ابن آدم مصيب حظه من الخطيئة لا محالة, لذلك أراد الله -عز وجل- منا السداد ولم يرد الله منا الكمالات, قال -عليه الصلاة والسلام-: "سددوا وقاربوا". أراد الله منا الفيئة ولم يرد الله منا العصمة, ولم يمل الله -تعالى- من الاستغفار حتى تملوا. لكن ليس ذلك موطئاً للوقوع في الذنب, ليس ذلك مفتاحاً تستخدمه لتستجرأ على الذنب, لا...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, وصفيه ومختاره من خلقه وخليله, أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين.
اللهم صل وسلم عليه كلما هبت النسائم, وصل يارب وسلم عليه عدد قطر السماء, وعدد أيام الدنيا وعدد ترب الأرض, يا رب صل وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون.
جل الذي بعث الرسول رحيما *** بين الأنام معلما وكريما
يا أيها الراجين من شفاعة *** صلوا عليه وسلموا تسليما
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: من أين أبدأ؟ أبدأ من الجرم الصغير أم أبدأ بالرب الكبير؟! أأبدأ من زاوية الانحراف أم أبدأ من جبرانها, أأبدأ من النقص أم أبدأ إتمامها, سأبدأ بما بدأ الله -سبحانه وتعالى- به, سأبدأ بما لا يبدأ إلا به بالرب الكبير -جل وعلا-.
علم الله -جل وعلا- ضعفي وضعفك وتقصيري وتقصيرك وعلم -سبحانه وتعالى- أنه ركب النقص في وفيك فغفر وعفا حتى قبل وقوع الذنب, بل اتصف -جل جلاله- بالعفو والصفح والمغفرة والجود والكرم فكان غاية الغايات التي لا تبلغها غاية في الجود والعفو والكرم.
إن الحديث -يا أحبابي- هو الحديث الذي يعتلج في نفس كل أحد, ويداخل قلب كل أحد؛ حينما يقع العبد في الهفوة والمعصية والخطأ والزلل وهو واقع لا محالة.
هبوني عبدا من الجالسين أو الحاضرين أو الشاهدين أو الغائبين لم يتلطخ بذنب، هبوني بعبد لم تقع منه المعصية حين خلقنا الله وخلقك لم يرد الله مني ومنك الكمال, لا, ولو اتصفنا تكلف بالكمالات ولسنا بالمستطيعين بها ما رضي الله -جل وعلا- بالصنيع "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بأقوام يذنبون فيستغفروه فيغفر الله لهم".
ليس سمة تناقض بين إرادة الله عز وجل مني ومنك, البعد ومجانبة المعصية وبين إرادته مني ومنك التوبة والعودة والأوبة والاستغفار. وبيان ذلك -رعاك الحق- إن الله -تعالى- قدر كونا أني وأنك واقع في المعصية لا محالة, مركب النقص يأبى إلا الوقوع في المعصية, الشهوة والغفلة والنفس الأمارة بالسوء والشيطان المتربص لابد أن يسوقني ويسوقك إلى الوقوع في الذنب والمعصية, فلم يكتب الله -عز وجل- العصمة إلا للأنبياء ولخلقٍ آخر لم يكتب الله عليهم التكليف.
لست وإياك ملكا كريما, لم أكن ولم تكن جبرائيل ولا ميكائيل ولن تكون, ولست وإياك أدم أو نوحاً أو موسى أو عيسى أو محمداً -صلى الله عليهم أجمعين-, إنما أنا وأنت بشر من صلصال من حمأ مسنون.
إذن إرادة وقوع الذنب إرادة كونية, وإرادة وقوع التوبة والعود إرادة شرعية ولابد أن تجتمع فيك أيها العبد هاتين الإرادتين. ربما أكون قد أطلت عليك لكن هذه المقدمة تنفس عني وعنك.
دخلنا مدرسة رمضان ونحن نظن أننا سنخرج منها ونسبح في عالم الملائكية, وكان ما كان صلينا مع المسلمين في الظلم, صمنا وقمنا بذل الباذلون وقرأ القارئون وتقدم المتقدمون وعبد العابدون .. ثم ماذا؟ ثم يأتي ما يريده الله -عز وجل-, ثم يأتي ما لابد أن يقع في الكون, وإلا فلو كنت وإياك كما كنا في رمضان لصافحتنا الملائكة في الطرقات.
أما تسمع لخبر حنظلة يكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, أرجوك أن تنتقل حسا ووجدانا لتكون في هذه الهنيهة حنظلة في حضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين يديه -صلى الله عليه وسلم- والداخلون أبوبكر وعمر وعثمان وعلي صحبة كريمة ومقام أكرم, والوحي ينزل بجبرائيل على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما تظن نفسك في هذه اللحظات إلا أن روحك سترفرف في العلياء وتصعد إلى سدرة المنتهى وتصل عند العرش.
هكذا كان حنظلة يعيش هذه النهنهة ويعيش هذه الروحانية, ثم يتلبس حنظلة ما لابد أن يتلبس به العبد من غشيان الأهل وإتيان السوق والبيع والشراء ومخالطة الناس, فيلهى قليلا عن الذكر ويتوقف حينا عن الطاعة عند ذلك صاح حنظلة "نافق حنظلة .. نافق حنظلة".
والله ما نافق لكنه الانتقال بين حظائر الإيمان ومراتع التقوى وفيئ الوجدان إلى ما ينبغي أن يتلبسه الإنسان, دخلنا مدرسة رمضان وخرجنا منها والظن بالمولى الكريم أننا اغتسلنا من ذنوبنا وتنزهنا من أوزارنا ثم لابسنا الحياة, خلق الله لنا فرصا أخرى ثم جاء الحج ودخل الداخلون وخرجوا منه كيوم ولدتهم أمهاتهم "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
ولكن ما أن يمكث العبد حينا حتى يضع في بعض الهالات, ثبت عن المطيبة الأفواه بالصلاة والسلام عليه أنه قال: "ما من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وله ذنب, هو مقيم عليه يعاوده الفينة تلو الفينة, إن المؤمن خلق مفتنا نسيا إذا ذُكِّر تذكر".
إذاً ابن آدم مصيب حظه من الخطيئة لا محالة, لذلك أراد الله -عز وجل- منا السداد ولم يرد الله منا الكمالات, قال -عليه الصلاة والسلام-: "سددوا وقاربوا". أراد الله منا الفيئة ولم يرد الله منا العصمة, ولم يمل الله -تعالى- من الاستغفار حتى تملوا.
لكن ليس ذلك موطئ للوقوع في الذنب, ليس ذلك مفتاح تستخدمه لتستجرأ على الذنب, لا.
خلي الذنوب صغيرها *** وكبيـرها ذاك التـقـى
واصنع كماشي فوق*** أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى
هذه الذنوب موبقات, إنها القاذورات التي ما اجتمعت على قلب العبد إلا جعلت عليه الران وغطته, فلم يعد يعرف معروفا ولا ينكر منكرا, لذلك كان الكيس كلما ألمَّ ذنبا رجع إلى الحظيرة, واستعتب المولى وأدرك من الحسنات ما يمكن إدراكها.
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخيرا لنفسك عصيانها
من حقك أن تسأل لماذا كان سيد الخلق يستغفر الله إذاً في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة؟, لماذا كان يتمتم بالمغفرة والاستغفار والتوبة أكثر من مائة مرة في عد الأصحاب رضوان الله عليهم, مع أنه المعصوم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟.
أجيبك أن مقام النبوة غير مقامي ومقامك، إن مقام النبوة يرى أن من الذنب التقصير في الطاعة, وأن عدم الكمال والتمام ذنب ينبغي أن يستغفر الله منه، إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يمسك عن الذكر إذا ما دخل إلى الخلاء؛ فيرى في ذلك تقصيرا في مقامه فإذا ما خرج سبح وتمتم: "غفرانك أستغفر الله أستغفر الله وأتوب إليه".
إذاً أينما كنت -أيها العبد- محتاج أن يتوب الله عليك, ومحتاج أن تفيء إليه وتستغفره, وإن لم تقع في ذنب أو تتلطخ في خطيئة ومن منا لم يفرط في جانب الفرائض.
يا حَسْرَةَ العاصينَ يومَ معادِهم *** ولَوْ انَّهمْ سِيْقُوا إلى الجَنَّاتِ
لو لمْ يَكُنْ إلاَّ الحَيَاءُ مِنَ الذي *** سَتَرَ الذُّنُوبَ لأكثروا الحَسَرَاتِ
وفي المأثور المحفوظ عن الفضيل والصفوة أنهم كانوا يقولون: "واحسرتاه منك وإن عفوت, واسوأتاه منكَ وإن عفوتَ!".
إنْ تغفرِ اللهمَّ تغفرْ جَمّاً *** وأيُّ عَبْدٍ لكَ ما ألمَّا؟!
أيها الأخوة : محدثكم اليوم يريد أن يفتح آفاق للنفس ولكم, يريد أن يفتح الله -عز وجل- ولا مغلق لما فتح الله (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) [فاطر:2], وإن محدثكم ليرجو بهذا التفتيح أن يكتب الله -عز وجل- له أجرا.
يتوب علي يدي قوم عصاة *** أخافتهم من الباري ذنوب
وقلبي مظلم من طول ما قد *** جنى فأنا على يد من أتوب ؟
كأني شمعة ما بين قوم *** تضيء لهم ويحرقها اللهيب
كأني مخيط أكسو أناسا *** وجسمي من ملابسه سليب
أرعني سمعك -أيها العبد-, أرعني سمعك -أيها المبارك-: فالله -عز وجل- لما علم ضعفي وضعفك فتح أبوابا غفر لمناسبة ولغير مناسبة, يالجمال الله يا لجلال الله.
ولعل هذا الحديث أن يحملني وإياك لمزيد محبة له -سبحانه وتعالى- واعلم أن القلب متى أفعم بمحبته كان ذلك قربة القرب, كان ذلك أعظم ما يأتي به العبد يوم القيامة, الله -عز وجل- فتح أبوابا يغفر بها الذنب يحط بها الخطيئة:
أولها: الإيمان والتقوى, إذا صح منك الإيمان وعظمة منك التقوى فاعلم أنه لا يصمد ذنب ولا تقف خطيئة أمام هاتين, مصداق قول الحق -جلا جلاله- (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ) [المائدة: 66,65]
وإذا شفعت هذا الإيمان والتقوى بمحبة الله -عز وجل- فملأ قلبك حبا بالله, وأي سعادة تعدل سعادة أن يمتلأ قلبك بمحبة الله: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما".
إن محبة الله واتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- موطئ للتكفير قال الله -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31], فالتقوى من أعظم الأبواب التي يغفر الله بها الذنب ويحط بها الخطيئة (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5], (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29].
جلال وجمال الله -عز وجل- يتضح واضحا جليا حين يغفر لك لمجرد البعد عن الكبائر, أنا وأنت لابد أن نقع في الصغائر والهفوات اللمم لابد منه, لكن متى ما اجتنب العبد الكبائر جعل ذلك باب لتكفير السيئات قال الله -تعالى- (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) [النساء:31], والنبي صلى الله عليه وآله وسلم صح عنه أنه قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر" (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) النتيجة (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) [النجم:32].
أيها الأخوة: أول ما نفعله إذا ما ألم العبد بذنب أن نستغفر الله ومستغفر الله يعود بالفضائل والغنائم, قال الله -تعالى- (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء:110], إياك أن يسول لك الشيطان أنك متى ما عدت إلى الرحمن تستغفره وتستعتبه أن الله يوصد دونك الأبواب, ذلك ظن سيء أعظم من سوء معصيتك التي أتيت أينا كانت المعصية.
الله يفتح الأبواب ولا مغلق لأبوابه, الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, الله يقول: "يا ابن آدم, إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي, يا ابن آدم, لو بلغت ذنوبك عنان السماء, ثم استغفرتني, غفرت لك, يا ابن آدم, إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا, ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا, لأتيتك بقرابها مغفرة".
إليك هذا الأمر الذي تلابسه يوميا وهو من مغسلات الذنوب ومما يحط الخطايا "الوضوء", ثبت من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ, فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ, فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ؛ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ" مجرد الوضوء؟ نعم.
عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره".
من مكفرات الذنب: الذكر عقب الأذان، إذا أذن المنادي فقلت مثل ما يقول ثم ذكرت الله غفر الله لك، عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا؛ غفر له ذنبه" (صحيح مسلم).
اسباغ الوضوء وإكثار الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة إلى الصلاة من مكفرات الذنوب, أعمال قليلة ومغفرة كبيرة, أحبوا الله الذي يغفر لكم ذنوبكم, نعم علقوا قلوبكم بمحبته واملؤا مجالسكم بذكره والتحميد إليه. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا : بلى يا رسول الله, قال: "إسباغ الوضوء على المكاره, وكثرة الخطا إلى المساجد, وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط" (أخرجه مسلم).
خطواتك إلى الصلاة محسوبة, لا ترفع خطوة ولا تضع أخرى إلا وهي في الميزان, في ميزان يحصي الله -عز وجل- فيه مثاقيل الذر (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:40], عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ, ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ, كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً, وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً" (أخرجه مسلم).
هذا النداء والترديد مع المؤذن هذا الوضوء فكيف بالصلاة؟ مثل الصلوات الخمس كمثل النهر الجاري، "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ, هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟" قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ : "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ, يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ".
هذا في شأن الصلاة, هذا حين تضع جبهتك وجبينك لله -عز وجل- فيقع ما على ظهرك من الذنب وتقع الخطايا وتتساقط الذنوب, رأى أحد الصحابة رجلاً يصلي وكأنه يطيل في الركوع والسجود قال: "لو استطعت أن أكلمه لكلمته بإكثار السجود". فضلا من إطالته وفي كلا الأمرين خير قال: "لأن إكثار السجود يحف الله به الخطايا".
أما صلاة التطوع فهي تذهب أيضا بالخطايا، عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ,وحط عنك بها خطيئة".
والصوم من مكفرات الذنوب, الصوم لا عدل له يحرق الذنوب ويبيد الخطايا ويعود بالعبد تقيا صفيا نقيا كما أخرج من بطن أمه, في البخاري من حديث حذيفة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة".
وإذا ولجلنا إلى ما في الصدقة فاعلم -يا عبد الله- أن ردهما تخرجه من جيبك تضعه في يد الفقير يحرق الذنوب ويكفر الخطايا, قال الله -تعالى- (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة:271], قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "صدقة السر تطفئ غضب الرب" وفي رواية "تطفئ الخطيئة".
الله يريد أن يفتح الأبواب (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:28,27] إليك هذا الأمر الذي لا تتكلفه والذي ليس لك فيه عمل هو مجرد موافقة يكتب الله -عز وجل- بها تكفير السيئات, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ, وَقَالَتِ الْمَلائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ, فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" الحديث عند الشيخين البخاري ومسلم.
الحسنات التي تأتيها يكتب لك بها الدرجات وتحط عنك بها السيئات, جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد أصاب قبلة من امرأة لا تحل له, قال يا رسول الله: أصبت ذنبا فعلت وفعلت وفعلت إلا أنني لم أفعل ما يفعل الرجل مع زوجته، فأنزل الله -تعالى- (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114] فقال الرجل يا رسول الله: أهي لي؟, قال: "هي لك ولعموم المسلمين". أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
إن الحسنة التي تفعلها تكفر سيئة أخرى "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" التهليل والذكر من أكبر الحسنات, يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شرِيكَ لَهُ, لَهُ الملْكُ, ولَهُ الحمْدُ, وهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ, فِي يومٍ مائَةَ مرةٍ, كانتْ لَهُ عِدْلَ عشرِ رقابٍ, وكُتِبَتْ لَهُ مائَةُ حسنَةٍ, ومُحِيَتْ عنه مائَةُ سيِّئَةٍ, وكانَتْ لَهُ حِرْزًا منَ الشيطانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حتى يُمْسِيَ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مِمَّا جاءَ بِهِ، إلَّا أحدٌ عَمِلَ عملًا أكثرَ مِنْ ذلِكَ". هذا في التهليل الذي لا يعدله شيء.
موسى بن عمران يقول لله -عز وجل- ذات مرة: "يا ربي علمني دعاء أدعوك به", قال: "قل لا إله إلا الله", قال موسى: "يا ربي كل عبادك يقولها", قال: "يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله الله في كفة لطاشت بها لا إله إلا الله". فلا تستقل هذا الذكر أملأ به مجلسك وأعمر به دارك واجعله شعارك وذكراك, واجعله التحية التي تلقى بها الناس تعلم بها أبناءك وزوجتك في بيتك.
وليس أقل من التهليل التسبيح يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
دعونا نفتح بابا آخر ربما يغفله البعض, وربما يعده البعض شعار لأناس دون أناس, لا, هو ذكر لعموم المسلمين, عطر به لسانك لاسيما يوم الجمعة وليلة الجمعة, أعني بذلك الصلاة والتسليم على سيدنا رسول الله, اللهم صل وسلم عليه, الله في عليائه يصلي عليه، الملائكة تصلي عليه، صالح الجن والإنس يصلون عليه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ذات فضائل لا يحصيها خطيب في الجمعة.
عن أبي طلحة الأنصاري قال: "أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر, قالوا يا رسول الله: نراك طيب النفس يرى في وجهك البشر؟! قال: "أجل, آتاني آت من ربي -عز وجل- فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات, ومحا عنه عشر سيئات, ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها".
نفع المسلمين يكفر الذنوب وأعظم النفع الستر عليهم سترهم أحياء وأموات, أسمع الحديث الذي نغفل عنه كثيرا, عن أبي رافع قال, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً". إذا رأيت تغيرا في حال الميت, إذا رأيت سوءة ثم سترتها غفر الله لك أربعين مرة: "وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ سُنْدُسِ وإسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ, وَمَنْ حَفَرَ لِمَيِّتٍ قَبْرًا فَأَجَنَّهُ فِيهِ, أُجْرِيَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". الحديث صحيح على شرط الإمام مسلم.
يتبارى الناس اليوم في بناء المساجد لكنهم يتبارون في الوقف على المقابر, مدينة أخرى مثل المدينة التي نسكن فيها تعد المقابر على أصابع اليد, بينما المساجد تملأ الفيافي على كل شرف وهابط من الأرض مسجد. أسمعتم مؤخرة الحديث: "ومن حفر لميت قبرا فأجنه فيه, أجرى له من الأجر كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة".
أحبابي: من جملة ما يمكن أن نحط به الخطايا كثرة المصافحة إذا التقى المؤمنان فتصافحا غفر الله لهما، والحديث رواه البراء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصفحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا", ما يتداوله الناس من أن كثرة السلام تذهب المهابة أو تقلل المعرفة كلام فاسد يقف أمام النصوص الصريحة.
العفو والتجاوز عن الخلق سلم ومرقاة للعبد والتجاوز من الخالق, ما أجل القصة التي سطرها القرآن وخلدها الوحي, أبوبكر -رضي الله عنه- هو صاحب الكمالات بعد النبيين وأصحاب الرسالات, ما أشرقت الشمس على رجل هو خير من أبوبكر بعد الأنبياء والمرسلين, أبوبكر كان ينفق على القريب والبعيد, من قرابته مسطح كان يعوله أبوبكر وينفق عليه, الثوب الذي على مسطح من خير أبوبكر, الطعام الذي يأكله مسطح من خير أبوبكر, لكن مسطحا -رضي الله عنه- زلت به القدم, فوقع فيما وقع فيه أهل الإفك وتكلم في عائشة, يا للهول, يا للمصيبة.
أصون عرضي بمالي لا أدنسه *** لا بارك الله بعد العرض بالمالِ
لو أصيب أبوبكر في جسد عائشة في دمها ربما كان أهون عليه من أن يصاب في عرضها لأن العرض عزيز, الرجل الأعرابي رأى في العرض شيئا عزيزا فكيف بالمسلم الذي يغار والله أغير من الجميع.
غضب أبوبكر وحق له فهو بشر فأقسم أن يقطع النفقة عن مسطح, فأنزل الله في شأن أبوبكر قرآنا، المعني أبوبكر, لأن أبوبكر له الكمالات التي لا ينبغي أن ينزل عنها, فأنزل الله (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور:22], فبكى -رضي الله عنه- بكى وبل لحيته وأرجع النفقة على مسطح (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) والله تعالى يقول (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التغابن:14].
ألا إن من الصفح والعفو إقالة المعثرين أصحاب الديون, إذا كان لك عند فلان دين وعلمت عجزه فأقل عنه يقيل الله عثرتك يوم القيامة, عن أبي مسعود قال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ, إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا, وَكَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ, فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ, فَقَالَ اللَّهُ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ, تَجَاوَزُوا عَنْهُ".
نفع العباد يكفر الله به السيئات أين كان ذلك النفع, الشفاعة, إعانة الناس, قضاء حوائجهم, بذل المال، عيادتهم .. إلى آخره.
ومن أقل ما يمكن أن يفعله العبد سقي الماء وأفضل الصدقة كما قال سيدنا رسول الله: "سقي الماء", وإليك ما هو أبعد من ذلك سقي الماء للمسلمين, شيء عظيم لكن سقي الماء للدواب والبهائم يكفر الله به الخطايا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "بيَنْمَا كَلَبٌ يُطِيْفُ بِرَكِيَّةِ كَادَ يَقْتَلُهُ الْعَطَشْ, إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌ مِنَ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيْلَ, فَنَزَعَتْ مُوقَهَا -يعني خفها- فِسَقَتْه, فَغَفِرَ لَهَا بِهِ". غفر الله لهذه البغي، غفر الله لها الكبيرة, غفر لها الجرم فكيف بمن يسقي مسلما, كيف بمن يقضي حاجاته, كيف بمن يعينه على أموره الخاصة مثل تخليص أوراقه في الدوائر الحكومية وغيرها، كيف بمن يقف معه ويمشي عه في حاجات ويعود مريضه ويمسح دمعته.
من المكفرات العظيمة: المصائب التي تقع على العبد, ما من مصيبة تقع عليك إلا يكفر الله لك بها الذنب, ولو تعاملنا مع هذه المصائب بهذا المنظور لفرح العبد بالمصيبة – نسأل الله لنا ولكم العافية-. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهمَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ, حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ". أخرجه أحمد.
ذكرت لكم أن الله يغفر للعبد أحيانا دون عمل, مجرد أن تكبر في الإسلام أم يرق عظمك في الإسلام أن يشيب شعرك في الإسلام هذا له قيمة عند المولى -سبحانه وتعالى-, وإذا كان البشر -إن صح لي أن أعبر بذلك- يعطون ما يسمى بمكافأة نهاية الخدمة فالله -عز وجل- أحق بذلك. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تنتفوا الشيب، فإنه نور المسلم، من شاب شيبة في الإسلام، كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة" أخرجه ابن حبان وحسنه الشيخان.
أسأل الله أن يغفر لي ولكم, وأن يتجاوز عني وعنكم, وأن يفتح لنا مزيد أبواب يعفو بها عنا ويتجاوز, اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم, أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه يا طوبى للمستغفرين.
الحمد لله على إنعامه والشكر له على تفضله وامتنانه ولا إله إلا الله تعظيما لشانه, وصل الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.
قد أكون قد أكثرت عليكم, لكنني أعلم يقينا أن المتكلم والسامع محتاج الفينة تلو الفينة أن تفتح له هذه الأبواب وأن يشرع له الطريق إلى المولى -عز وجل- وأن يذكر بعظيم رحمة الله -عز وجل- حتى لا يقنت وحتى لا يصل إبليس منا هذا الموقف الذي يرغبه ويريده.
جماع القول أحبابي أن نتذكر شيئا مهما هذا الشيء هو أن يعترف العبد بين يدي المولى -عز وجل- وألا يكابر, أن يتوب من الذنب متى ما وقع وألا يكابر ألا يطول به الغياب عن المولى -سبحانه وتعالى- حتى لا يطول الطريق كلما أقر العبد بمعصيته كلما كان من الرحمة أقرب.
إلهي لا تعذبني فإني *** مقر بالذي قد كان مني
وكم من ذلة لي في الخفايا *** وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في ندمي عليها *** عضضت أناملي وقرعت سني
أُجن بزهرة الدنيا جنونا *** وأقطع طول عمري بالتمني
يظن الناس بي خيرا وإني لشر الناس إن لم تعفو عني
وهذا هو مصداق الحديث العظيم الذي علمناه -عليه الصلاة والسلام- سيد الاستغفار أن يقول: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني, وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت, أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي, فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
أعترف بخطيئتي أقر بذنبي, إذاً هو الاعتراف والإقرار بين يدي المولى -عز وجل-, الذي يحمل على مزيد من الذل والانكسار في حضرته وبين يديه, ومتى ما وقع ذلك كان باب التوبة مفتوحاً, بل كان أكثر ما يكون فتحا وأعظم ما يكون انفتاحا.
إذاً أولى الأمور أن يعترف العبد وأن يؤوب من قريب وأن يتوب من قريب, وألا يقطع الرجاء من الله -عز وجل- أين كان ذنبه.
إن أعظم ما يحاول أن ينفذه الشيطان في روعك أن ذنبك كبير وأن خطأك جسيم, وأنك قد عدت وأسرفت وفعلت وأذنبت, وأن السنين تعاقبت على هذا الذنب, إياك أن تعري له سمعك فإن الشيطان لم يكن يوم من الأيام ناصحا, ولا كان يوم من الأيام واعظا, وإنما فتح منافذ السمع لكلام المولى -عز وجل- الذي ناداني وناداك بل ناد الذي أبعد منك, ناد المسرفين والمسرفين هم الذين ارتكبوا الكبائر والموبقات العظيمة (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الله ما أجلك وأعظمك أسرفوا على أنفسهم ثم لا تزال تخلع عليهم اللقب الأجل والأشرف (يَا عِبَادِيَ) إنه جلال الله وجماله وكماله وعفوه وبره.
إذاً تعرفوا على الله من هذا الباب حتى تحبوه وإذا أحببتموه فتلك السعادة التي لا تدانيها سعادة.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي