التوبة فضلها وأخطاء في مفهومها

فهد بن عبد الرحمن العيبان

عناصر الخطبة

  1. كل بني آدم خطاء
  2. منزلة التوبة وأهميتها
  3. الأمر بالتوبة والحث عليها
  4. بعض فضائل التوبة
  5. بعض الأخطاء في التوبة
  6. خطر الغفلة عن التوبة والتمادي في المعصية
  7. فضل المسارعة إلى التوبة الصادقة

الخطبة الأولى:

أما بعد:

أيها المؤمنون: اتقوا الله حق تقواه وتوبوا إليه وأنيبوا، فإن التوبة من الذنوب منزلة عظيمة من منازل الدين؛ مدح الله أهلها، وأفاض عليهم بمنه وكرمه ورضاه.

واعلموا -أيها المؤمنون-: أن النقص في بني آدم وصف لازم، فإن كل بني آدم خطاء، ولا عصمة لهم من الخطأ.

ولكن الخير كل الخير؛ فيمن إذا أخطأ تاب وأناب واستغفر، وخير الخطائين التوابون.

إن التوبة والإنابة مقام عظيم من مقامات النبوة؛ ابتدأه آدم -عليه السلام- حين عصى ربه فتاب وأناب؛ فتاب الله عليه!.

وتتابع الأنبياء والرسل من بعده، وأتباعهم يتسابقون في التوبة والإنابة إلى ربهم؛ كما حكى الله عن كثير منهم في كتابه، بل وصفهم ومدحهم بالتوبة والإنابة؛ حتى جاء إمامهم وخاتمهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فرفع لواء التوبة، ودعا إليها بقوله وفعله.

عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"[أخرجه البخاري].

وعن الأغر بن يسار المزني –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب في اليوم مائة مرة"﴿مسلم﴾.

وقد تضافرت النصوص من القرآن والسنة بالدعوة إلى التوبة؛ يقول الله -عز وجل -: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النــور: 31].

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ [التحريم: 8].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؛ حتى تطلع الشمس من مغربها"﴿مسلم﴾.

لقد فتح الله باب التوبة لكل عبد، ووعد بقبولها: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 110].

بل قال في أصحاب الأخدود الذين قتلوا المؤمنين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: 10].

قال الحسن البصري -رحمه الله-: "انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءهـ وهو يدعوهم إلى التوبة".

بل لقد حذر سبحانه من القنوط من رحمته، فقال: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا، فقد جحد كتاب الله".

وما كل هذا الاعتناء بالتوبة إلا لما لها من الفضائل العظيمة؛ فهي سبب للفلاح والسعادة في دار الدنيا والآخرة، وهي كذلك سبب لتكفير السيئات، بل إبدالها بحسنات؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾[التحريم: 8].

وإذا أحسنت هذه التوبة بدل الله سيئاتك حسنات، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الفرقان: 70].

قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فرح بشيء فرحه بهذه الآية لما أنزلت، وفرحه بنزول: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ [الفتح: 1].

والتوبة كذلك سبب للمتاع الحسن، ونزول الأمطار، وزيادة القوة والأموال والبنين، قال تعالى حاكياً عن أنبيائه في مخاطبتهم لأقوامهم: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾[هود: 3].

﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: 52].

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 10-12].

ثم بعد هذا كله يفيض الله على عباده التائبين محبته وفرحه بتوبتهم: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].

أيها المؤمنون: ومع هذه المكانة العظيمة للتوبة إلا أن كثيراً من الناس يقع في أخطاء، وفي باب تلاعب الشيطان وتغريره، أو قد يكون ضعف الدين، وقلة المبالاة؛ بهذا الأمر العظيم.

ومن هذه الأخطاء:

1- تأجيل التوبة: فمن الناس من يعلم حرمة ما يقع فيه من المعاصي، لكنه يؤجل ويسوف التوبة.

ومن المعلوم: أن المبادرة بالتوبة من الذنوب واجبة لا يجوز تأخيرها، بل قد يخشى من تأخير التوبة أن تكون المعاصي راناً على ،قلبه فلا يقبل المعروف؛ لأنه قد طبع عليه، أو قد تعاجله المنية، وهو مصر على الذنب لم يتب منه.

قال صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها، وإذا زاد زادت حتى يغلف قلبه فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14]"[أخرجه الترمذي وصححه].

2- ترك التوبة مخافة الرجوع للذنوب مرة أخرى: وهذا كثير في الناس، فإن منهم من يرغب في التوبة، لكن لا يبادر إليها مخافة العودة إلى الذنب مرة أخرى، وهذا ناشئ عن فهم خاطئ من أن التوبة لا تقبل إذا عاد إلى الذنب مرة أخرى، أو أن هذا تلاعب.

ولا شك أن هذا خطأ، نعم من شروط التوبة: العزم على عدم العودة إلى الذنب، لكن لا يعني أن الشيطان لن يغريه بالذنب مرة أخرى، ولا يعني أنه إن خانته نفسه فعاد أن توبته الأولى كاذبة، بل على العبد أن يسارع إلى التوبة في كل ذنب، إذ إنه لا يمكن أن يعلم أنه سيعود مرة أخرى أم لا، فقد يعصمه الله من هذا الذنب بصدق توبته، ثم أيضاً قد تأتيه منيته، وهو تائب قبل أن يعود إلى الذنب مرة أخرى، فيختم له بالسعادة.

ثم على العبد: أن يحسن الظن بربه، فإن الله عند ظن عبده به، وأن يستحضر أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه، فمهما عمل من معصية ثم تاب منها بحق ثم عاد فتاب ثم عاد فتاب، فإن الله يتوب عليه: فرحمته سبحانه: ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156].

3- ترك التوبة خوفاً من لمز الناس: فمن الناس من تحدثه نفسه بالتوبة، ولزوم الاستقامة، لكنه يخشى من لمز بعض الناس، وبالأخص أصحابه في المعاصي، فقد يتعرض من بعض السفهاء منهم للمز والوصف بالوسوسة والتشدد، فيحجم عن التوبة لأجل ذلك.

ولا شك هذا خطأ فادح؛ إذ كيف يقدم خوف الناس على خوف الله -عز وجل- وعقابه.

ثم إن ما يلاقيه من استهزاء إنما هو ابتلاء وامتحان ليظهر الصادق من الكاذب، ثم إن حسنت توبته، واستمر على الاستقامة؛ انقلب المستهزئ به مبجلاً له، بل قد يقتدي به.

4- ترك التوبة مخافة سقوط المنزلة، وذهاب الجاه والشهرة: فقد يكون لشخص ما منزلة، وحظوة وجاه فلا تطاوعه نفسه على إفساد ذلك بالتوبة.

ولا ريب أن ذلك نقص في الدين والمروءة والعقل؛ إذ إن الشهرة والجاه عرض زائل ينتهي بنهاية الإنسان.

ولن ينفعه إذا هو قدم على ربه إلا ما قدم من عمل صالح، وأما ما هو فيه من وظيفة محترمة، أو تجارة قائمة على ،السحت أو معصية؛ جعلت له مكانة عند السفهاء من الناس؛ فهذا الغرور الزائل، ومن نفخ الشيطان الذي يقوده إلى الهلاك.

ثم إن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وأجل ما يعوض به العبد: أن يأنس بالله، وأن يرزقه محبة الله، وطمأنينة القلب بذكره.

5- التمادي في الذنوب اعتماداً على سعة رحمة الله: فإذا زجر العاصي، قال: "إن الله غفور رحيم" على حد قول القائل:

وكثر ما استطعت من الخطايا *** إذا كان القدوم على كريم

ولا ريب أن هذا سفه وجهل بدين الله، فرحمة الله قريب من المحسنين لا من المسيئين المفرطين المعاندين المصرين.

وقد قرن الله مغفرته بأليم عقابه في أكثر من آية في كتابه، قال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ)[الحجر: 49-50].

وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأنعام: 165].

وما ذاك إلا ليستقيم العبد بين الخوف من الله والطمع في رحمته، فلا يترك التوبة يأساً من رحمة الله، ولا يتركها كذلك اغتراراً بسعة رحمته.

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجى *** درك الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج آدماً *** منها إلى الدنيا بذنب واحد

فحسن الظن بالله ورجاء رحمته ومغفرته إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة!.

وأما حسن الظن بالله مع انعقاد أسباب الهلاك والانغماس، والإصرار على المعاصي؛ فهذا غرور وجهل بالله ودينه.

6- الاغترار بإمهال الله للمسيئين: فمن الناس من يسرف في المعاصي، فإذا نصح وحذر من عاقبتها، قال: "ما بالنا نرى أقواماً قد امتلأت فجاج الأرض بمفاسدهم ومعاصيهم وظلمهم، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأكل الربا؛ ومع ذلك نراهم قد درت عليه الأرزاق، وطالت أعمارهم، وهم يعيشون في رغد من العيش!".

وهذا القول لا يصدر إلا من جاهل بسنن الله -عز وجل-؛ لأن الله -سبحانه- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب: ف﴿هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 139].

فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم .

فما هذا الذي هم فيه من النعيم في الدنيا إلا استدراج، وإمهال من الله، حتى إذا أخذهم أخذهم: ﴿أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 42].

قال صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102][متفق عليه].

وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا رأيت الله -عز وجل- يعطي العبد ما يحب من الدنيا على معاصيه، فإنما هو استدراج" ثم تلا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(45)﴾ [الأنعام: 44-45].

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي، فإن نارها تحت الرماد، وربما تأخرت العقوبة، وربما جاءت مستعجلة، وقد تَبْغَتُ العقوبات، وقد يؤخرها الحلم من الله، والعاقل من إذا فعل خطيئة بادرها بالتوبة، فكم مغرور بإمهال العصاة لم يمهل".

7- الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي: فهناك من الناس من إذا قيل له: لم لا تصلي؟ لم لا تتوب من المعصية؟

قال: "إذا أراد الله ذلك" أو يقول: "مكتوب علي ذلك".

وهذا خطأ وضلال وانحراف في إيمانه بالقدر، حيث إن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة في ترك الواجبات، أو فعل المحرمات.

ولو كان هذا مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس، وأخذ الأموال، وانتهاك الأعراض، ثم يحتج بالقدر، ولا يناله العقاب.

نعم، قد كتب الله ما سيقع من ابن آدم من طاعة ومعصية، وذلك لعلمه سبحانه الغيب، لكن العبد ليس مجبراً على فعل المعصية أو الطاعة.

وليسأل نفسه هذا الذي يحتج بالقدر: أكنت تعلم أنه كتب عليك فعل المعصية قبل فعلها؟!

وليسأل نفسه كذلك: لو اعتدى أحد على مالك أو نفسك واحتج بالقدر أكنت ترضى له الاحتجاج بالقدر وسقوط العقوبة عنه؟

وبالجملة: فالاحتجاج بالقدر إنما يكون عند المصائب؛ لأنها من فعل الله، لا حيلة للعبد في ردها.

وأما الذنوب والمعاصي فلا يجوز الاحتجاج بالقدر في فعلها؛ لأن ذلك مخاصمة لله، واحتجاج عليه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ [الزمر: 54].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

أيها المؤمنون: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

ثم اعلموا: أن الغفلة عن التوبة والتمادي في العصيان إنما هو مرض في القلب يجب تداركه، وتصفية القلب منه؛ بالإنابة إلى الله، واستغفاره، والرجوع إليه بالعمل الصالح.

وليحرص العبد على التوبة العامة من جميع الذنوب التي يعلمها والتي لا يعلمها، فإن من الناس من قد يتوب مما يعلم من الذنوب، ويغفل عن التوبة العامة؛ ولذا جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاته: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، إنك أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت"[متفق عليه].

وليحذر المسلم من التوبة الكاذبة، وهي التي يهجر فيها العصاة معاصيهم هجراً مؤقتاً بسبب مرض، أو مناسبة، أو عارض، أو خوف، أو رجاء جاه، أو خوف فوات مصلحة، أو عدم تمكن من فعل المعصية!.

فإذا واتتهم الفرصة، وزال العارض؛ رجعوا إلى ذنوبهم؛ فهذه ليست بتوبة نصوح صادقة.

وهذا بخلاف ما قلنا سابقاً من أنه قد يتوب توبة صادقة يعزم فيها على عدم العودة إلى المعصية، ثم يغريه الشيطان فيعود، فإن هذا توبته صادقة، ولكنه نقضها وعليها أن يجددها مرة أخرى.

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك؛ نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..


تم تحميل المحتوى من موقع