الاقتداء بالرسول الكريم وصحابته

علي عبد الرحمن الحذيفي
عناصر الخطبة
  1. ثمار التفكر والاعتبار بمرور الأيام .
  2. سبيل النجاة .
  3. أهمية استغلال أوقات العمر .
اهداف الخطبة
  1. الترغيب في الاقتداء بالرسول والصحب الكرام
  2. الترغيب في استغلال أوقات العمر

اقتباس

لو تفكروا واعتبروا في ذلك لأصلحوا الأعمال وقدموا لآخرتهم الحسنات وكفوا عن السيئات، ولكان همهم حسن المآل وعاقبة الأحوال، ولنزعوا من شر الأخلاق إلى أفضل الخصال، لكن النقص والخلل في الاعتقاد والأعمال والأقوال بما يرد على القلوب من الشهوات والشبهات، وضعف العزائم والإرادات في أداء الفرائض والواجبات والوقوع في المحرمات

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه الذين نالوا من الفضل كماله.

أما بعد:

فاتقوا الله كما أمركم، وتقربوا إليه بما رغبكم فيه، واحذروا ما عنه نهاكم.

عباد الله: لو اعتبر الناس وتفكروا في تقلب الليل والنهار، وانقضاء الأعمار، وبغتة الآجال وغرور الآمال، وفتنة الأهل والمال، وسرعة تعاقب السنين، والانخداع بزخرف الدنيا والانهماك في ملذاتها، وقد آذنت بزوال!! لو تفكروا واعتبروا في ذلك لأصلحوا الأعمال وقدموا لآخرتهم الحسنات وكفوا عن السيئات، ولكان همهم حسن المآل وعاقبة الأحوال، ولنزعوا من شر الأخلاق إلى أفضل الخصال، لكن النقص والخلل في الاعتقاد والأعمال والأقوال بما يرد على القلوب من الشهوات والشبهات، وضعف العزائم والإرادات في أداء الفرائض والواجبات والوقوع في المحرمات؛كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" رواه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير-رضي الله عنهما-.

يا من اغتر بالنعم! ويا من لم يساكن قلبه الندم! يا من تجرأ على ذي المجد والكرم! يا من نسي الموت وفجأته! ويا من نسي القبر وظلمته والصراط وزلته -اتق الله في نفسك فلن تطيق بطش الله وعقوبته.

واعلموا أن سبيل النجاة واحدٌ لا ثاني له..، وهو ما سلكه السلف الصالح؛ فإن اقتفيت آثارهم كنت من الفائزين، وإن خالفتهم كنت من الهالكين.

أين نحن من أولئك السلف الصالحين الذين رفعهم الله درجات وجعلهم قدوة في الصالحات؟! طهرتهم العبادات وزكتهم أعمالهم ولم يتدنسوا بالسيئات.

أيها المسلم: إن كنت على نهجهم فاحمد الله واسأل الثبات على دينك، وإن كنت مقصراً -والتقصير واقع من كل أحد- فاجتهد لتكون معهم، وإن كنت مخالفاً لهم فتب إلى الله قبل الموت..

تمسك بالكتاب والسنة واعرف حال السلف الصالح وأحببهم؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " المرء مع من أحب ".

واعمل بما عملوا، وبما نقل عنهم من الوصايا الخالدة والحكم النافعة؛ قال أيفع بن عبد الكلل: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال الله -تعالى-: يا أهل الجنة..كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا: لبثنا يومًا أو بعض يوم، قال: نِعْم ما اتجرتم في يومٍ أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي.. امكثوا فيها خالدين مخلدين، ثم يقول لأهل النار: كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا: لبثنا يومًا أو بعض يوم، فيقول: بئس ما اتجرتم في يومٍ أو بعض يوم سخطي ومعصيتي وناري.. امكثوا فيها خالدين مخلدين " رواه ابن أبي حاتم وأبو نعيم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخاري.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: " كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل " .. وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك " رواه البخاري.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل يعظه: " اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك " رواه الحاكم وصححه، واغتنامها بالعمل الصالح.

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في الدنيا: " إنها لدار صدقٍ لمن صدقها، ودار عافيةٍ لمن فهم عنها، ودار غنىً لمن تزود منها، متجر أولياء الله.. اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة "..

وقال الحسن: " نعمة الدار كانت الدنيا للمؤمن؛ وذلك أنه عمل قليلاً وأخذ زاده منها إلى الجنة، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق؛ وذلك أنه ضيع لياليه وكانت زاده إلى النار.. قال الله -تعالى- ( إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) [لقمان:33]، ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [فاطر:6]".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم.. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

  

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله.. بعثه الله بالهدى واليقين؛ لينذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين.. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى؛ قال الرب -جل وعلا-: ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [آل عمران: 133-134].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة " رواه مسلم، ومعنى " خاصة أحدكم أو أمر العامة ": الفتنة التي تخص الواحد في نفسه.. أو الفتن التي تصيب عامة الناس فإنها تشغل عن العبادات.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " بادروا بالأعمال سبعا. بادروا بالأعمال سبعاً.. هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال.. فشر غائب ينتظر، أو الساعة.. فالساعة أدهى وأمر " رواه الترمذي.

وقال وهب: " مكتوب في حكمة آل داود -عليه السلام-: " ينبغي للعاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعةٍ يحاسب فيها نفسه، وساعةٍ يناجي فيها ربه، وساعةٍ يلقى فيها إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعةٍ يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل؛ فإن هذه الساعة عونٌ له على تلك الساعات، وفضل بلغة واستجمامٌ للقلوب ".. يعني ترويحٌ لها.

عباد الله: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب: 56].

وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا "؛ فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وسلم تسليماً كثيرا.

اللهم وارض عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارض عنا بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين، اللهم أظهر دينك الذي ارتضيته لنفسك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا.. أنت المقدم وأنت المؤخر.. وأنت على كل شيء قدير.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أعذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم وأعذنا من شر كل ذي شر يا رب العالمين.. لا يجير ولا يعيد غيرك يا إله العالمين، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم وفقنا لطاعتك وجنبنا معاصيك يا رب العالمين إنك أنت الله الرحمن الرحيم.
اللهم أعذنا وأعذ ذريتنا من إبليس وذريته وجنوده وشياطينه يا رب العالمين، اللهم أعذ المسلمين من الشيطان الرجيم وذريته وجنوده وشياطينه إنك على كل شيء قدير.

اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، اللهم ضاعف حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم، اللهم نور عليهم قبورهم يا أرحم الراحمين، وأعذهم من عذاب القبر وفتنته إنك على كل شيء قدير.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى..

اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، وانصر به دينك وأعل به كلمتك واجمع به كلمة المسلمين يا رب العالمين، اللهم وأعنه على أمور الدنيا والدين، اللهم وفق نائبه لما تحب وترضى ولما فيه الخير للإسلام يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير.

اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرا لشعوبهم وأوطانهم.

اللهم إنا نسألك يا ذا الجلال والإكرام ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك.

( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) [النحل:90-91].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي