النصيرية وإجرامهم عبر التاريخ

عبد الرحمن الجليِّل
عناصر الخطبة
  1. أهمية تأمل التاريخ والنظر فيه .
  2. المذابح التي ارتكبها النصيريون في حق أهل الشام .
  3. خيانة النصيرية للأمة .
  4. ما ارتكبه النصيريون من جرائم في حق المسلمين عبر التاريخ .
  5. حكم النصيرية في الإسلام .
  6. بعض العقائد النصيرية الكفرية وجرائمهم الفظيعة .

اقتباس

هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى؛ بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه، ولا...

الخطبة الأولى:

فيا عباد الله: التاريخ نذير قوم لا يغفل، وشاهد حق لا يكذب، إنه عبرة لمن تذكر وادكر، ولولا التاريخ لم يصل إلينا خبر ولا أثر، فهو غذاء الأرواح، وعنوان الأمم، وخزانة أخبار الناس والرجال.

من تأمل التاريخ استنار قلبه، ورشد عقله، وحسن رأيه؛ لأنه يعيش عصره بتجارب غيره، ومن حوى التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عمره.

أيها المسلمون: أن الأمة التي لا تقرأ تاريخها، ولا تستفيد منه في حاضرها ومستقبلها، لهي أمة مقطوعة منبتة، ولو أن المسلمين في هذا العصر استوعبوا دروس الماضي لما أخطئوا في كثير من الأمور؛ لأن من سنن الله في خلقه أن كثيراً من الأحداث التي تقع في عصر من العصور لا تلبث أن تتكرر في عصور أخرى، يقول المؤرخ ابن الأثير: "وإنه لا يحدث أمر إلا وقد تقدم هو أو نظيره، فيزداد الإنسان بذلك عقلاً، ويصبح لأن يقتدي به أهلا".

وما تشاهدونه وما تسمعونه من مذابح النصيريين في الشام، ونحر الأطفال، وهتك الأعراض، وتمزيق الأجساد.

والتاريخ وما أدراك ما التاريخ مليء بما لا يتوقعه العقلاء، ولا يتخيله الأعداء، وربما أن ما طوي ولم يدون أكثر مما دون.

ذكر المؤرخ ابن كثير في أحداث سنة سبع عشرة وسبع مئة: أن النصيرية انقلبوا على المسلمين بسبب طاعتهم لضال منهم ادعى أنه المهدي، وحملوا على مدينة جبلة قرب اللاذقية -فدخلوها وقتلوا خلقاً من أهلها، وخرجوا منها يقولون لا إله إلا علي، وسبوا الشيخين، وصاح أهل البلد: وا إسلاماه، وا سلطاناه، وا أميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله -عز وجل -، وأمر أصحابه بخراب المساجد، واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل "لا إله إلا علي" واسجد لإلهك المهدي، الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك" أ. ه.

وما أشبه الليلة بالبارحة، هاهم يفعلون بأهل الشام ما فعله أجدادهم قبل سبعة قرون؟!

وبرزت خيانتهم في مسير الصليبيين إلى الشرق الإسلامي لانتزاع بيت المقدس فيما عرف بالحملات الصليبية؛ ذلك أن أول مدينة وطئها الصليبيون كانت أنطاكية، وكانت حصونها شاهقة، وقلاعها صامدة، وأهلها أشداء، وحاصرها الصليبيون سبعة أشهر عجزوا عنها حتى تسرب اليأس إلى قلوبهم، ونفدت مئونتهم، وجاع جندهم، وبدأ الفرار والتفلت والعصيان يظهر فيهم، حتى كان المنقذ لهم النصيريون في داخل أنطاكية؛ إذ كان فيروز أحد زعماء النصيرية موكلا بحماية أحد الأبراج فاتصل بالقائد الصليبي بوهيموند، وفتح له البرج الذي كان يحرسه، فدخل الصليبيون أنطاكية وأبادوا أهلها، ثم ساروا إلى بيت المقدس فاحتلوه، واستمر التواجد الصليبي في بلاد الشام قريبا من مئتي سنة، بسبب خيانة النصيريين في أنطاكية، وخيانة العبيديين في القدس.

وفي تاريخ العلويين الذي كتب أحد النصيريين، استعرض فيه جملة من أفعالهم بالمسلمين، وخيانتهم لهم وسوغ خيانتهم بأنهم طائفة قليلة ضعيفة، وذكر في تاريخه أن القائد التتري تيمورلنك كان نصيريا؛ ولذا تحالف معه النصيريون ضد المسلمين، وأنه أتى بجيوش جرارة في الثلث الأول من القرن التاسع بعد أكثر من مأتي سنة على الغزو التتري الأول والمشهور، فاستولى تيمور لنك على بغداد وحلب والشام، وكان مشايخ النصيرية يبشرونه بالفتوح وإبادة المسلمين، ويحرضونه على ذلك، وكان أمير حلب نصيريا قد راسل تيمورلنك خفية واتفق معه على أن يدهم حلب ويبيد أهلها وهو أميرها، وذكر المؤرخ النصيري أن ألوفاً من أهل حلب أبيدوا، وهرب بقيتهم من بطش التتار، ولم يسلم إلا النصيريون؛ لأنهم كانوا عيوناً للتتر وعوناً لهم على المسلمين، حتى ذكر أنهم شكلوا من رؤوس أهل حلب تلالا، وأن القتل وهتك الأعراض وتعذيب الناس كان منحصرا في السنيين فقط.

واتجه تيمور بعد انتهائه من حلب إلى الشام وهي دمشق، فجهز النصيريون أربعين فتاة منهم فاستقبلنه وهن يبكين وينحن ويلطمن وجوههن ويطلبن الثأر، وينشدن الأناشيد المهيجة على الانتقام لآل البيت زاعمات أنهن من آل البيت جيء بهن سبايا.

يقول المؤرخ النصيري تعليقاً على هذه الحادثة: "فكان ذلك سبباً في نزول أفدح المصائب التي لم يسمع بمثلها بأهل الشام".

ويذكر المؤرخ النصيري: "أن الشام أفلت حضارتها بعد استيلاء تيمور عليها، واندثرت ثروتها، وعدمت صناعتها.

وأنه قضي على أكثر أهل السنة فيها، حتى جاء النصيريون من حلب فاشتروا دماء البقية من الشاميين بأحذية عتيقة على ما طلب تيمور، وكأنه اتفاق بينهم وبينه لإذلال البقية من أهل السنة".

قال المؤرخ النصيري: "ولم ينج من قتل تيمور في الشام إلا القليل، وأمر تيمور بقتل السنيين واستثناء النصيريين، حتى قُتل بالخطأ أحد شيوخ النصيريين، فأمر تيمور جنوده بالكف عن قتل أهل الشام".

واستباح تيمور دمشق سبعة أيام، وأباحها لجنوده، فكانوا يغتصبون النساء حتى في المساجد، وقيل: "إنه في كل دمشق لم يبق فتاة عذراء بعد الأيام السبع".

يا رب أم وطفل حيل بينهما *** كما تفرق أرواح وأبدان

وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت *** كأنما هي ياقوت ومرجان

يقودها العلج للمكروه مكرهة *** والعين باكية والقلب حيران

لمثلِ هذا يذوبُ القلبُ مِن كمَدٍ *** إن كانَ في القلب إسلامٌ وإيمانُ

فتلك بعض أفعالهم التي سجلت في كتب التاريخ، ونقلها مؤرخ نصيري منهم، لا يمكن اتهامه بالتحيز ضدهم.

تاريخ يحكي آلام المسلمين من الباطنيين، ويفصح عن عذاب أهل الشام بأيدي النصيريين، تاريخ ينضح باللؤم والغدر والخيانة، ويقطر بالدم.

الخطبة الثانية:

سئل شيخ الإسلام بن تيمية عن طائفة النصيرية، فأجاب رحمه الله: "الحمد لله رب العالمين، هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى؛ بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا بملة من الملل السالفة، بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها، يدعون أنها علم الباطن، فإنه ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله -تعالى- وآياته وتحريف كلام الله -تعالى- ورسوله عن مواضعه، إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس قولهم: إن "الصلوات الخمس" معرفة أسرارهم، و "الصيام المفروض" كتمان أسرارهم "وحج البيت العتيق" زيارة شيوخهم، وأن "يدا أبي لهب هما أبو بكر وعمر" وأن: "النبأ العظيم والإمام المبين هو علي بن أبي طالب".

ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة، وكتب مصنفة، فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين؛ كما قتلوا مرة الحجاج، وألقوهم في بئر زمزم، وأخذوا مرة الحجر الأسود، وبقي عندهم مدة، وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله -تعالى-، وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم؛ وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى، ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام.

وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء في وصفهم، ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم، وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين.

ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل، وانقهار النصارى، بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ومن أعظم أعيادهم إذا استولى -والعياذ بالله تعالى- النصارى على ثغور المسلمين، فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها، فاستولى النصارى على الساحل، ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره، فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك، ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام، وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي