آية الكرسي فضائل وأسرار

عبد الله بن علي الطريف

عناصر الخطبة

  1. منزلة آية الكرسي وبعض فضائلها
  2. شرح آية الكرسي وبعض أسرارها وحِكمها

الخطبة الأولى:

أيها الإخوة: آية الكرسي وهي قول اللهُ -تعالى-: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255].

قال عنها الشيخ السعدي -رحمه الله-: "هذه الآية الكريمة أعظمُ آيات القرآنِ وأفضلُها وأجلها، وذلك لما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الكريمة، فلهذا كثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها ورداً للإنسان في أوقاته صباحاً ومساءً، وعند نومه، وأدبار الصلوات المكتوبات" أ. هـ.

وهذه الآية هي آية الكرسي سميت بذلك؛ لأنها الوحيدة في كتاب الله التي ذكر فيها الكرسي، ولها شأن عظيم، وقد صح عن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنها أعظم آية في كتاب الله؛ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟" قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟" قَالَ: قُلْتُ: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: "وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ" [رواه مسلم].

وفي راوية عند أحمد وصححها الألباني: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ".

أيها الإخوة: وقراءة هذه الآية فيه حفظ لتاليها وطرد للشياطين؛ فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَي عِيَالٌ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ؟ قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟" قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ"، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ؛ فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ؟ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ"، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ؛ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ﴾، حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ، يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "مَا هِي؟" قُلْتُ قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ﴾ وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيء عَلَى الْخَيْرِ، فَقَالَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ" قَالَ: لاَ، قَالَ: "ذَاكَ شَيْطَانٌ" [رواه البخاري].

ويدل هذا الحديث على أنه يشرع قراءة آية الكرسي كل ليلة إذا أوى المسلم إلى فراشه، فقد صدَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله.

ومن فوائد قراءة آية الكرسي إذا أوى العبد إلى فراشه كل ليلة، وأنها: آية أخلصت لبيان التوحيد، فيكون من أواخر ما ينام عليه المسلم آية التوحيد.

ويشرع قراءتها في أذكار الصباح والمساء، ففي قصة أسير أبيّ بن كعب -رَضي الله عنه-، وفيها: أن أبيًّا لما أمسكه قال له: أَجِنِّيٌّ أَمْ إِنْسِيٌّ؟ فَقَالَ: بَلْ جِنِّيٌّ! قَالَ: مَا يُجِيرُنَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، إِذَا قَرَأْتَهَا غُدْوَةً أُجِرْتَ مِنَّا حَتَّى تُمْسِيَ، وَإِذَا قَرَأْتَهَا حِينَ تُمْسِي أُجِرْتَ مِنَّا حَتَّى تُصْبِحَ، قَالَ أُبَيٌّ: فَأَخْبَرْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ، فَقَالَ: "صَدَقَ الْخَبِيثُ" [وهي قصة مخرَّجة في سنن النسائي ومعجم الطبراني وغيرهما وصححها الألباني].

أيها الإخوة: ولم يقتصر فضلها على حفظ العبد من الشرور وشياطين الجن والإنس، بل جعل الله المداومة عليها سبباً من أسباب دخول الجنة؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ, لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ" [رواه النسائي في الكبرى، والطبراني في الكبير، وابن السني، وصححه الألباني].

يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "زاد المعاد": "بلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية -قدَّس اللّه روحَه- أنه قال: ما تركتُها عُقيبَ كُلِّ صلاة".

ومن فضائل آية الكرسي أيضاً: أنها تشتمل على اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -رَضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلى الله عليه وسلم-: "اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ, فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ: الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ, وَطه"، قال الْقَاسِم أبو عبد الرحمن: "فالتمستُها فوجدت في "سورة البقرة" آية الكرسي: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وفي "سورة آل عمران" فاتحتها: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وفي "سورة طه": ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾" [رواه ابن ماجة والحاكم وحسنه الألباني].

ومما ينبغي أن يتدبره المؤمنون في هذه الآية الكريمة: حسن افتتاحها بأجل أسماء الله -تعالى-، وهو: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾.

ومن أوجه الإعجاز في هذه الآية الكريمة: أنها جمعت في عشر جمل مستقلة أصول صفات الألوهية، والتمجيد لله الواحد الأحد.

والخلاصة: أن آية الكرسي كنز من كنوز عرش الرحمن لا يعلم نهاية أسرارها إلا الله -سبحانه وتعالى-، وكل إنسان مؤمن يداوم على قراءتها في جميع الأحوال والأوقات يعيش في بركاتها في الدنيا، ويكون من الفائزين بالنعيم المقيم في الآخرة.

نسأل الله -تعالى- بمنه وكرمه أن يشملنا ببركة قرآنه، وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، إنه سميع قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية الكريمة: يخبر الله -تعالى- عن نفسه الكريمة بأن: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه.

ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربه، ممتثلا أوامره مجتنبا نواهيه، وكل ما سوى الله -تعالى- باطل، فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئا من أنواع العبادة.

وقوله: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما.

ف ﴿الْحَيُّ﴾ من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك.

و﴿الْقَيُّومُ﴾ هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، ولهذا قال بعض المحققين: "إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى".

ومن تمام حياته وقيوميته أن: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ [البقرة: 255]، والسنة النعاس.

﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ أي هو المالك وما سواه مملوك وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، فلهذا قال: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ أي لا أحد يشفع عنده بدون إذنه، فالشفاعة كلها لله -تعالى-، ولكنه تعالى إذا أراد أن يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه، لا يبتدئ الشافع قبل الإذن، ثم قال: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي ما مضى من جميع الأمور ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي ما يستقبل منها، فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور، متقدمها ومتأخرها، بالظواهر والبواطن، بالغيب والشهادة، والعباد ليس لهم من الأمر شيء ولا من العلم مثقال ذرة إلا ما علمهم تعالى، ولهذا قال: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾، وهذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه، إذا كان هذه حالةُ الكرسي أنه يسع السموات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله -تعالى-، بل هنا ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو، وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار وتكل الأبصار، وتَقَلْقَلُ الجبال وتكع عنها فحول الرجال، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها، والذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع، والذي قد أمسك السماوات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نصب، فلهذا قال: ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ﴾ أي يثقله ﴿حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدرِهِ لكمالِ صفاته ﴿الْعَظِيمُ﴾ الذي تتضاءلُ عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغرُ في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة.

فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء.

فقد اشتملت هذه الآية على توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وعلى إحاطة ملكه وإحاطة علمه وسعة سلطانه وجلاله ومجده، وعظمته وكبريائه وعلوه على جميع مخلوقاته.

فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات" أ. هـ.

وبعد -أيها الإخوة-: يتبن لنا من سرد هذه الفضائل والمواضع الكثيرة لقراءة المسلم لآية الكرسي في اليوم والليلة ومعرفة معانيها، عظم فائدة استذكار التوحيد والعناية بمقامه وتدبر دلالاته وبراهينه ليصبح المسلم في أيامه ولياليه مستذكراً للتوحيد مستحضراً له معتنياً بدلائله وبراهينه، فآية الكرسي متنٌ جامعٌ للتوحيد.

احفظوها وحفظوها أولادكم وأهليكم، وداوموا على تلاوتها فقد ذكرنا ثمانية مواضع في اليوم والليلة لتلاوتها.


تم تحميل المحتوى من موقع