هذه هي كرامة الإسلام للإنسان وتكريمه له: كفل حقوقه, وأوجب تكريمه حياً وميتاً, وشرع القوانين والحدود التي تضمن له العيش بأمن وسلام, ووهب له حق الحياة وحق المساواة وحق الحرية.
وجعل الناس كلهم سواسية لا فرق بينهم إلا بالتقوى, ولا تفاضل ولا تمييز بينهم إلا على أساس الدين...
إن الله -سبحانه وتعالى- كرّم الإنسان أعظم تكريم, ورفع قدره وميزه عن الخلق أجمعين, حيث اختصه الله بأن خلقه بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحه؛ إكراماً له وإظهاراً لفضله وسوى خلقه وأحسن صورته. (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 6 - 8] وقال سبحانه: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر: 28، 29].
وكرّم الله الإنسان بالعقل وميزه بالفهم فقال الله -سبحانه وتعالى-: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1 - 4] وقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) [العلق: 1 - 5].
وسخر للإنسان ما في السموات وما في الأرض خدمة له وعوناً له على حياته, فقال: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13] وقال: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) [إبراهيم: 32، 34]. وقال: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) [لقمان: 20].
وأكرم الله الإنسان بحفظه ورعايته فقال: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) [الطارق: 4] وقال: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11]. وأرسل إليه رسله وأنزل عليه الكتب لهدايته وإنقاذه, فقال: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 151].
إلى غير ذلك من صور التكريم والتعظيم الكثيرة التي كرّم الله الإنسان بها (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70].
هذه هي كرامة الإسلام للإنسان وتكريمه له: كفل حقوقه, وأوجب تكريمه حياً وميتاً, وشرع القوانين والحدود التي تضمن له العيش بأمن وسلام, ووهب له حق الحياة وحق المساواة وحق الحرية.
وجعل الناس كلهم سواسية لا فرق بينهم إلا بالتقوى, ولا تفاضل ولا تمييز بينهم إلا على أساس الدين(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ, وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ, وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ, وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ, إِلاَّ بِالتَّقْوَى". ويقول -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- في الحديث العظيم, الذي يبين فيه أن الناس كلهم سواء لا تمييز لأحد على أحد قال: "وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
عباد الله: إن من حق الإنسان في هذه الأرض حق الحياة, فقد حرم الله تحريماً شديداً قتل النفس البشرية بغير حق, وجعل حفظ النفس الضرورة الأولى من الضروريات الخمس التي أجمعت عليها الشرائع السماوية, واتفقت على حفظها ومراعاتها البشرية.
وسد كل الأبواب والذرائع المؤدية إلى إتلاف النفوس وإهلاكها وإزهاقها بغير حق, يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) [الأنعام: 151] ويقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
ومن حق الإنسان في هذه الحياة أن يعيش فيها آمناً مستقراً؛ يتنعم بخيراتها وينعم بنعيمها فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [البقرة: 36] ومن حق الإنسان أن يستغل وجوده في هذه الحياة في تعميرها وبنائها, وأن ينشئ له فيها ما يعينه ويستفيد منه, كما قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود: 61] أي طلب منكم عمارتها.
بل إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان من أجل أن يكون خليفة له في الأرض يخلفه فيها ويكون مستخلفاً عليها (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30] فخليفة الله في الأرض هو الإنسان.
ومن حق الإنسان في هذه الحياة أن يعيش حراً كريماً, لا يكبله أحد ولا يحول بينه وبين تنمية نفسه, وتحقيق أمانيه وأحلامه المشروعة أحد, يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم من بطونهم أحراراً".
بل نهى الله -تبارك وتعالى- عن إكراه الإنسان حتى على اعتناق الدين أو إجباره على الدخول في الإسلام, وجعلَ للناس الحرية الكاملة في الدخول في الدين من دون إجبار أو إكراه؛ حتى يدخلون في الدين وهم مقتنعون به مطمئنون له مهيؤون لتقبل أوامره ونواهيه وتعاليمه, يقول الله -سبحانه وتعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) [البقرة: 256] ويقول: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99].
ومن حق الإنسان في الإسلام أن يعبر عما في نفسه من الحق؛ ولو بالإنكار على الحاكم وإسداء النصيحة له وإيصال كلمة الحق إليه, والاعتراض عما يصدر عنه من ظلم وطغيان. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَنَهَاهُ وَأَمَرَهُ، فَقَتَلَهُ". ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ".
يقول أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عندما ولي الخلافة: "يا أيها الناس: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني" وقال لهم: "لا خير فيكم إن لم تقولوها -أي كلمة الحق- ولا خير في إن لم أسمعها".
عباد الله: إن على الإنسان في هذه الأرض أن يحافظ على وسائل الحياة فيها, ولا يسعى في إفساد مقوماتها أو نهب ثرواتها وأكل خيراتها بغير حق, أو تلويث بيئتها والاضرار بها وتعكير صفو الحياة فيها, أو الإخلال فيها بأي نوع من أنواع الإخلال والإفساد, يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 205] ويقول: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) [القصص: 77].
بل إن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كل شيء يفسد على الناس عيشهم, أو يعكر عليهم مزاجهم, أو يتسبب في إضرارهم؛ فنهى عن التبول في طريق الناس أو التغوط في أماكن ظلهم التي يستظلون فيها.
وهناك كثير من الحقوق والواجبات التي كفلها الله للإنسان ووهبها له وأنعم عليه بها ,لو أن الناس طبقوها والتزموا بها لعاشت الأرض كلها في أمن وسلام ورخاء, ولكن أين نحن من دين الله؟ وأين نحن من حكمه وشرعه؟ وصدق الله -سبحانه وتعالى- إذ يقول: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
إن الإنسان لن ينعم بحقوقه إلا في ظل الإسلام, ولن يحصل على حريته وكرامته ومطلوبه إلا إذا حكمت الناسَ شريعةُ الله العادلة, ولن تستقيم الحياة ويحصل فيها الخير والعدل إلا إذا أقيم الشرع. ولذلك فلو نظرنا اليوم في عالمنا وما ينال فيه الإنسان من الظلم والاضطهاد والعنصرية والكبت والتمييز والقتل والتشريد والتدمير؛ لرأينا أن سببه هو بعد الإنسانية عن إقامة الدين وتحكيم الشريعة.
يهان الإنسان في كل مكان وتعيش شعوب بأكملها في غاية درجات الذلة والمهانة والحرمان, حتى من أبسط الحقوق وأتفه المقومات, وتقتل شعوب بأكملها وتهجر وتذبح من الوريد إلى الوريد في ظل شريعة الغاب, وتحت حكم المناهج الطاغوتية الأرضية.
لو نظرنا فقط في حال الإنسان هنا في اليمن وما يعانيه في الداخل والخارج من هدر لكرامته وسلب لحقوقه وضياع لمقومات حياته لرأينا عجباً عجاباً. فالسجون في كل مكان مليئة باليمنيين ولا بواكي لهم, ولم يعبأ بهم أحد, ولم يستجب لمطالب أهلهم بفك أسرهم أحد.
فيعيش المواطن اليمني مآسي عظيمة، وصور بالغة من صور المذلة والمهانة وعدم التكريم، في دماج هذه الأيام حصار خانق، وارهاب كبير، وتكالب عظيم, وتعدٍ صارخ من الروافض على أهل السنة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الفارسية الحوثية.
قتلى وجرحى بالمئات يمنعون حتى من اسعافهم ونقلهم إلى المستشفيات؛ ليموت أكثرهم متأثراً بجراحه نظراً لتعنت الحوثيين, ورفضهم لعمليات إخلاء الجرحى والحيلولة دون وصول الأدوية والمساعدات لهم, مساجد هدمت وبيوت دمرت ومضخات للمياه قصفت, ومستشفيات استهدفت وأمراض تفشت, وقصف متواصل وإجرام مدبر, والدولة تتفرج وترسل الوساطات بدلاً من إرسال الحملات العسكرية ضد المعتدين الروافض الذين هم أشد عداوة لأهل السنة (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة:82].
أما هنا في جنوب اليمن فحدث ولا حرج عما يعانيه الإنسان من الظلم والقهر وعدم الاكتراث به, وتجاهل مطالبه والتغاضي عن حقوقه وإرادته, تسيل الدماء ويحدث القتل ويقع الاستهداف والجاني مجهول, لا يدرى من هو ولا تعرف جهته, وقد رأينا ذلك في الحادث الأليم والاستهداف لتلك المرأة المسكينة التي كانت في سيارتها مارة في طريقها لا ذنب لها, مما تسبب في عناء أولادها وتيتيم أطفالها فمن لها؟ ومن لمثل هذه القضايا؟ ومن سيتعقب الجناة؟ ومن سيقاضيهم؟ وإلى متى تحدث مثل هذه الحوادث ثم تتلاشى وتمر ويأتي بعدها ما هو أفجع منها وأشد؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
هكذا أصبحت قيمة الإنسان في ظل الحكم بغير ما أنزل الله؛ لا قيمة له ولا وزن لحياته ولا كرامة له وقد كرمه الله ورفع قدره وأعلى شأنه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) [الإسراء: 70]. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي