معاشر المؤمنين: إن رمضان موسمٌ عظيم، وشهرٌ مبارك، جعله الله فرصةً لترتويَ الأرواحُ بعد عَطَشِها، وتلينَ القلوبُ بعد قسوتها، وتعودَ النفوسُ إلى خالقها وبارئها، لتَنْفِضَ عن ظُهورها الأوزار، وتقترب إلى العلي الجبار، ورغِمَ أنفُ من أدركَه رمضان فلم يُغفَر له. أحبتي في الله: إن مواسِمَ الخيرات فرصٌ عابرة، يغنم فيها الصابرون والمشمِّرون القربَ من...
أما بعد:
فاتقوا الله -تعالى- حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى، واحذروا أسباب سخط الله؛ فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
معاشر المؤمنين: إن رمضان موسمٌ عظيم، وشهرٌ مبارك، جعله الله فرصةً لترتويَ الأرواحُ بعد عَطَشِها، وتلينَ القلوبُ بعد قسوتها، وتعودَ النفوسُ إلى خالقها وبارئها، لتَنْفِضَ عن ظُهورها الأوزار، وتقترب إلى العلي الجبار، ورغِمَ أنفُ من أدركَه رمضان فلم يُغفَر له.
أحبتي في الله: إن مواسِمَ الخيرات فرصٌ عابرة، يغنم فيها الصابرون والمشمِّرون القربَ من الله -جل وعلا-، ومن وفَّقَه الله -تعالى- للعمل الصالح فاز بسعادةِ الدارين، وكان من المُقرَّبين.
اللهم اجعلنا من المُسارعين إلى رضوانك، والفائزين بمغفرتك وجِنانك.
عباد الله: رمضان شهرُ الرحماتِ والبركاتِ، والحسناتِ والخيرات، تُفتَّحُ فيه أبوابُ الجِنان، وتُغلَق فيه أبوابُ النيران، وتسلسل فيه الشياطين، وفيه ليلةُ القدر التي قال الله -تعالى- عنها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر: 3].
ولله -تعالى- عُتقاءُ من النار: "من صام رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".
و "من قام رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".
و "من قام ليلة القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".
"خَلوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريحِ المِسك، وللصائم فرحتان: إذا أفطرَ فرِح بفِطره، وإذا لقِيَ ربَّه فرِح بصومه".
وفي صحيح مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "... ورمضان إلى رمضان مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنِبت الكبائرُ".
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة: 185].
كان جبريلُ -عليه السلام- يُدارِسُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان.
وكان السلفُ -رحمهم الله- إذا جاء رمضان تركُوا الحديثَ وتفرَّغوا لقراءة القرآن، وفي الحديث: أنَّ الصيامَ والقرآنَ يشفَعان لصاحبهما يوم القيامة.
فرمضان من الفرصِ العظيمة لمن أراد أن يُخْلِصَ دينَه لله، ويتخلَّصَ من أدران الذنوب والمعاصي، فبادروا بالتوبة، وأكثروا من الاستِغفار؛ فإن الذنوبَ مُقعِدةٌ عن الطاعات، وحائلٌ عن القُرُبات.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، ثم بصيانةِ صومِكم عما يجرَحه، أو يُنقِص أجرَهُ أو يُحبِطه، فرب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه".
وفي الصحيحين أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفَث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتلَه فليقُل: إني صائمٌ".
وقال: "ليس الصيام من الطعام والشراب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث".
فإذا كنا نمنَعُ الأجساد عن بعض المُباحات حال الصيام؛ فمن بابِ أولَى أن نمنعَ الجوارح عن الحرام.
ومما يُنقص أجر الصيام: الغيبة والنميمة، والسِّبابُ والشتائمُ والتلفظ بألفاظ نابية.
وكذلك مشاهدة النساء المتبرجات سواء في الأسواق أو على الشاشات، ومتابعة المسلسلات، فأوقاتُ رمضان أثمنُ من أن تُضيعَ أمام مشاهِدٍ هابِطة؛ لو لم يكن فيها إلا إضاعةُ الوقت الثمين لكان ذلك كافِيًا في ذمِّها؛ فكيف والقنواتُ في سباقٍ محمومٍ مع الشيطان في نشر الفساد والفتنة، والصدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة؟!
فأوصي نفسي وجميع إخواني بتقوى الله -عز وجل-، ثم بالمحافظة على الفرائض والواجبات في أوقاتها، وعلى الوجه الذي شرعه الله، وأن نحذر من التشاغل عنها بنوم أو بغيره من المباحات، وأما من تشاغل بشيء من المعاصي فإثمه أكبر وجريمته أعظم.
نسأل الله -جل وعلا- أن يُلهمنا رشدنا، وأن يُصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يُفقِّهَنا في الدين، ويجعلنا من أوليائه المتقين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله...
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3].
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5].
عباد الله: لقد كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان: الإكثار من الإحسان والبر والصدقة؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَان".
كما أنه صلى الله عليه وسلم كان حريصا على مخالفة أهل الكتاب في أعمال رمضان، ويتضح ذلك فيما رواه سَهْلُ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ".
وفي رواية لأبي هريرة عند ابن ماجة: "عجلوا الفطر فإن اليهود يؤخرون".
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ".
وحث عليه، فقال: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً".
حتى ولو كان شيئا يسيرا، حيث روي عنه صلى الله عليه وسلم أن قال: "نعم السحور التمر".
وقال: "يرحم الله المتسحرين".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي