إن برامج التواصل الاجتماعي فتحت على أبنائنا وبناتنا، وشبابنا وفتياتنا، شروراً كبيرة، وأخطاراً عظيمة، فكم من ولد كان من أفضل الأولاد، وأحسن الطلاب، ثم انقلب على عقبيه، وتغيرت سلوكياته، حتى مع أهله وأصحابه بسبب هذه البرامج التي يصبح ويمسي معها، فيعيش في عالم من الأوهام والأحلام في ذلك المجتمع الافتراضي، والعالم الوهمي، عالم الانترنت، ومع أولئك الأصدقاء الافتراضيين على...
من المنن التي منّ الله -سبحانه وتعالى- بها علينا في هذا العصر: نعمة الانترنت، وما يحمله من تقنيات عالية، وبرامج مفيدة، وما فيه من تسهيلات كبيرة، خاصة في جانب الاتصالات والتواصل مع الآخرين، وكل يوم يكتشف الإنسان أشياء حديثة، وبرامج جديدة في هذا البحر الخضم الذي لا ساحل له، حتى سميت الانترنت بالشبكة العنكبوتية، والشبكة العالمية، فسبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق: 1-5].
ويقول سبحانه وتعالى: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء:113].
إن الواجب علينا -يا عباد الله- أن نستغل هذه التقنية في نشر الخير، والدعوة إلى الله، وتحبيب غير المسلمين في الإسلام، ونصح المسلمين، ودعوتهم إلى الالتزام بشرائع الإسلام، واستخدامه في التواصل مع الأهل والأقارب والأرحام، والتعرف على الآخرين من أجل الله تعارفاً يراد به وجه الله؛ لننال به محبة الله، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر من السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: "رَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ".
لكن لو نظرنا إلى استخدامنا للإنترنت لوجدنا -إلا من رحم الله- أن كثيراً منا يستغله في جانب الشر والفساد أكثر مما يستغله في جانب الخير والصلاح، ويستخدمه في الهدم والعبث أكثر مما يستخدمه في الأمور الجادة والمفيدة، وهذا لاشك أنه أمر خطير، فإن الإنترنت سلاح ذو حدين، وهو نعمة لمن استغله استغلالاً مفيداً، وفي نفس الوقت نقمة على من يستخدمه في اللهو والحرام.
وقد ذكر نبينا -صلى الله عليه وسلم- في حديث الإسراء والمعراج: أنه رأى رجلاً عنده لحم جميل طيب، ولحم خبيث قبيح منتن، يأكل من اللحم الخبيث، ويترك اللحم الطيب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من هؤلاء يا جبريل؟" -بارك الله فيكم-، فقال: "هؤلاء الذين يأتون الحرام، ويتركون الحلال".
فهذا الذي يقف أمام هذه الشبكة العالمية، وهو يعلم أن فيها الخير والشر، والصلاح والفساد، والمواقع الطيبة والخبيثة، فيدخل على الخبيث المنتن، ويترك المواقع المفيدة الطيبة، لا شك أنه داخل في هؤلاء الذين يأتون الحرام، ويتركون الحلال.
عباد الله: إن كثيراً من شبابنا وأبنائنا لديهم خبرة واسعة، ومعرفة جيدة بالإنترنت، وكان من المفترض أن يستغلوه في العمل لصالح الإسلام، أو على الأقل يستغلونه لصالحهم شخصياً، كأن يبحث الشخص له عن عمل عبر الإنترنت، أو يتعلم البرامج المفيدة؛ كبرامج التصميم والفوتشوب، ودورات البرمجة، حتى يستفيد منها في تطوير نفسه، وزيادة دخله.
لكن المصيبة أن تجد أكثرهم مغرمين بالدردشة، والشات، والنمبز، والماسنجر، والوتسب، وغيرها من برامج التواصل الاجتماعي، ويا ليتهم يستغلونه استغلالاً صحيحاً، وإنما تجد أكثرهم يستغلونها استغلالاً سيئاً في عقد العلاقات المحرمة، والتعارف السيء المبني على الشهوات والإثارات، وتشغلهم هذه البرامج عن أداء الواجبات، سواء كانت الواجبات الدينية؛ كالصلاة، أو واجبات البيت، وحقوق الأهل، إضافة إلى ما يفعله بعضهم من تبادل لمقاطع الفيديو غير اللائقة، والصور العاهرة، ونشر المعلومات المضللة، والشائعات الكاذبة، واستخدام الألفاظ البذيئة، والكلمات الغربية، وهدر الأموال الطائلة، خاصة لمن يستخدمون الإنترنت من المقاهي.
وترى كثيراً منهم يتشبع بما لم يعطى، ويدعي لنفسه أمام الآخرين أنه كذا، أو كذا، أو يضع لنفسه صورة شخص وسيم، أو شاب جميل ليوهم الآخرين أن هذه هي صورته الشخصية، إن لم يكن يدعي أنه أنثى، وهو في الحقيقة ذكر، ثم يقضي أوقاتاً طويلة، ويهدر ساعات كثيرة أمام شاشة حاسوبه، أو جواله، مع هذا اللهو والعبث، وينسى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ" وذكر منها: "وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ".
المصيبة والطامة الكبرى التي بدأت تروج وتنتشر، هي أن هذه العلاقات لم تعد تقتصر على الجانب الالكتروني، والتعارف من خلف الشاشات، وإنما بدأت هذه العلاقات تترجم على أرض الواقع، وتنتقل من الجانب الالكتروني الوهمي إلى الجانب الحقيقي الواقعي، وخاصة بين الذكور والإناث، والأولاد والبنات، وهذا للأسف موجود وواقع ملموس، وقد وقعت حالات عديدة، وخلوات محرمة، ولقاءات سيئة، بسبب هذه البرامج عندما استغلت استغلالاً خاطئاً في ظل غفلة وسهو من الآباء وأولياء الأمور.
يقوم الأب المسكين بشراء جوال مطور لابنه، أو ابنته، وهو يظن أن هذا الجوال فيه ميزات بسيطة، وأمور سهلة، ولا يعلم أن هناك برامج حديثة، وتطبيقات متطورة، يمكن إدخالها إلى هذا الجوال، وتحميلها فيه، يستطيع المستخدم من خلالها أن يفعل ما يشاء، ويصل إلى حيث يشاء، ويتواصل مع من يريد، ومن خلال هذه البرامج يدخل هؤلاء الشباب والفتيات في بحار من المستنقعات الآسنة، والأماكن الخبيثة.
إني أقول لكم وبكل صراحة: نحن اليوم نعيش في ظل ثورة إلكترونية هائلة، وتطور تكنولوجي متقدم، ولا يستطيع الواحد منا أن يترك استخدام هذه البرامج، وهذه التكنولوجيا، أو يمنع أولاده منها، لكن الواجب والأهم هو أن نحرص حرصاً كبيراً على متابعتهم، وننظر إلى ما يشاهدونه وينشرونه على صفحاتهم، بل الأولى أن تكون كلمات السر والشفرات التي يدخلون عبرها إلى هذه البرامج تكون بيد الآباء، خاصة للأولاد الصغار، والبنات والنساء ليرى الأب ابنه أين وصل؟ ومن يتابع؟ ومع من يتراسل؟ وهل هو مستغل هذه التقنية في الخير أم في الشر؟
أما أن يعطي أبنائه الصغار أو بناته أو نسائه جوالاً مطوراً، فيه كل شيء، ثم يترك لهم الحبل على الغارب، ولا يسألهم عما يفعلون، ولا يشاهد ما ينشرون، ولا يعرف مع من يتواصلون، فهذا –والله- هو الضياع الكبير، والتفريط العظيم لهؤلاء الأولاد الذين هم أمانة في أعناقنا: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72].
إن برامج التواصل الاجتماعي فتحت على أبنائنا وبناتنا، وشبابنا وفتياتنا، شروراً كبيرة، وأخطاراً عظيمة، فكم من ولد كان من أفضل الأولاد، وأحسن الطلاب، ثم انقلب على عقبيه، وتغيرت سلوكياته، حتى مع أهله وأصحابه بسبب هذه البرامج التي يصبح ويمسي معها، فيعيش في عالم من الأوهام والأحلام في ذلك المجتمع الافتراضي، والعالم الوهمي، عالم الانترنت، ومع أولئك الأصدقاء الافتراضيين على الشاشة، وينسى نفسه وأهله ودراسته، ومستقبله، بسبب انشغاله المفرط بتلك البرامج.
وكم من فتاة غرها شاب خبيث مجهول في البداية، معروف في النهاية، يصرف عقلها بكلماته المعسولة، ووعوده الكاذبة، وصداقته المزيفة، ويزيّن لها شروراً كثيرة، ويوهمها بأوهام مزيفة، حتى اغتر بعضهن بتلك الوعود والأوهام.
وقد سجلت عشرات الحالات هنا في اليمن لفتيات هربن مع أصحابهن، وتركن أهلهن أملاً في الخروج من البيت ومشاكله، إلى تلك الحياة الموعودة التي يعدها بها.
فتحرج أهلها وقومها ثم تسجل حالتها على أنها حالة اختطاف، أو أنها مفقودة، يتم البحث عنها، وهي في الحقيقة حالة اختفاء وهروب مع هؤلاء الذئاب، وليس اختطاف ولا فقدان، والله المستعان.
فلنتق الله في أبنائنا، ولنضع لهم خطوطاً عريضة يتعاملون بها مع هذه الشبكة العنكبوتية، حتى نضبط الأمور، ونكون على قدر المسئولية تجاه أبنائنا وبناتنا، ولا نعطيهم الثقة المطلقة التي لا حدود لها، فإن الهلاك والفساد يأتي من جراء هذا التساهل والتفريط، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي