مهلا صحافتنا وإعلامنا ورفقا بقيمنا

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
عناصر الخطبة
  1. تعدد وسائل الإعلام وتطورها وخطرها .
  2. الدور المفترض لوسائل الإعلام .
  3. تهجم وسائل الإعلام على الإسلام وأهله .
  4. رسالة لكل إعلامي وصحفي .
  5. واجبات وسائل الإعلام .
  6. زعزعة بعض وسائل الإعلام لقيم وأمن المجتمع .
  7. الدور المشبوه لوسائل الإعلام .
  8. الدور المنشود لوسائل الإعلام .
  9. مطالبنا لولاة الأمر ومسؤولياتنا تجاههم .

اقتباس

إنها رسالة لكل إعلامي وصحفي أن يعلم أن الاهتمام بأمن المجتمع وقيمه، في مقدمة الاهتمام بمفهوم الأمن كله، أمن الأرواح والأعراض والأموال. ماذا يُرجى من أمةٍ أصيبت في فكرها، واضطربت في توجهها، واهتزت في قيمها، وتزعزعت في عقيدتها؟ إنها لا تفقد الأمن وحده، ولكنها تفقد الوجود كله، وتخسر الكيان أجمعه. يجب على وسائل الإعلام بكل أنواعها، وهي تحرص على حماية الأمة، وتأكيد أصالتها وثوابتها أن...

الخطبة الأولى:

الحمد لله على كل حال، ونعوذ به من حال أهل الضلال، ونسأله العفو والعافية في الحال والمآل، أحمده سبحانه وأشكره، وهو الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شريف النسب، وكريم الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وآلٍ والتابعين من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المآل.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-...

أيها الإخوة المؤمنون: مع تقدم الأوقات، وتطور الوسائل والآلات، تطوَّرت وسائل الإعلام في هذا العصر وتعدَّدت، وعظم نشاطها مابين مرئيٍ ومسموعٍ ومقروءٍ، وما بين وسائل، وغير ذلك، لكن تقدم غيرنا التقني أثر على الإعلام الذي ينشر في أوساط الناس، فتأثر المسلمون مع الأسف؛ مثل غيرهم، وجلبت لهم هذه الوسائل من الضرر أكثر مما ينفعهم.

وما ذاك إلا لأنهم اتخذوا الإعلام وسيلةً للتبعية والتقليد لأولئك الضالين في معظم ما يطرحونه من برامج، وما يبثونه من قنوات، ويكتبونه من مقالات؛ حتى أصبح أكثر الإعلام يهدم أكثر مما يبني.

وقد يستثنى من التجارب الناجحة من صحافةٍ وإذاعةٍ، وقنوات هادفة، وغيرها، لكن أغلب ما يطرح مع الأسف هو من ذلك الضلال الذي يُرد إلى بلادنا، ويدخل بيوتنا، من برامج تُفسد أكثر مما تصلح، وأخبارٍ تحزن أكثر مما تفرح، وهجومٍ وكيد هو -بإذن الله- لن يفلح.

فهل هذا هو الدور المفترض للإعلام في بلاد الإسلام؟ وهل ما نراه في صحافتنا ووسائل التواصل الاجتماعي من كتاباتٍ تتهجم على الدين، نعم على الدين، وتنال من مبادئ المجتمع ومؤسساته، وتحاول النيل من القيم، وإثارة البلبلة والتصنيف، فهل هذا من بناء صحيح للإعلام؟

ما الذي دهى القوم؟ وأي قناعات وأفكار تسربت إليهم ليجعلوا من قنواتنا وبرامجنا وجرائدنا فرصةً للتطاول على الدين مع السلوك المنحرف، واللقطات الراقصة، والحركات الفاتنة، والأحوال المزرية؟ ماذا دهى بني قومنا ليجعلوا من وسائلهم وقنواتهم وجرائدهم سبباً للنيل من الثوابت، وعدم الرجوع لا لنظام بلد، ولا خلق مجتمع، بل يشغلون المجتمع بقضايا تُفرق وتصنف بين الناس؟

إن دور الإعلام في الأمة ومساهمته، هي في النظر الجاد في الأمن الفكري، والتحصين للعقول من الفكر الوافد، والحفاظ على خصوصية المسلم في عقيدته، وشخصيته المؤمنة، دورٌ صادقٌ لتحصين الأفكار من الهجمات التي تُسمم العقول، وتفسد السلوك، وتسيء إلى الدين، وتقضي على الأصالة، وتشكك في الولاء، وصدق الانتماء.

إنها رسالة لكل إعلامي وصحفي أن يعلم أن الاهتمام بأمن المجتمع وقيمه، في مقدمة الاهتمام بمفهوم الأمن كله، أمن الأرواح والأعراض والأموال.

ماذا يُرجى من أمةٍ أصيبت في فكرها، واضطربت في توجهها، واهتزت في قيمها، وتزعزعت في عقيدتها؟

إنها لا تفقد الأمن وحده، ولكنها تفقد الوجود كله، وتخسر الكيان أجمعه.

يجب على وسائل الإعلام بكل أنواعها، وهي تحرص على حماية الأمة، وتأكيد أصالتها وثوابتها أن لا تخلط بين الحق والباطل، وأن تميز بين الصالحين الغيورين على الإسلام، وبين فئاتٍ مخطئة، ضلت الطريق وتطرفت.

ثم ليس من اللائق لمن يزعم الصحافة والمصداقية والتدين مسؤولية أن يوزع التهم جزافاً على كل من يخدم الإسلام والمسلمين، عبر تهم؛ كالإخونجية، أو التطرف، كذباً ليُرضي نفسه المريضة، ويصفي حساباته.

كما ينبغي أن تفضح الفئات الملحدة التي تتطاول على الثوابت لتحصين فكر الأمة، وتحقيق أمنها واستقرارها النفسي والديني.

إن الفكر المنحرف بطريفة الإفراط والتفريط لا يعطي غير القلق والضيق، وإساءة الظن بمن حوله، وما حوله، فكيف يُطمئنُّ على أمن المجتمع وهناك من يجوس خلال الأمة بأفكار كافرةٍ ملحدةٍ تدميريةٍ ثائرةٍ، تجأر بالتطاول على مقام الأولوهية والربوبية والإسلام، وتريد تمرير أفكارها المنحرفة من خلال أي فرصة تسنح لها؟

كيف يقوم أمن المجتمع وهناك من يدعو لإلغاء الحسبة والأمر بالمعروف والنهي على المنكر؟ كيف يُطمئنُّ على الأمن الفكريِّ وهناك من يجاهر بالقول بفصل الدين عن الدولة، وعقولهم وأفكارهم وكتاباتهم ونداءاتهم تأبى أن يكون للدين والإسلام موقعٌ في تصريف شؤون الحياة؟ ويجاهرون بأقوالهم هذه، وتخطه أيديهم، وترسمه رسومهم الهزيلة؟ كيف يقوم علم أو دين، وهناك من يمارس التكفير والتبديع والتصنيف؟

لكن اللوم والعيب حين يقوم رجالٌ من المسلمين وإعلامٌ ينطلق من ديار أهل الإسلام فلا يكون إلا مقلداً لما يطرح في برامج الغرب التي تخالف الدين، وشريعة رب العالمين.

من المعيب والمشين أن تعيش وسائل إعلام الأمة في كثيرٍ من مواقعها تبعيةً قاتلة، لا يرجى منها تحصين فكر، ولا حفظ دين.

إنه تنافس بائسٌ في بث الفكر المنحرف، وتأكيد التبعية لغرب صليبي، يحقد على مجتمعاتنا المسلمة، وبلادنا الآمنة، وينتظر فرصة ليثبت من خلالها، وعبر أزلامه أهدافه التي يخطط لها منذ زمن، ويدعو عبر إعلامه الصليبي إلى تغيير نسيج مجتمعنا وهويته ومحافظته على الثوابت، ليصبح مسخاً كما فعل بمجتمعات غيرنا التي استسلمت لذلك الهجوم عبر إعلامه.

أيهاجموننا؛ لأننا مجتمع يعلن الإسلام ديناً، والشرع تعليماً، والحجاب ستراً والسنة مظهراً، عاش عليها وربَّى عليها أفراده؟ أيريدون اتهامنا وتعاملنا وتمسكنا بشيء لم تقترفه أيدينا ولم تقره أفهامنا؟

إن كثيراً منهم يتناول الدين والمتدينين في الصحف والمسلسلات يهزأ بمظهرهم ولحاهم، ويُخوف من دعوتهم، ويبالغ في خطئهم، وينال من مشروعاتهم، ويريد مصادرة حرياتهم، ويؤلب الولاة عليهم، ويزعم أن دافعه الحرص على أمن المجتمع، في حين أن ما حرّك أكثرهم إلا إرادة إفساد هذا المجتمع الذي غاظهم صلاحه المنتشر بين أفراده.

ما أجرأهم على الله، وهم يملؤون الصحف بهذا الغثاء، ويستغلون الحرية الممنوحة لهم، والمناصب القائمون عليها ليصفوّا حساباتهم مع من يخالفهم.

رأينا مقالات وكتابات تحدث الفتن في المجتمع، وتنشر الفساد فيه، وتدفع عجلةَ التطرف، مقالات تستغربُ نشْرَها، والأعجبُ السكوت عنها.

نعم -إخوتي- نستغرب ونحن في مجتمع مسلم، ودولةٍ مسلمةٍ متكاتفة، كيف تسمح لهم صحفهم بمثل هذه المقالات، والبرامج التي تنال من قيم المجتمع وتعليمه ومؤسساته الدعوية الرسمية التي تدعمها الدولة منذ تأسيسها، فأي مكيدة يريدونها بالمرأة حين يتحدثون عن وضع بائس للمرأة كما يزعمون، ثم يختصرون مطالبها بقيادةٍ للسيارة، أو سفر لوحدها، لماذا ينالون من المؤسسات الدعوية، والبرامج الشرعية، التي تعلم الناس الخير وتربي النشء على التدين؟

أي ذنب جنته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يطالبون بإلغائها، ويستهزؤون برجالها، لخطأ وقع هنا أو هناك، كغيرها من الجهات ولم يتبين الحق والقضاء لم يقل كلمته، وهؤلاء شرقوا وغربوا في باطلهم، وهي ممن يحمي المجتمع.

أيُّ حصانةٍ للفكر، وهم يبثون ولا يكتبون إلا ما يثير الفتن، ويشغلون الدولة والمجتمع في تفسيراتٍ مغرضةٍ للأحداث من خلال التحليلات الإخبارية، والتعليقات الإعلامية، مما يولد البلبلة والتصنيف والقلق، وغرس الوساوس والمخاوف في الصدور، وبث الفرق والانقسام بين طبقات الأمة.

وليعلموا أننا جميعاً في قارب واحد، وننعم بأمن نُحسدُ عليه، وبنعم نغبط عليها، ونحن نرى بلاداً حولنا.

وإن فعلهم هذا زعزعة لقيم المجتمع وأسسه التي لو تأثرت لما نجا من تداعيت سوئها أحد، وكان المكسب لأعداء البلاد المتربصين بها الدوائر.

ترى هؤلاء في مقابلاتهم في قنواتهم، أو ندواتهم، أو مقالاتهم، دائرةً بين مجاملاتٍ لمن يحبون، ومحاكمات لمن يكرهون، فاقدة للمصداقية محكومة بالهوى والمذهبية، بل والتبعية للسفارات الغربية.

وإن بعضاً من هؤلاء الكتاب لا يريدون إصلاحاً للمجتمع، وهم إنما أشبهوا المنافقين الذين يلمزون المطوعين ولا يألونهم خبالاً، قد بدت البغضاء من أفواههم وأقلامهم، وود كثير منهم لو يردون مجتمعنا عن التمسك بالدين، بإفساد الجيل المسلم، وإيجاد أجيال مبتوتة الصلة بدينها وأمتها، مستنقصةً لتراثها وحضارتها، ملتصقةً بالعدو الكافر الذي لا يرضى ولن يرضى إلا أن تكون الأجيال أداةً لتنفيذ كل المآرب.

أجيالاً تتخذ من الغناء الماجن الراقص، وبرامج المواهب المزعومة عبر قنواتها أسلوباً لحياتها، وتعلقاً سيئاً بها، ناهيك بما تقوم به هذه الوسائل من إشاعةٍ للفاحشة، وبث الرذيلة، ونشر الإباحية والاختلاط والسفور، والترويج للعنف والجريمة، والتعود على رؤية المنكرات، وعدم التفكير في إنكارها، وتفجير الغرائز بالعري الفاضح، والغناء الماجن، وعرض المفاتن في مسلسلات إجرام وخيانة، وعنف وإفلات من العقاب، مع معارضةٍ صريحةٍ لحجاب المرأة المسلمة، وترويج لاستحسان العلاقات المحرمة، بل وتسويق للشذوذ، ومحاربة التعدد المشروع، وهذا ما أدى إلى انتشار صفات وأخلاق غريبة في مجتمعنا، ومُخالفةٍ لأخلاقنا.

لقد أخرجوا المرأة من كرامتها وعفتها وحجابها وطهرها، وأضحت الخمور والمخدرات والخيانة الزوجية من لوازم هذه المسلسلات -نعوذ بالله من هذا الضلال-.

فهل هذه غايات الإعلام في ديار الإسلام؟ وهل هذه حصانة الفكر وحماية المجتمع؟ أم هل هذه هي الغيرة والديانة والمواطنة؟ وهل يواجهون تشدد الفكر وغلوه بمثل هذا الغلوِّ والتطرف هل تساءلت وسائل إعلام المسلمين ماذا قدمت للشباب المسلم؟ وماذا صنعت من أجل المرأة المسلمة؟ وماذا أعدت للطفل المسلم؟ وكيف طوّروا المجتمعات؟ هل عرفت هذه الوسائل حقيقة هذه الأمة ومنزلتها ووظيفتها، وأنها أمة العدالة والوسطية، ورسخت هذه المعاني؟

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة: 143].

(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].

أين خططهم للدعوة إلى الله على بصيرة؟ وماذا قدموا لنشر عقيدة الإسلام الصافية النقية؟ أين تحصين فكر الشباب عن كل دخيل؟ أين بسطهم لسيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ أين تجسيدهم لحضارة الإسلام؟

لم تكن موادهم سوى نقول ومسلسلات مترجمات، وتقليد ومحاكات، أفلام عربيةُ الحرف واللغة، أجنبية الفكر، ضالة المعتقد، مترددة الولاء، تكثر من زيارة السفارات لأخذ التعاليم منها، عقول مسترقة، ونفوس مستبعدةٌ، وأفكارٌ مستوردة.

التحرر عندهم الخروج من الدين والتقدم في فهمهم، هو الجرأة على الثوابت، والتغيير المطلوب هو في نبذ قيم المجتمع، والإبداع والتجديد في عادات أهل الدين، والفن هو الاستكثار من صور العفن، والحوار لديهم هو أن يأتوا بكل ناعق لينشر كفره وانحرافه وكذبه واتهامه، وكأن مشكلة المرأة عندهم أنها لا تقود السيارة، ولا تختلط مع الرجال، فتقوم بعض النساء المتحررات بالدعوة علناً للمخالفة، فيشغلون المجتمع، وتداعون للتظاهر والإخلال بالأمن، لأجل أهدافهم الباطلة، ولذلك جاء بيان وزارة الداخلية حاسماً في منع كل وسائل الإفساد عبر التظاهر، وكان شافياً لصدور كثير من الغيورين على أمن المجتمع وقيمه، والمتسببين من أهل الخير والعلم.

أيها الإخوة: هذا هو بعض الواقع، ممن يريد التأثير على مجتمعنا، وقد تحققت بعض أهدافهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فحق على الأمة أن لا تقف موقف الدفاع، أو موقف التلاوم والتشكي، وبث الأحزان والتأوهات، ولكن الواجب يقتضي توظيف وسائل العصر للاستفادة في غرس القيم، وحماية العقول والأمن وتثبيت الإيمان، وتعرية أساليب الأعداء، وكشف أصحاب القلوب المريضة، ممن يتبع كل ناعق.

يجب التعاون على ترسيخ مفهوم حق السمع والطاعة لولاة الأمر، واحترام العلماء، وحفظ الأمن، والمحافظة على مكتسبات المجتمع، والارتباط بالثقات من أهل العلم، وحماية سياج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الغلو، ونبذ التعصب والتحزب، والانغلاق المذهبي، والحفاظ على قيم المجتمع وأصالته.

ليست المشكلة قادت المرأة السيارة أم لم تقد، لكن المشكلة حين يراد تغريب المجتمع، والتأثير على قيمه باستغلال هذه القضايا عبر وسائل إعلام وصحافة، لا تريد بنا الخير.

يجب أن يتنادى المخلصون، وترتفع أصواتهم، معلنين أن هذه الوسائل إن لم يحسن توجيهها، وأن تلك الأقلام إن لم يؤخذ على أيديها، فهي كفيلة بأن تخرج أجيالاً لا ترى الخير ولا المصلحة إلا فيما عند الأعداء، ولا ترى التخلف والسوء إلا فيما عند أهلها ودينها.

يجب الاستيقان أن هذه الوسائل ببرامجها إنما تلف الحبال حول الأعناق، لتجر الناس نحو أعدائهم جرا، وهي نذر سوء تنال من أمننا الفكري، واستقرارنا النفسي.

مهلاً مثقفينا ورجال إعلامنا، لنتعاون فيما بيننا للإصلاح، فلدينا من المشكلات الاجتماعية من فقرٍ وجهلٍ، وتربيةِ أولاد، وحفظ أسرة، وتطبيق نظام ما يحتاج إلى تكاتفنا جميعاً، وهذه أهم من مشكلات صغرى تشغلون بها المجتمع.

اتقوا الله في البلد وأهله ودعوته وأمنه، ولا تكونوا ممن آثروا لشهوات على العفاف، والإرجاف على الحقائق، والدنيا على الآخرة، ومرضاة الغرب على مرضاة الرب.

والله ثم والله إننا نخشى على أمننا وبلادنا ممن يريد له الفساد والإفساد والسكوت عن فعلهم، وذلك بئس الله لمن ابتعد عن دينه: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا)[غافر: 29].

واعلموا: أن أمتنا تنتمي إلى خير فكر، ومعارفنا أصح المعارف، وقرأننا وحده هو الذي يهدي للتي هي أقوم: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده...

إننا نتوجه إلى قادة هذه البلاد وولاتها ممن ولاهم الله مسؤولية حمايتها، وحماية شعبها بضرورة منع البرامج التي تستهزئ بالدين، والأخذ على يد مثل هؤلاء الكتاب الذين يبثون الفرقة، وينالون من منهج دين المجتمع الذي قامت عليه هذه الدولة، وأعلنته منهجاً لها، وأن نعلم جميعاً أننا بدين الله، والتمسك به أعزاء أقوياء، وبدونه أذلةً ضعفاء سيتسلط علينا الأعداء شئنا أم أبينا، فهذه سنة الله فيمن نكس عن صراطه المستقيم.

ثم إنها مسؤوليتنا جميعاً -إخوتي- بالتكاتف مع الجميع، قادة وعلماء، ومثقفين وصحفيين، والخير فيهم كثير، بالمحافظة على الإسلام الذي هو هوية بلادنا، وشرع ربنا، عبر وسائل التواصل، فليس الدين مسؤولية الولاة أو العلماء فقط، حتى يقف أكثرنا متفرجاً على ما يراه من إفساد، وما يقرؤه من ضلال، بل هو مسؤولية الجميع المحافظة على دين المجتمع، ودرء الشبهات عنه، وحمايته من الغلاة المتطرفين الذين يضرون أكثر مما ينفعون، وكذلك صيانته وصيانة النشء ضد الذين يملؤون الدنيا ضجيجاً من إفكهم وحقدهم.

واعلموا: أننا عن إفكهم محاسبون إن صمتنا عنه أن لم ننكره بما نستطيع ولم نصلح: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117].

ولم يقل صالحون فلا يكفي صلاح الإنسان الذي يتمعر لمنكر رائه، ولا ينكر بالوسائل التي يستطيعها، ولذلك حين قالت أم سلمة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".

من هنا ترى جهداً لبعض المحتسبين بالتواصل مع العلماء وولاة الأمر بعقلٍ وحكمةٍ لتلافي الأخطار، وهذا صمام أمن للمجتمع.

فالله الله -إخوتي- بالتكاتف جميعاً للنصح، والأمر بالمعروف بالحكمة والموعظة الحسنة، وحسب الاستطاعة.

نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يكبت عدونا، وينصر إسلامنا، ويكتب له التمكين، وأن يحفظ بلادنا من كل مكر وسوء.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بمكر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميراً عليه.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في أرض الشام...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي