لقد بينت الاحصائيات أنه في النصف الأول من هذا العام الحالي 2013م لقي 1217شخصاً من مختلف الفئات العمرية مصرعهم في حوادث سير وأصيب 6067 آخرين بإصابات مختلفة في تلك الحوادث. وأرجع التقرير أسباب وقوع هذه الحوادث إلى السرعة الزائدة، وإهمال السائقين والمشاة، و...
من النعم الجليلة التي أنعم الله بها على الناس في هذا العصر: نعمة النقل والمواصلات الحديثة، وما ظهر في هذا الزمن من الآت ومركبات خفيفة وسريعة.
وسائل تقطع المسافات الطويلة في الساعات القليلة، وتقرب الأماكن البعيدة لتصبح قريبة، يقول الله -سبحانه وتعالى- ممتناً على عباده بهذه النعم العظيمة: (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) [الزخرف: 12- 14].
ويقول سبحانه وتعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 8].
فهذه الآية العظيمة فيها إشارة واضحة إلى الأشياء التي سيركبها الخلق في البر والبحر، وما سيستحدث فيها وما سيحصل من تغير وتتطور في وسائل النقل والمواصلات التي يستعملها الناس في منافعهم ومصالحهم، ولهذا قال الله: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 8].
فإذا كانوا قديماً يعلمون أن من وسائل النقل والمواصلات الخيل والبغال والحمير، فإن الناس يعلمون اليوم أن هناك وسائل حديثة قد ظهرت؛ كالسيارات والدراجات النارية، والقطارات والطائرات، وغيرها.
أيها الناس: من الظواهر السيئة التي انتشرت في مجتمعنا اليوم ظاهرة كثرة الدراجات النارية بين الشباب لحاجة، ولغير حاجة، والسرعة الجنونية التي يقودونها بها، وتعمد إحداث الفوضى والشغب بها والتسابق فيما بينهم البين عليها وقيادتها من قبل أطفال صغار، يجوبون الشوارع ليل نهار بها، ومعهم أصحابهم يحملونهم عليها، فتجدهم أحياناً أربعة أشخاص، أو خمسة، على دراجة واحدة، يمشون بسرعة خيالية في شوارع عامة في وسط الناس وبين الزحام.
شباب يعلوهم الطيش والتهور، ولا يدرك بعضهم قيمة هذه المركبة التي يركبها، وينسى نفسه حينما يكون فوقها، ولا يعرفون مسئوليتها، ولا يحافظون أدنى المحافظة عليها؛ لأنه لم يتعب فيها، ولم يخسر في شرائها، ولم يأت بها أصلاً إلا لقصد اللعب والعبث والمباهاة.
يملئون الشوارع ويخططونها ويمشون فيها بالمخالفات الواضحة، والتجاوزات الغريبة، والتعديات السافرة، والاستعراضات البهلوانية الساذجة، والتفحيطات الساخنة، والتسابق الذي لا حاجة له، والذي يكون غالباً في غير مكانه.
وأما التعدي على قواعد السلامة، وإشارات المرور، فحدث عن ذلك ولا حرج، بل تجد كثيراً منهم لا يعلم شيئاً عن هذه الأنظمة واللوائح المرورية، ويجهل جهلاً تاماً بما تدل عليه تلك الإشارات والعلامات التي جعلت لضبط الحركة، وبعضهم يتعلم على السواقة، ويخرج إلى الشوارع العامة، ويتدرب على القيادة بين الناس في وسط الشوارع المزدحمة، بلا مبالاة ولا تعقل.
والنتيجة هي كثرة الحوادث والصدامات، وإزهاق الأرواح البريئة بغير حق، وإضرار الناس، والتسبب في قتلهم وإعاقتهم، وإضرارهم بالأضرار البليغة، والكسور الجارحة، والإعاقات المستدامة، والتشويهات الخَلقية، والمصائب المفجعة.
فكم من أب يتموا أطفاله، وكم من رجل رملوا نسائه، وكم من أسرة فجعوا أهلها، وأنزلوا عليهم الأحزان والمواجع، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195].
ويقول: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء: 29 -30].
ألا يعلم الآباء أنهم بإعطائهم تلك الدراجات لأبنائهم الصغار، وأولادهم الذين يسلمونّهم تلك المركبات، وهم يعلمون أنهم لا يحسنون قيادتها، ولا يتقنون سواقتها، ألا يعلم هؤلاء الآباء أنهم شركاء في الجريمة، وأن اللوم عليهم أعظم من لوم أبنائهم هؤلاء.
ألم يعلموا أن هذا ما هو إلا نوع وشكل من أشكال قتل الأولاد الذي نهى الله عنه، وحذر منه، فقال: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)[الأنعام: 140].
وقال: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ) [الإسراء: 31].
وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ) [الممتحنة: 12].
فجلب الآباء والأمهات لأبنائهم هذه الدراجات، وتسليمهم إياها بهذه الصورة، ما هو إلا قتل لهم، وإزهاق لأرواحهم، ونحرهم بصورة عصرية مقيتة.
ولم يكتف بعضهم بما يحدثونه عبر هذه الدراجات النارية من الفوضى والازعاج، وإرهاب الناس في الشوارع والطرقات، وإنما يقومون أيضاً باستغلالها في الفساد، وجلب الشر، وتوطيد العلاقات السيئة، والصحبة المضرة، وإركاب الأولاد المردان خلفهم، والاستعراض بهم، ومحاولة الظهور أمام الآخرين باصطحابهم، وإقامة العلاقات معهم، والفرح بذلك أمام زملائهم فرحاً ساذجاً، بغرور واضح، وسذاجة مقيتة.
ولم يعد الأمر مقتصراً على إركاب الأولاد المردان والاستعراض بهم، وإنما تطور الأمر وجاءت قاصمة الظهر، حيث يقوم بعضهم بلا حياء ولا حشمة بإركاب صديقته معه، وحملها في الدراجة إلى جانبه، وإمساكها به مسكة تدل على التفلت، ونحر الحشمة، وقتل الغيرة، ثم يطوف بها من شارع إلى شارع، ومن مكان إلى مكان آخر، والله المستعان
وانتشرت هذه الظواهر المخلة، والمظاهر السيئة، خاصة في الشوارع القريبة من الحدائق، وأماكن التنزه؛ كشارع الستين، وغيره، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النــور: 21].
بعض الناس قد يضطر إلى حمل زوجته، أو أحداً من محارمه معه على الدراجة، إلا أن المشكلة تكمن في أن بعضهن عندما تركب الدراجة النارية تركبها من غير أن ترتب نفسها، وتهيئ ،وضعها أو يكون عليها لباساً مخلاً، أو نقابها قصيرا، فإذا مشى بها انكشف ظهرها، أو نحرها، أو ساقها، أو غير ذلك من أجزاء بدنها، فلينتبه لذلك، وليحذر من التساهل فيه، حتى لا يتعرضن للنظرات المسمومة، والألسن الفاجرة، يقول الله -سبحانه وتعالى- مخاطباً النساء: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النــور: 31].
أيها الأب: إذا أردت أن تشتري لابنك دراجة، فاسأل نفسك أولاً: هل هو فعلاً في حاجة ماسة لها، أم أن الأمر مجرد وسيلة من وسائل الترويح عن النفس واللهو والمخاطرة؟.
ثم هل هو يحسن قيادتها عارفاً بنظامها وأنظمة السير وإشارات المرور؟ وإذا كان عارفاً بذلك فهل يلتزم بها أم أن الحال هو عكس ذلك، كما هو حال كثير من هؤلاء الشباب الذين يملكون هذه الدراجات، والذين نرى كثيراً منهم لا يراعي هذه القواعد المرورية، ويتجاوز كل اللوائح والأنظمة، يشجعهم على ذلك المرور نفسه بالسماح لهم، بعكس الخطوط والتغاضي عنهم والتفريق بينهم في الأنظمة، وبين أصحاب السيارات والمركبات، مما شجعهم على اللعب والعبث أكثر وأكثر؟.
فلنتق الله في أنفسنا، ولنتق الله في مجتمعنا، ولنتق الله في أرواح الخلق وممتلكاتهم، ولنتق الله في أبنائنا أنفسهم قبل أن يرتطم بشيء، أو يحدث له حادث، فنبكي عليه حين لا ينفع البكاء، ونندم في وقت لا ينفع فيه الندم.
لقد بينت الاحصائيات أنه في النصف الأول من هذا العام الحالي 2013م لقي 1217شخصاً من مختلف الفئات العمرية مصرعهم في حوادث سير وأصيب 6067 آخرين بإصابات مختلفة في تلك الحوادث.
وأرجع التقرير أسباب وقوع هذه الحوادث إلى السرعة الزائدة، وإهمال السائقين والمشاة، وعدم التقيد بالقوانين المرورية، وآداب الطريق، وكذا التجاوز الخاطئ على الطرقات، ووجود أعداد كبيرة من السيارات التي فقدت صلاحيتها الفنية، بالإضافة إلى تعاطي القات، والحديث بالهاتف، أثناء القيادة.
بعد هذا كله -يا عباد الله-: يجب علينا أن نقف مع أنفسنا وأولادنا وشبابنا تجاه هذه الأمر، وقفة جد، قبل أن يكونوا ضحية وعبرة لغيرهم، فالسعيد من وعظ بغيره، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا ضرر ولا ضرار" فاعتبروا يا أولي الأبصار.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي