سنة الله في الصراع بين الحق والباطل؛ ففي هذه الغزوة تأكيد لسنة الله في الصراع بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فقد جرت سنة الله في رسله وأتباعهم أن تكون الحرب سجالاً بينهم وبين أعدائهم، فيدالوا مرة، ويدال عليهم أخرى، ثم تكون لهم العاقبة في النهاية، ولئن انتفش الباطل يوماً وكان له صولات وجولات، إلا أن....
الحمد لله -تبارك وتعالى- يقضي بما شاء، ويفعل ما يريد، وربك يخلق ما يشاء ويختار، أحمده سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحاسب على الفتيل والقطمير، وكفى بالله حسيبا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير من سعى وطاف، وأفضل من بكى لله وخاف، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم -أيّها النّاس ونفسي- بتقوى الله -عز وجل-، فاتّقوا الله -رحمكم الله-، وتوبوا إليه فإنّه يحبّ التوّابين، واستغفروه ذنوبَكم فهو خير الغافرين، اتّقوه مخلصين، وتوبوا إليه نادِمين، انصُروه ينصرْكم، وأطيعوه يُثبْكم، اغتنِموا الصالحاتِ لأنفسكم، فمن عمل صالحًا فسوف يراه، ومن فرّط حلّ به الندم ودام حزنُه وشقاه، والويل لمَن زلّت به قدمَاه يومَ ينظر المرء ما قدّمت يداه.
وبعد:
غزوة أحد دروس وعبر، هذا هو اللقاء الثاني مع هذه الغزوة المباركة.
كان الدرس الأول: المعاصي سبب رئيسي للهزيمة، قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران: 165].
والدرس الثاني: حب الدنيا، من أهم أسباب النكوص والتعثر، قال تعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)[آل عمران: 152].
الدرس الثالث من هذه الغزوة المباركة: ولا تنازعوا: في الفُرقة والنزاع تبعثَر الجهود، وفي الألفة والاتفاق صفاء القلوب، فلنحذر من تفرق الكلمة والاختلاف في الرأي، فهما الهزيمة، قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال: 46].
الدرس الرابع: الله يصطفي ويختار، ويجتبي من عباده من يشاء ليكونوا شهداء، قال تعالى: (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)[آل عمران: 140].
الدرس الخامس في هذه الغزوة: سنة الله في الصراع بين الحق والباطل؛ ففي هذه الغزوة تأكيد لسنة الله في الصراع بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فقد جرت سنة الله في رسله وأتباعهم أن تكون الحرب سجالاً بينهم وبين أعدائهم، فيدالوا مرة، ويدال عليهم أخرى، ثم تكون لهم العاقبة في النهاية، ولئن انتفش الباطل يوماً وكان له صولات وجولات، إلا أن العاقبة للمتقين، والغلبة للمؤمنين، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
والجنة عزيزة غالية لا تُنال إلا على جسر من المشاق والمتاعب، والنصر الرخيص السهل لا يدوم، ولا يدرك الناس قيمته، ولذلك قال الله -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 142].
الدرس السادس: لابد من الأخذ بالأسباب: النصر -عباد الله- لن يأتي بالدعاء فقط، لا بد من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية، مع التوكل على الله، والاعتماد عليه، فقد ظاهر النبي -صلى الله عليه وسلم- بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب، وكافح معه الصحابة، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال، رغم أن الله عصمه من القتل.
الدرس السابع: التضحية من أجل الدين: إن سنة الله -جل وعلا- قد مضت أن هذا الدين لا يتحقق في واقع الحياة، ولا يثبت على هذه الأرض، ولا تعلو رايته خفاقة فوق البقاع، ولا يتحقق منهجه بين الناس إلا بجهد من أبناء هذا الدين يسبقه ويرافقه ويعقبه توفيق من الله -عز وجل-.
عباد الله: إن هذا الدين لابد له من علم يُنشر، ودعوة تبذل، وأموال تُنفق، ومهج وأرواح تُزهق في سبيل الله -عز وجل-، إنه ليس أمراً هيناً؛ إنها الرسالة العظيمة الخالدة، إنها الأمانة الكبيرة الماجدة: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72].
ويخاطب الله -جل وعلا- نبيه فيقول: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) [المزمل: 5].
إنها أمانة هذا الدين والرسالة الخاتمة من رب العالمين.
إنه الدين الذي ارتضاه الله للناس أجمعين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
هذا الدرس نجده واضحا وجليا في هذه المعركة العظيمة من معارك الإسلام الخالدة، التي قادها محمد برفقة الصحب الكرام، الغر الميامين الأبطال الشجعان -رضوان الله عليهم أجمعين-.
أنس بن النضر: يصاب في هذه الغزوة ببضع وثمانين جراحة، ثم مثّل به بعدها، فلم يعرفه أحد سوى أخته عرفته ببنانه.
وفي سعد بن الربيع سبعون طعنة، وقتل مصعب بن عمير، فلم يوجد له ما يُكفن فيه إلا بردة، واستشهد حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستشهد سبعين من خيرة الصحابة الكرام.
فماذا قدمنا لديننا؟
وللصحابة الكرام الصُحبة والسبق والإقدام، تقطعت منهم الأشلاء، وتمزقت الأجساد، وترمل النساء، قدَّموا أرواحهم فداءً لهذا الدين، حتى وصل إلينا كاملاً متمّماً، فاقدر لهم قدرهم، واشكر لهم سعيهم، وترض عنهم، فقد أحبهم ربهم، ورضي عنهم.
الدرس الثامن من دروس هذه الغزوة: أن العاقبة للمتقين: للحق جولة، وللباطل صولة، والعاقبة للتقوى، فلا تيأس من إصلاح المجتمع، ولا تقنط من هدايته، فقد صَبَر النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأذى والجراح، حتى دخل الناس أفواجاً في دين الله.
عباد الله: إن عواقب الأمور كلها بيد الله، فامض في الدعوة، وداوم على الدعاء، وهداية البشر بيد خالق البشر.
أبو سفيان في أُحُد يقود المشركين، وشعاره: "اعلُ هُبل"، وفي فتح مكة يقول: "لا إله إلا الله". ووحشي يقتل حمزة، ثم يُسلم ويقتل مُدعي النبوة مسيلمة الكذاب.
فاحذر على نفسك التقلب: "فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء".
وسله دوماً دوام الثبات، والعبد وإن استغرق في العصيان، فالتوبة تحط الأوزار، وإن بلغت العنان.
خالد بن الوليد يقود خيَّالة الكفر، وقُتِل على يديه فضلاء الصحابة، ولما شرح الله صدره للإسلام، أتى يبايع النبي، وقال: يا رسول الله، إني أشترط أن تُغفَر زلتي، فقال: "يا خالد، أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجُبُّ ما قبلها".
فأنقذ نفسك من وحل الأوزار، وأقبل على ربك تائباً من الآثام، فالحسنات يذهبن السيئات، ولا تستنكف عن التمسك بهذا الدين، فحوله سالت الدماء.
الدرس التاسع: الابتلاء بذوي القربى: المرء قد يُبتلى بذوي القربى والأرحام يمنعونه من الالتزام يمنعونه من الصلاح وصحبة الصالحين، فاصبر على ما تلاقيه منهم، فأقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- تركوا أوطانهم وأموالهم، وقدموا إلى المدينة وقطعوا مسافة أربعمائة كيلومتر أو أكثر لقتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفعلوا ما لم يفعله غالب الكفار، من تمثيلهم بالقتلى، مع أنهم بنو عمه، وفي الفتح عفا عنهم وصفح، وقال: "لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء".
فيا عبد الله: اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- قدوة لك في الحلم والعفو، وصل رحمك، وغض الطرف عما يسوؤك منهم.
الدرس العاشر: حب الصحابة لنبيهم -صلى الله عليه وسلم-: طوق المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، وكانوا تسعة، فقُتل سبعة منهم، بعد قتال عنيف، ولم يبق معه غير سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله.
فطمعوا في القضاء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وجرحت شفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله الزهري فشجه في جبهته، وجاء عبد الله بن قمئة فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة، شكا لأجلها أكثر من شهر، وضربه بأبي هو وأمي ضربة أخرى عنيفة، حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، فقال عليه الصلاة والسلام وهو يسلت الدم عن وجهه: "كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
واستبسل سعد وطلحة في الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد نثل رسول الله - -صلى الله عليه وسلم- كنانته لسعد بن أبي وقاص، وقال: ارم فداك أبي وأمي، وأما طلحة فقد قاتل حتى شلت يده، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- إذا ذكر يوم أحد، قال: ذلك اليوم كله لطلحة.
وروى الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيه يومئذ: "من ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله".
وخلال هذا الموقف العصيب تسارع المسلمون إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأقاموا حوله سياجًا من أجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في الدفاع عنه، قام أبو طلحة على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يسور نفسه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرفع صدره ليقيه عن سهام العدو، وكان راميًا يرمي، فكلما رمى أشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرى موضع سهمه، فيقول له أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، وقام أبو دجانة أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فترس عليه ظهره والنبل يقع عليه، وهو لا يتحرك، وامتص مالك بن سنان الدم عن وجنته وأنقاه، فقال: مجه، فقال: والله لا أمجه أبدًا، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" فقُتل شهيدًا.
وقاتلت أم عمارة حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربها ابن قمئه على عاتقها ضربة تركت جرحًا أجوفا، وضربته فنجا بدرعه، وبقيت تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحًا.
وقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فعرفه كعب بن مالك، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فأشار إليه: أن اصمت لئلا يعرف المشركون موضعه، فلاذ إليه المسلمون، فأخذ بالانسحاب المنظم إلى شعب الجبل، وأثناء القتال كان النعاس يأخذ المسلمين أمنة من الله، وفي أثناء الانسحاب عرضت لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- صخرة من الجبل، فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بين عبيد الله فنهض حتى استوى عليها وقال: "أوجب طلحة" أي الجنة.
قال سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه-: "مر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأحد، فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله؟ قال: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل".
تريد صغيرة، وهكذا يفعل الإيمان في نفوس المسلمين.
عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: الدرس الحادي عشر من دروس غزو أحد: الأمور بخواتيمها: إن الأمور بخواتيمها، وقد وقع في غزوة أحد ما يحقق هذه القاعدة المهمة في هذا الدين، فقد وقع حادثان يؤكدان هذا الأمر، وفيهما عظة وعبرة لكل مسلم متعظ ومعتبر.
1- الأصيرم: واسمه عمرو بن ثابت بن وقش، عرض عليه الإسلام فلم يسلم، وكان يأبى الإسلام على قومه، فجاء ذات يوم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بأُحد، فقال: أين سعد بن معاذ؟ فقيل: بأحد، فقال: أين بنو أخيه؟ قيل: بأحد: فسأل عن قومه فقيل: بأحد، فبدا له الإسلام فأسلم، وأخذ سيفه، ورمحه، وأخذ لأمته، وركب فرسه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى أثخنته الجراحة، فبينما رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذ هم به، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك؟ أعصبية مع قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله -تعالى- ورسوله، وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، وإن مت فأموالي إلى محمد يضعها حيث شاء، فذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنه من أهل الجنة" وقيل: مات فدخل الجنة وما صلى من صلاة، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "عَمِل قليلاً وأُجر" وكان أبو هريرة يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصل قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ قال: هو أصيرم بن عبد الأشهل.
2- مخيريق: لما كانت غزوة أحد وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، جمع مخيريقٌ قومه اليهود، وقال لهم: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقاتل معه حتى قُتل، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مخيريق خير يهود.
الدرس الثاني عشر والأخير في هذه الخطبة المباركة: إنما الأعمال بالنيات: كان ممن قاتل مع المسلمين يوم أحد رجل يدعى قزمان، قاتل قتال الأبطال وكان يعرف بالشجاعة، وكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلاً كأنها الرماح، ويكت كتيت الجمل، ثم فعل بالسيف الأفاعيل حتى قتل سبعة أو تسعة وأخبر النبي عنه، فقال: وهو الذي لا ينطق عن الهوى: "هو من أهل النار".
فاستغرب الصحابة -رضي الله عنهم- كيف ذلك وهو يقاتل في صف المسلمين ويدافع عن المسلمين ويرفع سيفه في وجه المشركين أين الخلل؟
إنها النية، وفساد النية، ومثل هذا عُبّاد رمضان من يصلون ويصومون ويقومون في رمضان، فإذا ما انتهى رمضان تركوا الصلاة والعبادة والقيام لماذا؟
لأنهم ما عبدوا الله -والعياذ بالله-، بل عبدوا رمضان، هذا الرجل أصابه جرح فنُقل إلى خيمة للمعالجة، فناداه قتادة بن النعمان: يا أبا الغيداق، هنيئًا لك الشهادة، وجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا؟ فو الله ما قاتلت إلا على أحساب قومي، فلولا ذلك ما قاتلت، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنه من أهل النار، إن الله -تعالى- يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".
وفي هذا الخبر: بيان لمكان النية في الجهاد، وإنه من قاتل حمية عن قومه، أو ليقال شجاع، ولم تكن أعماله لله -تعالى- لا يقبل الله منه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعلِ راية الحق والدين.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فرد كيده إلى نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
وصلى اللهم وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي