خطبة عيد الأضحى 1434هـ وخارطة الطريق النبوية

حسان أحمد العماري
عناصر الخطبة
  1. وقفات مع خطبة الوداع .
  2. حرمة الدماء والأعراض والأموال .
  3. خطورة الربا على الفرد والمجتمع .
  4. بديل الدين والانشغال عنه بالدنيا .
  5. أهمية الأخوة والرابطة الإيمانية بين المسلمين .

اقتباس

ها هو عيد الأضحى المبارك يطل علينا وعلى أمة الإسلام في كل مكان من هذا العالم الفسيح المترامي الأطراف، وإنها لفرصة عظيمة أن نذكر الله ونشكره على نعمه وآلائه علينا، وإن من أعظم نعمه علينا بعد أن هدانا للإسلام أن جعل لنا مواسم للطاعات يزيد فيها الحسنات، ويتفضل على عبادة بالمغفرة والتوبة من الذنوب والزلات، وجعل أيام العيد أيام ذكر وشكر وفرح وسرور على المجتمع المسلم والأمة المسلمة...

الخطبة الأولى:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر عدد ما ذكره الحاجون وبكوا! والله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا! الله أكبر عدد ما زهرت النجوم، وتلاحمت الغيوم! الله أكبر عدد ما أمطرت السماء، وعدد ما غسق واقب أو لاح ضياء! الله أكبر عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته! الله أكبر عدد ما وقف الحجاج في عرفات، الله أكبر عدد ما رفعوا من الدعوات، الله أكبر عدد ما سكبوا من العَبرات، الله أكبر عدد ما رموا من الجمرات والحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضَّالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.

أحمدهُ سبحانه حمد عبد نزّه ربه عما يقول الظالمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له. وسبحان الله رب العرش عما يصفون.

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله ذو المقام الموهوب، باتباع سنته تتسع الأرزاق، والأمر بحبه على الوجوب، من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه في النار مكبوب، صاحب الشفاعة العظمى، وله المقام الأسمى، واسمه على أبواب الجنة مكتوب، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه عدد الرمال والحصى، وكلما أطاعه عبد أو عصى، ونور بصلاتنا عليه بصائرنا والقلوب.

أما بعد:

عباد الله: ها هو عيد الأضحى المبارك يطل علينا وعلى أمة الإسلام في كل مكان من هذا العالم الفسيح المترامي الأطراف، وإنها لفرصة عظيمة أن نذكر الله ونشكره على نعمه وآلائه علينا، وإن من أعظم نعمه علينا بعد أن هدانا للإسلام أن جعل لنا مواسم للطاعات يزيد فيها الحسنات، ويتفضل على عبادة بالمغفرة والتوبة من الذنوب والزلات، وجعل أيام العيد أيام ذكر وشكر وفرح وسرور على المجتمع المسلم والأمة المسلمة، وإنها لفرصة أن نقف مع توجيهات رسولنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ونجعل من العيد نقطة انطلاق لحياة سعيدة يسودها الحب والتعاون والإخاء والأمن والعدل والخير لهذا العالم، ولن يأتي ذلك إلا بعد أن نصحح أخطاءنا أفرادًا وشعوبًا ودولاً ونقوم بواجباتنا ونستشعر مسئولياتنا تجاه ديننا وأمتنا وأوطاننا ومع بعضنا البعض، لقد وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمام أصحابه خطيبًا في حجة الوداع، فتكلم في خطبة عظيمة عن الكثير من الأمور التي تهمّ المسلم في دينه ودنياه وآخرته، فكانت هذه التعاليم بمثابة خطة عمل وخارطة طريق الفلاح والنجاة ودستور للحياة لأمته وأتباعه، والتي تضمن لهم الحياة الطيبة والراحة النفسية والأمن في الأوطان والتمكين في الأرض، كيف لا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحرص على المسلم والمؤمنين من أنفسهم، وكان يخاف عليهم بعد أن يودع هذه الحياة وينتقل إلى ربه من الوقوع فيما حذر منه؛ قال -سبحانه وتعالى-: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128]، ولقد أجيبت دعوة أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- حين هتف وهو يبني البيت العتيق: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [البقرة:129]، فبعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمة لهذه الأمة ورحمةً للعالمين.

فما أحوجنا في المحن والشداد وفي الرخاء وعند نزول الفتن والمصائب وفي اليسر والعسر إلى توجيهات هذا الرسول العظيم والنبي الكريم لتستقيم الحياة ويسعد الإنسان ويعم الخير على المجتمع، وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب وقد تجمع حوله في ذلك الزمان مائة ألف أو يزيدون في صعيدٍ واحد، يسمعون هذه التوجيهات من المعجزات التي حصلت: أن الخطبة سمعها جميع من كان في الحج بدون مكبر صوت، فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى، ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول، ونحن في منازلنا". صحيح أبي داود 1724 - 1957.

فكان مما قاله: "أيها الناس: اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا، أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإنَّ كل رباً موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تَظلمون ولا تُظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله، أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يُطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم".

أيها الناس: "(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُوإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، ورجب -الذي بين جمادى وشعبان". صححه الألباني.

ثم أخذ -صلى الله عليه وسلم- يوصي بحسن معاملة النساء وحسن معاشرتهن بالمعروف وعدم غمط شيء من حقوقهن وأوصى بهن خيراً، وعند ابن ماجه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا وإني فرطكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم. فلا تسودوا وجهي، ألا وإني مستنقذ أناسًا، ومستنقَذ مني أناس، فأقول: يا رب: أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". صحيح ابن ماجه 2481 – 3057. وفي رواية بلفظ: "ألا هل بلغت؟! فقالوا: نعم. قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". البخاري (1741) فتح الباري (3:574).

أيها المؤمنون، عباد الله: ما أعظم هذه المبادئ التي أرساها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته؛ فكان أول ما تكلم به حرمة الدماء والأعراض والأموال، وخطورة أن يكون فعل المسلم أو عمله أو قوله سببًا لسفك دم إنسان من أي بلد أو جنس أو لون بدون حق، والله تعالى قد حذّر من ذلك فقال: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، وجعل -سبحانه وتعالى- التعدي على حياة هذا الإنسان من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم والذنوب التي تورد صاحبها المهالك في الدنيا والآخرة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"، وقال ابن عمر: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حل" البخاري 6862.

ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً". رواه أحمد 16849، وصححه الألباني.

بل جعل -سبحانه وتعالى- قتل المسلم وسفك دمه من عظائم الأمور؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا". النسائي (7:83)، وصحيح الجامع (4361).

وقال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة:32]، وما نراه اليوم ونسمعه ونشاهد من جرأة الناس على الدماء المعصومة بسبب الخلافات والصراعات بين الأفراد والمجتمعات والدول لينذر بالخطر الداهم على سلامة وأمن المجتمعات والأمم والدول، وهو سبب لذهاب البركة والرزق والراحة وطمأنينة النفس، وهو سبب لنزول سخط الله ومقته وعذابه في الدنيا والآخرة، واسمعوا إلى هذا الحديث البليغ العجيب لمشهد القتيل مع قاتله في أرض المحشر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل يوم القيامة وأوداجه تشخب دمًا بين يدي الله فيقول: يا رب: سل هذا فيما قتلني؟! حتى يدنيه من العرش". أخرجه أحمد في المسند (23004، 23058)، صحيح الجامع (8031).

فماذا ستكون الإجابة؟! أمن أجل دنيا فانية ولذة عابرة وهوى متبع يقع المسلم في مثل هذه الجريمة، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (19 : 299): "قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: ثَبَتَ النَّهْي عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَة بِغَيْرِ حَقّ وَالْوَعِيد فِي ذَلِكَ، فَكَيْف بِقَتْلِ الْآدَمِيّ".

ألا فلنتق الله ولنحذر سخطه وعقوبته بحفظ دمائنا وأعراضنا وأموالنا.

ثم تحدث -صلى الله عليه وسلم- عن الربا وتحريمه وخطورته على الأفراد والأمة في المجال الاقتصادي والمعاملات المالية، ولقد أجمع الخبراء الاقتصاديين المسلمين وغير المسلمين على أن من أهم أسباب الأزمة المالية التي تعصف ببنوك العالم وشركاته ومؤسساته وسببت الخسائر المالية الفادحة هو الربا، وأن البركة المنزوعة من أموالنا وأعمالنا سببها الربا الذي يؤدي إلى الظلم والجشع والطمع، ويغيب القرض الحسن بين الناس، ويكون المال بسبب الربا متداولاً بين فئة من أفراد المجتمع، فيظهر الفقر المنسي والغنى المطغي.

والربا سبب في تعطيل الأعمال والمشاريع والصناعات؛ لأن صاحب المال أصبح يعتمد على البنوك وفوائدها الربوية في تحصيل الربح، فتتعطل مصالح الناس، وتظهر البطالة وغير ذلك، والله -عز وجل- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة:278، 279].

عباد الله: وكان مما ظهر من كلام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في خطبة حجة الوداع مدى حرصه ورحمته وشفقته بأمته رجالاً ونساءً، صغارًا وكبارًا، حكامًا ومحكومين، وكان يخاف أن يبدلوا أو يغيروا شيئاً من دينه أو يتركوا شيئاً من شريعته فيسقطوا من عين الله ولا يستطيع بعد ذلك أن يدافع عنهم عند الله أو يشفع لهم، فخاطبهم بقوله "ألا وإني فرطكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم، فلا تسودوا وجهي".

يا الله!! ما أعظمها من كلمة!! يا الله!! ما أشدها من كلمة!! ماذا نقول لرسول الله وهذه أعمالنا تشهد علينا بالتقصير والتفريط في عبادتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، وتخيلوا الموقف العجيب والمنظر الرهيب والرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعونا إلى حوضه الشريفة لنشرب منها، وإذا بالملائكة تدفع أناسًا وتمنعهم فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رب: أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". صحيح ابن ماجه 2481 – 3057.

لا تدري ما أحدثوا بعدك!! تركوا الدين وغرتهم الدنيا، وتركوا الطاعات والعبادات وانشغلوا بالشهوات واللذات، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورضوا بالسكوت ومداهنة الباطل إيثاراً للسلامة الزائفة، وقصروا في واجباتهم الدينية والدنيوية فأصبحوا عالة على أمم الأرض بعد أن كانوا سادة الأمم وأساتذة الحضارة، وتركوا الكثير من آوامر الشرع واستبدلوها باتباع الهوى وطاعة الشيطان واتباع خطواته وتزيينه للباطل والحرام والمنكر في كل شؤون حياتنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يُطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم". والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور:21]

فاللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة، وأصيلاً.

الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بشرًا، الله أكبر ما تعالت الأصوات تكبيراً وذكراً، الله أكبر ما توالت الأعياد عمراً ودهراً، فلك المحامد ربَّنا سراً وجهراً، ولك المحامد ربَّنا دوماً وكرَّا، ولك المحامد ربَّنا شعراً ونثرًا.

أيها المؤمنون، عباد الله: في العيد يشعر المسلم بإخوانه المسلمين في بقاع الأرض ويدرك أهمية هذه الأخوة والرابطة الإيمانية بين المسلمين في قوتهم وسعادتهم، وهو بذلك يسعى للقيام بواجباته نحوهم وأداء حقوقهم التي شرعها الإسلام وأمر بها، وما ذاك إلا لأهميتها، حيث جعل -سبحانه وتعالى- الأخوة وسيلة لاكتساب حلاوة الإيمان التي فقدتها القلوب، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ". البخاري ومسلم.

فلتكن الأخوة الإيمانية رابطة كل مسلم مع إخوانه، وليسع كل مسلم لجعلها سلوكاً عملياً في الحياة يرضي بها ربه ويقوي بها صفَّه ويحفظ بها أمته ومجتمعه ووطنه، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]، وقال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 52]، ولنجعل هذا العيد نقطة انطلاق لتطبيق توجهات النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والسير على نهجه وتزكية نفوسنا وتصحيح أخطائنا، وترتيب أوضاعنا وعلاج مشاكلنا وحفظ دمائنا، وبناء أوطاننا ونشر قيم العدل والحرية والكرامة الإنسانية، وأداء الحقوق والواجبات وإتقان الأعمال، عند ذلك ينظر الله إلينا فيرحمنا ويغدق علينا نعمه ويحفظها من الزوال.

عباد الله: ألا فليقم كل من ضحى إلى أضحيته فله عند الله أجر عظيم، وأطعموا منها البائس والفقير والمحروم، وتفقدوا أحوال الضعفاء والأيتام والمساكين، وأدخلوا عليهم البهجة والفرح والسرور، ومن لم يضحِّ لضيق العيش والحاجة فلا يبتئس ولا يحزن، فقد ضحى عنه وعن غيره من المسلمين رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، واذكروا الله كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ وجددوا إيمانكم وحسنوا أخلاقكم واحفظوا دماءكم واجتنبوا الفتن تفوزوا برضا ربكم، وصلوا أرحامكم تحل البركة في أعماركم وأموالكم، فهنيئاً لكم بالعيد يا أهل العيد، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء، ولا أراكم في يوم عيدكم مكروهاً.

ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين، ولم شعثهم، وألف بين قلوبهم واحقن دماءهم، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم تقبل من حجاج بيتك أعمالهم، وردهم إلى بلادهم سالمين غانمين، واغفر لنا ولهم أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي