سؤال مهم لتجاوز الخطر المحدق بنا وببيوتنا، ولكن ما الفقر الذي تعيشه بيوتنا، أهو فقر المال، أم فقر التواجد، أم فقر القرابة؟ إن الفقر الذي نفتقده اليوم في بيوتنا فقر أهم من ذلك، وأعظم وأقوى من ذلك، وأكرم فقر بغناه؛ تتقوى الأواصر والعلاقات، وتحفظ الأسر والبيوتات، ويتقوم الأولاد والبنات، وتتوطد الأخوة والعمومات، ويتقارب ذووا الأرحام و...
اتقوا الله: فإن تقوا الله عليها المعول، وعليكم بما كان عليه سلف الأمة والصدر الأول.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
ثم أما بعد:
عباد الله: لماذا تعيش بيوتنا الفقر وهي غنيه؟ والعوز وهي مقتدرة؟ لماذا؟!
سؤال مهم لتجاوز الخطر المحدق بنا وببيوتنا، ولكن ما الفقر الذي تعيشه بيوتنا، أهو فقر المال، أم فقر التواجد، أم فقر القرابة؟
إن الفقر الذي نفتقده اليوم في بيوتنا فقر أهم من ذلك، وأعظم وأقوى من ذلك، وأكرم فقر بغناه؛ تتقوى الأواصر والعلاقات، وتحفظ الأسر والبيوتات، ويتقوم الأولاد والبنات، وتتوطد الأخوة والعمومات، ويتقارب ذووا الأرحام وتستقيم الصداقات.
عنده يتدفق الحب في البيوت فتحي، وعندما وتهب رياح العواطف فتتلاقح، حباً ووداً، ورحمة وعطفاً، وحناناً وأنساً.
فلا طعم للحياة بلا مشاعر، ولا مكان للنفس بلا مودة، ولا هناء للعبد بلا عاطفه.
تلك رسالة لمن أراد السرور بحياته، والمتعة المباحة بدنياه.
عباد الرحمن: الإنسان كتلة من الأحاسيس، قنطار من المشاعر، سيل جرار من العواطف، أنهر من المودات، وأبحر من الرحمات، ومحيطات من القدرات.
يشعر ويتألم، يفرح ويحزن، سرور وفرح وأحزان.
إن نشر هذه المشاعر عطاء كبير، وغنى للبيوت عظيم، وإن كتم هذه المشاعر مؤذن فجوات، والفجوات تولد العديد من الإشكالات، وتسقط الدمعات.
إن فقر المشاعر، وجفاف العواطف، يعني مشاكل صحية واجتماعية ونفسية.
فلماذا كل هذا الجفاف؟ ومع من؟!
مع أقرب الناس إليك.
عباد الرحمن: ليس على وجه البسيطة إنسان مهما بلغ جبروته وقسوته خالٍ من المشاعر والأحاسيس، فتلك من فطر الخالق في المخلوق، ولكن لكل شخص مفتاح قد يفتح ولكل إنسان أطر.
أيها الناس: إن بلداتنا العربية من أغنى الدول مالاً، ولكن ربما أفقرها عاطفة، سيطرت علينا أفهام خاطئة، وبعض تقاليد مغلوطة، بعض موروث جفاء الصحراء وعناء البيداء.
واسمعوا لهذا الأنموذج القديم المصحح فهمه من رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قبَّل رسول الله الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله، ثم قال: "من لا يرحم لا يرحم"[متفق عليه].
وفي روايات: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله".
وفي أخرى: "من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء".
فتأملوا -رحمكم الله- عطف رسول الله، وقسوة الأقرع، وتصحيح رسول الله فهمه.
إن هذا العطاء لأولادك عائد عليك غدا.
واقرؤوا وتأملوا قول الكريم الرب الرحيم: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60].
وقوله ناصحاً الجبارين: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [القصص: 77].
عباد الرحمن: لا تجمدوا عواطفكم نحوا أهليكم، وأفرغوا عليهم من جميل كلامكم.
لماذا يعد الكلام الطيب الجميل عيباً عند البعض وصعباً عند البعض الآخر؟ لماذا التعامل اللطيف يثير الريبة والشك، أو يقدح الظنون ويورث؟
إن أكبر مشكلة اليوم تواجه الأسر، وتثير المشاكل، هي: الجفاف العاطفي.
إن بيوتنا اليوم إلا من رحم الله خاوية جوفاء من المودة والرحمة والسكينة.
ظهر فيها جفافٌ لينابيع العطاء العاطفي، وأصبحت تئن من الفقر المشاعري: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر: 14].
كل فرد يعيش عالمه الخاص.
وعالمه العاطفي اليوم في الأجهزة الذكية برسائلها ووسائلها، ومقاطعها وروابطها وصورها: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) [الكهف: 18].
كم أغفلت أيدي الحنان ضحية *** حجب الإناء شقاءها بشموخه
سلب الذي مد اليدين رغيف من *** وارى يديه رجوعه في كوخه
عباد الله: إن ربكم رحيم، فكونوا في بيوتكم، مع زوجاتكم، أولادكم، قرابتكم، أصدقائكم، زملائكم، ومع الناس، رحماء.
فربكم أرحم بكم من أمهاتكم التي ولدنكم: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[الأعراف: 156].
روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبياً في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟!" قلنا: لا، والله وهي تقدر ألا تطرحه، فقال صلى الله عليه وسلمـ: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها"[متفق عليه].
إذن مبدأ الرحمة والعطف واللطف واللين والرقة مبدأ قرره الشرع الحكيم، لماذا ؟!
لتتقارب النفوس، وتتجانس الأرواح.
عباد الله: سؤال جريء صريح: من الأحب إلى نفسك ابنك البار الحكيم اللين اللطيف، أم انك العتل الجافي القاسي؟
من الأحب إليك زوجتك القريبة الهينة المألوفة الودود المتذللة الخاضعة لك أم زوجة شرود جموح صعبة جافية؟
من الأحب إلى أهله الكريم الطيف الهين اللين: "وجه طلق ولسان لين" متسامح متغاضي، أم الزوج العابس المنقبض القاسي الغضوب المتسلط الجافي الظالم المستغل لقوته البدنية وسلطته الكلامية"
فضلاً عن أولئك الذين أجروا عقولهم لشيطان فانهمكوا في المخدرات والخمور والمسكرات، فماذا تنتظرون من مشاعر وعواطف لأولئك، إنهم سيل جارف من الوبال، فبدل الهدوء عواصف، وبدل السكينة حرب، وبدل الأنس بالأبوة عذاب.
تقول إحداهن حضرت إلى المحكمة ومعها ذرية صغار ضعفاء، ربما خمسة صغار أكبرهم لا يتجاوز العاشرة من العمر: "لم نعد نريد مالاً ولا حناناً ولا عاطفة، أريد فقط أن يخرج عنا، ويترك تهديدنا بالضرب والسلاح، لم نعد نذق طعم الراحة، راحتنا في بعده".
إن هذا الأب أصبح عبئاً ومصيبة ووبالاً على زوجته وأهل بيته.
أيها الآباء، أيها الأزواج، أيها الإخوان، أيها الأبناء، أيها المربون، أيها المعلمون: دعوني أقول لكم وبكل وضوح وصراحة ووضوح: أن الدراسات تقول، وهي دراسات لا خالية، بل رصيدها من الواقع وفير، تقول: "إن القسوة والجفاء العاطفي، والفقر المشاعري، وعدم العطف والحنان، والحب للأولاد والبنات وللأخوات والزوجات؛ سبب من أكبر أسباب التباعد التتلمذي والاستفادة التربوية".
إن زوجة لا تجد العطف والحب من زوجها، وزوج لا يجد العطف واللطف والحب والحنان من زوجته لفقراء المشاعر.
إن والداً لا يحب ولده ولا يعطف عليه، ولا يقبله ويضمه إلى صدره مرات ومرات منذ صغره، وفي كبره لهو جاف الطبع ضعيف المشاعر.
إن ابناً لا يقبل يد أبيه وأمه ورأسهما، وحتى رجلهما لهو مصاب بجفاف الأدب بفقر الاحترام بضعف البر.
أيها الجميع: أفيضوا الحب على أهلكم تجنون الثمار، وما أحسن قول القائل:
تحير بي عدوي إذ تجنى *** علي فما سألت عن التجنيَ
وقابل بين ما يلقاه منه *** وما يلقى من الإحسان مني
يبالغ في الخصام وفي التجافي *** فأغرق في الأناة وفي التأني
أود حياته ويود موتي *** وكم بين التمني والتمني
إلى أن ضاق بالبغضاء ذرعاً *** وحسَن ظنه بي حسن ظني
عدوي ليس هذا الشهد شهدي*** ولا المَن الذي استحليت مني
فلي أم حنون أرضعتني *** لبان الحب من صدر أحنَي
على بسماتها فحت عيني *** ومن لثماتها رويت سني
كما كانت تناغيني أناغي *** وما كانت تغنيني أغني
سقاها حبها فوق احتياجي *** ففاض على الورى ما فاض عني
لماذا لا تكن محركاً لعواطفك؟! هل أنت نخيلاً أم قاسياً؟ أم حيياً أخجولاً أم جاهلاً؟
إن كان البخل فكن كريماً، وإن كانت القسوة فكن ليناً، وإن كان الحياء فلا حياء في الحق والدين، والله لا يستحيي من الحق، وإن كان جهلاً فتعلم: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78].
إن أسرة يجمعها الود أسرةٌ قوية، إن عائلةً يجمعها التآلف عائلة رائدة، إن دولة تبني على الوئام دولة رائدة.
فالعطف والرحمة بدأت من أسرة صغيرة، حتى كونت دولة قوية، فما أجملها من قوة، لقد كانت بنية رسول الله بنية متلاحمة من الفرد إلى الأسرة إلى المجتمع إلى الكيان.
والاستعطاف يأسر القلوب، قلوب الملوك لسطوتهم، فضلاً عمن هو دونهم.
قيل: إن المأمون ظفر برجل كان يطلبه، فلما دخل عليه أمر بضرب عنقه، فقال الرجل مستعطفاً له: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أنشدك أبياتاً؟ فقال:
زعموا بأن الباز علق مرة *** عصفور برٍ ساقه المقدور
فتكلم العصفور تحت خبائه *** والباز منقض عليه يطير
ما بي لما يغني شبعة *** ولئن أكلت فإنني لحقير
فتبسم الباز المدل بنفسه *** كرماً وأطلق ذلك العصفور
فعطف عليه المأمون، وأطلق، وخلع عليه، ووصله.
عباد الله: كان صلى الله عليه وسلم مدرسة تربوية عظيمة في أسر قلوب الناس بكلامه، بالالتفات بكله إلى الشخص، بإشعاره بالمنزلة الرفيعة.
يحدثنا عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه عندما رأى حفاوة وإكرام رسول الله له ظن أنه أحب الناس إليه، قال: قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة" قال: فمن الرجال؟ قال: "أبوها" ثم من؟ قال: "عمر" فعد رجالاً [رواه البخاري ومسلم].
إنها العظمة، لم يكن يقسم عليهم أموالاً، ولم يكن يصنع لهم كل مرة طعاماً، ولكنه العطف والاحترام والتقدير.
وقال لعائشة -رضي الله عنها-: "هل رأيتني فاحشاً أو متفحشاً".
وقالت رضي الله عنها تصفه: "لم يكن رسول فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صخابا ً في الأسواق، ولا يجزيء بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح"[رواه الترمذي وصححه الألباني].
الفاحش: الذي يتكلم بالقبيح.
المتفحش: تكلف القبيح وتعمده من القول والفعل.
الصخب: الضجة وارتفاع الأصوات بالخصام.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبابا ولا فاحشا، ولا لعاناً ولا سباباً، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: "ماله ترب جبينه"[رواه البخاري].
خليلي إن لم يغتفر كل واحد *** عثار أخيه منكما فترافضا
وما يلبث الحيان إن لم يجوِّزوا *** كثيراً من المكروه أن يتباغضا
خليلي باب الفضل أن تتواهبا *** كما أن باب النص أن نتعارضا
أيها الأب: أسمع ابنتك كلمات الحنان والعطف، وإلا بحثت عنه في علاقات مشبوهة ومحرمة.
إن حلو الحديث كالطرق المتين يلين الحديد.
فديننا دين محبة وابتسامة وبشاشة وحسن خلق.
كن لأولادك أباً مرة، وأخاً مرة، وصديقاً أخرى، امنحهم الثقة الجميلة، لقبهم بأحسن الألقاب، ونادي زوجتك بأحب الأسماء، ولا تنابزهم بالألقاب: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) [الحجرات: 11].
عودهم العناق، وكلمات الاشتياق، ونظرات الحنان، والهدية والوئام.
فالكلمة الطيبة صدقة، واللقمة تضعها في فىَّ امرأتك أجر.
جرب من اليوم سيتحول البيت مملكة، والدار كتلة، ملؤها الفرح والوئام.
كن طفلاً في بيتك، فإن لم تكن فأطلق الطفل الذي بداخلك ليلعب مع هذا، ويمازح هذا، ويضاحك ذاك، فليس في الوجود أعظم من الأبوة بإحساسه الحاني، ولكن من يعلق الجرس فلنبدأ من اليوم.
والزوجة الحنون: من تملأ قلب زوجها حناناً وعطفاً قبل بطنه، فلا خير في بطن ملئ وقلب أجوف خالي، ولا جسد سليم بلا روح.
أشعريه بأهميته وقيمته ومكانته، أشعريه أنه الرجل الوحيد في هذا الكون عندها ستكونين أنت المرأة الوحيدة له في هذا العالم.
إن فعلتم ذلك حفظتم أنفسكم وأولادكم وإلا تاهوا وانحرفوا، وضاعوا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].
قال الإمام الطبري -رحمه الله-: "الفظ" الجافي، و"الغليظ القلب" القاسي القلب غير ذي رحمة ولا رأفة.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
عباد الله: عامنا الجديد فرصة للتغير، فرصة لرسم الخطط ووضع الأهداف، فرصة لتجديد الإخاء والمودة في الأقرباء والأصدقاء والزملاء، فرصة لإحياء مشاعر تهالكت، وعواطف تلاشت: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32].
هذا رجل قارب الخمسين من العمر، نهاره دوام، وليله سهر ومنام، لا يعرف الضحك إلا مع زملائه، والحديث إلا مع أقرانه، جاف مع زوجته، صلف مع أولاده، قاس مع بناته، مع أنه موظف رفيع المستوى، نُصحت زوجته بنصيحة من عاقلة مدركه إذ قالت: أفيض عليه من عواطفك الجياشة، ومشاعرك الناعمة، فماذا فعلت بينما كان ساهراً على الشيشة مع الزملاء، سمع صوت رسالة في الجوال فتح الرسالة رأى اسم زوجته تذكر أن الرسائل دائماً أوامر وطلبات، ولكن هذه المرة ليست مثل كل مرة.
وصلته رسالة تشعره بحبها له، ووحشتها عليه، كرر النظر: أمعقول أن هذه من زوجتي، تأكد من الاسم نعم هي، لقد أفاضت عليه من حبها وحنانها وعطفها كلمات فقط، فما كان منه إلا أن ترك جلسائه، ونهض مسرعاً إلى بيته، فرحاً مسروراً بتلك العبارات، فهل تكلفت الزوجة مالاً؟ كلا، بل وجه طلق، ولسان لين.
من الحلول الناجعة -بإذن الله العليم الحكيم-: أن تسيطر على كلماتك وألفاظك، فلا تقل البذي من القول، ولا السيئ من الكلام، ولا الصاخب من الصوت.
تخير من العبارات أحسنها، ومن الكلمات ألطفها، عبارات الحب، عبارات الثناء، عبارات الإعجاب، عبارات التقدير.
هل هذه العبارات بمال يدفع أم أجهد يبذل، فقط هو حرص ونية وعزم.
(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128].
أيها الأب المبارك أيها الزوج الحنون: ألا تحب أن تدخل بيتاً سعيداً بيتاً مسروراً؟
بلى –والله- كلنا يحب ذلك.
إذا أردت فأملأه بالثناء العطر المتزن ثناءٌ على زوجتك، على لباسها وهندامها، وترتيب بيتها، وطعامها ونظافتها، والصبر على أولادها.
ألا تحبون من يثنون عليكم؟
إنهم يحبون من يثني عليهن، وإذا أثنيت عليها ملكت فؤادها، وغذيت مشاعرها، وقويت بدنها، وعندها لن تبخل عليك بشيء.
ما رأيك فيمن يثني عليك ألا تحب أن تلقاه دائماً، لأنك تسمع كلامه النبيل؟
ألا ترون من يذمونكم؟ ألا تكرهون لقياه، لأنك لا تريد أن تسمع كلامه الذميم؟
إذا كنت بخيلاً، أو حيياً عن الكلام، فبلغة العيون والأبدان، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل عائشة قبل أن يخرج يصلي بالناس، فأي حنان كهذا؟ وأي عطاء كهذا؟
نظرة الإعجاب بزوجتك، أو ابنك، سحر حلال لخطف القلوب والأبدان، وضم الأولاد يشعرهم بالحنان يعود بالبر والإحسان.
إن من الآباء من يكون سبباً في عقوق أولاده له؛ بسبب أفعاله وجفائه، وقسوته، وكبحه ونهره، وسبه وشتمه، ثم يقول: لماذا أبنائي عاقون؟ عجباً لأمر هذا!.
أيها الآباء، والأزواج والمربون: افتحوا الباب، قفوا انتبهوا، اخلعوا عباءة العمل، عباءة الرسمية، ثياب الانشغال، وأفيضوا على بيوتكم ينابيع العطف، ومشاعر الاحترام، والتقدير والحنان، والتشجيع والكلام الجميل، والملاعبة، والسباحة، والرياضة معاً، تسعدوا.
نعم، تسعدوا وتشعرون بالراحة وبالأنس والهناء.
والله أسأل أن يملأ قلوبكم وبيوتكم هناءاً وسعادة، وأنسا ورياده، والخير وزيادة.
اللهم املأ بيوتناً حباً وحناناً، وهدوءاً واطمئناناً.
اللهم اجعل بيوتنا أسعد الأماكن راحة، وأكثرها سكينة وسكنا.
اللهم اجعلنا أسعد خلقك بك، وأفقر عبادك إليك، إنك سميع قريب.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي