ ما بَناهُ في رمضان، وليكُن على وجهِك في العيد وغيرِه نورُ الطاعة وسَمتُ العبادة؛ فرَبُّ رمضان هو ربُّ جميع الشهور.

ثم اعلموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا، واجعلنا في هذا الشهر العظيم من عُتقائِك من النار. اللهم ارفع درجاتنا، وتقبَّل طاعاتنا.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم اجمع قلوبَهم على التقوى، واجمع شملَهم على البرِّ والهُدى، ونوِّر بُلدانَهم بشريعتك يا رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي