خطبة عيد الأضحى عام 1433هـ

أحمد بن حسن المعلم
عناصر الخطبة
  1. حال المجتمع وما فيه من فساد وفتن .
  2. ما أصابنا بما كسبت أيدينا .
  3. المخرج من هذه المصائب .
  4. التفرق سبب لسقوط الأمم .
  5. دعوة للتآلف ونبذ الفرقة .

اقتباس

ليستحضرْ كلُّ واحدٍ منا وبالأخص مسؤولونا قصةَ نور الدين زنكي، الملقب نور الدين الشهيد, أستاذ صلاح الدين الأيوبي, وقد رأى يوماً في جيشه انكساراً، وفي جيش عدوهِ تقدماً, فنزل من ظهر فرسِهِ وألقى نفسَهُ على الأرض متذللاً متضرعاً مناجياً رب العالمين بقوله: "يا رب: مَن هو نورُ الدين حتى تهزمَ أمةَ محمدٍ بسببه", وحاشاه ما كان مجرماً ولا منحرفاً، ولكن كان تقياً مخبتاً. فهلَّا اقتدينا به في شفافية نفسه، وكمال خوفه وشدة لجوئه إلى الله؛ لعل الله إن غيَّرْنا حالَنا أن يغير ما بنا...

الخطبة الأولى:

الله أكبر كلما هفت القلوب الى البيت العتيق، الله أكبر كلما ازدحمت بالحجاج الطريق.

الحمد لله الذي جعل بيته مثابةً للناس وأمناً، وشرَّفه حسناً ومعنىً، وجعل حَجة الإسلام ركناً، أحمده سبحانه وأشكره، ومن مساوي عملي أستغفره، والصلاة والسلام على خير من ارتدى واتَّزر، وحج واعتمر, وأهدى ونحر، محمد وعلى آله النجبِ المنتخبين، وصحابته البررة الأكرمين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله.

أما بعد:

عباد الله: إن وضع بلادنا لا يخفى على أحد، تفريط في السيادة، ورضاً بالوصاية، واتخاذ من لا يألوننا خبالاً بطانة، قد أذاق الله كثيراً منا لباسَ الخوف والجوع، وظهر في مجتمعنا ما لم نكن نعهده من فتنٍ وانحرافات، وأمراضٍ اجتماعية، وأنواعٍ من الفساد الأخلاقي والمالي والإداري ما لا يُحصيه إلا الذي سلّطه علينا بذنوبنا.

وفوق ذلك ثارات قبلية، وعصبيات جاهلية، ومحاربة لله ورسوله، وسعي في الأرض بالفساد، وقطع الطرقات، ونهب الممتلكات، وتخريب المرافق العامة وإتلافها، وسقوط لهيبة الدولة لم نرَ له مثيلاً من قبل، وغير ذلك مما يطول بذكره المقام.

عباد الله: ربما انطبق قول الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41], وفساد البر والبحر هو ما يصيب الناس في أنفسهم وأموالهم وديارهم من الرزايا والبلايا، والمحن والفتن وغلاء الاسعار وقلة الثمار وتقطع الطرق وظهور الخوف وذهاب الأمن، وكذا قوله تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة: 21], والعذاب الأدنى هو نفسه المقصود بالفساد في البر والبحر في الآية السابقة، وقد ختم الله الآيتين بقوله: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) مما يدل على أن هذا الفساد والعذاب الذي يسلطه الله على هؤلاء الناس ليس هو عذابُ الاستئصال وقطع الدابر، وانما هو للتأديبِ وللزجر وإيقاظ الغافلين وتعليم الجاهلين، وإحياء القلوب التي أماتتها الذنوب والمعاصي.

فهل نفقهُ المرحلة؟, هل ندرك سبب ما نزل بنا؟, هل نقر أن ما أصابنا هو بما كسبت أيدينا؟, وهل نوقن أن المخرج من أزمتنا المتكالبةِ هو الرجوع الى الله، هو إصلاح ما بيننا وبينه، هل ينشد لسانُ حالنا عملياً ولسانُ مقالنا مناجاةً منبعثةً من القلب:

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب

اذا صح منك الود فالمال هين *** وكل الذي فوق التراب تراب

أم أننا سنظل مصرين على أخطائنا؟, متمسكين بمواقفنا؟, مفسرين ما أصابنا تفسيراً مادياً كتفسير من لا يؤمن بالله ولا يرجو له وقاراً؟. إنَّ أخشى ما أخشاه هو التمادي في الغفلة والإصرار على الذنب، والركونُ الى أعداء الله بدلاً من الفرار إليه والاعتصامِ بحبله والتضرع بين يديه.

إن مما يؤسف أن الاتجاهَ السائدَ هو الاتجاه نحو الحلول الماديةِ فقط، و يا ليتها الحلول المادية التي يشير بها الأمناءُ الناصحون، وإنما الحلول التي يشير بها من لا يرقب فينا إلَّاً ولا ذمة، ولا يألونا خبالاً، حلولُ من نهانا الله عن مشورتهم واتخاذهم بطانة، وأوضح مسوِّغ ذلك النهي، حيث قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 118، 119].

إن الواجب هو الرجوعُ إلى الله، هو الفرارُ إليه، هو التوكلُ عليه، هو الالتزامُ بأوامره ونواهيه، هو التقيدُ الصارم بشرعه، هو التوبةُ الصادقة النصوحُ إليه؛ عندها يرضى عنا ويصلح حالنا، والله قد أرشد الى المخرج من تلك المحن والفتن والبلايا والرزايا فقال جل جلاله: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام: 43], أي كان الأجدر حينما رأوا مقدمات العذاب أن يتضرعوا ويتوبوا إلي، ويتركوا أسباب المصير إلى ما صاروا إليه، وعندها يأتي الفرج ويزول الكرب: (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43], هذا شأن جميع المكذبين الذين كتب الله عليهم الهلاك، وبالفعل أداهم إصرارهم وعنادهم واستكبارهم الى الهلاك.

لكن هناك استثناء، جعل الله مفتاحاً للأمل وأبقاه قدوة لمن أراد أن يقتدي، ممن وصل حالُهم إلى مثل حالهم أو قريباً منه، إنه نموذج قوم يونس الذين تداركوا أنفسهم وتركوا الكبر والفساد، وقدموا العقل على الهوى، فأنقذوا أنفسهم، وأحيوا أمتهم بعد هلاك محقق، قال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس: 98].

عباد الله: هذا هو المخرج، ولا مخرج سواه، ولو اجتمع مَن بأقطار الأرض على أن يُخرجونا من محنتنا بغير هذا المخرج، لن يخرجونا أبداً

.

بل إنني لأخشى إن بقينا على حالنا أو زدنا من إسخاط ربنا؛ أن يتحقق فينا قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الأنعام: 45,44]. أخشى إذا نحن لم نتبْ الى الله، ولم نسلكْ الطريقَ الصحيحَ للخروج من محنتنا أن نُستدرجَ بشيءٍ من تحسن الأوضاع، وأن يفتح علينا أبواباً من الخير نغتر بها، ونصل من خلالها إلى غضب الله وسخطه وانتقامه، ثم يُقطع دابرُ القوم الذي ظلموا، أسأل الله أن لا يوصلَنا الى ذلك الحال، ولكنَّ مجردَ الدعاءِ لا يجدي إذا لم يصحبه عمل.

ولذلك أكرر مطالبتي للجميع بالتوبة الصادقة النصوح والعاجلة اللحوح قبل أن تنقطعَ السبل، ويحيقَ بنا المكر، ويحالُ بيننا وبين التوبة، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) [الأعراف: 96 - 99].

أنادي رؤساءَ الجمهوريةِ والنوابِ والوزراء، أنادي المتنفذين الكبار ممن يفوق نفوذُهم نفوذَ الرؤساء، أنادي الطرفَ الآخرَ الذي ينتقمُ لنفسه ويثأرُ لكرامته كما يظن، فيعيق الحلولَ ويُثير المشكلات، أنادي كلَّ وزير، كلَّ مسؤول، أنادي قطاعَ القضاء والقطاع العسكري والأمني، أنادي رؤساءَ الأحزابِ جميعاً، أنادي رؤساءَ المنظمات بشتى مسمياتِها وتوجهاتها، أنادي قطاعَ الإعلام رسمياً وشعبياً وحزبياً، أنادي قطاعَ المرأةِ وقطاعَ الشباب، أنادي كلَّ مواطنٍ في هذا البلد، أنادي الجميع: أن يُفتشوا عن ذنوبهم، وأن يحددوها، وأن يتوبوا منها ذنباً ذنباً، وليس توبةً عامةً لا تعني شيئاً، وليعتبرْ كلُّ فرد مهما كانت منزلته، أن ذنوبه سبب ما أصاب البلاد والعباد، وأن توبته ربما رفعت هذه المحن على الجميع.

ليستحضرْ كلُّ واحدٍ منا وبالأخص مسؤولونا قصةَ نور الدين زنكي، الملقب نور الدين الشهيد, أستاذ صلاح الدين الأيوبي, وقد رأى يوماً في جيشه انكساراً، وفي جيش عدوهِ تقدماً, فنزل من ظهر فرسِهِ وألقى نفسَهُ على الأرض متذللاً متضرعاً مناجياً رب العالمين بقوله: "يا رب: مَن هو نورُ الدين حتى تهزمَ أمةَ محمدٍ بسببه", وحاشاه ما كان مجرماً ولا منحرفاً، ولكن كان تقياً مخبتاً.

فهلَّا اقتدينا به في شفافية نفسه، وكمال خوفه وشدة لجوئه إلى الله؛ لعل الله إن غيَّرْنا حالَنا أن يغير ما بنا (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

الخطبة الثانية:

الله أكبر عدد تلبية أهل عرفات، الله أكبر عدد ما رميت به الجمرات، الله أكبر عدد ما رفع الحجاج من دعوات الله أكبر ملئ الارض والسماوات.

الحمد لله الذي جمعنا في هذا الصعيد على طاعته، وجعلنا من أهل بره وكرامته إذ يسر لنا هذا الجمع الكريم في هذا اليوم العظيم، فله الشكر على خيره العميم وفضله الجسيم, والصلاة والسلام على من دعا إلى إفشاء السلام, وإطعام الطعام وصلة الأرحام والصلاة بالليل والناس نيام، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار, وصحابته الأبرار وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم القرار .

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله.

أما بعد:

عباد الله :فقد كنت خاطبت عموم المسلمين وعموم اليمنيين, شرحت الحال واجتهدت في وصف العلاج, والآن أعود إليكم -أيها الحاضرون- إليكم -يا أبناء حضرموت- أينما كنتم فالأقربون أولى بالمعروف وكما قال الشاعر

 :

وبواجب المعروف نأمر قومنا *** ندعوا القريب قبل نصح الأبعد

إن من أهم أسباب سقوط الأمم وفشلها وتأخرها وذهاب قوتها وتسلط خصومها عليها؛ تفرقها واختلافها ونزاعها وتنافس رجالاتها على الزعامة والسيادة والمناصب والمكاسب, لذلك حذر الله من التفرق في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران : 105] وقوله (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال : 46].

وفي مقابل التحذير من التفرق والنهي عنه أمر بجمع الكلمة والاعتصام بحبله جميعا دون تفرق فقال :(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران : 103], وأخبر أنه يحب المجتمعين على أمرهم المتحدين في مواقفهم حال حربهم وسلمهم فقال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف: 4] لأن من كان هذا حالهم يصعب اختراقهم والتغلب عليهم وتخلل صفوفهم لإلقاء الفتنة بينهم وبتماسكهم كذلك وتعاونهم تقل عليهم التبعات وتتوزع المسؤوليات ويخف الحمل ويتحقق الثبات والصمود .

وانطلاقا من هذه المعاني التي رسخها القرآن وحث عليها وحذر من عكسها, فإنني أستغل هذا العيد وهو المناسبة الصالحة لهذه الدعوة والبيئة المهيأة لها, ففي أجواء العيد تقبل الدعوة إلى الأخوة والى المحبة والى التسامح والى التعاون, لذا فإني من هذا المنبر وفي هذه المناسبة العظيمة أطلق ندائي نداء الأخوة الصادقة والمحبة الراسخة, والغيرة القوية على أرضي وأهلي وإخواني, وأطلق هذا النداء إلى الجميع دون استثناء إلى من اتفق معهم أو اختلف وإياهم, فإننا جميعا فوق أرض واحدة وتحت سماء واحدة وفي سفينة واحدة .

فأدعو الجميع إلى رص الصفوف ونقاء الصدور وإشاعة روح المحبة والتسامح والتعاون على البر والتقوى, ونبذ الحسد والتنافس الهدام والمذموم والتعصب المقيت والأنانية القاتلة، إن غيرنا باتحاد كلمته ورص صفوفه قوي وكبر في أعين الآخرين, وفرض عليهم احترامه وأخذ حقوقه وأجبر من اعتدى عليه أن يعتذر, وأن يرد إليه الاعتبار ويعوض عن الأضرار ويسترضيه بما يريد, ونحن بتفرقنا وأنانيتنا صغرنا وكنا كباراً, وضعفنا ونحن أقوياء, وفشلنا وكان من عاداتنا النجاح, وما ذاك إلا لفشو تلك الأمراض فينا .

فهل آن الأوان لعلاج أنفسنا من أمراضها؟, هل آن الأوان أن نجمع صفوفنا ونوحد كلمتنا وننقي صدورنا من أدرانها؟, هل آن الأوان أن نتجرد للحق والمصلحة العامة وأن نتخلى عن الهوى وأن نؤثر المصالح العامة على الخاصة؟.لاشك انه قد آن الأوان لذلك كله, فهل نحن فاعلون؟ أرجو ذلك.

إن أمراضنا التي أشرت إليها صنعت لنا كيانات هزيلة, وتجمعات وهمية, وألقاب مملكة في غير موضعها, وانشغل بعضنا ببعض وأفسحنا المجال لكل طامع فينا .فعلينا أن نتقي الله ونلتقي على كلمة سواء .

على رؤوس تلك التجمعات أن يسمعوا لصوت العقل, ويتنازلوا عن أهوائهم ومطامعهم وأمانيهم الكاذبة, ويلينوا في أيدي إخوانهم ويقدموا المصالح العليا والعامة على المصالح الدنيا والخاصة .لنحذر أن نتصارع ونتقاتل على الغنائم المتوهمة والمناصب المتخيلة؛ فيضيع علينا حاضرنا ومستقبلنا ونعود بالخيبة والخسران .

وخذوا العبرة من سيرة نبيكم وأصحابه, ففي معركة بدر غنم المسلمون أول غنيمة في تاريخهم وحينما حازوها تطرق إلى نفوس بعضهم بعض الطباع البشرية؛ من حب المال وحب الاستئثار به, فتنازعوا بسبب ذلك نزاعا يسيرا لم يؤدِ إلى تباغض أو تشاحن, ولم يترتب عليه تخوين واتهام, فلم يهملهم الوحي ولم يدع للشيطان سبيلا عليهم, بل عجل الله بوعظهم وتربيتهم وتزكية نفوسهم فقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1] فلم يتجاوزوها بل حسم الأمر فوراً وانتهت القضية .

ونحن نتلوا هذه الآية على أنفسنا وعلى إخواننا نذكرهم بها, عسى أن نبادر بإصلاح ذات بيننا وعمل ما فيه خير بلادنا وأهلنا, أسأل الله أن يحقق لنا ذلك انه سميع مجيب .


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي