إحياء القيم (2)

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. إعادة النظر في المعايير العالمية الغربية .
  2. إخضاع المعايير الغربية للشرع .
  3. أعظم معيار لدى المسلمين .
  4. أهمية العلم والإيمان في إحياء القيم .
  5. نظر الإسلام إلى بعض القيم .
  6. مقارنة بين نظر الإسلام ونظر الغرب لبعض القضايا .
  7. عوامل مهمة في إحياء القيم .

اقتباس

نحن -أيها الأخوة- نملك ما هو أعظم وأعلم وأحكم من موازين الغرب، نملك قرآنا حكيما، هو دستورنا، ونملك سنة نبي كريم، هو الطريق إلى فهم القرآن، وفهم الإسلام. إن الكتاب والسنة لا يقفان عند حد الصلاة والصوم فحسب، كلا، الأمر أوسع من ذلك بكثير، فـ....

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وقفنا فيما مضى عند الأسباب التي تعين على إحياء قيم الإسلام، وعودة الأمة إلى مكانها اللائق بصفتها: (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110].

وقفنا عند أسباب التعافي من الحال الرديئة التي ألفت الأمة على قبولها، والبقاء فيها بالرغم من سوئها.

والسؤال الذي يدور والذي يأبى قبول هذه الحال، يقول: حتى متى نظل نراوح في خانة الدول النامية المغلوبة على أمرها؟

وبمناسبة ذكر الدول النامية ننبه إلى أمر مهم، وهو أنه ينبغي أن نعيد التوازن إلى نظرتنا تجاه المعايير العالمية الغربية التي تحدد كون هذا البلد متخلفا، أو ناميا، وكون ذلك متطورا، وهذا بلدا إرهابيا، وذاك مسالما، وهذا كذا، وذاك كذا... فنسلم لتلك الأحكام كأنها أحكام مقدسة لا نملك إلا أن نقبلها ونحترمها كلها بلا استثناء؛ كشأن أذناب الغرب المنبهرين به، العاشقين لهم من العلمانيين والليبراليين، أولئك الذين يريدون أن نفقد الثقة بديننا وتراثنا، وأن نتنازل عن هويتنا، ونتقمص شخصية أخرى، ونستورد معايير الغرب بلا تمييز.. لا.. نحن لسنا مثلهم، فهذه المعايير كغيرها من المعايير نخضعها للشرع، وبالتالي نقسمها إلى قسمين:

قسم يتفق مع مبادئ الإسلام، فهذا نقبله، وقسم خلاف ذلك فلا نقبله، نحن لنا ذاتيتنا، ولنا شخصيتنا، ولنا مبادئنا الخاصة بنا، مهما حاول من يحاول أن يسوقنا إلى سجن العولمة وموازينها، وأننا جزء من هذا العالم، ويجب أن نقبل ما يقبل به العالم، وأن نسلم بكل ما يصنف، ونرضى بكل ما يرضى عنه.

لا -يا أخوة- نحن لا يهمنا رضي عنا الغربيون أم لم يرضوا، يجب أن نبعد هذا الهاجس عن عقولنا فهمنا نحن المسلمون، ليس رضاهم، بل رضا ربنا -جل وعلا-.

نحن -أيها الأخوة- نملك ما هو أعظم وأعلم وأحكم من موازين الغرب، نملك قرآنا حكيما، هو دستورنا، ونملك سنة نبي كريم، هو الطريق إلى فهم القرآن، وفهم الإسلام.

إن الكتاب والسنة لا يقفان عند حد الصلاة والصوم فحسب، كلا، الأمر أوسع من ذلك بكثير، فبالكتاب والسنة لو أردنا نخطو المنهج الصحيح إلى حياة سعيدة راشدة، على مستوى الأفراد والجماعات.

وبهما نميز بين الصالح والفاسد في الحياة كلها، وبهما ننجو من الضياع والضلال، وإلا لماذا قال صلى الله عليه وسلم كما صح في المستدرك: "تركت فيكم شيئين لم تضلوا بعدهم".

وفي لفظ: "ما إن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله وسنتي".

لماذا أوصى الأمة بالتمسك بهما، وأن في ذلك النجاة من الضلال؟ "لم تضلوا بعدهما" أمن أجل الصلاة والصوم فقط؟!

أيها الأخوة: هناك قاعدة عامة القاعدة تقول: إن الرشد والفلاح لا يتحقق إلا بالعلم والإيمان، وهذا ما دل عليه القرآن عندما وصف أصحاب الرؤى البعيدة الصحيحة الذين يدركون حقيقة الدنيا، وكونها دار امتحان وابتلاء، عندما وصفهم بالعلم والإيمان: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[الروم: 55-56].

فالذين أوتوا العلم والإيمان هم الذين أفلحوا في تفسير المرحلة، وهم الذين سعدوا في الدنيا والآخرة، ولهذا نستطيع أن نحلل سبب تراجع الأمة في أي من جوانب القوة التي تفتقر إليها اليوم بضعف هذين الصفتين: "العلم والإيمان".

أما العلم بمفهومه الشامل، فكل علم يعين على إحقاق العدل، ونشر الخير فهو مقصد شرعي إسلامي.

فدعوة التوحيد تحتاج إلى علم، والسلامة والأمن من المتشابهات يحتاجان إلى علم، والاجتهاد الفقهي في النوازل يحتاج إلى علم، وإدارة السلوك، وترشيد الأخلاق، والعلاقات بين أفراد المجتمع أيضا، هذه الإدارة تحتاج إلى علم، الإدارة المالية تحتاج إلى علم، الإدارة السياسية تحتاج إلى علم، الصناعة تحتاج إلى علم؛ فإذا قصرت الأمة في العناية بالعلم تراجعت في كل هذه المصالح.

أما الإيمان، فإن الإيمان بالله واليوم الآخر، هو الذي يضبط النفس، والذي يمنعها من الانزلاق في الشهوات المحرمة، والمقاصد الرديئة، فالنفس كلما امتلأت إيمانا بالله كلما ازدادت فيها المراقبة الذاتية، وخافت المعصية، وحسبت لها أكبر حساب، ومن ثم تتلاشى الأخلاق السيئة التي تقعد بالأمة وتخدرها، وتمنع انطلاقها وقوتها؛ كالنفاق والرياء، والتزلف والمدح الكاذب الذي يغر المسئول، ويجعله يعيش الخيال والوهم، وما بالإمكان أحسن مما كان، وبالإيمان تتلاشى الأثرة والجشع والخيانة، وأكل المال الحرام، والرشى، جمع رشوة، واستغلال النفوذ لتحقيق المصلحة الخاصة الضيقة، على حساب مصالح الأمة الكبيرة.

فبالإيمان تتلاشي كل هذه السلوكيات والأخلاق المشئومة، وتنحسر في أضيق الحدود، هذا ما يفعله الإيمان الصادق.

وبالإيمان أيضا ترتفع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لم تفضل الأمة على سائر الأمم إلا به: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران: 110].

وبالإيمان يطبق مبدأ المراقبة، فيراقب الله -تعالى- في بذل جميع الوسائل لتقوية الأمة، ووصولها إلى الاكتفاء الذاتي، واعتمادها على نفسها في صناعتها وسلاحها وغذائها، لتكون كلمة الله هي العليا، وليدخل الناس في دين الله أفواجا.

نعم، فإعجاب الناس بحضارة المسلمين، وانبهارهم بقوتهم زمن تفوق المسلمين كان أحد العوامل الرئيسة في قبول الأمم الأخرى للإسلام قبل أن يصل إليها، وكون الأمة اليوم ضعيفة تابعة يمنع الملايين من دخول الإسلام.

وبالإيمان كذلك يراقب الله في العدل والمساواة بين الناس مهما كانوا؛ فكالكل في نظر الشرع سواسية إلا بالتقوى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَسَبَّةٍ عَلَى أَحَدٍ، كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ، طَفُّ الصَّاعِ لَمْ تَملَئُوه " أي بعضكم قريب من بعض: "لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلَّا بِدِينٍ أَوْ تَقْوَى، وَكَفَى بِالرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ بَذِيًّا بَخِيلًا فَاحِشًا".

وخطب الناس صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، فقال: "يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية، وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل تقي كريم على الله، وفاجرٌ شقي هين على الله والناس بنو أدم وخلق الله أدم من تراب"، قال الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].

وبالإيمان يراقب الله -تعالى- في تطبيق مبدأ المحاسبة للكبير والصغير، وهو مبدأ الذين فهموا الإسلام مشافهة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كأبي بكر وعمر.

وقد طبقا هذا الفهم كاملا بلا حيف ولا نقص؛ كأنهم يريان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماثلا أمامهما دائما، وهو يقول: "والذي نفس محمدا بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

ولذلك هما الذين بفضلهما بعد الله ورسوله علا شأن الإسلام، ووصل إلى أقصى الشرق والغرب، لما قام أبوبكر يخطب أول خلافته بين للناس مبينا قيمة المراقبة والمحاسبة في الإسلام؛ فحمد الله، ثم قال: "أما بعد: أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسألت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله" هكذا قال.

هذا كلام من فهم مبادئ الإسلام بحق، ولما ولي عمر الخلافة بعده قال في مجلس وحوله المهاجرون والأنصار: "أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ "فسكتوا هيبة للفاروق، فأعاد ذلك مرتين أو ثلاثا: "أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟" فقال بشير بن سعد: "فلو فعلت ذلك قومناك تقويم القدح" فسر عمر، وقال: "أنتم إذاً، أنتم إذاً" أي كونوا هكذا...

ولهذا لما قامت امرأة تشكيه أمام الناس، إيقافه زيادة المهور، واستشهدت بآية: (وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) تراجع رضي الله عنه؛ كما جاء في البداية والنهاية.

هذا الكلام حصل في وقت، أو في زمن كان الإسلام الأوروبي لو قام يشتكي واليه لجر إلى السجن، حرية التعبير والحقوق التي يتكلمون عنها!.

إن بعدنا عن مبادئ الإسلام هو سبب تخلفنا -أيها الأخوة- إن الذي يخفض نافذة سيارته ثم يرمى مخلفاته إلى الشارع عالة على الإسلام؛ لأنه لو فهم الإسلام بحق لم يفعل ذلك، ولو كان الإيمان في صدره حيا بحق لم يفعل ذلك، وهو يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عظم من يميط الأذى عن الطريق، وهو يرمى الأذى في الطريق.

لا تحسبوه صغيرا -أيها الأخوة-، يقول يعني رمي مخلفات، احذروا، فالخطايا أيا كانت، إذا صغرت في قلب المسلم كبرت عند الله.

القضية هنا ليست مظهرا حضاريا، أو غير حضاري كما نرى يُكتب في الدعايات التوجيهية: الكتابة على الجدران مظهر غير حضاري، التفحيط مظهر غير حضاري، قطع الإشارة مظهر غير حضاري.. وهكذا...

أقول: ليتهم كتبوا غير إسلامي؛ لأن ديننا هو الحضارة -أيها الأخوة-، ديننا هو الحضارة النافعة، حضارة الخير والعدل، والسعادة والنماء، والنظافة والعفاف، فإذا وافق الغرب بعض مبادئ ديننا فهو منا أفلح من فعله، وليس العكس.

فقد ينظر الغرب إلى أن منع المرأة من قيادة السيارة، أو أمرها بالحجاب، أو وجوب مرافقة المحرم لها في مواضع معينة، بأنه ليس قراراً حضاريا، ولا مبدأ إنسانيا ولا عدلا، فنقول للغرب: ذاك شأنك، وذاك ميزانك، وهو ميزان مختلف في نظرنا، أما نحن المسلمين فلنا ميزاننا الخاص، ولسنا ننتظر رضاك عنا، أو نحذر سخطك منا.

إن المجتمع بأكمله يتحمل الحال التي هو فيها اليوم، كلنا بحسب نطاق مسئوليته، ما الذي سببه السماح بانتشار المطاعم بشكل غريب ملفت للنظر، سريع الوجبات منها وبطئيها، ما الذي أدت إليه هذه الظاهرة؟ ألم تؤد إلى تباعد الأسرة؟

فالشباب بعيدون عن والديهم في أهم وأقوى الأوقات، الاجتماع والتآلف وتبادل أطراف الحديث والمزاج، أوقات الوجبات اليومية.

أين هم؟ أين الأبناء؟ هناك في المطاعم، فهم لم يعدوا يحبون أكل البيت والاجتماع على مائدة واحدة، كما كان الجيل السابق.

وكم في ذلك من خسارة اجتماعية، ثم ألم تؤد هذه الظاهرة أيضا إلى تفاقم مرض السمنة الغريبة التي يعاني منها اليوم كثير من صغارنا، من الفتيان والفتيات.

إنها ضريبة السماح للعولمة أن تفعل ما تشاء في مجتمعنا، بلا أدني قيد.

إنها ثقافة الهمبورجر، إنها ضريبة تقديم مصالح المنتفعين من الأثرياء وأصحاب النفوذ بالسماح لهم بجلب هذه المطاعم بوجباتها الضارة.

وكأننا نحمل نفس مبدأ الغرب في استخدام أي وسيلة في الثراء، الثراء المال فتنة الأمة، الثراء ولا شيء غير الثراء، ولو بأي وسيلة، ولو على حساب الصحة الاجتماعية والجسدية.

لماذا لا نقنن؟ لماذا لا نضع عددا من الضوابط التي تراعي ما تقدم ذكره؟ لماذا نظل نفتح الباب على أوسع مصراعيه بلا أدنى حيلة؟

أسأل الله أن يهبنا الحكمة والصدق، واستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن سار على هداه.

أما بعد:

فإن التعليم يعد واحدا من أكبر عوامل إحياء القيم الإسلامية، وإقرارها في الأذهان، قد يقول قائل: نحن أفضل من غيرنا في هذا الجانب، فأقول: نعم، ولكن القياس هنا نسبي، يعني بالنسبة إلى...

وهذا ليس شأن من أراد التفوق والتميز.

لا بد من إحياء مفهوم شمول الإسلام في جميع المناهج الدراسية، فنصبه المناهج لمقاصد الشرع ومفاهيم الإسلام: (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً)[البقرة: 138].

لا يكفى تخصيص الجانب الشرعي ثم عزله تماما عن بقية المناهج، مواد العقيدة والعلوم الشرعية وبس، لا، لابد من صياغة منهج يعتمد على توزيع القيم الإسلامية، والمزج بين الفقه منها، والاجتماعي والخلقي ليصبح عرض الإسلام عرضا لمنظومة واحدة غير مفرقة وغير مشتتة.

فيتعلم الناشئ الطفل أن قيم الإسلام لها علاقة بالحياة، والمشكلات المعاصرة، وأن الإسلام ليس تحفة من الفخار جامدة في متاحف التاريخ.. لا، بل هو حي بيننا، يشمل جميع جوانب الحياة، وفي كل عصر.

لا بد من تأسيس هذا المفهوم، وعندما نعلم أن الإسلام يأمر بالعدل، أو يحث على الإحساس بالمسئولية، أو على الإحسان، أو الإيثار، فيجب أن نكون عمليين إلى أبعد حد، فنشرح: كيف، ونغرق الموضوع بالأمثلة، كما هو أسلوب القرآن.

نحن لم نكرس المناهج الدراسة كي نؤسس ثقافة سلوكية إسلامية في الأجيال منذ نعومة أظفارهم: ثقافة الرحمة والرأفة والرفق بجميع المخلوقات، ثقافة الحوار والاستماع لطالب الحق، والجدال بالحسنى، ثقافة العفاف والستر، ثقافة الطهارة والزكاة، ثقافة العزة بالإسلام لا بغيره، ثقافة الغيرة على الدين والمحارم، ثقافة العمل والإنتاج لا الكسل والاستهلاك.

لا نرى ذلك في مناهج اليوم إلا نادرا، يسيرا جدا، لا يكاد يرى بالعين المجردة.

لم نكرس المناهج لإبراز قيمة العدل والتحذير من الظلم مثلا، لما لا نفكر في أمثلة حية معاصرة لتقويم الأخلاق لدى الشباب والكبار أيضا.

أمثلة حية؛ كأخلاق قيادة السيارة مثلا، والسلوك الإسلامي، وليس الحضاري الإسلامي بالطريق وغير الطريق.

ويجب وهو أمر مهم جدا يجب توفر أمرين لنجاح المنهج وقطف الثمر:

الأول: القدوة، والثاني: الرقابة، أما القدوة فلا ينفع أن نوجه ثم نخالف: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ)[البقرة: 44].

نريد من المعلمين أن يكونوا شامة، ومثالا في الأخلاق والسلوك الحسن الذي يدعون إليه، خاصة أمام الطلاب.

نريد من رجال المرور مثلا أن يكونوا أرقى الناس في تعاملهم مع الناس، والأحسن إتباعا، هم أحسن إتباعا لقوانين المرور في قيادتهم لسياراتهم، وإلا لن ينفع التوجيه.

نريد من رواد المساجد أن يكونوا أنظف الناس على الأقل عند التعامل مع المسجد، أو دورات مياه المسجد، نريدهم أن يكونوا إسلاميين في عدم الإضرار ببقية المصلين، فلا يغلقون الطريق بسياراتهم، يجلس الواحد منهم يتسنن ربع ساعة، والناس واقفون ينتظرون السيارة أن تتحرك.

هذا في القدوة، أما الرقابة فلا ينفع أن ننصح ثم لا نتابع ولا نراقب، لا بد من توفر إمكانات تخدم هذا التوجه، ما يكفي أن نقيم مناسبات واحتفالات وملتقيات بين الحين والآخر، فينتهي الأمر ويموت مع نهاية الاحتفال.

أخيرا: يقول أحد الأمريكيين وهو يشبه الحضارة الغربية التي تقودها أمريكا اليوم يقول: "العالم اليوم كأنه في دوامة الملاهي الكبيرة التي تنتهي دورتها بغثيان كل من فيها".

هذا هو العالم اليوم، يدور.. يدور.. يدور كل واحد منهم، فيه غثيان.

فأقول: أما آن أوان الحضارة المنقذة، حضارة الإسلام.

أيها الأخوة: إن الموارد متوفرة، والعقول متوفرة، ومع العلم والإيمان إذا توفرت النوايا الصادقة، والهمم والعزائم الجادة، فو الله لن يستطيع إيقاف انطلاق الأمة فاجر، كائنا من كان.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي