من أعظم المسؤوليات: مسؤولية الحفاظ على الأمن، ونفي الخوف عن الشعب، وقد عد العلماء عشرة أشياء أساسية تلزم القائم بأمر المسلمين؛ منها:
1- حماية البيضة، والذب عن الحوزة، يعني حماية سيادة البلاد، ليتصرف الناس في المعاش، وينتشرون في الأسفار آمنين.
2- إقامة الحدود لتصان محارم الله -تعالى- عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
3- تحصين ...
الحمد الله، الحمد الله الذي قرن الأمن بالإيمان، والسلم بالإسلام، فقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].
وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" [رواه أحمد والترمذي وغيرهما].
أحمده سبحانه ربط بين الخوف والعصيان، ونفى عما يشيع الخوف بين الناس صفة الإيمان، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل له: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه"[رواه البخاري] يعني الذي لا يأمنه الناس، ولا يأمنه جيرانه، لا يأمنون من شروره، ومن أذاه.
والصلاة والسلام على من بعث بهداية الضالين، وأمان الخائفين، وقمع المعاندين، فكان بذلك رحمة للعالمين، الذي قرر أن مقومات الحياة الكريمة، هي: الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، والغنى عن الفاقة والحرمان، صلى الله عليه وعلى آله الأكرمين، وصحابته أجمعين، وخلفائه الراشدين، الذين سنوا لمن بعدهم حفظ الأمانة، ورعاية الديانة، وحماية السيادة، وقوة الإرادة، واستشعار هموم الأمة، والعمل على تجنيبها كل كربة وغمة رضي الله عنهم أجمعين، وعن من سلك سبيلهم إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
وأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله:
أيها الإخوة المؤمنون: اسمحُوا لي إن كررت الحديث عن موضوع الأمن في خطبٍ كثيرةٍ من على هذا المنبر، فمشكلة الانفلات الأمني هي أم المشاكل، وهي لا تزال قائمة، وتداعياتها الخطيرة متجددة ومتنامية، فكان لا بد من طرقها، وتكرار الحديث عنها، ثم إن هذه الخطبة ليست رغبة شخصية في هذا الموضوع، وإنما هي ضمن حملةٍ يقوم بها العديد من العقلاء والوجهاء والشخصيات الاجتماعية، والدعاة الى الله، وغيرهم.
نعم ويجب أن يكون هاجس الانفلات الأمني هو هم الجميع، بل إن التصدي لهذا الحال، والعمل على إعادة الأمن والاستقرار الى ربوع البلاد واجب من أكد الواجبات علينا جميعاً.
وأول من يقع عليه هذا الواجب الدولة، بجميع هيئاتها وأجهزتها، بدأً بالرئيس، ومروراً بالحكومة، وانتهاء بالسلطات المحلية من محافظين، ومجالس محلية، وسلك قضائي، وأجهزة أمنية مختلفة، قال تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].
ومن الأمر بالمعروف: العمل على تثبيت الأمن، وتوفير السكينة، وتوجيه الجميع الى ذلك، ومن النهي عن المنكر: رد الحقوق، وإقامة الحدود، وردع المعتدين، ومحاسبة الفاسدين، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالأمير راعٍ في الناس ومسئول عن رعيته...".
ومن أعظم المسؤوليات: مسؤولية الحفاظ على الأمن، ونفي الخوف عن الشعب، وقد عد العلماء عشرة أشياء أساسية تلزم القائم بأمر المسلمين؛ منها:
1- حماية البيضة، والذب عن الحوزة، يعني حماية سيادة البلاد، ليتصرف الناس في المعاش، وينتشرون في الأسفار آمنين.
2- إقامة الحدود لتصان محارم الله -تعالى- عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
3- تحصين الثغور، يعني الحدود، حدود البلاد بالعدة المانعة، والقوة الدافعة، حتى لا تظفر الأعداء بغرة، فينتهكون بها محرماً، ويسفكون فيها دماً لمسلم، أو حتى معاهد.
هذه واجبات الدولة في مختلف أجهزتها ومسمياتها، وهي أمورٌ متفقٌ عليها، وقد أقسم عليها جميعُ المسؤولين الكبار، ولكنهم للأسف قد نكثوا أيمانهم، وأضاعوا أمانتهم، وتخلوا عن مسئوليتهم -إلا من رحم الله-، ولا يعفى كبيرٌ ولا صغير، ولا من كان في السلطة العليا، ولا في السلطة المحلية، ولا المدنيون، ولا العسكريون، بل كلهم مشتركون في جريمة الانفلات الأمني، وعليهم أن يتداركوا أنفسهم وشعبهم قبل أن تحل بهم العقوبة، وينتقم الله منهم، وانتقام الله إذا حل أليم شديد.
إن الإهمال المتعمد من قبل الحكومة لمطالب حضرموت، وخصوصاً في جانب تثبيت الأمن لمؤشر خطير، ودليلٌ صريح على أن هذه المحافظة يراد ترويضها لشيء قادم، ربما هو أسوء مما هو قائم الآن.
فلتعلم الحكومة أن هذا الشعور هو شعور عموم المواطنين، وشعور كثير من المسؤولين، حتى في السلطة المحلية، وإذا لم يتدارك الأمر، فقد يستغل هذا الشعور، ويتحول إلى فعل لا ندري كيف تكون نتيجته.
وربما وصل الحال الى ما وصل بأهل الشام في بداية القرن الثامن الهجري، حينما اتجه التتار نحو الشام، وخيم الرعب والخوف على أهله، ولم يقم السلطان المملوكي الحاكم في مصر والشام بأي تحرك لدفع الخطر عنهم، وهو مقيم في مصر طبعاً، فوفد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- مندوباً عن أهل الشام، ومتحدثاً بلسانهم، فقال له: إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته؛ أقمنا له سلطاناً يحوطه ويحميه، ويستغله في زمن الأمن، يعني يقول: له إذا كنتم فقط لا تلتفتون إلى الشام إلا في زمن جباية الضرائب، وجمع الزكوات، وأخذ الخراج، يعني في جمع الثروات فقط، ثم تتركونه في حال الخوف، وفي حال الخطر، فإنا لن نصبر على هذا الحال، وسنقيم له سلطاناً من أهله، يدافع عنه، ويستغل ثرواته.
وهذا ما يفعله اليأس إذا سيطر على النفوس، ولا يستبعد إذا لم يتدارك الأمر أن يقول أهل حضرموت مثل هذا الكلام.
وأما السلطة المحلية، فهي تعلن أنها عاجزة، ونحن نعلم كذلك أنها عاجزة، إما لأسباب خارجة عن إرادتها، وإما لأسباب ذاتية من صنعها هي.
وفي كلا الحالين، نقول: إلى متى سيظل هذا الحال؟ إلى متى سيظل العجز هو شعارهم؟
ومن تحت أرجلهم وأقدامهم تسير الدولة، وتمد بأسباب بقائها أكثر من 70% من ميزانية الدولة من هنا من حضرموت، وتبقى سلطتها عاجزة عن أن تفعل لها شيئا، هذا أمر لا يليق، ولا يجوز لا شرعاً، ولا عقلاً، ولا سياسة.
إن لديهم الإمكانيات التي يتغلبون بها على العجز لو أرادوا فهل توفرت الإرادة؟ وهل عملوا على إزالة الأسباب الذاتية ليعذروا في الأسباب الخارجة عن إرادتهم؟
عليهم أن يقفوا مع أنفسهم وقفة صادقة ثم يجيبوا أنفسهم عن هذا السؤال، وعليهم أن يتذكروا قول الله -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11].
وعليهم أن يستحضروا قول أمير الشعراء "أحمد شوقي":
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثاني
عليهم أن يسجلوا في تاريخهم ما يشرفهم أحياء وأمواتاً، وإلا فإن التاريخ لا يرحم، وإن النقد قائم، وما عند الله لا يضيع، وسوف يجدونه في صفحات أعمالهم.
نسأل الله أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى ما فيه خير وصلاح وأمن واستقرار هذه البلاد.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
عباد الله: نحن معشر المجتمع نحن معشر المواطنين معشر الشعب: كذلك هل نعفي أنفسنا من المسؤولية؟ هل نحن قمنا بما يجب علينا لنلقي باللوم على غيرنا؟
أظن بل أجزم أننا مسؤولون، وأننا مقصرون، وأننا متحملون لجزء كبير من وزر وآثار الوضع الذي نعيشه؛ لأننا لم نقوم بما يجب علينا على الوجه المطلوب.
إن سلبيتنا وتفرقنا وأنانية كثير منا، وارتهان بعضنا لمن يزرع الخوف، ويبث الرعب، ويعبث بالبلد، هو الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، وكل واحد يفتش في نفسه، لا أتهم شخصاً بعينه، ولا جهة بعينها، ولكن ربما أنا أكون أول المتهمين، فالكل يجب أن يسأل نفسه، ويحاسبها على هذا الأمر؛ وهذه نداءات نوجهها إلى عدد من الجهات:
الدولة أو الحكومة: أقول لهم: تحملوا مسؤوليتكم، واستعدوا لجواب السؤال الكبير، ربما جاء هذا السؤال هنا في الدنيا، وربما في الآخرة، فيقينا سوف يسألكم الله عما استرعاكم، فماذا أنتم قائلون؟!
إذا كان هناك حصانة دبلوماسية، حصانة قضائية، حصانة سياسية، وهم الآن يتصارعون على مسألة الحصانة، وعلى مسألة العدالة الانتقالية، وغير ذلك، ليخرجوا من المسؤولية في الدنيا، فهل يخرجون من مسئولية الآخرة؟ وهل هناك صك، أو قانون، أو أي شيء يعرضونه يوم القيامة، فيمنع محاسبتهم؟!!
والله لن يكون شيء من ذلك، وسيكونون سواء، الرئيس والوزير، والعامل والفرّاش في الإدارة، كلهم سيكونون سواء، وسيكون المسؤولون أكبر مسؤولية من أولئك البسطاء الذين ليس بأيديهم شيء، ولذا أقول، أولاً: حكّموا شرع الله، فإننا متى حكمنا شرع الله ورضينا به وقبلناه، تولى الله حفظنا، ووفر أمننا، وأزال عنّا ما يخيفنا، وما يرعبنا، قال الله -سبحانه وتعالى-: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 123- 124].
ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- محذراً من ترك الحكم بشرع الله: "وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا في ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديداً".
فالبأس الشديد، هو هذا الذي نلاحظه ونراه: الصراع والقتال، والمكايدات، وقطع الطرق، وتخريب المرافق، كل ذلك من البأس الشديد الذي ينزله الله بعباده، إذا انصرفوا عن تحكيم شرعه.
عليكم بالعدل، العدل الشامل والكامل، ابتداء من قصر الرئاسة، ووصولاً إلى أطراف البلاد، في كل صغيرة وكبيرة، ومع كل محب أو مبغض، وراضٍ أو كاره لكم، ذاك هو الذي ينجيكم، وينجي البلاد: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى) [النحل: 90].
فالعدل أساس الملك، وسنة الله جارية: أن الدولة العادلة منصورة وممكنّة، حتى وإن كانت كافرة، وأن الدولة الظالمة يسرع هلاكها وزوالها، حتى وإن كانت مسلمة.
أوقفوا التدخل الأجنبي في كل شيء، لا نقبل ولا يقبل مسلم في هذه البلاد أن يفرض عليه رأي عدوه وخصمه، لا نقبل أن يصنع لنا مستقبل بلادنا أعداؤنا، فهل يرجى من الأعداء أن يصلحوا لنا مسيرة بلادنا، وأن يعملوا على ما فيه سيادتنا وعزتنا ورفعتنا؟!
لا والله، فلنوقف هذا التدخل، ولتكن لنا شخصيتنا وإرادتنا، ونحن ننتسب إلى خير أمة أخرجت للناس، فلنكن كذلك، ولنكن على قدر هذه المكانة التي جعلنا الله فيها.
أوقفوا الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تضرب وتقصف بدون تمييز بين مطلوب وغير مطلوب، متهم أو بريء، هذه الضربات أصبحت مستنكرة عند الغربيين أنفسهم، وعند المنظمات الحقوقية حتى داخل أمريكا.
وأقول لحكامنا ولمسئولينا: اعتبروا بإخوانكم المسئولين الباكستانيين الذين سربت أمريكا، وأخرجت الأسرار، بأنها كانت ترشيهم، وتدفع لهم، وتعطيهم من أن أجل أن يسمحوا لها بضرب شعبهم، اليوم في باكستان وغداً سيقولون لنا في اليمن من الذي سمح، ومن الذي أعطى الإذن، ومن الذي أخذ الرشوة، وسيحل العار والشنار بمن يتعاون مع أعدائه ضد شعبه، فاتقوا الله.
انظروا الى الخارجين عن القانون إلى المنتهجين لنهج العنف، ونهج الارهاب، ونهج القتل والتدمير بمنظار واحد، كلهم خارجون عن القانون، كلهم يفعلون جرائم، كلهم يقتلون الأبرياء، فلماذا فريق لا حوار معه ولا رأفة به ولا حساب له؟!
وفريق آخر يحاور ويراضى ويدارى ويشرك في أعلى المستويات، ويعوض، ويعتذر إليه، يعتذر عن جرائم هو صنعها، وهو قام بها، وما زال يصنعها، ويقوم بها، وما أخبار دماج، ومركز الشيخ مقبل -رحمه الله- هناك، وما عليه من حصار، وما يقوم به هؤلاء المجرمون من خنق وتصفية لأهل السنة في صعدة ما هو ببعيد، ومع ذلك هم يشاركون في الحوار، وسيشاركون في الدولة، وفي الحكومة، في كل شيء، وسيكون لهم رأي في وضع الدستور، وفي كل شيء، أي عدل هذا؟! أي مساواة بين الشعب هذه؟!
أنا لا أبرئ كل أحد يقتل الناس أيا كان، فهو مجرم، وهو خارج عن القانون، ويجب رده بالمعروف إن كان ذلك ممكناً، وإن لم يمكن فهناك طرق شرعية لتأديبه، وللقصاص منه، وللتعامل معه، ويجب أن تتخذ تلك الإجراءات والتصرفات وفق شرع الله، فنحن أمة الاسلام، وأمة الإيمان، ويجب أن يحكم ويتعامل معنا في كل جوانب حياتنا وفق شرع الله -سبحانه وتعالى-.
ورسالة ثانية: إلى القائمين بأعمال العنف هنا عندنا في محافظتنا، رسالة إلى هؤلاء القائمين بالعنف والقتل والترويع، فمن كامن منهم يفعل ذلك لدوافع شخصية؛ كالسرقة، وقطع الطريق، ونهب المسافرين، وغير ذلك؛ فأقول: اتقوا الله، هذا جرم مشهود، وهذه جرائم معلومة، وهذا الذي تأخذونه، والله لن يغني عنكم من الله شيئاً، وستأتون تحملونه يوم القيامة على ظهوركم، وسيقتص منكم هناك إذا عجز الناس أن يقتصوا منكم في هذه الحياة.
لقد سمى الله هذه الأعمال محاربة له ولرسوله وللمؤمنين، وجعل عقابها أشد عقاب، قال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة: 33].
ليس فقط هذا، ولكن العذاب العظيم والأليم والمهين ينتظرهم إذا رجعوا إلى الله، فعليهم أن يتوبوا، وأن يستغفروه، وأن يدعوا الناس من شرهم.
ومن كان يعمل لحساب أجنحة متصارعة من هنا وهناك، فإن ذلك لن ينفعه، وأكبر خسارة أن يخسر الإنسان دينه من أجل دنيا غيره، أكبر جريمة أن يعمل الإنسان الجرائم؛ يقتل وينهب ويخرب ويفسد لا من أجل مصلحته الشخصية، ولكن من أجل مصلحة فلان، ومصلحة فلان، هذا –والله- الخسارة المبينة، وهذا هو الخسران المبين، فعليهم أن يتقوا الله، وأن يراجعوا أنفسهم، ويتوبوا الى ربهم، وأن يدعوا الناس من شرهم.
أما الرسالة الثالثة: فإلى الذين يحسبون أنهم يجاهدون في سبيل الله أقول: والله ما هذا هو الجهاد في سبيل الله، والله ما هذا هو الجهاد في سبيل الله، والله ما هذا هو الجهاد في سبيل الله.
أي جهاد هذا؟! أيقتل المسلمون بدعوى الجهاد في سبيل الله؟! أيقتل كثير جداً ممن اغتيلوا بعد أن صلوا فروضهم وهم خارجون على أبواب المساجد؟! يقتلون ويقال: الله أكبر، انتصر الحق على الباطل، هل هذا معقول؟! هل هذا من شرع الله؟! هل هذا من دين الله.
يا إخوة خذوا قصة، بل هو حديث صحيح وليس مجرد قصة، رجل مر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في وادٍ وعليه أثر الخشوع والزهد، وهو يصلي، فلما وصل إلى محطة وصوله، قال لأبي بكر، اسمعوا أمر من الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "اذهب إلى فلان فاقتله" اذهب إلى ذلك الرجل واقتله، فذهب أبو بكر ثم رجع ولم يفعل شيئاً، ذهب ورجع ولم يفعل شيئاً، مع أن الآمر رسول الله، وحدد أن الحكم القتل، وحدد الشخص المطلوب، ولكنه رجع ولم يفعل، لم يا أبا بكر؟! قال: يا رسول الله وجدته يصلي، وما كان لي أن أقتله وهو يصلي، منعته الصلاة من أن يقتله، ثم أمر عمر فكان كذلك، ثم أمر علياً فذهب علي فوجد أنه قد ذهب.
الشاهد من هذا تعظيم أمر الصلاة، ونهي الله ورسوله عن قتل المصلين، وعصمة دم الناس ما أقاموا الصلاة، أين نحن من هذا؟!
نتق الله، نتق الله، أقول لقادة هؤلاء العقلاء، هؤلاء أقول لهم: هل يرضيكم هذا؟! هل أنتم بالفعل مقتنعون أن ما تفعلونه هو جهاد، وتتقربون به الى الله ويرضيكم أن هؤلاء يأتون يوم القيامة فيسألونكم فيم قتلتموهم؟! تقولون جاهدنا في سبيل الله، والله ما أظن عاقلاً يفعل ذلك، لذلك فليتقوا الله وليخرجوا بياناً يبرئوا به أنفسهم من هذه الجرائم.
نعم، لا يجوز السكوت؛ لأن اليوم لم يعد الأمر مجرد دعوى جهاد ولا اعتقاد بأن هذا جهاد، ولكن هناك جرائم تنفذ لأغراض مختلفة، ثم توضع تحت مظلة الجهاد وتنسب الى هؤلاء الذين يجاملون ويسكتون ولا ينكرون على من يفعل ذلك، فيحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم، فعليهم أن يتقوا الله، وعليهم أن يستمعوا إلى النصيحة، وعليهم أن يأتوا إلى الحوار، حوار العلماء، حوار الذين يحاورنهم بكتاب الله وبسنة رسول الله، ومن منطلق النصيحة لا من منطلق الشماتة، ولا من منطلق الإهانة، ولا من أي من منطلق آخر.
علينا جميعاً أن نعمل، علينا -معشر الإخوة جميعاً- المجتمع كله أن يقوم بواجبه، يقول كلمة الحق، يأمر بالمعروف، ينهى عن المنكر، نجمع صفوفنا، نوحد كلمتنا، ندع السلبية التي عششت في نفوسنا، ندع الأنانية التي يعمل كل منا لها دون نظر إلى المصالح العليا، علينا أن نفعل ذلك، أدعو الجميع أن يبادروا ويسارعوا، وكل بما يقدر عليه لإصلاح هذه الأوضاع، فو الله لن نزداد إلا سوءاً ما دمنا واقفين عاجزين أمام هذا، فلنفعل ولنعمل: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77].
وقال الله -عز وجل-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَات وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 104-105].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي