الذرائع

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. سد الشريعة للذرائع والشواهد على ذلك .
  2. أقسام الذريعة .
  3. الرد على من يطعن في قاعدة سد الذريعة .
  4. أسباب اضطهاد المرأة .
  5. أرقام وإحصائيات حول التحرش بالمرأة في الغرب .

اقتباس

إن الذريعة تنقسم إلى أقسام ثلاثة: فمنها التي توصل إلى المحرم قطعا؛ كحفر بئر، أو حفرة في الطريق العام، أو وضع المواد السامة في مياه المسلمين، والتي لا تفضي إلى المحرم إلا نادرا؛ كزراعة العنب، فمع أنه قد يتخذ خمرا، لكن ليس هذا الغالب في استعماله، وعلى ذلك فلا يقال بحرمته، فهذه الذريعة غير محرمة بالإجماع. ومنها: الذريعة التي هي بين القسمين: لا قطعية منصوص عليها، ولا مبالغ فيها، وهي التي...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا اتقي الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض".

يا له من تعبير نبوي عجيب، أي خلط قلوب العاصيين مع غير العاصين ممن لم ينكروا عليهم، فأصبحت قلوبهم جميعا سواء.

جاء في "عون المعبود": "أي سود الله قلب من لم يعص بشؤم من عصى، فصارت قلوبهم جميعا قاسية، بعيدة عن قبول الحق والخير بسبب المعاصي، ومخالطة بعضهم بعضا.

أيها الإخوة المسلمون: إن التراخي عن توقير الدين، والتخلي عن حمايته، والدفاع عن حدوده، يورث بشكل تدريجي مخيف برود في القلب، ويفقده التمييز بين الحق والباطل، وبين المعروف والمنكر، وهذه الحالة المعوقة التي ينحدر إليها القلب لا تحصل مباشرة دون مقدمات، بل تتبعها؛ كما جاء في الحديث.

مواقف ومواقف، فأول الأول، ليس كآخره؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "أول ما دخل النقص".

فهناك أول وأخر، أي أن النقص بعد ذلك استمر في الازدياد، حتى وصلوا إلى أتعس حال من الذلة والصغار.

كأنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول لأمته: من عرف أول أسباب الخطر، فإن من العقل أن يمنع تلك الأسباب، ويوقفها في مطلعها قبل أن تستفحل.

ومن هنا جاءت الشريعة لتسد الذرائع الموصلة إلى الفساد، وتقطعها من مهدها قبل أن تنمو وتنبت الفروع المحدودة، وهو أمر منطقي، فضلا عن كونه شرعيا.

فالوالدان على سبيل المثال: يمنعان أولادهما من وسائل اللهو المباح وقت الامتحان، لمظنة انشغالهم به عن المذاكرة، ثم رسوبهم.

فالأصل في اللهو عندهم أنه مباح، لكنه في عُرفهم وقت الامتحانات من أكبر المحرمات إن صح التعبير.

فمنع اللهو حين ذلك يعد ذريعة، أو وسيلة، إلى منع رسوب الأولاد، لا لأن اللهو في ذاته محرما، فقاعدة سد الذرائع قاعدة منطقية، يمارسها جميع الناس، يمنعون ما ليس في أصله شر، حتى لا يقع الشر.

وهم في ذلك على مراتب؛ فمن الناس من هو حريص وحكيم يستشرف الغد، ويعد له عدته؛ فيمنع السوء قبل أن يصل إليه، بأن يقطع أسبابه المؤدية إليه، ومنهم من ليس بحريص، ولا رؤية له، فتمر عليه العلامات، وتظهر أمامه بدايات الخلل، ولكنه لا يكاد يحرك ساكنا، حتى يحل به المصاب، وهو غفلة وذهول.

وكذا يقال في أمور الشرع، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر بما آل إليه حال بني إسرائيل، يريد أن يحذرنا، وينبهنا إلى أنه قد يظهر الأمر هينا في بدايته، لكن نهايته سيئة.

وكما قال صلى الله عليه وسلم: "فإن فتنة بني إسرائيل في النساء".

ونجد -أيها الإخوة-: أن الشريعة راعت هذه المآلات في كثير من الأحكام.

يقول ابن القيم: "وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما ما يكون منهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى سد المفسدة، فصار سد الذرائع مفضي إلى الحرام أحد أرباع الدين".

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مثلا لما نهى عن الصلاة النافلة في أوقات النهي ليس من أجل الصلاة نفسها، فالصلاة عبادة، وإنما النهي عنها في تلك الأوقات من باب سد الذرائع؛ لئلا يتشبه بالمشركين، فيفضي إلى الشرك، وعللوا ترك المعتدة الطيب والزينة والكحل؛ لأن هذه الأشياء، وإن كانت في الأصل مباحة، إلا أنها من دواعي الرغبة فيها وقت العدة.

وهي ممنوعة من النكاح حينها، فتجتنبها كي لا تصير ذريعة إلى الوقوع في المحرم، والنظر إلى المحرمات في ذاته ليس فيه ضرر وإنما حرم النظر؛ لأن الضرر إنما يقع فيما يترتب عليه من رقة الدين، وقسوة القلب، والتفكير في الفاحشة، والسفر إليها، والقرب من مواطنها، ثم اقترافها.

حتى الاستئذان -يا أخوة- شرع من أجل النظر، حتى لا يقع النظر على ما يورث تلك المشاعر، في مجمع الزوائد بإسناد صحيح قال سعد بن عبادة قال: "جئت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته، فقمت مقابل الباب فاستأذنت، فأشار إلي أن تباعد، ثم جئت فاستأذنت، ثم قال: "وهل الاستئذان إلا من أجل النظر".

وشرع الحجاب من أجل النظر، ولماذا منع النظر أصلا، أليس من أجل العفة وطهارة القلب التي تمنع التدرج إلى الوقوع في الزنا: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)[النــور: 30].

ثم قال تعالى للنساء: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النــور: 31].

حتى لا يقع نظر الرجال على ما عاقبته الضياع والفساد.

إن الأمثلة على سد الذرائع في الكتاب والسنة كثيرة، ومتعددة، ونختصر ذلك، فنقول:

إن الذريعة تنقسم إلى أقسام ثلاثة: فمنها التي توصل إلى المحرم قطعا؛ كحفر بئر، أو حفرة في الطريق العام، أو وضع المواد السامة في مياه المسلمين، والتي لا تفضي إلى المحرم إلا نادرا؛ كزراعة العنب، فمع أنه قد يتخذ خمرا، لكن ليس هذا الغالب في استعماله، وعلى ذلك فلا يقال بحرمته، فهذه الذريعة غير محرمة بالإجماع.

ومنها: الذريعة التي هي بين القسمين لا قطعية منصوص عليها، ولا مبالغ فيها، وهي التي تستدعي نظرة شرعية ثاقبة، تدرك مقاصد الشريعة، وتستطلع القرائن الحية، وأحوال الناس وأخلاقهم، وتربط بين النازلة، وبين حفظ الضرورات الخمس: "الدين والنفس والعقل والعرض والمال" الضرورات الخمس، وهذه الذريعة هي محل نزاع في غالب الأمر.

أيها الإخوة: بالرغم ما تقدم من بيان جليل ودلائل دامغة على اعتبار الشريعة لقاعدة سد الذرائع في الجملة، وإجماع العلماء قاطبة على ذلك، إلا إن الاستهزاء بهذه القاعدة الشرعية الأصيلة، قد شاع عند أرباب التغريب والانحلال.

حتى قال قائلهم متهكما على أهل العلم الأجلاء: "لقد منعوا المرأة من قيادة السيارة من باب سد الذرائع، ومنعوها من العمل بحجابها بجانب الرجال بحجة سد الذرائع، ومنعوها من الظهور والمشاركة في اللقاءات الأدبية والمنتديات الشعرية، مع إخوانها الرجال من باب سد الذرائع، ومنعوها من السكن في الفنادق بلا محرم بحجة سد الذرائع".

يقول: "متى نتطور؟ متى نفكر بعقل منفتح متحضر؟ حتى متى يظلون يسدون الذرائع ولا يفتحونها".

والرد على هذا وأمثاله هو: أن الشريعة تحرص أكثر منك ومن معك على مصالح العباد، والشريعة أعرف منك بالمفاسد الأخلاقية التي تذهب بالمروءة، وتقتل الفضيلة.

إن الشريعة تدعو إلى الخير من بابه الواسع، وتنهى عن الشر من كل أبوابه، الشريعة لا تسد إلا الذرائع الفاسدة، الشريعة لا تسد ذريعة العلم النافع بجميع أنواعه، بل تدفع إليه، لا بل وترفع صاحبه درجات ودرجات: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11].

والشريعة لا تسد ذريعة التصنيع والاكتفاء الذاتي، وأن ذلك من وسائل القوة والعزة، بل تجعله فرضا على الأمة: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ)[الأنفال: 60].

ولا تمنع ذريعة الإبداع الخالي من شوائب المعصية، ولا تنهى عن ذريعة اللهو المباح، ولكن هذا وأمثاله -أيها الإخوة- لا يتناولون مثل هذه القضايا؛ لأنها ليست محل اهتمامهم، أهم قضية عندهم قضية المرأة، المرأة لا غير المرأة.

لقد تمسكوا بقيم الغرب، وبقيم جمعيات الحقوق في الأمم المتحدة، والتي وإن كانت في الظاهر تنادي بحقوق الضعفاء والمحرومين إلا وإنها أيضا، وفي قضايا المرأة بالذات تنادي بالتمرد على قيم المجتمع المحافظ، وتنادي بالانفتاح الجنسي بين الفتيان والفتيات، وتدعو إلى الرذيلة والشذوذ، بأقذر صوره.

نعم، لقد تمسكوا بقيم تلك الجمعيات الغربية تجاه المرأة، وفي الوقت ذاته تنكروا لقيم الشريعة وأصولها الأخلاقية، واكتفوا بذر الرماد على العيون، اكتفوا بأن يغلفوا مقالاتهم التي تنادي بالمنكر، والانفلات والتمرد بعبارة: "لما يتفق مع ديننا الحنيف، ومع وتعاليم الشريعة السمحة".

الله أكبر، وهل أبقيتم للشريعة تعاليما؟!

الشريعة -أيها الكرام- أعرف بحقوق الرجل وحقوق المرأة من الأمم المتحدة وجمعياتها: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].

إن قرار المرأة في البيت الذي نادى به القرآن الكريم: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)[الأحزاب: 33] هو من صميم إكرام المرأة، وهل يأمر الله -تعالى- إلا بما فيه إكراما لعباده.

وما يدعيه هذا ومن لف لفه بأن إكرامها هو في إخراجها من بيتها، وغزوها للفنادق، بلا محرم؛ مخالفة لتلك الآيات الكريمة.

إن الشريعة هي التي تحفظ كرامة المرأة، وتعطيها جميع حقوقها.

إن الشريعة بحكمتها ورحمتها وشفقتها هي التي تفتح جميع الذرائع لإحقاق الحقوق، وتسد ذرائع الظلم.

والعلماء الأكفاء الذين يسلكون منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبته، إنما ينهلون من قيم الشريعة ليفتوا فيما يستجد بما يحقق مقاصدها الجليلة في حياة الناس على مدى العصور.

أيها الإخوة: نحن أمة الصبر على الدين، وقد فقدته سائر الأمم، نحن أمة العفة والعفاف، وقد صار عند بقية الأمم شيء من الماضي العتيق، فلماذا نخسر تلك الفضائل؟!

إن الحكم الشرعي الصحيح لا يتحمل رقة الدين، ولا ظاهرة الكسل واللامبالاة عند بعض أولياء الأمور، من الآباء والأزواج والإخوة .

فالغيور يستطيع أن يجد له وقتا، ويستطيع أن يسافر معهن ويعود، والغيور يستطيع أن يوصلهن بالسيارة، وإن كان قادرا يحضر لهن سائق مع زوجته.

ألا يعتبر أولئك التغريبيون بتفكك المجتمعات القريبة حولنا؟! ألا يبصرون نتيجة تخليها عن القيم المحافظة وكيف أسفرت المرأة عندهم تدريجيا وعبر سنين قليلة عما أمر الله ورسوله بستره؟ لكن من تخاطب؟! ومن تقنع؟!

لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

أسأل الله أن يحفظنا ويحفظ علينا ديننا، وأخلاقنا وأمننا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على هداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنحن نعلم أن ثمة اضطهاد وإهانة للمرأة من بعض الرجال، في بعض البيئات المتخلفة في عالمنا، وحتى في العالم الغربي.

إما بسبب عادات جاهلية مستحكمة، أو بسبب سوء الخلق، وقلة الدين، ولكن هذا الاضطهاد للمرأة لا علاقة له بدعوته للقرار في البيت، وتلك الإهانة لا علاقة لها بإلزامها بالمحرم، أو بنهيها عن الاختلاط بالرجال، أو بنهيها عن قيادة السيارة، في عالم يعج بالمخاطر والفتن؛ كعالمنا اليوم.

إن الإسلام لا يحرم عمل المرأة ولا سفرها، ولا سكنها خارج بيتها، وإنما يضبط هذا كله بضوابط ربانية حكيمة، حفاظا على المرأة، وإكراما لها، وصونا لها من أي عابث.

لقد كانت المرأة في المجتمع الغربي قبل مئة عام تستحي أن تخرج إلا بلباس يستر جميع جسدها، ما عدا الرأس واليدين، وكانت العائلات أكثر ترابطا، والأمراض الجنسية أقل بكثير، وأولاد الزنا قليلون نسبيا؛ فلما استفحلت قضية حقوق المرأة التي هي في حقيقتها حقوق انحلال المرأة التي يصارع فئة من بني قومنا لتطبيقها في أرض الإسلام اليوم؛ إنهار وضع المرأة أخلاقيا واجتماعيا، وأصبحت سلعة تشترى، ومادة لهو لا ينظر إليها، ويتعامل معها في الأعم إلا من خلال نظرة شهوانية حيوانية، لكنها مغلفة بأخلاق الحضارة الغربية الزائفة.

ولو اتسع المقام لذكرت الإحصائيات، لكن نقول: إن حالات التحرش الجنسي هناك في بلادهم، في أمريكا، أو فرنسا، أو بريطانيا، بالملايين -يا أخوة-، في مكان العمل، في المؤسسات التعليمية الصغيرة والكبيرة منها؛ حتى إن الموظف عندما يقبل على الشركة؛ يوقع على تعهد بعدم التحرش بزميلاته في العمل، في العالم الغربي المتحضر؛ من كثرة ما يجدون من سوء تلك الأخلاقيات.

حتى إن أحد كبار قضاتهم نزل تحت القضاء من أجل تحرشه بإحدى الموظفات في المحكمة ذاتها، بل حتى رؤساؤهم، ونزل تحت البرلمان تحت مجلس شيوخهم، حتى يستجوب في قضية التحرش الجنسي.

ثم ننظر ونقول: هذا العالم الغربي ليس فيه شيء، ثم هم يمشون مع بعضهم.

إحصائيات، وإحصائيات، قد لا نراها عيانا أمامنا، لكننا نقرأها، وتفككت الأسرة عندهم، وتفشت الأمراض الجنسية الخطيرة؛ حتى انتقلت لنا هنا منهم هم، وأصبح أولاد الزنا بمئات الآلاف، وهؤلاء الحمقى لا يعتبرون بهذه العواقب البائسة، التي آلت إليها مجتمعات الغرب، فإلى الله المشتكى.

أيها الإخوة: سأقرأ عليكم الآن بيانا سابقا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بتاريخ الخامس والعشرين من المحرم سنة 1420 هـ، جاء فيها:

"هناك فئات من الناس ممن تلوثت ثقافتهم بأفكار الغرب، لا يرضيهم هذا الوضع المشرف التي تعيشه المرأة في بلادنا، من حياء، وستر وصيانة، ويريدون أن تكون مثل المرأة في البلاد الكافرة، والبلاد العلمانية؛ فصاروا يكتبون في الصحف، ويكتبون باسم المرأة، تتلخص فيما يلي: هتك الحجاب الذي أمرها الله به".

إلى قوله: "ويريد هؤلاء منها أن تخالف كتاب ربها وسنة نبيها، وتصبح سافرة، يتمتع بالنظر إليها كل طامع، وكل من في قلبه مرض، ويطالبون بأن تمكن المرأة من قيادة السيارة، رغم ما يترتب على ذلك من مفاسد، وما يعرضها له من مخاطر لا تخفى على ذي بصيرة، ويطالبون بتصوير وجه المرأة، ووضع صورتها في بطاقة خاصة بها تتداولها الأيدي، ويطمع فيها كل من كان في قلبه مرض، ولا شك أن في ذلك وسيلة لكشف الحجاب، ويطالبون باختلاط المرأة بالرجال، وأن تتولى الأعمال التي هي باختصاص الرجال، وأن تترك العمل المتلائم مع فطرتها وحشمتها، ويزعمون أن في الاقتصار على العمل اللائق بها تعطيلا لها، فإن ذلك خلاف الواقع فإن توليتها عمل لا يليق بها هو تعطيلها في الحقيقة، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة من منع الاختلاط بين الرجال والنساء، ومنع خلو المرأة بالرجل الذي لا تحل له، ومنع سفر المرأة بدون محرم، لما يترتب على هذه الأمور من المحاذير التي لا تحمد عقباها.

ولقد منع الإسلام من الاختلاط بين الرجال والنساء، حتى في مواطن العبادة، فجعل موقف النساء في الصلاة خلف الرجال، ورغب في صلاة المرأة في بيتها؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن".

كل ذلك من أجل المحافظة على كرامة المرأة، وإبعادها عن أسباب الفتنة.

فالواجب على المسلمين: أن يحافظوا على كرامة نساءهم، وأن لا يلتفتوا إلى تلك الدعايات المضللة، وأن يعتبروا بما وصلت إليه المرأة في المجتمعات التي قبلت مثل تلك الدعايات، وانخدعت بها من عواقب وخيمة، فالسعيد من وعظ بغيره" إلى قوله: "وفق الله الجميع إلى لما فيه الخير والصلاح، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه".

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: الرئيس/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي