إن الحصار الظالم الذي فرض على إخواننا من أهل السنة والجماعة في دماج إنما هو صورة مصغرة ونسخة أولية من الحصار العام الذي يراد فرضه على الجزيرة كلها، وعلى المسلمين بشكل عام، ويسعى الروافض إلى تطبيقه تطبيقاً عاماً على أهل السنة كلهم، فهل رأينا بشاعة ذلك الحصار وشدته؟ وهل تمعنا في قسوته وغلظته حتى نعي الخطر، وندرك بشاعة الواقع هناك، والذي يراد إيقاعه بنا نحن أيضاً؟ ...
الحمد لله ناصر المستضعفين، وولي المسلمين، وجابر المنكسرين، وناصر عباده الموحدين، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين، الذي بعثه ربه بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: كثرت مصائب المسلمين وعظمت جراحهم، وتتابعت مآسيهم، فلا يكاد يلتئم جرح إلا ويأتي بعده جرح آخر أشد وانكأ من الجرح الذي قبله، ومأساة أعظم من سابقاتها؛ ومن آخر ما سمعنا من جراح المسلمين ومآسيهم جرح دماج الغائر الذي انفتق في هذه الأيام، وكثر الحديث عنه، وتحدثت وسائل الإعلام بأشكالها وألوانها عن محنته والآمه.
إن هذا الجرح المؤلم لم يكن حديث الساعة ولا وليد اليوم، وإنما هو جرح قد ثار من قبل، وسُمع أنينه من قبل هذا الوقت، ولكنه في هذه الأيام قد اشتد وجعه، وعظم بلاؤه، وسمع نحيب صوته والله المستعان.
لقد حاصر الحوثيون الروافض إخواننا أهل السنة وشدوا عليهم الخناق، وأحكموا عليهم القبضة، وقطعوا عنهم الطعام والأدوية، ودمروا عليهم مضخات المياه التي تمدهم بالماء حتى يشتد عليهم الحصار أكثر وأكثر. فوقع من جراء ذلك محن عظيمة، وبلايا جسيمة، وموت جماعي، خاصة في جانب الأطفال والنساء، وتفشت بسبب الحصار أمراض معدية، وأخطار محدقة، وسوء تغذية، فبأي ذنب يحاصر الأطفال وتحاصر النساء؟.
إنه إجرام واضح، وتعد سافر، وحرب دموية يراد من خلالها محاصرة أهل السنة في سجن كبير، والتنكيل بهم وضربهم ضربات موجعة، حتى يتهيأ للروافض المجوس أن يتمتعوا بالسيطرة على تلك المناطق الحيوية من شمال اليمن.
إن حصارهم هذا ليس حصاراً على دماج فقط، ولا على صعدة فقط، ولا على شمال اليمن فقط، ولا على اليمن بشكل عام دون غيره، وإنما المقصود منه فرض حصار عام على أهل السنة والجماعة في الجزيرة العربية كلها، والاستيلاء على المناطق الحدودية والممرات الهامة، حتى يتهيأ لهم الجو لخنق أهل السنة ومحاصرتهم من جنوب الجزيرة إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها.
إنه حصار الكل فيه مستهدف، وكلنا مقصودون به، فهل تنبهنا لهذا الخطر؟ أم لازال بعضنا إذا سمع الحديث عن دماج ادعى أن قضية دماج قضية لا علاقة لهم بها، ولا دخل لهم فيها، وليس لهم فيها ناقة ولا جمل -كما يقولون-.
إن الحصار الظالم الذي فرض على إخواننا من أهل السنة والجماعة في دماج إنما هو صورة مصغرة ونسخة أولية من الحصار العام الذي يراد فرضه على الجزيرة كلها، وعلى المسلمين بشكل عام، ويسعى الروافض إلى تطبيقه تطبيقاً عاماً على أهل السنة كلهم، فهل رأينا بشاعة ذلك الحصار وشدته؟ وهل تمعنا في قسوته وغلظته حتى نعي الخطر، وندرك بشاعة الواقع هناك، والذي يراد إيقاعه بنا نحن أيضاً؟.
إن الواقع هناك يحكي آلاماً محزنة، ووقائع مبكية، وقصص دامية، قتلٌ على الهوية، وإجرام وتنكيل بكل من يثبت عليه أنه سني، حتى لو كان سنياً بمجرد الاسم والقبيلة.
واغتيالات للكوادر السنية والشخصيات السلفية والرموز القبلية التي تخالف الحوثيين ولا تقف في خندقهم، حتى لو لم تكن مشاركة في الحرب ضدهم، فمجرد عدم التأييد لهم يعتبر تهمة تثبت القتل في حق الشخص وإعدامه، خاصة إذا كان من هؤلاء الرموز والكبراء.
ولم يكتفِ الحوثيون المجرمون بفرض الحصار على أهل السنة والجماعة في تلك المعتقلات الإجرامية والسجون الرهيبة، وإنما طوقوا دماج كلها بالحصار لأن فيها يتمركز طلاب العلم، وبها توجد دار الحديث، وهم أشد الناس عداوة لأهل السنة والحديث والصحابة الذين نقلوا لنا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ورووها لنا!.
يقول الله -تبارك وتعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة : 82]، فالله -سبحانه وتعالى- يخبرنا في هذه الآية أن أقوى الناس وأشدهم عداوة للمؤمنين الصادقين هم اليهود والمشركين، وهؤلاء الروافض هم من جملة المشركين لأنهم عبدوا مع الله الحسن والحسين وأهل بيتهم الغر الميامين -رضوان الله عليهم أجمعين-.
ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج : 8].
فماذا ينقم الحوثيون الروافض على المؤمنين حتى يفتنوهم عن دينهم ويحاصرونهم ويؤذونهم ويهجرونهم من بلدانهم؟ لا سبب في ذلك إلا سبب واحد إنه إيمانهم بالله وصحة اعتقادهم فيه، وإيمانهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومحبتهم له -عليه الصلاة والسلام-، هذا هو سبب معاداة هؤلاء المجرمين لهؤلاء المؤمنين المستضعفين.
ما الذي يجعل هؤلاء الحوثة الفجرة أن يستمروا في فرض هذا الحصار الظالم؟ هل يوجد في دماج كفار أمريكيون أو يهود اسرائيليون حتى يقوم الحوثيون -الذين يرفعون زوراً وبهتاناً شعار الموت لأمريكا واليهود- بفرض الحصار عليهم؟ هل يوجد في دماج تلك القرية الوادعة غير طلاب علم مسالمون وادعون لا علاقة لهم إلا بكتبهم ومشايخهم وعلمائهم فلم هذا الحصار عليهم؟ وبأي ذنب يحاصر هؤلاء؟.
لقد حاصر المشركون النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في شعب بني طالب ثلاث سنوات اضطروهم فيها إلى أكل أوراق الشجر، والعيش في أعلى درجات الخطر، فما السبب ياترى في حصارهم لهذه العصبة المؤمنة بالله الموحدة له؟ إنه إيمانهم وتوحيدهم دفع هؤلاء الكفار إلى فرض الحصار عليهم وتشديد الخناق ضدهم.
ما الذي جعل اليهود يفرضون على إخواننا المسلمين المستضعفين في غزة الحصار، ويقطعون عنهم كل الامدادات، ويقومون ضدهم بشن الحملات، ويكيدونهم بشتى أنواع الكيد والمؤامرات؟ إنه اختيارهم للإسلام ليكون منهج حياة لهم، فلأجل هذا حاصروهم ومنعوهم وقاتلوهم. (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة : 10].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله, والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه -صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد:
أيها الناس: لقد أصبحت منطقة دماج السنية معزولة تماماً عن جميع المناطق المحيطة بها؛ بسبب هذا الحصار الظالم الذي تفرضه الميلشيات الحوثية المعتدية عليها من كل الاتجاهات، فبأي ذنب يحاصر هؤلاء المساكين المستضعفين؟.
لقد أصبح الدخول إلى دماج أو الخروج منها أمراً بالغ الصعوبة بسبب الحصار، والوضع الإنساني حرج جداً ومتفاقم، والمواد الغذائية على وشك النفاذ من المنطقة إن لم تكن قد نفذت، والسبب الرئيسي لهذا هو الحصار.
لقد مات بعض المحاصرين من إخواننا في دماج بسبب الجوع، وجاء في عدة مصادر إخبارية بأن طفلاً في شهره الرابع توفي نتيجة لجفاف الحليب من صدر أمه, مات وهي تنظر إليه وينظر إليها، وهي تتمنى أن لو تفديه بروحها، ولكنه لفظ أنفاسه الأخيرة وهي عنده لا تستطيع أن تقدم له شيئاً؛ بسبب الحصار الجائر الذي يفرضه هؤلاء الظلمة الفجرة على دماج وأهلها.
لقد انتهى الغذاء، وانعدم الدواء، وجفت الزروع والضروع والثمار، وحل القلق والخوف، وانعدم الأمن، وجاءت الضربات على إخواننا المحاصرين من كل مكان، والاعتداءات تتواصل عليهم من كل الاتجاهات، وانقطعت عليهم بسبب الحصار كل الامدادات، بل حتى أبسط المقومات التي أولها الماء وآخرها الكهرباء ذهبت وانتهت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المسلمون: إن الحوثيين الروافض عازمون على إطالة أمد الحصار وتشديده على إخواننا هناك، فعلينا أن نقوم بدورنا تجاههم بالدعاء، والامداد، والنصرة، والقيام بإعانتهم بكل ما نستطيع عليه، حتى يتمكنوا -بإذن الله- من دحر هؤلاء الطغاة المجرمين، وقطع دابر فتنتهم عن أهل السنة في اليمن خاصة، وفي بلاد الجزيرة العربية عامة. يقول الله -سبحانه وتعالى- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال : 72] ويقول -تبارك وتعالى-: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) [النساء : 75].
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخُونُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ فِي مُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ .." [المعجم الكبير (13239) ] ، ويقول – عليه الصلاة والسلام-: "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ. يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ" [أبو داود (2751) ].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56]، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم رحماك بإخواننا المستضعفين في دماج, اللهم انصرهم واجمع على الحق كلمتهم, وأيدهم بجنود السموات والأرض.
اللهم أفرغ عليهم صبرًا وثبِّت أقدامهم وانصرهم على عدوهم.
اللهم ارحم شهداءهم، وعافي جرحاهم، واشفي مرضاهم، وفك قيد أسراهم، يا أرحم الراحمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي