اللعن - صيام عاشوراء بن السنة والرافضة

محمد البدر
عناصر الخطبة
  1. رقابة الله على عبادة شاملة كاملة .
  2. منزلة اللسان من بين الأعضاء .
  3. آفات اللسان وإفلاس صاحبها في الآخرة .
  4. عاشوراء عند اليهود والنصارى والرافضة .
  5. فضل صيام عاشوراء .

اقتباس

إن آفات اللسان كثيرة ومتنوعة، منها ما نلاحظه في بعض المجالس والاجتماعات من بذاءة في الألفاظ وفحش في الكلام، ومن سب ولعن وشتم بأساليب عديدة، تجري على الألسنة بسهولة ويسر، ودون تفكير في العاقبة، ولا تطيب المجالس عند البعض، ولا يحلو الحديث إلا بهذه الأساليب الساقطة التي تناقض الحياء الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أما بعد: يقول الله -عز وجل-: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:17-18].

في هذه الآية تذكير للمؤمنين برقابة الله -عز وجل- التي لا تتركه لحظة من اللحظات، ولا تغفل عنه في حال من الأحوال، حتى فيما يصدر عنه من أقوال، وما يخرج من فمه من كلمات, كل قول محسوب له أو عليه، وكل كلمة مرصودة في سجل أعماله:(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). يسجله الملكان في الدنيا ويوم القيامة ينكشف الحساب ويكون الجزاء. وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ البذيء" [وصححه الألباني].

عباد الله: على المسلم أن يضبط لسانه، ويسائل نفسه قبل أن يتحدث عن جدوى الحديث وفائدته؟ فإن كان خيراً تكلم وإلا سكت؛ والسكوت في هذه الحالة عبادة يؤجر عليها، وصدق رسول الله إذ يقول: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ" [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]. ويقول فيما يرويه البخاري: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً؛ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً؛ يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ".

واللسان هو ترجمان القلب، وقد كلفنا الله -عز وجل- أن نحافظ على استقامة قلوبنا؛ واستقامة القلب مرتبطة باستقامة اللسان، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد: "لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ, وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ, وَلاَ يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" [وحسنه الألباني].

عباد الله: إن كثيراً من الأمراض التي تصيب العلاقات الاجتماعية من غيبة، ونميمة، وسب، وشتم، وقذف، وخصام، وكذب، وزور وغيرها... فللسان فيها أكبر النصيب، وإذا سمح الإنسان للسانه أن يلغو في هذه الأعراض وغيرها؛ كان عرضة للنهاية التعيسة والإفلاس في الآخرة، وشتان بين إفلاس الدنيا وإفلاس الآخرة.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "أتدرونَ مَنِ المُفْلِسُ؟" قالوا : "المفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرهَمَ لَهُ ولا مَتَاع"، فَقَالَ: "إنَّ المُفْلسَ مِنْ أُمَّتي مَنْ يأتي يَومَ القيامَةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزَكاةٍ، ويأتي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقَذَفَ هَذَا, وَأَكَلَ مالَ هَذَا, وسَفَكَ دَمَ هَذَا, وَضَرَبَ هَذَا, فيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, وهَذَا مِنْ حَسناتهِ, فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْل أنْ يُقضى مَا عَلَيهِ, أُخِذَ منْ خَطَاياهُم فَطُرِحَتْ عَلَيهِ, ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ" [رواه مُسلم].

وروى الترمذي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "فَقُلْتُ: يَا نبي اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟" فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" [وصححه الألباني]. أي جزاء ما تكلموا به من الحرام.

وبالمقابل -أيها الأخوة- فإن ضبط المؤمن للسانه ومحافظته عليه وسيلة لضمان الجنة بإذن الله، وهذا وعد رسول الله : "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ " [أخرجه البخاري].

عباد الله :لقد كان خوف السلف من آفات اللسان عظيماً. قال عمر -رضي الله عنه-: "من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به".

عباد الله: إن آفات اللسان كثيرة ومتنوعة، منها ما نلاحظه في بعض المجالس والاجتماعات من بذاءة في الألفاظ وفحش في الكلام، ومن سب ولعن وشتم بأساليب عديدة، تجري على الألسنة بسهولة ويسر، ودون تفكير في العاقبة، ولا تطيب المجالس عند البعض، ولا يحلو الحديث إلا بهذه الأساليب الساقطة التي تناقض الحياء الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن، والأنكى من ذلك والأشد أن بعض النفوس استمرأت عليه، ويرون أنه من باب المزاح والتسلية وقضاء الأوقات وتحلية المجالس، وما علم هؤلاء أنهم وقعوا بذلك في الفسق وأضاعوا أوقاتهم، وحملوا أنفسهم الأوزار.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ, وَقِتالُهُ كُفْرٌ" [متفق عَلَيْهِ]. ويقول -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "إِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ, فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَاحِشَ وَالْمُتَفَحِّشَ" [صححه الألباني].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

عبادَ الله: وإن مما اختص به شهر الله المحرم يومه العاشر وهو يوم عاشوراء, وهذا اليوم يوم مبارك معظم منذ القدم. فاليهود -أتباع موسى عليه السلام- كانوا يعظمون يوم عاشوراء ويصومونه ويتخذونه عيداً لهم، وسر ذلك عندهم أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى -عليه السلام- من فرعون. وكذلك النصارى تبعا لليهود في ذلك.

والرافضة في هذا اليوم يلبسون السواد ويضربون صدورهم ويخمشون وجوههم اقتداء بالشيطان وإتباعاً لزعمائهم وطاعة لكبرائهم, وقد نهاني -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ, وَشَقَّ الْجُيُوبَ, وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ" [رواه البخاري]. فقد عميت قلوبهم قبل أبصارهم قال الله -جل وعلا-: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : 46]. فاللهم اطمس على قلوبهم وارنا فيهم عجائب قدرتك واجعلهم عبرة للمسلمين.

وحين جاء الإسلام وهاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة, ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحاً بنجاة موسى قال: "أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ, فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ". [متفق عليه]. و المسلمون يصومنه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وصوم عاشوراء وإن لم يعد واجباً فهو مما ينبغي الحرص عليه غاية الحرص، وذلك لما يأتي:

صيامه يكفر السنة الماضية: ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن صيام عاشوراء فقال: "أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ". وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يُصومون فيه صِبيانهم تعويداً لهم على الفضل.

والسنة في صوم هذا اليوم أن يصوم يوماً قبله أو بعده، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ". [مسلم].

وقد ذكر بعض الفقهاء أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب:

1ـ صوم التاسع والعاشر والحادي عشر.

2ـ صوم التاسع والعاشر.

3ـ صوم العاشر وحده. ولا يكره -على الصحيح- إفراد اليوم العاشر بالصوم, كما قاله ابن تيمية -رحمه الله-.

هذا وصلوا ..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي