في هذه الأيام تجتمع أمهات العبادات، فيجتمع فيها الصلاة والصيام والحج والصدقة بالأضاحي والهدي وغيرها، والتي لا تجتمع في غيره.
في هذه الأيام يوم عرفة، ذلك اليوم العظيم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم به النعمة وأنزل فيه قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) [المائدة:3]، فهو للحجاج أساس حجهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحج عرفة" ..
أما بعد: فاتقوا الله -يا عباد الله- فإن من اتقاه وقاه وحفظه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
واعلموا -عباد الله- أن الله قد شرع لنا أزمنة فاضلة تضاعف فيها الحسنات وتفتح فيها أبواب الرحمات، يتفضل الله بها على عباده بمضاعفة الأعمال الصالحة، ويعطيهم على القليل الكثير، يغفر فيها للمستغفرين، ويتوب فيها على عباده المؤمنين، ويجيب السائلين.
هذه الأزمنة تكرر من عام إلى عام، ومن وقت إلى آخر، منها شهر رمضان، ومنها هذه الأيام العشر، ألا وهي العشر الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، فإنها أيام فاضلة، عظّم الله شأنها ورفع مكانتها وأقسم بها في كتابه، فقال جل وعلا: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) [الفجر:1-3]. فالليالي العشر هي ليالي عشر ذي الحجة، والشفع هو يوم النحر، والوتر هو يوم عرفة.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن العمل الصالح في هذه الأيام أفضل من الجهاد في سبيل الله، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر"، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء" أخرجه البخاري، وفي رواية أخرى: "ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرًا من خير يعمله في عشر الأضحى"، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء" أخرجه الدارمي وحسنه الألباني في الإرواء.
في هذه الأيام تجتمع أمهات العبادات، فيجتمع فيها الصلاة والصيام والحج والصدقة بالأضاحي والهدي وغيرها، والتي لا تجتمع في غيره.
في هذه الأيام يوم عرفة، ذلك اليوم العظيم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم به النعمة وأنزل فيه قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) [المائدة:3]، فهو للحجاج أساس حجهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحج عرفة" (أخرجه أصحاب السنن وهو في صحيح الجامع). ومن لم يقف بها فلا حج له. فيه تجاب الدعوات وتقال العثرات وتغفر الذنوب والسيئات وتتنزل من الله الرحمات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة" (أخرجه مسلم). يشرع للحجاج في هذا اليوم الإكثار من الدعاء وقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قال -صلى الله عليه وسلم-: "خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" (أخرجه الترمذي والبيهقي وهو في السلسلة الصحيحة).
وفي هذه الأيام العشر يوم النحر الذي هو أعظم الأيام عند الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم القر" (أخرجه الترمذي وحسنه الألباني في المشكاة). في هذا اليوم تراق دماء الأضاحي والهدي تقربًا إلى الله -عز وجل-، وهذا من أفضل القربات وأجل الطاعات، فقد قرن الله الذبح بالصلاة قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2]، وقال -جل وعلا-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:161، 162].
فينبغي للمسلم أن يستقبل مواسم الخيرات بالتوبة الصادقة النصوح، التوبة من التقصير في الواجبات، والتوبة من ارتكاب المحرمات، والتوبة من التقصير في شكر نعم الله علينا، فكم من نعم أنعمها الله علينا قل أن نشكرها، وكم قصرنا في طاعة الله وما تبنا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنًا في سربه معافى في جسده يملك قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" (أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو في صحيح الجامع) فمن منا أدى شكر هذه النعم؟!.
ثم ينبغي على المسلم أن يغتنم مواسم الخيرات فيما يقربه إلى ربه ويرفع درجته في الجنة، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133].
وأولى الأعمال بالاهتمام هي الفرائض التي أوجبها الله على عباده، من صلاة وصيام وحج وزكاة وبر وصلة للأرحام، مع ترك المحرمات والمنكرات، فذلك أفضل ما يتقرب به المسلم لربه -جلا وعلا-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه" (أخرجه البخاري). ثم يكثر بعد ذلك من نوافل العبادة وسائر الطاعات، فبها تكمل الفرائض وترفع الدرجات وتقال العثرات، ففي الحديث القدسي يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" (أخرجه البخاري)، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي سأله أن يكون رفيقه في الجنة: "فأعني على نفسك بكثرة السجود" (أخرجه مسلم)، وفي رواية أخرى: "عليك بالسجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة" (أخرجه ابن ماجه وهو في صحيح الترغيب والترهيب).
ويشرع في هذه الأيام المباركة الصيام، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة، وذلك لما للصيام من أجر عظيم عند الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا" (أخرجه البخاري ومسلم). ويزداد أجر الصيام إذا وقع في هذه الأيام المباركة، ويتأكد صوم يوم عرفة لغير الحاج، فقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صومه فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية" (أخرجه مسلم).
ومن الأعمال المشروعة في هذه الأيام المباركة الإكثار من ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وقراءة القرآن والاستغفار، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتسبيح" (أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر).
وذكر الله -عز وجل- فيه أجر عظيم، وهو من أيسر الأعمال وأسهلها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خير لي مما طلعت عليه الشمس" (أخرجه مسلم)، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" (أخرجه الترمذي وهو في صحيح الترغيب والترهيب).
ومن الأعمال المشروعة في هذه الأيام المباركة التقرب إلى الله بذبح الأضاحي، ففي ذلك أجر عظيم وهي سنة أبينا إبراهيم وشرعها لنا نبينا من بعده، قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحي". (أخرجه أحمد والترمذي بسند حسن). وقال أنس بن مالك: ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده. (أخرجه البخاري ومسلم).
وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من ترك الأضحية من غير عذر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من وجد سعة فلم يضح فلا يقربنا مصلانا" (أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
واعلموا -عباد الله- أن للأضحية أحكاما وآدابا ينبغي للمسلم أن يراعيها، منها أن من أراد أن يضحي فإنه يجب عليه أن يمسك عن شعره وأظفاره، فلا يقص منها شيئًا، من رؤية هلال شهر ذي الحجة إلى أن يذبح أضحيته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي" (أخرجه مسلم)، وهذا الحكم خاص بصاحب الأضحية فقط، أما أهله وأولاده فلا يلزمهم ذلك.
ومن أحكام الأضحية أن تبلغ السن المجزئة شرعًا، فمن الغنم ما أتم سنة كاملة، ومن الضأن ما أتم ستة أشهر، ومن الإبل ما أتم خمس سنين، ومن البقر ما أتم سنتين كاملتين، وتجزئ الإبل والبقر عن سبعة أشخاص، فلو اشترك سبعة في بعير أو بقرة أجزأت عنهم جميعًا.
ومن أحكام الأضحية أن تذبح في وقتها المحدد شرعًا، ويبدأ وقت الأضحية من بعد صلاة العيد، قال -صلى الله عليه وسلم-:"من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين" (أخرجه البخاري). ويمتد وقتها إلى قبل غروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة.
ومن أحكام الأضحية أن تكون خالية من العيوب المخِلّة شرعًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة التي لا تنقي" (أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي).
أما بعد: فاعلموا -عباد الله- أن أعظم الأعمال وأجلها وأزكاها عند الله في هذه الأيام المباركة هو حج بيت الله الحرام، الحج إلى تلك البقاع الطاهرة، إلى خير البلاد وأعظمها حرمة عند الله، وقد جعل الله في الحج أعظم الأجر والثواب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (متفق عليه)، أي: ليس عليه ذنب ولا خطيئة. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (متفق عليه).قال ابن حجر -رحمه الله-: "والحج المبرور هو الذي وفيت أحكامه ووقع على أكمل الوجوه، الخالي من الآثام والمحفوف بالصالحات والخيرات من الأعمال"، وقال النووي -رحمه الله-: "الحج المبرور هو الذي لم يخالطه إثم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد" (أخرجه النسائي وهو في صحيح الجامع)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما أهل مهل قط ولا كبر مكبر قط إلا بشر بالجنة"(أخرجه الطبراني وهو في صحيح الجامع)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من طاف بالبيت أسبوعًا فأحصاه كان كعتق رقبة، لا يرفع قدمًا ولا يضع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة" (أخرجه الترمذي والنسائي وهو في صحيح الجامع).
وقد فرض الله الحج على المستطيع مرة في العمر، وجعله ركنًا من أركان دينه، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) [البقرة:97]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" (متفق عليه).
وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من تأخير الحج مع الاستطاعة أشد تحذير، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" (أخرجه أحمد وحسنه الألباني في الإرواء)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يقول: إن عبدًا أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم" (أخرجه ابن حبان في صحيحه وهو في صحيح الجامع)، وقال عمر بن الخطاب: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جِدة على الحج ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية؛ ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين" أخرجه سعيد بن منصور في سننه، وقال علي بن أبي طالب: "من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا" (أخرجه سعيد بن منصور في سننه).
أبعد هذا يبقى مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر تاركًا للحج وقد استطاع؟! كيف يلقى الله وقد ترك ركنًا من أركان دينه؟! ومن يضمن له البقاء إلى السنة القادمة حتى يؤدي فريضة الحج؟! فإن الأعمار بيد الله، فربما مات قبل أن يحج أو عرض له أمر من مرض أو فقر أو تغير في الأحوال في السنة القادمة فلم يستطع الحج.
يا شباب الإسلام: ألا ترون الكثير من المسلمين يأتون من المشرق والمغرب من بلاد بعيدة، قد تركوا الأهل والأوطان وعرضوا أنفسهم لمخاطر الطرق والأسفار، ليصلوا إلى بيت الله الحرام، مع ما هم فيه من فقر وحاجة، فكيف بنا نحن الذين في بلاد الحرمين، وقد أنعم الله علينا بنعم عظيمة ومع ذلك نفرط في الحج رغم قربه وتيسر أموره؟!.
فاتقوا الله -يا عباد الله- واحذروا التفريط والتكاسل وأن تشغلكم الدنيا عن طاعة الله، فإن في ذلك الخسران المبين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9].
وصلوا على من أمركم الله بالصلاة عليه نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم-...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي