الحسين هو ابنُ البتولِ المطهرةِ، فاطمة بنت رسول الله سميت البَتُولُ؛ لانقطاعها عن نساءِ أَهلِ زمانِها، ونساءِ الأُمة، عفافاً وفضلاً، وديناً وحسباً. وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إِلى الله -عز وجل-. وابنُ فاطمةَ سيدةِ نساءِ الْمُؤْمِنِينَ، التي قال عنها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-...
أيها الإخوة: حديثنا اليوم حديث عن حبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحد ريحانتيه من الدنيا؛ إنه الحسينُ بنُ عليٍ الشهيدُ الإمامُ الشريفُ الكاملُ، سبطُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وريحانتُه من الدنيا، ومحبُوبُه.
فأبو عبد الله الحسين ابن أمير المؤمنين؛ أبي الحسن علي بن أبي طالب، بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، بن قصي القرشي الهاشمي.
أما أبوه، فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ليث الكتائب، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الشقيق الذي يُحبُ اللهَ ورسولَه ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، والذي حبُه إيمان، وبغضُه نفاق؛ فَعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ"[رواه الترمذي وصححه الألباني].
الحسين هو ابنُ البتولِ المطهرةِ، فاطمة بنت رسول الله سميت البَتُولُ؛ لانقطاعها عن نساءِ أَهلِ زمانِها، ونساءِ الأُمة، عفافاً وفضلاً، وديناً وحسباً.
وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إِلى الله -عز وجل-.
وابنُ فاطمةَ سيدةِ نساءِ الْمُؤْمِنِينَ، التي قال عنها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضِيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ"[متفق عليه].
والسَّيِّدُة: شريفة القوم وفاضلتهم ورئيستهم والمقدَّمة عندهم.
قال عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا"[متفق عليه].
والبضعة: القطعة من اللحم، والمقصود أن فاطمة جزء منّه كما أن القطعة من اللحم جزء من اللحم.
ومعنى: "يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا" أي: يسوؤني ما يسوؤها ويزعجني ما يزعجها.
نعم.
لقد تفرع الحسين من شجرة زكية الندى، باسقة العلى، عربية الأصل، حسيبة الفصل، قرشية الأهل، هاشمية الأغصان، جمع المحاسن من أطرافها، والفضائل من أنحائها، فهو من شجرة لا يذوي عودها، ولا تجف ثمرتها فرضي الله عنه وأرضاه:
وخِلٍّ جاء يسألُ عن قبيلي *** وضوءُ الشمسِ للرائيِ جليُّ
فقلتُ له ولمْ أفخر وإنِّي *** يحقُّ لمثليَ الفخرُ العليُّ
محمدٌ خير خلق الله جدِّي *** وأمِّي فاطمٌ وأبي عليُّ
والحسين: من خير آل بيت نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً، والذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: "يومَ غدير خُمِّ وهو مَاءٌ بَيْنَ مَكَّةَ: أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي كررها ثلاثاً" [رواه مسلم].
أيها الإخوة: ولد الحسين بعد الحسن -رضي الله عنهما- وذلك في ليالٍ خلون من شعبان، سنة أربع من الهجرة.
ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن إلا عشرة أشهر.
ولقد هم أباه أن يسميه حربا، فسماه رسول الله الحسين؛ فَعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قَالَ: قُلْتُ حَرْبًا، قَالَ: "بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ"[رواه أحمد وحسنه أحمد شاكر].
نعم، لقد اختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للحسين -رضي الله عنه- اسماً حسناً في اللفظ والمعنى، موافقاً للنظر الشرعي، واللسان العربي، يحمل معنىً كريماً، ووصفاً صادقاً، ذلك أن تمييع الأسماء يورث تمييع الشمائل والطباع، والاسم يُؤثْرُ على المسمى.
وقد عدل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باسم المولود من حرب إلى الحسين؛ ذلك أن اسم حرب كان كالأسماء التي تسمي بها العرب قبل الإسلام، والتي تدل على القتال وسفك الدماء، واختار الحسين وهو من أكرمِ الأسماءِ، وأجلِ المعاني الدالةِ على الحسن والجمال.
أيها الإخوة: وتناوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، فكان أول صوت صافح أذنيه نداء الخير والإيمان، كلمات التوحيد الندية، التي تنجي الإنسان من مهالك الردى؛ فلذت بها أذناه، واطمئن بها قلبه، كيف لا؟ وهو صوت المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.
وحنكه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبرك عليه كما كان يفعل لأولاد الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فعَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ"[رواه مسلم].
قال النووي: "فيبرك عليهم" أي يدعو لهم، ويمسح عليهم، وأصل البركة ثبوت الخير وكثرته.
وقولها: "فيحنكهم" قال أهل اللغة التحنيك: أن يمضغ التمر أو نحوه، ثم يدلك به حنك الصغير.
أحبتي: وهنا تنبيه مهم، قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود: "والتحنيك يمكن أن يكون من الأب والأم ومن غيرهما، ولكن لا يذهب بالصبي إلى أحد من الناس ليحنكه رجاء بركته بسبب صلاح هذا الإنسان؛ فإن هذا لم يعرف الرجوع فيه إلا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ومعلوم أن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يتبركون بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، أي يتبركون بما يحصل من جسده، فيتبركون بشعره ويتبركون بعرقه وغيره -يتبركون بمخاطه وبصاقه -عليه الصلاة والسلام-، ويتبركون بثيابه وما مس جسده، وهو عليه السلام يعطي ذلك لأصحابه ليتبركوا به؛ لأن فيه بركة، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن يضاف إلى غيره، وأن يعامل غيره معاملته؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- ما عاملوا أبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلياً -رضي الله عنهم-، وهم خير الصحابة كما كان يحصل ذلك منهم مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.
فدل على أن غيرهم من باب أولى أن لا يقصد ولا يؤتى إليه من أجل أن يحنك صبياً، أو يتبرك به؛ لأن التبرك إنما هو خاص بالرسول الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، فليتنبه لذلك.
أيها الإخوة: فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يُعَقُّ عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ" قَالَتْ: وَعَقَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ شَاتَيْنِ يَوْمَ السَّابِعِ وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رَأْسِهِ الأَذَى، وَقَالَ: "اذْبَحُوا عَلَى اسْمِهِ وَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ لَكَ وَإِلَيْكَ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلاَنٍ"[رواه البيهقي في السنن الكبرى، وحسنه النووي بالمجموع].
ومعنى: "يُمَاطَ عَنْ رَأْسِهِ الأَذَى" أي يحلق رأسه ويتصدق بوزنه فضه؛ فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ الْحَسَنِ بِشَاةٍ، وَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً" قَالَ: "فَوَزَنَتْهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ"[رواه الترمذي وحسنه الألباني].
بارك الله ولي ولكم...
أيها الإخوة: ولما كبر الحسين قليلاً كان من خطواته الأولى أن اتجه وأخوه الحسنُ إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشريف، وهو في أصحابه؛ فعن بُرَيْدَةَ قَالَ: "خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ -رضي الله عنهما- عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ؛ فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: "صَدَقَ اللَّهُ: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن: 15] رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ"[رواه أبو داود وصححه الألباني].
هكذا كانت محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لحفيديه كبيرة ومكانتهما عنده سامية.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِشَاءَ، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، أَخَذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذًا رَفِيقًا، فَيَضَعُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا عَادَ عَادَا، حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، أَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرُدُّهُمَا، فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فَقَالَ لَهُمَا: "الْحَقَا بِأُمِّكُمَا" قَالَ: "فَمَكَثَ ضَوْؤُهَا حَتَّى دَخَلَا"[رواه أحمد وغيره، وإسناده حسن].
من في الوجود ينال ظهر محمدٍ *** مثل الحسين يناله محموداً
وكان الحسين -رضي الله عنه- يخرج من البيت، ويلعب مع أقرانه، فإذا لقيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لاعبه؛ فعن يَعْلَى بْنَ مُرَّةَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُمْ: أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ؛ فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ، قَالَ: فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَامَ الْقَوْمِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ؛ فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَخَذَهُ؛ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالْأُخْرَى فِي فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: "حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ"[رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].
أما نحن أهل السنة فنقول: إنه سيدنا وابن نبينا، نحبه ونتولاه، ونعتقد أن حبه -رضي الله عنه- وعن أبيه وأمه من أوثق عرى الإيمان، وأعظم ما يتقرب به إلى الرحمن مصداقاً لقول جده -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"[متفق عليه].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو حامل الحسين بن علي وهو يقول: "اللهم إني أحبه فأحبه"[رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي: صحيح].
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا" [رواه البخاري] أي الحسن والحسين.
"ريحانتاي" مثنى ريحانة وجه التشبيه أن الولد يشم ويقبل كما تشم الرياحين.
ومن أحب الحسين -رضي الله عنه- فقد أحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن أبغضه فقد أبغض النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أما أولئك العوام البسطاء الذين يصدقون أئمة الضلال الذين يدعون في الحسين وآل البيت من الخوارق والقدرة التي لا تجري إلا بأمر الله، فقد ضلوا السبيل، وراموا الخير بمواطن العطب، وصدقوا الأفاكين الكاذبين.
نعوذ بالله من الضلال وأهله، ونسأل الله لمن غرر به الهداية والإنابة، وأن يريهم الحق حقاً، ويرزقهم اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه، ويعين أهل السنة على دعوتهم؛ إنه جواد كريم.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي