أيها المؤمنون: بعيدا عمن يتخلف عن الصلاة، فالحديث موجه إليكم يا من تحضرون الصلاة جماعة في بيوت الله، وأوجهه لي قبلكم: إن الصلاة شأنها عظيم يجب أن تعظم في القلوب قبل الإتيان بها، يجب أن نقبل إليها بقلوب مخبتة، راغبة، تشتاق للقاء ربها، كما روى عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول لبلال: "أقم الصلاة، أرحنا بها يا بلال". بل قد جعلت قرة عينه في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فأين نحن عن...
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله -جل في علاه-، واعملوا بأوامره، وتعرضوا لمحابه، واجتنبوا نواهيه، واهربوا من مباغضه، فو الله ما طلبت السعادة بغير هذا، وأبى الله إلا أن يجعل سعادته في طاعته، وجعل التعاسة والضيق والهموم في معاصيه، رحمة منه بعبادة ليستدلوا بذلك على الطريق الصحيح.
معاشر المؤمنين: إن من أعظم الطاعات الجالبة للسعادة، وانشراح الصدر والطمأنينة: الصلاةَ جماعة مع المسلمين، فلا تسل عمن يتخلف عن الصلاة كم هي حياته تعيسة، ولو تجمل وأطال ضحكته، فقلبه مليء بالضيق والضجر، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
أيها المؤمنون: بعيدا عمن يتخلف عن الصلاة، فالحديث موجه إليكم يا من تحضرون الصلاة جماعة في بيوت الله، وأوجهه لي قبلكم: إن الصلاة شأنها عظيم يجب أن تعظم في القلوب قبل الإتيان بها، يجب أن نقبل إليها بقلوب مخبتة، راغبة، تشتاق للقاء ربها، كما روى عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول لبلال: "أقم الصلاة، أرحنا بها يا بلال".
بل قد جعلت قرة عينه في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فأين نحن عن هذا الهدي النبوي؟!.
أيها المسلم المصلي: إذا ضاقت نفسك يوما بالحياة، فما عدت تطيق آلامها وقسوتها، إذا تملكك الضجر واليأس، وأحسست بالحاجة إلى الشكوى، فلم تجد من تشكو له فتذكر أن لك رباً رحيماً يسمع شكواك، فكبر وادخل للنجوى.
أجل -يا أخي-: إنها الصلاة، وهذه بعض معانيها، إننا تعلمنا من الصلاة حركاتها وسكناتها لكننا لم نفهم روحها ومعانيها: إن الصلاة هي باب الرحمة، وطلب الهداية، هي اطمئنان لقلوب المذنبين، هي ميراث النبوة.
فهي تشتمل على أسمى معانى العبودية، والاتجاه إلى الله -تعالى-، والاستعانة به، والتفويض إليه.
قال الحسن البصرى: "إذا قمت إلى الصلاة فقم قانتاً كما أمرك الله وإياك والسهو والالتفات وإياك أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره، وتسأل الله الجنة وتعوذ به من النار وقلبك ساه لا تدرى ما تقول بلسانك".
بون شاسع، وفرق كبير، يظهر للمتأمل المقارن بين ما عليه أحوال السلف من التبكير إلى الصلاة، والحرص على إدراك تكبيرة الإحرام والصف الأول، بل ومجيئهم إلى الصلاة قبل سماع الأذان، وما عليه حالنا اليوم من التأخر في الصلوات والتثاقل عن القيام إليها، والتكاسل في التبكير إلى الصف الأول، بل وفوات كثير من الصلوات جماعةً، لا لسبب سوى التراخي والتسويف والكسل.
من هنا كانت هذه الكلمات؛ لندرك من خلالها فضل التبكير إلى الصلاة، ولنتعرف على حال السلف في ذلك، لعلها تحرك ساكن النفوس، وتبعث الهمم.
التبكير إلى الصلاة، والمبادرة إلى المسجد، وانتظار إقامة الصلاة، والاشتغال بالذكر والقراءة والنوافل من أسباب المغفرة، ومن أعظم الخيرات، وهو دليل على تعظيم الصلاة، وتعلق القلب بالمسجد؛ أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه... ".
والتهجير: التبكير إلى الصلاة.
قال ربيعة بن يزيد: "ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضًا أو مسافرًا" [السير 5/240].
وقال يحيى بن معين عن يحيى بن سعيد: "إنه لم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة" [السير 9/181].
وقال سعيد بن المسيب: "ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة"[وفيات الأعيان 2/375].
ونقل ابن سعد عنه أنه قال: "ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة"[الطبقات 5/131].
وقال وكيع بن الجراح: "كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى"[تذكرة الحفاظ 1/154].
وبعض السلف لم تفته التكبيرة الأولى مع الإمام إلا في يوم واحد منذ أربعين سنة ولعذر، فقد قال ابن سماعة: "مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوم ماتت أمي"[السير 10/646].
قال عدي بن حاتم: "ما جاء وقت الصلاة إلا وأنا إليها بالأشواق، وما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا لها مستعد"[الزهد/249].
وذكر الحافظ الذهبي عنه أنه قال: "ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء"[السير 3/164].
وقال سفيان بن عيينة: "إن من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة"[صفة الصفوة 2/235].
وهذا إبراهيم بن ميمون المروزي أحد الدعاة المحدثين الثقات من أصحاب عطاء بن أبي رباح، وكانت مهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة، قال ابن معين: "كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردّها"[تهذيب التهذيب1/151].
وقد حث سفيان بن عيينة على السير إلى الصلاة حتى قبل النداء، فقال: "لا تكن مثل عبد السوء لا يأتي حتى يدعى ائت الصلاة قبل النداء"[التبصرة 1/137].
وإذا كان هذا ما عرفناه من اهتمامهم بالصلاة وبتكبيرة الإحرام خصوصًا، فلا غرابة، إذا قال إبراهيم النخعي: "إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منه"[صفة الصفوة 3/88].
قال قاضي الشام سليمان بن حمزة المقدسي: "لم أصل الفريضة منفردًا إلا مرتين وكأني لم أصلهما قط، مع أنه قارب التسعين"[ذيل طبقات الحنابلة 2/365].
اللهم اجعلنا ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد، يا رب العالمين.
أقول...
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: متى ما تغلغل حب الصلاة إلى شغاف القلب، فلن يشبع المسلم منها، فهذا حال السلف مع التبكير للصلاة، وأعظم من ذلك، بل كانوا يتألمون لفوات هذا الخير العظيم والأجر الجزيل، قال محمد بن المبارك الصوري: "كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى" [تذكرة الحفاظ 1/219].
ولم تكن صلاة الجماعة تعدل عندهم شيئًا من أمور الدنيا التي أصبحنا نلهث وراءها وربما نؤخر الصلاة من أجلها، فقد أتى ميمون بن مهران المسجد، فقيل له: "إن الناس قد انصرفوا، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لفضل هذه الصلاة أحب إلي من ولاية العراق"[مكاشفة القلوب/364].
وقال حاتم الأصم قال: "فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا" [مكاشفة القلوب/364].
عباد الله: ومما يدمي القلب، التأخر عن صلاة الجمعة، فكم هي المساجد التي يدخل خطيبها، ولا يوجد في المسجد إلا ربع المسجد أو أقل وعند الإقامة تغص الأبواب بالواقفين، بل إن وقت الخطبة يقترب ولم يكتمل الصف الأول، فما هذا الزهد في الخير؟ هذا فضلا عمن لم يسمع الخطيب منذ زمن وأحيانا تفوته الجمعة فيصليها ظهرا.
وكذلك التبكير لصلاة الجماعة، فكثير من المساجد تقام الصلاة ولم يحضر أحد ثم يمتلئ المسجد بالمصلين.
فلنبادر، ولنحث أولادنا على ذلك، فإن ذلك من عناوين السعادة.
نسأل الله -تعالى- بمنه وكرمه أن يجعلنا من أهل التبكير والصفوف الأولى، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي