إنه إذا عظمت الهموم عظم الرجال، وإذا سفلت الهموم وصغرت صغر الرجال، فهمه صلى الله عليه وسلم سلامة أمته، وضمان أمنها، ومن حمل هما كهذا بصدق فلم يعان من كسل!. لقد كان الصحابة يتعجبون من نشاطه وهمته صلى الله عليه وسلم؛ ففي غزوة الأحزاب كان عليه الصلاة والسلام بالرغم من بلوغه ما يقارب 58 من...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
تحدثنا في الأسبوع الماضي عن ظاهرة الكسل، وبينا أن الكسل ضار بالإنسان على مختلف الأصعدة: الدينية والدنيوية، والجسدية والمالية.
ويعكف أهل الاختصاص في البلاد المتقدمة تقنيا على معالجة هذه الظاهرة بحرص شديد، بل إن هناك رفضا لدى كبرى الدول حول مستويات الكسل في الشعوب.
ففي دراسة أعدها العلماء في جامعة ناجارا بأسبانيا قبل سنتين بهذا الصدد أظهرت تلك الدراسة قائمة إحصائية بيانية لأكثر شعوب الاتحاد الأوروبي نشاطا وحيوية وحركة، وأقلها نشاطا وحركة.
وقد جاءت دولة البرتغال كأقل دولة من حيث حركة الناس، حيث يميل 88% من البرتغاليين إلى إمضاء أكثر أوقاتهم في الجلوس وعدم الحركة، أمام الإنترنت، أو أمام التلفاز، أو النوم، أو جلسات لتبادل أحاديث المقاهي، وغيرها من الأماكن.
وبالتالي نصت الدراسة على أن البرتغال هي أكسل دولة في الإتحاد الأوروبي، بينما السويد هي أكثرها نشاطا، وكل ذلك رصدوه من أجل دراسة الأضرار المادية، فمعرفة أثر ذلك على معدلات الإنتاج والتنمية، ومعدلات الفقر، وأثره أيضا على الصحة العامة في الناس.
فالخمول والكسل له علاقة بالسمنة، وأمراض القلب، وزيادة السكر في الدم، والضغط، وغيرها من الأمراض الأخرى، فهؤلاء القوم -أيها الإخوة- لهم عناية خاصة بموضوع الكسل؛ لأنهم يدركون خطورته.
ونحن المسلمين أولى بهذه العناية، لو كان انطلاقنا في الحياة انطلاقا دينيا كاملا كما نص عليه القرآن في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162-163].
لو كان منطلقنا هكذا لكان لنا مع الكسل شأن آخر.
أيها الإخوة: لعل في استعراض أمثلة للنشاط هذه الأمة وحيويتهم، ما يحفز الهمم لإصلاح أسلوب حياة من ابتلي بالكسل، والله المستعان.
أيها الإخوة: لا شك أن نبي هذه الأمة محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو المثال الأكبر والأكمل في النشاط والهمة، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يعرف الكسل، ولا كان للكسل أصلا وجود في حياته، إذ منَّ الله -تعالى- عليه بالرسالة، ولقد جاء فعل الأمر: "قُمِ" مرتين في بداية ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) [المزمل: 2] (قُمْ فَأَنذِرْ) [المدثر: 2].
فلا قعود "قم" ولا كسل عن العبادة، والعمل لدين الله.
ويكفي أنه بعد ذلك قضى حياته كلها في جهاد ودعوة وإصلاح، وخلال ذلك الجهد المتواصل كله كان في حياته الخاصة أيضا سيد العابدين، قائما صلى الله عليه وسلم في الليل، صائما في النهار، بتوسط واعتدال، دون أن تطرأ عبادته تلك على حقوق جسده وأهله، بل كان عليه الصلاة والسلام متزنا، وإماما للجميع في الإحسان لزوجاته، والقيام عليهن، ورعايته لمصالحهن، حتى قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كما في الطبراني لما سئلت عنه صلى الله عليه وسلم قالت: "كان يقوم في مهنة أهله، يشيل هذا ويحط، هذا يخصف نعله و.... ".
وفي مسند الإمام لما سئلت: ماذا كان يصنع في بيته؟ قالت: "كما يصنع أحدكم، يخصف نعله، ويرقع ثوبه".
وقالت رضي الله عنها كما في البخاري: "كان في مهنة أهله -أي في خدمتهم، وقضاء حوائجهم - فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة".
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو أروع مثال في النشاط والحيوية، ولذلك تراه -بأبي هو وأمي- أول الناس قياما لنجدة الملهوف، ومعاينة الخطر؛ ففي الصحيحين عن أنس قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وأحسن الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على فرس لأبي طلحة عري -أي ليس عليه سرج- وهو يقول: لن تراعوا، لن تراعوا".
نعم، كان قد سبقهم إلى الصوت، وعاد من مصدر الصوت، واستقبلهم قبل أن يصلوا إلى مصدر الصوت، ليطمئنهم صلى الله عليه وسلم، حتى إنه لم يجد وقتا لوضع السرج على ظهر الفرس، فأي نشاط بعد هذا؟ وأي همة؟ وأي حيوية؟.
إنه إذا عظمت الهموم عظم الرجال، وإذا سفلت الهموم وصغرت صغر الرجال، فهمه صلى الله عليه وسلم سلامة أمته، وضمان أمنها، ومن حمل هما كهذا بصدق فلم يعان من كسل!.
لقد كان الصحابة يتعجبون من نشاطه وهمته صلى الله عليه وسلم؛ ففي غزوة الأحزاب كان عليه الصلاة والسلام بالرغم من بلوغه ما يقارب 58 من العمر أنشط الناس؛ يقول البراء -رضي الله عنه-: كان رسول الله يوم الأحزاب ينقل معنا التراب، ولقد وارى التراب بياض بطنه.
وفي رواية: "حتى وارى التراب شعر صدره".
حتى في عبادته صلى الله عليه وسلم كان مثيرا للعجب بهمته ونشاطه؛ ففي البخاري يقول عبد الله بن مسعود، وكان أصغر سنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من طول قيامه".
وعن حذيفة -رضي الله عنه- أيضا فيما يحكيه من عجب ما رآه من نشاط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عبادته؛ ففي صحيح مسلم يقول: "صليت مع النبي ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران، يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال سمع الله لمن حمد، ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد، فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه".
نعم، هكذا كان صلى الله عليه وسلم، ولقد تعلم الصحابة -رضي الله عنهم- من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الهمة والحركة في الخير، وكانوا يمتازون بالنشاط كل واحد منهم بحسب فنه؛ فمنهم النشيط في التعليم؛ كمعاذ، وعلي، وابن مسعود، ومنهم في جمع العلم وحفظه وتدوينه؛ كأبي هريرة، وأبي، وزيد بن ثابت، ومنهم من نشاطه في جمع المال لصالح المسلمين؛ كعثمان، وابن عوف، ومنهم من نشاطه الجهاد في سبيل الله؛ كأبي عبيدة، والزبير، وابن الوليد، ومنهم من كان دوما إلى جانب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يكاد يغيب عنه، قوي العزيمة، هيبته تعزز الإسلام، وغيرته الشديدة على دين الله ترهب المنافقين، بل وترهب الشياطين؛ كعمر بن الخطاب، ومنهم من جمع الفضائل كلها؛ كأبي بكر -رضي الله عنهم أجمعين-، فكان رضي الله عنه أحب الناس للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأقربهم منه؛ صح في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سأل صحابته ذات يوم: "من أصبح اليوم منكم صائما؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن أطعم اليوم منكم مسكينا؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد اليوم منكم مريضا؟" قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة".
هل ترون من كسل في يوم أبي بكر أو ليلته؟
أما أنا فلا أرى مكانا للكسل إطلاقا، فهو مشغول بين اتباع جنازة حتى تدفن، وتلمس لحاجات المساكين، وزيارة لمرضى المسلمين، وهو مع ذلك صائم طوال النهار، يرجو رحمة الله.
رجل نشيط، لا يسبقه إلى الخير أحد، حتى اعترف بذلك عمر قائلا -رضي الله عنهما- فيما صح في السنن: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سابقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ما أبقيت لأهلك؟" قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: "لا أسابقك إلى شيئا أبداً".
هكذا كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أنشط الناس، ولأحدنا أن يسأل نفسه: هل كان لدين الإسلام أن ينتشر في مشارق الأرض ومغاربها بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لولا جهد الصحابة ونشاطهم؟! هل كان للدين أن يبلغ ما بلغ بجهد الكسالى؟
لقد حملوا الإسلام من المدينة إلى مكة، إلى باقي الجزيرة العربية، إلى الشام شمالا، وإلى فارس، فالسند فمنغوليا، فالصين شرقا، وإلى مصر، فشمال أفريقيا فأسبانيا غربا.
لم تكن وسائل النقل مريحة ولا سريعة، ولا الطرق معبدة، ولا المسافات قريبة، آلاف من الأميال، من صحاري وغابات، وجبال، وأنهار وبحار، ومع ذلك لم توهن تلك الصعوبات عزيمتهم، ولم تثقلهم وتجرهم إلى الأرض على مدار السنين، بل توكلوا على الله، فاستيقظوا ولم يرقدوا، وقاموا ولم يقعدوا، وساروا على نور من الله، ففتحوا البلاد تلو البلاد، يبشرون بالإسلام، ويعلون كلمة الله، ويكسرون كل صنم ووثن، ويخرجون من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
رجال كالجبال طلقوا الكسل ثلاثا، بل دفنوه تحت الأرض، ومشوا عليه، ومضوا بعزائم من حديد.
طلب عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مددا أربعة آلاف رجل لفتح مصر، فأرسل إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أربعة رجال فقط: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن خالد، وأرسل إليه كتابا، قال فيه بعد أن حمد الله: أما بعد: فإني أمددت بأربعة رجال على كل رجل منهم مقام الألف، وذكر أسماءهم كل واحد منهم عن ألف رجل.
ولم أرَ أمثالَ الرِّجالِ تفاوتت *** إلى الفضلِ حتى عُدَّ ألفٌ بواحدِ
نعم، مضى ذلك الجيل ومن بعدهم بعزائم من حديد، لا وجود للكسل ولا الخمول، ولا شيء من ذلك بينهم، حتى توغل قتيبة الباهلي في آخر المشرق وأبى إلا أن يدخل بلاد الصين، فقال له أحد أتباعه محذرا مشفقا: "لقد أوغلت في بلاد الترك يا قتيبة، والحوادث بين أجنحة الدهر تقبل وتدبر" يقصد أن خطر الموت قريب منك، فأجابه قتيبة بقوله الخالد بثقة بنصر الله: "توغلت وإذا انقضت المدة لم تنفع العدة" يعني إذا جاء الأجل فلم يمنعه عدة ولا حذر.
فلما رأى ذلك المحذر عزمه وتسليمه على المضي، قال: "اسلك سبيلك يا قتيبة فهذا عزم لا يقله إلا الله".
نعم مضوا بجهد ونشاط شبابا ورجالا، لم توثقهم دقة طبل، ولا صوت مزمار، ولا تمايلوا ذات اليمين وذات الشمال انتشاءً بصوت غانية، أو مطرب، لا، حاشاهم فالعمل مناهم.
مضوا لا يعرفون خمولا ولا كسالا، لا يعوقهم للمهمة الشريفة سوى ما لا يطاق، حتى وقف عقبة بن نافع بعد سبع وأربعين سنة من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف قائدا مبجلا على صهوة فرسه بعد أن خاض بجيشه أدغال أفريقيا وبلادها، وقصارها ووحوشها، يزحف زحف الأبطال، آلاف الأميال إلى أن وصل المحيط، وقف على شاطئ المحيط الأطلسي، ينظر إلى ذلك البحر المتلاطم المخيف، ويقول: "والله يا بحر لو أعلم أن وراءك أرض تفتح في سبيل الله لخضته بفرسي هذا " أي همم؟ أي قمم؟ أي عزائم" أي جبال؟
كنا جبالا في الجبال وربما صرنا *** علـى مـوج البحـار بحـارا
بمعابد الإفرنـج كـان آذاننـا *** قبل الكتائب يفتـح الأمصـارا
وكأن ظل السيف ظـل حديقـة *** خضراء تنبت حولنا الأزهـار
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤهـا *** سجداتنا والأرض تقذف نـارا
كنا نري الأصنام مـن ذهـب *** فنهدمهـا ونهـدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازهـا *** كنزا وصاغ الحلي والدينـارا
لـم نخـش طاغوتـا يحاربنـا *** ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
ورؤوسنا يـا رب فـوق أكفنـا *** نرجو ثوابك مغنمـا وجـوارا
ندعو جهارا لا إله سوى الـذي *** صنع الوجود وقـدر الأقـدارا
أسأل الله -تعالى- أن يرفع من عزائمنا إلى معالي الأمور، وأن يقينا الخمول والكسل.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على هديه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهناك أمران بعد الإيمان لو تحققا لغادرنا الكسل إلى غير رجعة -إن شاء الله-.
الأول: هم إلى معالي الأمور.
والثاني: تفاؤل حاضر في القلب مهما ساءت الظروف.
أما الهم، فينبغي أن يسمو، قال أحد العلماء لغلامه: "يا بني لا يكن همك ما تأكل وما تشرب، وما تلبس وما تنكح، وما تركب، وما تجمع وما تسكن" كل هذا هم النفس والطبع فأين هم القلب؟ همك هو ما أهمك، فليكن همك ربك -عز وجل- وما عنده.
إذا سمى هم المرء سمت همته، والعكس صحيح.
رجل ابن النفيس الذي يقول عنه السبكي: وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله، صنف كتابا في الطب لو تم لكان ثلاثمائة مجلد، تم منه ثلاثون مجلدا، وكان إذا أراد التصنيف تجهز له الأقلام مبرية، ويدير وجهه إلى الحائط، ويأخذ في التصنيف إملاء من خاطره، ويكتب مثل السيل إذا انحدر، فإذا كلَّ القلم، وحفي رمى به، وتناول غيره لئلا يضيع عليه الزمان في بري القلم.
أما التفاؤل، فهو دليل حسن الظن بالله -تعالى-، فلا يأس مع التفاؤل، ولذلك دعا زكريا ربه سنين طويلة يسأله الولد، وولى قائما يدعو حتى شاب رأسه، ووهن عظمه، ومع ذلك لم ييأس ولم يقنط، بل واصل الدعاء؛ لأنه كان متفائلا بوعد الله.
فالتفاؤل يبعث على النشاط والعمل، واليأس يبعث على القعود والكسل.
أخيرا -أيها الإخوة-: أذكر بنصائح عامة تعين على دفع الكسل؛ منها: زيادة الإيمان، وتقوى الله.
ومنها: مصاحبة أهل الهمم العالية.
ومنها: الصبر على كسر العادات السيئة؛ كالسهر، وإدمان التليفزيون، وكثرة النوم؛ لأنه كما في الحديث: "العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم".
ومنها: تنظيم الوقت، والتوازن في ترتيب الأولويات، ومنها: إعطاء الليل ما خلق له، والنهار ما خلق له: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي في الليل: (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي في النهار: (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص: 73].
فينبغي أن لا نعكس الآية كما هو واقعنا اليوم، ليلنا نهار، ونهارنا ليل، فهو خلاف الفطرة دينيا وصحيا، ولا ننسى في هذا الصدد القيلولة في الظهيرة؛ كما هي السنة إن تيسر ولو لعشرين دقيقة، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أثرها الكبير في تنشيط الجسد.
ومنها: الحذر من التخمة، وكثرة الأكل.
ومنها: مطالعة سير الجيل الأول بناة صرح الأمة، فهم من صعد في الهم إلى المعالي.
ومنها: التفاؤل ونبذ اليأس.
أيها الإخوة: إن الكسل يفوت علينا الكثير من الخير، وقد آن الأوان لنتخلص منه.
الجد في الجد والحرمان في الكسل *** فانصب تصب عن قريب غاية الأمل
اللهم إنا نعوذ بك من الكسل، اللهم اهدنا إلى صلاح الأقوال والأعمال...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي