السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: كيف هو واقع التعليم اليوم تقديما وتقويما، تزكية وتروية، منهجا وسلوكا؟ ماذا يتلقى الأبناء؟ وما هي الوجبات الفكرية والجرعات التربوية التي يتلقون؟ ما هو المحيط الذي يتلقون فيه تعليمهم؟ ما هي المبادئ التي يخرجون بها من بيوتهم؟ إن المدارس هي مصانع الرجال، والمصانع لا تقوم إلا بوجوب الصانع فليست المدرسة، أو المدارس متنفس للآباء يتخلص بها من مشاكل الأبناء ومشاكاتهم، وإن المفترض في المدارس أنها ميادين ف...
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، هدى وذكرى لأولي الألباب، وزانه بالأحرف السبعة، وكمال الشرعة، وفصل الخطاب، وصانه من شين اللحن وطروء المحو، وعن كل ما يُستراب، وجعله آية باقية على امتداد الأحقاب، ووعد بكشف ما يشهد بحقيته لكل باب، مصدقا لقوله المجيد: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت:53].
وصلاةُ ربي وسلامه على من تلقى الوحي من ربه قرآنا، وتنزل إليه فرقانا، وجُمع بين يديه كتاباً وديوانا، وبين بسنته وسيرته فجاء تبيانا، ووفى بحقوقه، حتى استوى على سوقه، فصلاة ربي وسلامه عليه.
معاشر الصالحين: كلما حلت بداية الدراسة يكثر الحديث عن الأبناء وعن التعليم، ويزداد الهم، ويشعر الكثير بثقل المسئولية، وأعباء هذا الدخول المدرسي، سواء من شقه المادي أو المعنوي، وهذا أمر طبيعي، فمن حق الآباء أن يخافوا، وأن يحذروا على أبناءهم من كل ما يشوش عليهم، ويكدر مسيرتهم التعليمية.
ولا شك كذلك أن هناك من الآباء من تعييهم التبعات والنفقات المتعلقة بهذا الدخول المدرسي، وكلها مخاوف مشروعة ترتبط بالواقع، وبالتمني، وكل ذلك يتحمله الآباء والأمهات يتحملونه من أجل أبناءهم، من أجل فلذات أكبادهم؛ لأنهم يتطلعون إلى المستقبل، يتمنون أن يحصل أبناءهم العلم الذي به تستنير دروب حياتهم، وكذا يحصلون الشهادات التي من خلالها يستطيع الأبناء أن يجعلوا لهم موطأ قدم في هذا العالم، الذي يتطور، والذي لم يعد يقبل بالجهل والأمية.
نعم إنها معاناة، ولكن المعاناة تهون إذا كان هناك غدا مشرق، وأمل زاهر، يستشف من خلاله الآباء أن جهدهم لن يضيع، وأنهم حين يضحون من أجل أبناءهم، يعلمون أن تضحياتهم ستعود عليهم، وعلى أبناءهم بالنفع العميم في الدنيا والآخرة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: كيف هو واقع التعليم اليوم تقديما وتقويما، تزكية وتروية، منهجا وسلوكا؟ ماذا يتلقى الأبناء؟ وما هي الوجبات الفكرية والجرعات التربوية التي يتلقون؟ ما هو المحيط الذي يتلقون فيه تعليمهم؟ ما هي المبادئ التي يخرجون بها من بيوتهم؟
إن المدارس هي مصانع الرجال، والمصانع لا تقوم إلا بوجوب الصانع فليست المدرسة، أو المدارس متنفس للآباء يتخلص بها من مشاكل الأبناء ومشاكاتهم، وإن المفترض في المدارس أنها ميادين فكر وتنوير، ومعاهد علم وتحرير.
قال أحد السلف وهم كانوا يعرفون قدر العلم ومنزلته، قال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم".
إن إدخال الفكر والعلم إلى أسواق التجارة، ومقاييس الربح والخسارة، من أعظم الطامات التي ابتليت بها الأمة، والتي كانت ولا زالت سببا في تراجعها واندحارها.
إن هناك مجالات لا يصلح أبدا التجارة، ولا مبدأ الربح والخسارة على رأسها: العلم والذوق، وكل مجالات الإبداع، لا مانع ولا ضير أن ينظر إلى الجانب المادي، ولكن الخطأ أن يكون هو الهدف، وهو الغاية.
أيها الأحباب: إن العلم والأخلاق قرينان لا يفترقان أبداً، قال تعالى مبينا وظيفة المعلم الأعظم سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)[الجمعة: 2].
تلقين وتعليم، وتزكية وحكمة، هذا هو المقصد الأسمى من التعليم الوصول بالجيل إلى مقام التزكية، متمثلا في الخلق الحسن، والسلوك الأقوم.
أيها الأحباب: إن قضية التعليم بكل جوانبها وحيثياتها تعيش في عالمنا الإسلامي، وفي بلادنا، وضعا حرجا، أو قل إن شئت مزريا، وأريد أن أركز هنا على الشق الأخلاقي المتمثل في التربية، لا أريد أن أتحدث عن المناهج، ولا عن التسيير، فأهل الاختصاص أولى بذلك.
لا شك -أيها الكرام-: أن مهنة التعليم مهنة غاية في الشرف، بل هي وظيفة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، ووظيفة المصلحين والعلماء، والمعلمون بلا شك في جميع الأسلاك والرتب يستحقون كل تقدير، وهم جديرون بكل عناية وإشادة.
لكن واقع أبناءنا اليوم يطرح علينا عدة تساؤلات، بل ويدق نواقيس الخطر، سواء من حيث علاقة هذا الابن مع بيته، أو مع معلميه، أو مع الشارع.
لقد اتسع الخرق على الراقع، ولغة الأرقام والإحصائيات لا تفي بحصر الواقع المرير الذي يعيشه أبناء المسلمين في هذه المنظومة الثلاثية: البيت، المدرسة، الشارع.
لست آتيا بجديد حينما أقول: إن حال أبناءنا عند أبواب المدارس تحديدا يبعث على الحزن: تدخين، ومخدرات، وخمر، وكلام سب وساقط، ولباس غريب، هذا في الغالب، وهناك استثناءات، وهناك بذور خير.
وقد سمعنا مرارا سواء في الإعلام أو فيما يتداوله الناس عن حالات اعتداءات يتعرض لها التلاميذ، وأحيانا يتعرض لها الأساتذة من قبل التلاميذ، اعتداءات تنوع ما بين الضرب والاغتصاب والتحرش، بل وصلت إلى حد القتل.
إننا هنا لسنا أمام خلل في الإلقاء أو التلقي، بل نحن أمام ظاهرة خطيرة تنم عن خلل خطير في التكوين النفسي، وتنبؤ عن شرخ خطير في التربية الاجتماعية.
لقد حرص الإسلام أشد الحرص على مسألة الأبناء، ودعا القرآن إلى تربيتهم على الأخلاق والفضائل، وتنشئتهم على الكمالات، قال تعالى حاكيا عن نبي من أنبيائه: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)[آل عمران: 38].
وقال الله في صفات عباد الرحمن وحلاهم وكمالهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم". وفي رواية: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وأخر ذكر الولد؛ لأن الولد الصالح قد يكون صدقة جارية، وقد يكون علما ينتفع به، إذا ربي على المبادئ والقيم، وإذا غرست فيه مبادئ الإسلام النقية.
لذلكم يقول صلى الله عليه وسلم: "ما نَحل والدٌ ولدّه -أي ما أعطى- من نحْل أفضل من أدب حسَن".
إذاً فأعظم استثمار هو في الأبناء في تنشئتهم على الإيمان، في تنشئتهم على الأخلاق، في ربطهم بالله، في تعريفهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في غرس معاني الرجولة والشهامة والصبر والعزة، فلو نجحت في تحصيل الملايين والعقارات والمناصب، وفشلت في تربية أبناء يدخلون عليك الحسنات في قبرك، فأنت فاشل بامتياز.
وهذا لا يتحقق ابتداءً حتى تكون أنت صالحا في نفسك، راقيا في أخلاقك، أعظم ما تقدمه لأبنائك أن تكون أنت صالحا تقيا؛ لأن ذلك يكون سببا في حفظهم في الدنيا من كل الشرور، وارتقائهم في الآخرة إلى منازل السرور والحبور.
قال تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)[الكهف: 82].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته".
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح".
إذا فهذا أمر غاية في الأهمية، بل والأساس المتين لحفظ الأبناء من كل الشرور -بإذن الله-، قال تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا)[الأعراف: 58].
وقد شبه الله الزوجة بالحرث، فالولد سر أبيه، وحامل خصائصه، وهو في حياته قرة عينه، وهو بعد مماتهم امتداد لوجوده، وسبب لدخول الأجر عليه.
ذكر الإمام أحمد -رحمه الله- في كتاب الزهد عن وهب قال: "إِنَّ الرَّبَّ -تبارك وتعالى- قَالَ فِي بَعْضِ مَا يَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنِّي إِذَا أُطِعْتُ رَضِيتُ، وَإِذَا رَضِيتُ بَارَكْتُ، وَلَيْسَ لِبَرَكَتِي نِهَايَةٌ، وَإِنِّي إِذَا عُصِيتُ غَضِبْتُ، وَإِذَا غَضِبْتُ لَعَنْتُ، وَلَعْنَتِي تَبْلُغُ السَّابِعَ مِنَ الْوَلَدِ".
جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرا وجهرا، آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله العلي الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وصلوات ربي وسلامه على نبي الحكمة ومعلمها، ومؤسس الأخلاق وإمامها، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله أصحاب المبادئ العالية، والأخلاق الراقية، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
معاشر الصالحين: يقول رب العالمين: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ)[النساء: 11].
ويقول سيد البرية صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
فأنت -أيها الأب-: إن كنت تتعامل بالربا، فاعلم أنك تحارب الله ورسوله، وحرب الله يظهر عليك وعلى أبناءك، وأنت يا من يبيع الحرام من خمور ودخان، وغير ذلك؛ اعلم أنك تدمر أبناء المسلمين، وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل.
وأنت يا من تظلم وتتجبر، وتحرف وتزور، وترشي وترتشي، وأنت يا من تتخلف عن المساجد، ويا من تدخن أمام أبناءك، وتتعامل بالكلمة النابية، من سب وتشنيع؛ اعلم أنك تدمر أبناءك، وتخرج للمجتمع جيلا مهزوما فاسدا، لا ينفع فيه تعليم، ولا يجدي معه تقويم.
فأعظم ما ينتفع به الأبناء وجود القدوة، والمثال، وحسن العشرة، وأكل الحلال، فَلُم نفسك أولا قبل أن تلوم التعليم والمعلمين والمجتمع، فأنت فشلت في التعليم قبل أن يفشل في ذلك غيرك، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ".
ثم إن بعض الآباء والأمهات تجدهم مشغولين، الأب في مشاريعه، وغير ذلك، والأم مع الأغراض والصادقات، والولد مع الخادمة، لا يستمتع بوالديه إلا ما ندر، وهذا هو اليتيم الحقيقي، ولله در القائل:
ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من هم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم الذي تلقى له أُماً *** تخلت وأباً مشغولا
أما المنظومة التعليمية، فهي تتحمل مسئولية عظمى في الدنيا والآخرة، بل هي أمانة من أعظم الأمانات، فالآباء يأتون بفلذات أكبادهم، ويضحون بالغالي والنفيس، بل ويبيعون أغراضهم، ويتحملون من أجل أن يدرس أبناءهم، فوجب على المنظومة كلها من وزارة التعليم، إلى النواب، إلى المدراء، إلى المعلمين، إلى أصحاب المدارس الخاصة؛ أن يعوا هذا جيدا، ويعوا أنهم مسئولون أمام الله.
وعليهم أن يتذكروا جيدا دعاء سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ".
هذا الدعاء يطارد كل من شق على أبناء المسلمين، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وعليهم أن يستحضروا قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لم يبعثني معنتا، ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا".
فالتيسير والرفق بأبناء المسلمين، وتعليمهم ما ينفعهم أمر واجب على المعلمين، فبناء الأجيال ليس بالأمر الهين، فليصبروا وليحتسبوا وليرفقوا، وقد كان صلى الله عليه وسلم رفيقا بالمتعلمين، لا يعنفهم ولا يوبخهم.
يقول معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه-: بينا أنا أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان في هذه الواقعة حديث عهد بالإسلام، إذ عطس رجل من القوم، يعني في الصلاة وهم يصلون، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
هكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شفيقا رحيما ودودا؛ لأنه كان صاحب رسالة، وصاحب هدف، وهو الذي أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنه ما يدرك بالرفق ما لا يدرك بالشدة، قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: "نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم".
قال الآجري -رحمه الله- يصف خلق الإمام مالك في التعليم، قال: "فأما أخلاقه مع مجالسيه فصبور على من كان ذهنه بطيئا عن الفهم، حتى يفهم عنه، صبور على جفاء من جهل عليه، حتى يرده بحلم، يؤدب جلساءَه بأحسن ما يكون من الأدب، لا يدعهم يخوضون فيما لا يعنيهم، ويأمرهم بالإنصات مع الاستماع إلى ما ينطق به من العلم، فإن تخطى أحدهم إلى خلق لا يحسن بأهل العلم، لم يوبخه في وجهه على جهة التبكيت له، ولكن يقول: لا يحسن بأهل العلم والأدب، كذا وكذا".
وعلى من ولاهم الله أمر التعليم أن لا يغشوا سواء من وقتهم، أو فيما يقدمونه للتلاميذ من علم، جاعلين رضا الله غايتهم، متجنبين كل ما يتعارض مع كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مستحضرين قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما عبد أو أمة استرعاه الله رعية فمات وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
وهناك مسئولية واضعي المناهج: عليهم أن يعطوا الأولوية لتعريف التلاميذ بدينهم، وربطهم بنبيهم، وهذا لا يتعارض أبداً مع تعليم العلوم العصرية بجميع أنواعها وأشكالها، فكل ذلك مما يربط بالله، ويقدم للناس الخير، ولذلك لا غرابة إذاً أن تأتي الإشادة بالعلماء عقب ذكر بعض مظاهر العظمة في الكون، في دعوة إلى استخراج أسرارها، والبحث في كيفية سريانها وجريانها، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر: 27-28].
وعلى أصحاب المدارس الخاصة: أن يراعوا جيوب الناس، وأن لا يشقوا على الناس، فلا مانع من الأجرة، ولكن يجب النظر إلى الأجر كذلك، فليس معقولا أن يفر الآباء من واقع التعليم المزري المتراجع ليصطدموا بواقع الاستغلال والإرهاق المجاوز للحد، فنحن أمة متراحمة متعاطفة، المفروض فينا أن نسير بسير ضعفاءنا؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "سيروا بسير ضعفائكم".
فيا أصحاب التعليم العمومي والخصوصي: إن الآباء قد أسلموكم أبناءهم، ولا شك أنكم مؤجرون إن أحسنتم، ومعاتبون ومعاقبون إن أسأتم، وربنا لا تخفى عليه خافية.
بقي لنا أن نتحدث عن المجتمع، ودوره في الإصلاح، ومسئوليته كذلك في الإفساد، فواجب على المسئولين أن يركزوا على الجوانب الأخلاقية في المجتمع، من خلال القوانين الزجرية لكل مخالف، من خلال المراقبة المستمرة، وخصوصا عند المدارس، والضرب بيد من حديد على من ينشر الفساد والإفساد والمخدرات والخمور عند المدارس، وغيرها.
والإعلام كذلك يتحمل مسئولية عظمى في هذا الأمر، فمن عوامل إفساد الأمة ما تبثه الكثير من المنابر الإعلامية من مسلسلات شرقية وغربية، وهندية ومكسيكية، وتركية، إلى غير ذلك.
ولا يخفى ما فيها من المغالطات والمخالفات والدعوة إلى الفساد والإفساد.
وكذلك تسويق الوهم وتغرير الشباب من خلال صناعة النجومية من خلال تلك البرامج والمسابقات، مسابقات الغناء والرقص، وغير ذلك.
ومعلوم أن الأنباء يتعلقون بما يشاهدون، ويصنعون قصورا في الخيال، ويتمنون أن يأتي اليوم الذي تسلط عليهم فيه الأضواء، ويقفون أمام الجمهور مغنين، أو راقصين، أو غير ذلك.
فعلى الإعلام أن يتقي الله في أبناء المسلمين، وأن يعرض لهم ما يعينهم لا ما يلهيهم، وما يصلحهم لا ما يفسدهم، فإن الأمة بشبابها وأبناءها، وإذا فسد الأبناء تهدم البناء، وتعطل النماء.
اللهم أصلح أحوالنا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي