حدثوني بربكم إنهم اليوم يطالبون بما يسمونه بحقوق المرأة، وحرياتها الواسعة، وهذه الحريات تستلزم كما يريدون أن تسافر وحدها، وأن تخرج إلى أي مكان وحدها، وأن تقود السيارة، وأن تقطع الطرقات الطويلة في جوف الليالي، وجنح الظلام وحدها، وأن تتنزه على الشواطئ، وفي الأماكن الخلوية وحدها. فخبروني بربكم كيف تتحرر المرأة في مجتمع الذئاب، والواقع يشهد بأنه مع قيام...
الحمد لله كتب العز مع التمكين لعباده المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله جاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فوصيتي لنفسي ولكل مسلم ومسلمة هي: تقوى الله -عز وجل- في السر والعلن، فخير عباد الله وأكرمهم على الله من اتقاه، وتمسك بدينه حتى يلقاه.
عباد الله: إن المعركة التي لا تخبو نارها، بل لا تزال مستعرة إلى قيام الساعة، هي: معركة الحق مع الباطل، وما هي بوليدة اليوم، بل هي موغلة في القدم طويلة الأمد، لا يخلو منها زمان ولا مكان، وأهل الحق والاستقامة والعفة والأمانة على أتم استعداد لخوض معركة الحق ضد الباطل وأهله، والله معهم، وهو وليهم، والعاقبة الحميدة لهم، وقد قال رب العالمين -جل جلاله-: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)[الأنبياء: 18].
ولقد واجهت أمة الإسلام فيما مضى ولا تزال تواجه أسوأ مخطط مسخر لحرب الإسلام يستهدف عقيدة الأمة وأخلاقها، مكائد تحاك لتذويب الدين، وطمس معالم العفة، لتجعل من المسلمين سائمة تسام، وقطيعا مهزوزا في عقيدته، غارقا في شهواته، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، وصدق ربنا -جل وعلا-: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].
ألا ومن ضمن هذا المكر والكيد الكبار لمجتمعات الإسلام المحافظة: ما يقوم به المفسدون في كل زمان ومكان من شعارات ومطالبات تهدف إلى إفساد بنات المسلمين ونساءهم؛ فيرفعون شعارات كاذبة تحت مسميات متعددة؛ كحقوق المرأة، وحرية المرأة، ورفع تسلط الولي، ومساواة المرأة بالرجل، وهم أعداء المرأة في حقيقة الأمر.
فالمجتمع المسلم لم يعرف هؤلاء بنصح ولا بعلم، بل عرفوا باعتراضهم على نصوص الشريعة، وتنقصهم لعلماء الإسلام، وإشاعتهم ،للفوضى وسعيهم للفتنة، فالله حسيبهم.
أيها المسلمون: حياء المسلمة وعفتها حياء أصبح اليوم محفوفا بالمخاطر من المنحرفين الذين تشبعوا بأفكار الغرب الكافر، وأعجبوا بما هم عليه مجتمعاتهم المختلطة، وأخلاقهم المنحلة، فأرادوا تطبيقها على مجتمعنا الإسلامي المحافظ، فتبا لمن أعرض عن وحي ربه، وتناسى ما أنزله من الهدى والنور، من الآداب العالية، والأخلاق الكريمة، التي تحفظ للرجال والنساء الطهر والعفاف، وتربيهم على الفضيلة، فخير المرأة وكمال العفة هو في بعدها عن مجتمعات الرجال، وفي القرار في بيتها؛ كما قال الخبير الحكيم: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب : 53].
وقال سبحانه: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)[الأحزاب: 32].
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].
أيها المسلمون: احذروا من شياطين الإنس الذين يتحدثون، ويخططون لإفساد المرأة في بلادنا، وهم لم يعرفوا بعلم ولا أمانة، فإنهم لا يريدون بهن سوى الفتنة، فهم سعاتها، وهم المتلاعبون بدين الله وشرعه، الرافضون لفتاوى أهل العلم، هم الذين ينفثون سمومهم في أعمدة الصحف، وفي بعض المواقع والوسائل على جهل منهم بلسان العرب، وجهل بالقرآن والسنة.
لكن بحمد الله أمة الإسلام تعرفهم كما عرفهم أهل العلم من قبل بأنهم كتبة كذبة، ليس لهم من النصح والحرص على المرأة أدنى نصيب؛ قال العلامة الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله- في كتابه "حراسة الفضيلة": "وهذه الدعوات الوافدة المستوفدة قد جمعت أنواع التناقضات ذاتًا، وموضوعًا، وشكلاً. فإذا نظرت إلى كاتبيها وجدتهم يحملون أسماًء إسلاميًة، وإذا نظرت إلى المضمون والإعداد، وجدته معول هدم في الإسلام لا يحمله إلا مستغرب مسير أشرب قلبه بالهوى والتفرنج، ومعلوم أن القول والفعل دليل على ما في القلب من إيمان ونفاق، وإذا نظرت إلى الصياغة وجدت الألفاظ المولَّدة، والتراكيب الركيكة، واللحن الفاحش، وتصَيُّد عبارات صحفية تُقَمَّش من هنا وهناك على جادة القص واللصق".
إلى أن قال -رحمه الله-: "عار –والله- أن يصبح توجيه أخلاق في هذا العصر بأقلام هذه الفئة المضللة المسيرة التي خالفت جماعة المسلمين، وفارقت سبيلهم، واشتغلت بتطميس الحق، ونصرة الهوى، عليهم من الله ما يستحقون، وحسابهم عند ربهم، ونحذرهم سطوة الله وغضبه ومقته، ولن يغلب الله غالب، ونتلو عليهم قول الله -عز وجل-: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)[البقرة: 235].
وقول الله: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النحل: 116-117]".
إلى أن قال رحمه الله عن هؤلاء: "فغرَّبوا -حسيبهم الله- جماعة المسلمين، وأثخنوهم بجراح دامية في العرض والدين، وأشمتوا بأمتهم الكافرين، وأثَّموهم، وأبعدوهم عن دينهم، وتولوا هم عن دينهم الحق، وخدموا الكفرة من اليهود والنصارى والملاحدة الشيوعيين وغيرهم".
أيها المسلمون: المنافق يطعن في شريعة الله، ويتهمها بالتناقض والوحشية، والجمود والرجعية، وأنها قيدت حرية الفكر، وسيطرت على القول، وانتقصت حقوق المرأة، وما إلى ذلك من الهذيان والكفر والبهتان، وصدق الله العظيم: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)[محمد: 30].
وقال سبحانه: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون: 4].
حدثوني بربكم إنهم اليوم يطالبون بما يسمونه بحقوق المرأة، وحرياتها الواسعة، وهذه الحريات تستلزم كما يريدون أن تسافر وحدها، وأن تخرج إلى أي مكان وحدها، وأن تقود السيارة، وأن تقطع الطرقات الطويلة في جوف الليالي، وجنح الظلام وحدها، وأن تتنزه على الشواطئ، وفي الأماكن الخلوية وحدها.
فخبروني بربكم كيف تتحرر المرأة في مجتمع الذئاب، والواقع يشهد بأنه مع قيام رجال هيئة الأمر بالمعروف بجهود مضنية بتعاون مع جهات متعددة، ومع وجود الحجاب والتستر في الجملة، مع هذا كله لا تزال عشرات القضايا والمشاكل تؤرق الغيورين.
كيف تترك امرأة ضعيفة ركب الله في طبع الرجل ميله إليها، وميلها إليه، أن تخرج بأي لباس تشاء، وإلى أي مكان ترغب، بلا رقيب ولا حسيب، والله -تعالى- يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[النساء: 34].
وهي في الوقت نفسه -أي المرأة- لا تأمن على عرضها، أو نفسها، إن مشت وحدها خطوات، من الذي يأمن اليوم أن يترك أمه، أو أخته، أو زوجته، أو بنته، تسير منفردة، وقد رأى أن الفجرة لا يتورعون عن التحرش، ولا يرتدعون، حتى صدق فيهم قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت".
أيها المسلمون: إن أمة الإسلام لا يصلحها إلا ما شرعه الله -تعالى- وشرعه رسول -صلى الله عليه وسلم- لحماية المجتمع من الفساد والرذيلة، ومما شرع لذلك: بُعد المرأة عن الاختلاط بالرجال، حتى في أماكن العبادة، قال صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها" فضلا عن غيرها.
من لم تسعه الشريعة الإسلامية فلا وسع الله عليه، ومن ضاق ذرعا من المنافقين بقول سيد المرسلين: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
فزاده الله ضيقا وذلة وصغارا: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 51-52].
اللهم اكتبنا من أنصار دينك، اللهم يا حي يا قيوم عليك بالمنافقين والمنافقات الذين يريدون بمجتمعات المسلمين إفسادا وفسادا، وسفورا وتبرجا، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، يا ذا الجلال والإكرام.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله المتفرد في علاه يعز من يطيعه ويتولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا معبود سواه، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله، أفلح كل عبد صار على نهجه، واهتدى بهداه، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالقائمون بحقوق المرأة، وأنصار حقوقها، هم الذين يريدون لها دوام الحشمة والحياء، يريدونها مكرمة مصونة، تحفظ كرامتها، وتعطى حقها، ويحفظ عرضها، يزيدها حجابها هيبة وجمالا، تقيم في بيتها، وتقوم بأمومتها، وينفق عليها.
حماة حقوقها، ومن يريدون الخير لها، هم: الذين يطالبون أن يستوفى حقها في العلاج والتعليم، وحقها في الميراث والنفقة، وأن تحمى من التعرض لكل فتنة، وأن يصد عنها كل من أراد أن يتاجر بعرضها وكرامتها، وأن يوقف عند حده.
أنصار حقها، هم: من يقفون معها ليرفعوا أي ظلم يقع عليها من الجاهلين، فالمرأة تعاشر بالمعروف، فيمنع كل ظالم أن يبخس حقها، أو أن يسيء إليها، انطلاقا من قول ربنا -جل وعلا-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].
وبقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228],
ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
وإننا على يقين بأن المرأة في بلادنا عندها من الدين والوعي ما تميز به بين الضار والنافع، وبمن يدافعون عن حقها الشرعي، وبالمفسدين المنحرفين عن الحق الذين يطالبون بأن تقود السيارة، وأن تخالط الرجال، وأن تسافر بلا محرم، وبأن تخلع الحجاب؛ أنهم ما أرادوا بها خيرا، وأنه لا مكان لآرائهم الفاسدة، ولا لمطالبهم التي يمليها عليهم أسيادهم من الغربيين، لكن هذه ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.
أما من اهتزت ثقته بمبادئه، وتنكر لشريعة ربه، وغارت غيرته، فالله حسيبه: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[الشعراء: 227].
قال تعالى: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[فاطر: 8].
وفي الموضوع بقية من حديث -إن شاء الله- نسأل الله أن يحفظ مجتمعاتنا، ومجتمعات المسلمين من كل بلاء وفتنة وشر، وأن يرد كيد المفسدين إلى نحورهم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي