إن العبد المؤمن دائم الخوف والوجل من الله -عز وجل-، شديد الحذر والخشية من عقوبة الله، وهو في حال الشدة والبلاء صابر محتسب خائف أن يكون ما نزل به من اللأواء والشدة بسبب ذنب اقترفه، أو بمعصية ارتكبها، كما أنه في حال النعمة والعافية ورغد العيش وسعته، شاكر لربه نعمته، مقر بها، مثنٍ على الله بها، مستعين بها على طاعة مولاه، خائف في الوقت ذاته من أن تكون...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واكتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- واستحدثوا عند كل نعمة شكرا، وعند كل بلية صبرا، وعند كل ذنب استغفارا، فإن من علامات سعادة العبد أنه إذا أذنب استغفر، وإذا ابتلي صبر، وإن أنعم عليه شكر، -فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من عباده الصابرين الشاكرين، ومن عباده المنيبين المستغفرين، إن ربي رحيم ودود-.
أيها الإخوة في الله: لا زالت أخبار الغيث والمطر تتوالى، نسأله سبحانه أن يجعله نافعا مباركا، وأن يجعله عطاءً برضا، فإن العبد كلما رأى نعم الله -عز وجل- تتوالى، وخيراته تتابع، جدد الشكر، وفرح بنعمة الله وفضله، وفي الوقت ذاته يخشى ويحذر أن تكون هذه النعم استدراجا، والله -عز وجل- يقول عن أقوام أصروا على معاصي الله، ولم يستجيبوا لنداء الله: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)[الأنعام: 44].
إن العبد المؤمن دائم الخوف والوجل من الله -عز وجل-، شديد الحذر والخشية من عقوبة الله، وهو في حال الشدة والبلاء صابر محتسب خائف أن يكون ما نزل به من اللأواء والشدة بسبب ذنب اقترفه، أو بمعصية ارتكبها، كما أنه في حال النعمة والعافية ورغد العيش وسعته شاكر لربه نعمته، مقر بها، مثنٍ على الله بها، مستعين بها على طاعة مولاه، خائف في الوقت ذاته من أن تكون استدراجا من الله -عز وجل-.
وهكذا المؤمن دائما ما بين صبر وشكر، وهو في جميع أحواله كلها يتفقد نفسه، ويتحسس واقعه، خشية من الله من أن تكون البلية عقوبة، أو أن تكون النعمة استدراجا.
أيها الإخوة المسلمون: إن في نزول المطر آية من آيات الله، وعبرة لأولي الأبصار، تأملوا قول الله -عز وجل- في محكم كتابه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ)[النور: 43-44].
يبين الله -عز وجل- في هذه الآيات كيف أن السماء تكون صحوا مضيئة بشمسها، أو نجومها، لا سحاب فيها، ثم إذا شاء الله -عز وجل- تغيير ذلك الحال ساق السحاب قطع متفرقة، ثم ألف بين تلك القطع، فتجتمع حتى تكون سحابا كثيفا متراكما، مثل الجبال، فتظلم السماء ويحجب السحاب نور الشمس وضوء النجوم، ثم يأمر الله -عز وجل- المزن والسحاب بأن تصب ما فيها فينزل المطر من خلال السحاب نقطا متفرقة ليحصل به الانتفاع من دون ضرر، فتمتلئ بذلك الغدران، وتتدفق الخلجان، وتسيل الشعاب والأودية، وتنبت الأرض من كل زوج كريم.
وأحيانا ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه من زروع وجمال، وغير ذلك: (فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) أي يكاد برق ذلك السحاب من شدته يذهب بالأبصار: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، ومن ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل، ومن ضياء إلى ظلمة، ومن ظلمة إلى ضوء: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ).
إن في إنشاء السحاب وسوقه إلى عباده المفتقرين، وإنزال المطر منه على وجه يحصل به الانتفاع، وينتفي الضرر إن في ذلك كله لعبرة لأصحاب البصائر والعقول، الذين ينظرون إلى هذه المخلوقات، وهذه الأحوال نظر اعتبار وتفكر وتدبر وتأمل بما أريد بها ومنها.
وأما أولئك المعرضون الجاهلون، فإنهم ينظرون إلى هذه المخلوقات والأحوال نظرة غفلة ولهو، فهم بمنزلة البهائم -والعياذ بالله-.
إخوة الإسلام: إن في نزول السحاب، وضوء البرق، وصوت الرعد، ونزول المطر والبرد؛ لدليل على كمال قدرة الواحد الأحد، الفرد الصمد، ودليل على مشيئته النافذة، وسعة رحمته، وكمال حكمته سبحانه: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[يس: 82-83].
قال زيد بن عمرو:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخرًا ثقالاً
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المزن تَحمل عذبًـا زلالاً
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الريح تصرف حالاً فحالاً
قال الحسن البصري -رحمه الله-: "كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: الحمد لله الرفيق الذي لو جعل هذا الخلق خلقا دائما لا يتصرف لقال الشاك في الله، لو كان لهذا الخلق رب لحادثه، وإن الله -عز وجل- قد حادث بما ترون من الآيات، إنه جاء بضوء طبق ما بين الخافقين، وجعل فيها معاشا وسراجا وهاجا، ثم إذا شاء ذهب بذلك الخلق، وجاء بظلمة طبقت ما بين الخافقين، وجعل فيها سكنا، ونجوما وقمرا منيرا، وإذا شاء بنى بناء جعل فيه من المطر والبرق والرعد والصواعق ما شاء، وإذا شاء صرف ذلك، وإذا شاء جاء ببرد يقرقف الناس -أي يجعلهم يرتجفون ويرتعدون منه-، وإذا شاء ذهب بذلك وجاء بحر يأخذ بأنفاس الناس ليعلم الناس أن لهذا الخلق ربا يحادثه بما ترون من الآيات كذلك إذا شاء ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة".
إخوة الإسلام: يستحب للمسلم عند سماع الرعد أن يقول: "اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك".
وكان ابن الزبير: إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته".
كما يستحب للمسلم عند نزول المطر: أن يحسر ثوبه ورأسه، ليصيبه المطر؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، فَحَسَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثوبه حتى أصابه من المطر، قال: فقلنا يا رسول لما صنعت هذا؟ قال: "إنه حديث عهد بربي -عز وجل-".
كما يستحب للمسلم: أن يقول عند نزول المطر: "اللهم صَيِّبًا نافعًا".
وبعد نزوله: "مطرنا بفضل الله ورحمته".
كما يحرص المسلم على الدعاء عند نزول المطر، فقد جاء في بعض الآثار: أن من الأوقات التي تكون مظنة وقت نزول المطر، فنسأل الله -عز وجل- أن يبارك لنا فيما أعطانا، وأن ينبت لنا به الزرع، وأن يدر لنا به الزرع، وأن يجعله سبحانه وتعالى قوة لنا على طاعاته، وبلاغا إلى حين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ)[الزمر: 21].
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الواسع المجيد يعطي سبحانه من يشاء لحكمة، ومن يشاء يمنع عنه لحكمة، لا ينقص عطائه من خزائنه شيئا، وهو القائل سبحانه: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".
أحمده سبحانه على نعمه الغزيرة، وأشكره على مننه الوفيرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون: اتقوا الله -عز وجل- في جميع ما تأتون وتذرون، فإن تقوى الله -عز وجل- سبب كل خير وبركة في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة المسلمون: في مثل هذه الجليلة والأجواء السحنة، يكثر خروج الناس إلى البراري طلبا للمتعة والنزهة، مصطحبين معهم النساء والأولاد، وهو أمر في حد ذاته مما أباحه الله -عز وجل-، بل يكون فيه أجر إذا قصد به الشخص مقصدا حسنا؛ من التوسعة على الأهل والترفيه عنهم.
ولكن المطلوب من المسلم أن يتقي الله -عز وجل- في جميع أحواله، فلا تكون هذه النزهات والرحلات مجالا لتضييع الصلوات، وارتكاب المنكرات؛ من غنى ومعازف، ولا تكون هذه الرحلات مجالا لتبرج النساء، أو سفورهن، أو اطلاع الأجانب عليهن، أو تكون هذه الرحلات مجالا للإسراف في المأكولات والمشروبات، ونحو ذلك.
فعلى المسلم: أن يتقي الله -عز وجل-، ويختار لأهله المكان المناسب، البعيد عن الناس، حتى يحفظ عرضه وأهله.
كما أن على المرء أن يبتعد عن أماكن الخطر، ولا يعرض نفسه ولا أهله ولا من معه إلى أماكن الخطر؛ حال سيلان الأودية والشعاب، بل عليه أن يبتعد عنها، فكم سمعنا عن أخبار مؤلمة؟ وقصص محزنة؟! بسبب تهور بعض الناس، أو جهلهم بهذه الأمور، عرضوا أنفسهم ومن معهم للخطر!.
أسأل الله -عز وجل- أن يوالي علينا من خيره وفضله، وأن ينفعنا بما أعطانا، إنه على كل شيء قدير.
هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي