المسيح الدجال

خالد بن عبدالله الشايع

عناصر الخطبة

  1. الدجال اسمه ووصفه
  2. عظم فتنة الدجال
  3. تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتنته
  4. علامات خروجه
  5. الخلاف في ابن صياد
  6. اليهود أكثر أتباع الدجال
  7. العاصم من فتنة الدجال

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله…

أما بعد:

عباد الله: إن أهم ما ينبغي للمسلم أن يعنى به من أمور دينه: أمور العقيدة، خصوصًا الغيبيات، لأنها تدخل في قوله -جل وعلا-: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، فمن عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بخروج المسيح الدجال آخر الزمان كما أشار إلى ذلك القرآن، وأخبر به المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

والدجال هو مسيح الضلالة، يفتن الناس بما أعطاه الله من الآيات كإنزال المطر، وإحياء الأرض بالنبات وغيرها من الخوارق، وسمي المسيح الدجال بالمسيح لأنه ممسوح إحدى العينين، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يومًا.

وسمي بالدجال: لأنه يغطي الحق بالباطل، بتمويهه بالكذب، وهو رجل من بني آدم، له صفات كثيرة، جاءت في السنة لتعريف الناس به، وتحذيرهم من شره، حتى إذا خرج عرفه المؤمنون، فلا يفتنون به، ومن هذه الصفات أنه رجل شاب، أحمر قصير أفحج، جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى، وهذه العين ليست بناتئة ولا جحراء، كأنها عنبة طافية، وعينه اليسرى عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) بالحروف المقطعة، أو ﴿كافر﴾ بدون تقطيع، يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب. ومن صفاته أنه عقيم لا يولد.

وهذه الكتابة التي بين عينيه حقيقية على ظاهرها، ولا إشكال في رؤية بعض الناس لهذه الكتابة دون بعض، وكذلك قراءة الأمي لها، قال ابن حجر -رحمه الله-: "وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعين بصره، وإن كان لا يعرف الكتابة، فيخرق الله للمؤمن الإدراك دون تعلم، لأن ذلك الزمن تخرق فيه العادات".

أيها المؤمنون: إن فتنة الدجال فتنة عظيمة، أخرج مسلم في صحيحه من حديث عمران بن الحصين قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال".

ولقد أمر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الناس بالاستعاذة من فتنته في دبر كل صلاة، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال".

ولقد حذّر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أصحابه وأمته من فتنة الدجال، بل لقد حذّر منه كل نبي، وذلك لعظيم فتنته؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من نبي إلا وحذّر أمته الأعور الكذاب".

وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر قال: قام النبي -صلى الله عليه وسلم- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور".

ولقد كان السلف -رحمهم الله- يحذرون منه ويعلمون أولادهم الاستعاذة منه، قال الإمام السفاريني -رحمه الله-: "مما ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال بين الأولاد والنساء والرجال، ولا سيما في زماننا هذا الذي اشرأبت منه الفتن وكثرت فيه المحن، واندرست فيه معالم السنة، وصارت السنة فيه كالبدع، والبدع شرع يبتع".

أيها المسلمون: إن بين يدي خروج الدجال علامات تدل على قرب خروجه، جاءت موضحة في السنة، فمن ذلك: أن تنقطع ثمرة نخل بيسان، وبيسان مدينة بالأردن.

ومنها: أن يذهب ماء بحيرة طبرية، ومنها: ذهاب ماء عين زغر، وهي عين بين الحجاز وبيت المقدس، ومنها: انتصار النبي -صلى الله عليه وسلم- وظهوره على العرب، وهذه العلامات منها ما قد تم، ومنها ما بقي، وهذا يدل على أن وقت خروجه قد اقترب.

ولقد أوضحت السنة بعض أعماله ومقدار لبثه بعد خروجه، أخرج مسلم في صحيحه من حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه- أن الصحابة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الدجال فقالوا: وما لبثه في الأرض؟! قال: "أربعون يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم"، قالوا: وما إسراعه في الأرض؟! قال: "كالغيث إذا استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت…". حتى قال: "ويأتي على القوم فيدعوهم فيردون عليه ما قال، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول: أخرجي كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل".

أخرج مسلم في صحيحه من حديث حذيفة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان، أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تتأجج".

اللهم أعذنا من فتنة المسيح الدجال، ومن جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.

الخطبة الثانية:

أيها المؤمنون: لقد كان الدجال حيًّا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- موثقًا بالحديد في إحدى جزر البحر من قبل المشرق، كما جاء ذلك في حديث فاطمة بنت قيس في صحيح مسلم من كلام تميم الداري.

واختلف الصحابة ومن بعدهم في صافي بن صياد هل هو الدجال، والصواب أنه دجال من الدجاجلة، وليس بالدجال الأكبر المشهور.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "إن ابن صياد قد أشكل على بعض الصحابة، فظنوه الدجال، وتوقف فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال، وإنما هو من جنس الكهان، أصحاب الأحوال الشيطانية".

وقال ابن كثير -رحمه الله-: "والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعًا؛ لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية -وفي حديث الجساسة- فهو فيصل في هذا المقام".

أما مكان خروج الدجال فهو من جهة المشرق من خراسان، من يهودية أصبهان، ثم يسير في الأرض فلا يترك بلدًا إلا دخلها إلا مكة والمدينة، فتحرسها الملائكة فلا يستطيع دخولها، أخرج الترمذي من حديث أبي بكر الصديق قال حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان".

وأخرج الإمام أحمد من حديث أنس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفًا من اليهود"، قال ابن كثير: "فيكون بدء ظهوره من أصبهان من حارة يقال لها: اليهودية".

وأكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس غالبهم الأعراب والنساء، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة".

ثم إنه لا يزال يعيث في الأرض فسادًا حتى ينزل عيسى ابن مريم -عليه السلام- فيقتله بباب لد، وهي بلدة في فلسطين قرب بيت المقدس، أخرج مسلم من حديث النواس بن سمعان الطويل في الدجال، وقال فيه: "فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله".

أيها المسلمون: لقد أرشد الله النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى ما يعصمها من فتنة المسيح الدجال، فما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا حذرها منه، صلوات ربي وسلامه عليه.

فأول واقٍ -بإذن الله- من الدجال وفتنته: التمسك بالإسلام، والتسلح بسلاح الإيمان، ومعرفة أسماء الله وصفاته الحسنى التي لا يشاركه فيها أحد، واتباع السنة في جميع الأمور.

ومنها: التعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال وخاصة في الصلاة، كما سبق بيانه.

ومنها: حفظ فواتح سورة الكهف، العشر الآيات الأول منها، كما روى ذلك مسلم في صحيحه من حديث النواس وفيه: "من أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف"، قال الثوري: سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات التي مَنْ تدبرها لم يفتتن بالدجال.

ومنها: الفرار منه عند السماع بخروجه وعدم الذهاب إليه، أخرج الإمام أحمد من حديث عمران بن الحصين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات".

أيها المؤمنون: إن فتنة الدجال من أعظم الفتن التي تمر بالناس، فعلى اللبيب العناية بها ومعرفتها وطرق الخلاص منها.

اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.

اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن…  


تم تحميل المحتوى من موقع