تبارك الله أَحسن الخالقين

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
عناصر الخطبة
  1. الله خالق كل شيء .
  2. اسم الله الخالق في القرآن والسنة .
  3. معاني اسم الله الخالق .
  4. آثار الإيمان باسم الله الخالق .
  5. صفات الخالق سبحانه وتعالى .
  6. دعاء الله باسمه الخالق سبحانه .
  7. التعبد لله باسمه الخالق .
  8. لماذا خلق الله الخلق؟ .

اقتباس

والخالق -سبحانه- هو الذي أوْجد جميعَ الأشياء بعد أن لم تكنْ مَوْجُودة، وقدّر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة، وهو وحده الخلاق العليم، خلق الخلق كله وحده، لم يستعن بأحد، ولم يستشر مستشارًا ولا وزيرًا، وليس له شريك، وكل شيء كان في طور المجهول وعهد المعدوم، ثم خلق الله ما شاء له أن يخلق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَنْ يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله. اللهم صلِّ على سيدنا محمد النبي، وأزواجِه أمهاتِ المؤمنين، وذرِّيته وأهل بيته، كما صليتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله -تعالى-، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحْدثاتُها، وكلَّ محدَثة بدعةٌ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، وعظّموه حق تعظيمه، وأثنوا عليه بما هو أهله، واعلموا أن ربنا -تبارك وتعالى- تفرد بكل جمال وكمال وعظمة؛ خالق الخلق ورازقهم ومحييهم ومميتهم، سبحانه الخالق الذي خلق المخلوقات كلها، وأوجدها على غير مثال سابق، تفرد سبحانه بخلق العرش والكرسي، والسموات والأرض، والجماد والنبات، وخلق الإنسان والحيوان، والروح والجان، والملائكة الكرام، وخلق السهول والجبال، والبحار والأنهار، وخلق الليل والنهار، وخلق الشمس والقمر، والكواكب والنجوم، وخلق الجنة والنار، وما تبصرون وما لا تبصرون، وما علمتموه وما لم يصل علمه إليكم، كله من خلق الله لم يشاركه فيه أحد، (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 11].

وتيقنوا -إخوة الإسلام- أن الله -عزَّ وجلَّ- هو الخلاق العليم، خلق جميع المخلوقات، وجعل لكل نوع قدرًا، وعليها تنوعت مخلوقات الله في أوزانها وطعومها، وألوانها، وأعمارها ومنافعها، وأوصافها، وأحجامها، قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]، لذا كان منها الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والطويل والقصير، والقوي والضعيف، ومنها النافع والضار، والسائل والجامد، والعذب والمالح، والساكن والمتحرك، والناطق والصامت، والثابت والنامي، قال سبحانه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49].

واعلموا -عباد الله- أن الله -جل جلاله- تفرد بخلق هذا الكون العظيم، وأن خلقه لا يتوقف ولا ينقطع، فكل يوم، بل كل لحظة يخلق ما يشاء، كيف شاء، بأي كيفية شاء، في أي وقت شاء، ففي السماء -مثلاً- قال تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47]، أي أن الخالق العظيم يزيد في سعة السماء، وهذا ما تؤيده البحوث والدراسات أن المجرات والأفلاك تزيد وتتسع من حين إلى آخر، ولا يقدرون على حصرها، فهي في ازدياد وتوسع دائم، فسبحان الخالق الباسط، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص: 68].

وكونوا -إخواني- على ثقة من أن خلق الله -عزَّ وجلَّ- عظيم محكم، فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلاً عن أن يخلق أحسن منه، ولا يقدر أحد أن يضاهي رب العزة والجلال في صنعه وخلقه، فإن ضاهاه أحد في صورة خلقٍ ما فمستحيل أن يضاهيه في حقيقته، (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14].

وثق -أخي- أن الله -سبحانه- خلق كل شيء وقهره، فالمخلوقات التي خلقها الله -عزَّ وجلَّ-، شاء سبحانه وقدَّر أن يرفع بعضها فوق بعض درجات، فكل مخلوق فوقه آخر يقهره، ثم فوق ذلك القاهر قاهر أعلى منه، حتى ينتهي سلم القهر إلى القاهر لجميع المخلوقـات الواحد القهار: (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16].

يا عباد الله: أثنى الله -تبارك وتعالى- على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه الخالق، قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر: 24]. وقال تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون:14]، أي: كثر خيره -سبحانه- ودام إحسانه وجميله، وتقدس شأنه، فهو-عز وجل- أحسن الخالقين على الإطلاق؛ حيث أتقن كل شيء خلقه، وأحكم كل شيء صنعه، ومن أحسن ما صنعه وجمّله هذا الإنسان.

وقال تعالى مثنيًا على ذاته العلية: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [الحجر: 86] ، وقال تعالى مثبتًا أنه الخلاق في جلال وكمال وعظمة: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس : 80- 83]. وقال تبارك وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) [يس: 71 ]، وقال سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 2-3]، وقال جل وعلا: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) الفرقان: 2].

وقد وصف نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- ربه، وهو أعرف الخلق به، وأثنى عليه بأجلّ أوصاف الكمال والجلال، ومن تلك النعوت والأسماء الحسنى اسم الله الخالق، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَلاَ السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ سَعَّرْتَ، فَقَالَ: عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ... " (أحمد (12591) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح).

وأثنى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- على ربه -سبحانه- الذي خلق وبرئ وصوّر هذا الإنسان، وكرّمه في خلقه، وصورته ووظيفته، وتبارك الذي عدّله وركّبه بتركيب عجيب وجهّزه بأجهزة في غاية التعقيد، وكلها في أحسن صورة وأكمل هيئة، فكان إذا سجد -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم! لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين" (مسلم 771)، فيا الله ما أجمل هذا الدعاء من قلب ساجد ولسان ذاكر!.

أيها المسلمون: والخالق لغة هو الذي ركّب الأشياء بحكمته تركيبًا ورتّبها بقدرته ترتيبًا، فأصل الخلق: التركيب والترتيب. والخالق -سبحانه- هو الذي أوْجد جميعَ الأشياء بعد أن لم تكنْ مَوْجُودة، وقدّر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة، وهو وحده الخلاق العليم، خلق الخلق كله وحده، لم يستعن بأحد، ولم يستشر مستشارًا ولا وزيرًا، وليس له شريك، وكل شيء كان في طور المجهول وعهد المعدوم، ثم خلق الله ما شاء له أن يخلق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر:3].

فكل ما سوى الله مخلوق محدَث، وكل المخلوقات سبقها العدم، قال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) [الإنسان: 1]، إي وربي، فما من آدمي إلا وسبقه جزء من الزمن قبل أن يُولد، وسيموت ويظل زمنًا الله به عليم في قبره، مرهونًا بعمله، ينتظر البعث والقيامة، نسأل الله العافية..

والخلق كلهم ضعاف عاجزون عن خلق أي شيء ولو كان صغيرًا، ولو اجتمعوا ما استطاعوا أن يخلقوا ذبابًا، بل لو سلبهم الذباب شيئًا ما استطاعوا رده، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 73- 74].

والخالق -سبحانه- هو الذي لا يعجزه شيء، بدأ الخلق وهو قادر على إعادته، فله وحده القدرة الكاملة، وله العزة الكاملة، والتدبير الكامل، وله الحكمة الواسعة، والقوة النافذة، فبعزته -سبحانه- أوجد هذه المخلوقات، وأظهر المأمورات، وبحكمته أتقن بها ما صنعه، وأحسن فيها ما شرعه: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الروم: 27].

أيها المسلمون: إن للإيمان باسم الخالق آثارًا عظيمة، منها أن الله -تعالى- لم يزل خالقًا كيف شاء، ومتى شاء، ولا يزال له التصرف وبيده الأمر، قال تعالى: (يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [النور: 45]، وقال سبحانه: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص: 68]، وقال جل وعلا: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) [البروج: 16].

واعلموا -عباد الله- أنَّ خلْق اللهِ عظيمٌ، يعجز الإنس والجن وغيرهم أن يخلقوا مثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، فهو الذي خلق السماوات والأرض، وهما أعظم من خلق الإنسان، قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57]، ومن المخلوقات العظيمة الكرسيُّ وهو موضع القدمين -كما قال ابن عباس رضي الله عنهما- وسع السماوات والأرض جميعًا، والعرش أعظم من ذلك، والله -تعالى- مستوٍ على عرشه، وهو أعظم وأكبر من كل شيء، سبحان الخلاق العليم.

لذا لا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلاً عن أن يخلق أفضل منه، قال سبحانه: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 11]، وفي هذا تحدٍّ لجميع الخلق من الجن والإنس وغيرهم، فقد أثبت الله عجزهم حين تحداهم على خلق ضعيف حقير: كالذباب، ولو اجتمعوا على ذلك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73].

أيها المؤمنون: ينبغي أن ندرك أن الله -تعالى- ما أوجد هذا الكون العظيم وما فيه عبثًا، ولا خلقه باطلاً، وإنما خلقه لغاية عظيمة، ومهمة سامية، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115]، محال أن يخلقكم ويترككم هكذا.. تأكلون وتشربون وتلهون وتمرحون، وتتمتعون بلذات الدنيا، ويترككم هملاً من غير أمر ولا نهي، ولا يثيبكم، ولا يعاقبكم، فهذا لا يُتصور من الحكيم -سبحانه- فلا يخطر هذا ببالكم، ولا تتوقعونه!! قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء: 16-18].

واعلموا -عباد الله- أن الخالق -سبحانه- يختلف في أوصافه عن المخلوق؛ إذ الخالق يستحيل أن تكون ذاته مخلوقة، أو يشابه المخلوق في صفاته، ومتى حاول الشيطان بوساوسه أن يبث في العبد أن المخلوقات خلقها الله ليصل بك إلى سؤال خطير، فمن خلق الله؟ وعندها فليستعذ العبد بالله من الشيطان وشركه، وليقل: آمنت بالله، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ" (متفق عليه).

إن الله -تبارك وتعالى- يخلق الشيء دون أن يكون له سابقة وجود على الإطلاق، ولقد أكد عز وجل على مسألة الخلق من العدم المطلق في العديد من الآيات القرآنية، منها قوله -تعالى-: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) [مريم: 9]. وقوله -جل وعلا-: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) [الإنسان: 1] أي أن الإنسان لم يكن له وجود قبل أن يخلقه الله -عز وجل-. وقوله -تبارك وتعالى-: (إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ) [يونس: 4]، وقوله -سبحانه-: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [يونس: 34], وقوله -تعالى-: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء: 104].

والحق -سبحانه وتعالى- لم يؤكد حقيقة الخلق من العدم فحسب، وإنما أكد حقيقة أخرى ألا وهي أن كل شيء عدا الله -عز وجل- مخلوق له، خاضع لأمره، ولا استثناء في هذه القاعدة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]، وقال تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء: 104].  وقال عز وجل: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62]، وقال جل وعلا: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الأنعام: 102]، وقوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة: 29].

فوحدوا هذا الخالق العظيم -سبحانه-، وأحبوه، ومجّدوه وعظّموه، واقدروه قدره، وأخلصوا العمل له، وانقادوا لشرعه وحكمه، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه.

الخطبة الثانية:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وأشهد أن لا إله إلا الله اللطيف الخبير، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وتفكروا في مخلوقات الله، فإن التفكر فيها يزيد في إيمان المسلم ويقوي يقينه، وأطيعوا الخالق العظيم، وإياكم والجرأة على معاصيه وحدوده؛ إذ كيف للبشر الضعاف عصيان رب قادر عظيم، ألا ما أعظم قدرة من خلق فسوى، وما أجهل البشر بعظمة ربهم وقدرته وقوته وعظمة مخلوقاته!! قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) [المؤمنون: 17]، فكيف يُعصى مَن هذه قدرته! وكيف يستترون على من هذا علمه! وكيف يتجرؤون على من هذه عظمته وجبروته؟! وهم يعلمون أنهم لا يغفل عن أعمالهم، وأنهم إليه راجعون، وبين يديه موقوفون، وعن أعمالهم مسئولون، وعن تقصيرهم محاسبون ومعاتبون.

قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 21- 22]، فهذا الرب العظيم هو الذي يستحق العبادة وحده دون سواه؛ لأنه الذي خلقنا، وأوجدنا وسخّر لنا ما في السموات وما في الأرض خدمةً لنا، ومنحنا من الوسائل والأسباب ما فيه عون لنا، وأنعم علينا بالنعم الظاهرة والباطنة، وأمرنا بعبادته، سبحانه وتعالى.

فهل يليق بالإنسان أن يعبد مع ربه أحدًا من خلقه! ويتخذ مع الله أندادًا يعبدهم من دونه، ويحبونهم كما يحبونه، وهم مخلوقون مثله، لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض؟ فمن أعجب العجب، وأسفه السفه أن يعلم الإنسان أن الله ليس له شريك لا في الخلق والإيجاد، ولا في الأمر والنهي، ولا في الحكم والتدبير والتصرف، ولا في الرزق والتدبير، ثم يشرك به غيره، ويعبد معه آلهة أخرى، لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعًا ولا ضرًّا، قال تعالى: (أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) [الأعراف: 191- 192].

ولعلك -يا عبد الله- تدرك من خلال هذه الوقفة اليسيرة معنى استحقاق الخالق للطاعة والعبادة، ولو كان على حساب إغضاب المخلوق، فقد رُوي عن الإمام الحسن البصري أنه كان عند والي البصرة، فجاء توجيه من الخليفة يزيد بن معاوية؛ وهذا التوجيه إن نفّذه الوالي أغضب الله -عز وجل-، ولو لم ينفذه أغضب الخليفة، فوقع الوالي في حرج شديد، فقال مستنصحًا الإمام الحسن البصري: ماذا أفعل؟ قال له: "إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله"، وصدق والله ونصح، فماذا فقد من وجد الله!!.

عباد الله: إذا كان الله هو الخلاق العليم وهو الكبير -سبحانه-، وكل ما سواه مخلوق صغير، فهل يليق بالعاقل أن يعبد المخلوق من دون الخالق، ويدعو الصغير من دون الكبير، ويخشى المخلوق دون الخالق، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه..؟ فسبحان الخلاق لكل مخلوق، العليم بكل شيء، الذي لا يخفى عليه شيء، فاعبده واصطبر لعبادته، (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [الحجر: 86].

أيها المسلمون: ومما ينبغي للعبد فعله مع اسم الله الخالق أن يدعو ربه به، فيسأله بأنه الذي خلق كل شيء، ويتوسل إليه بأنه الخلاق وحده، كما في قوله -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191]. وعن شَدَّاد بْن أَوْسٍ -رضي الله عنه-: عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ.. " (البخاري(6306)).

يا عباد الله: إن التعبد لله باسمه الخالق ينبغي أن يُحدث تغييرًا في سلوك العبد؛ يتجلى في إيمانه بأن ما قدّره الخالق وكتبه في اللوح المحفوظ كائنٌ لا محالة، وأنه سيخلقه بمشيئته وقدرته، فيؤمن بقدَر الله، ويعمل بشريعته، ويعلم أنه ميسَّر لما خُلق له، وأن يشكر العبد خالقه من خلال قوله وفعله، وطاعته لله -عز وجل- في كل جزء من بدنه، فعن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: قال رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ" (مسلم(1007)).

واعلموا -أيها المؤمنون- أن الله الخالق -سبحانه- حرَّم على عباده أن يصوِّروا الصور ذوات الأرواح؛ لما فيها من مضاهاة لخلق الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -عز وجل-: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي؟! فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَليَخْلُقُوا ذَرَّةً" (البخاري (5953)). وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ المْصُوِّرُونَ" (البخاري (5950)، ومسلم(2109))، وفي رواية: "يُقَالُ لَهُم: أَحْيُوا ما خَلَقْتُم" (البخاري (2105))، وفي هذا دليل على تعذيب المصوِّر، وأنه يُكلَّف نفخ الروح في الصورة التي صوَّرها، وهو لا يقدر على ذلك، فيستمر تعذيبه.

يا عباد الله: هناك سؤال مهم وهو كيف نحيا باسم الله الخالق؟ والإجابة -أيها الإخوة- أن نعبد الخالق وحده، ولا نتوجه لأحد سواه، فإذا توجه الإنسان إلى غير الخالق فقد ضلَّ سواء السبيل، وعلينا أن نلزم الطاعة والاستسلام لأوامر الله، سبحانه ألا يعلم من خلق، فهو يعرف طبيعة النفس، وما يصلحها ويفسدها، وما يسعدها ويشقيها، وما يرفعها ويخفضها، ويطمئنها ويخيفها، فاطمأن -يا عبد الله- فكل من حولك وما حولك بيد الله عز وجل (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) [الأعراف: 54].

وعلينا أن نتأسى بنبينا -صلى الله عليه وسلم- في دعائه الذي كان يقول فيه: "اللهم كما حسَّنت خَلْقي، فحسِّن خُلُقي" (ابن حبان 451 وصححه الألباني).

وتأملوا معي -إخواني في الله- قوله -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، واستمعوا لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 21-22]، فالذي خلق وتفرد بالخلق والتدبير لا ينبغي للعباد أن يعبدوا غيره، ولا يلجئوا لسواه، فهو الخالق الرازق المدبر -سبحانه وتعالى-، والعبادة –إخوتاه-  كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.  هل علمت أخي لماذا خلقك الله؟!! فماذا أنت فاعل؟!.

احرصوا -عباد الله- على محبة الخالق -سبحانه-، واخضعوا لأمره، وانقادوا لشرعه، جنبني الله وإياكم مضلات الفتن، ووقانا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأسأل الله أن يسعدنا بتقواه، وأن يجعل خير أيامنا وأسعد لحظاتنا يوم أن نلقاه.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مبدلين ولا مغيرين، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئ الأخلاق والأعمال، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، واجعلنا من عبادك الصالحين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي