عباد الله: المؤمن في هذه الأيام يعيش على ما يسمع وما يرى من أحداث، وإن هذه من الفتن التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكل من صح عنه عليه الصلاة والسلام سيقع لا محالة، والمؤمن يعيش مع هذه الأحداث فكيف يعيش معها؟ وكيف يعيش مع هذه الفتن التي تحيط به وتحدق به من كل مكان؟ وكيف يتعامل في مثل هذه الأزمات والشدائد، وهو يسمع ويبصر ما لا يكاد يصدق أحيانا، لولا أنه يراه بعينيه، ويسمعه بأذنيه؟
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الإمام المصطفى، والقدوة المجتبى، خير من دعا إلى الله، وأمر ونهى، فصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون، وما وحده الموحدون.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله -تبارك وتعالى- حق التقوى، واعملوا من العمل بما يرضى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
عباد الله: المؤمن في هذه الأيام يعيش على ما يسمع وما يرى من أحداث، وإن هذه من الفتن التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكل من صح عنه عليه الصلاة والسلام سيقع لا محالة، والمؤمن يعيش مع هذه الأحداث فكيف يعيش معها؟ وكيف يعيش مع هذه الفتن التي تحيط به وتحدق به من كل مكان؟ وكيف يتعامل في مثل هذه الأزمات والشدائد، وهو يسمع ويبصر ما لا يكاد يصدق أحيانا، لولا أنه يراه بعينيه، ويسمعه بأذنيه؟
يقول صلى الله عليه وسلم كما صح عنه: "والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا، حتى يأتي يوم لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قتل" قيل كيف يكون ذلك؟ يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يكون هذا الأمر؟
فقال عليه الصلاة والسلام: "الهرج".
والمقصود بالهرج هو: القتل وكثرته في آخر الزمان؛ قال عليه الصلاة والسلام: "الهرج القاتل والمقتول في النار".
ومع اشتداد هذه الأزمات، ووجود مثل هذه الفتن، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا تقوم الساعة، حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه" يتمنى أنه مات قبل أن يرى ما يرى من الفتن.
ولما كثر القتل والخلاف في عهد علي -رضي الله عنه وأرضاه- وقف على القتلى في يوم صفين وقال: "يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين عاما" لما رأى رضي الله عنه وأرضاه من الخلاف والفرقة في الأمة والقتل.
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه".
ووضع عن ثوبان -رضي الله عنه وأرضاه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" قال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت".
فانظر إلى أعدد الأمة الإسلامية اليوم بالمليارات، ولكن الأعداء يتربصون بها من كل مكان، ويتحكمون فيها كما يشاءون، وينكلون ويفعلون الأفاعيل، يقيمون حربا متى شاءوا، ويطفئونها متى شاءوا، ويحرضون متى شاءوا، كل ذلك تبعا لمصالحهم، والأمة منساقة لأولئك كيف شاءوا، ومتى شاءوا، وعلى الرغم من كثرها وما ذلك إلا للوهن الذي أصاب الأمة مع كثرتها بابتعادها عن شريعة ربها، بابتعادها عن كتاب ربها وسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم-، فليس –والله- هنالك مخرج من هذه الفتن، ومن هذا الوهن، ومن هذا الضعف، إلا بالعودة إلى دين الله، وإلى شريعته، بالعودة إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
يقول أيضا عليه الصلاة والسلام في هذه الفتن وعمومها للعرب، ورد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تكون فتنة تستنظف العرب..." ومعنى: "تستنظف العرب" أي تعمهم جميعا فلا يكادوا يسلم منها أحد.
قال: "تكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف".
وكم ترى في هذا الزمان مع ما يرى ويسمع من الفتن والشائعات، وإطلاق اللسان في تخويف الناس أحيانا، وفي إهانتهم أحيانا أخرى، وفي بث الوهن والضعف فيهم أحيانا أخرى، وغير ذلك من التحريض على الفتن، وعلى هذه البلايا، وعلى هذه الرزايا.
واللسان الناطق الرئيس اليوم في هذه الفتن، والقائد فيها، هي وسائل الإعلام الكاذبة التي ترهب الناس، وتخوف الناس، وتظهر للناس غير الحقائق، وتذكر لهم خلاف الواقع، حتى بثت الرعب في قلوب كثيرا من الناس، وأرهبت الكثير من الناس، وأوقعتهم فيما أوقعتهم فيه، من شر وخلاف وفرقة، فإن هؤلاء جميعا سيسألون عن ذلك بين يدي الله -عز وجل-، وربما يتحملون كثيرا من الأوزار والآثام التي يكونون سببا في وقوعها، بسبب ما يتعاملون به، وينشرونه على الناس.
يخرج عليه الصلاة والسلام في ليلة من الليالي مستيقظا من نومه فزعا مذعورا صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: "لا إله إلا الله" كم أنزل هذه الليلة من الخزائن؟ وكم أنزل هذه الليلة من الفتن؟".
في ليلة واحدة رأى عليه الصلاة والسلام رأى خزائن كثر نزلت من السماء، ولكنه نزلت مع هذا الأموال والخزائن كثيرا من الفتن، ما تكون الفتن وكثرتها مع الأموال وكثرتها، ومع الدنيا والتوسع فيها، ثم يقول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "من يوقظ أصحاب الحجرات".
إن الأمر -يا عباد الله- أمرا خطيرا يحتاج إلى المسلم أن يراجع نفسه، وأن يتقي الله ربه، وأن يحذر من الانزلاق في مهاوي الردى والفتن، أو التحريض عليها، أو الإعانة عليها، فإن ذلك من أعظم الأمور وأخرها.
فليتق لله امرؤ في نفسه، ومن استرعاه الله -عز وجل- إياه.
أقول هذا القول واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
ثم أما بعد:
عباد الله: كيف يكون حال المؤمن مع الفتن ومع كثرتها؟
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشار في الحديث إلى أمر عظيم، ومن أسباب الفتن في حال الفتن وكثرتها في قوله عليه الصلاة والسلام: "من يوقظ أصحاب الحجرات" أي نساءه صلى الله عليه وسلم، وبداية بأهل بيته، فإن من أعظم أسباب النجاة من الفتن والعصمة -بإذن الله عز وجل- منها بعد أداء الفرائض، هو: الالتجاء إلى الله -جل وعلا-، وخاصة بقيام الليل، والصلاة في جوف الليل، والدعاء في جوف الليل، فإن ذلك -بإذن الله عز وجل- مظنة إجابة الدعاء، والنجاة والخلاص -بإذن الله عز وجل - من كثير من الفتن التي يخشى منها الكثير من الناس.
ثم -يا عباد الله-: أيضا مما ينبه إليه، ويدعو إليه، بل ويأمر به في مثل هذه الأزمات، ومثل هذه الشدائد أن لا ننساق وراء الدعايات المضللة، والأمور التي تزيد نار الفتنة، وتشعلها في قلوب الناس، وفي أوساط الناس، إنما يجب علينا بعد الاعتصام بكتاب ربنا، والالتزام بسنة نبينا، هو اجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، والبعد عن أسباب الخلاف والشتات والفرقة، فإن الله -جل وعلا- امتن على هذه الأمة حيث قال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 103].
فمن عاش في زمن قديم أيام الفرقة والشتات، والخلاف والرعب والخوف، فعليه أن يذكر أو يتذكر قدر نعمة الله -عز وجل- التي امتن بها عليه من اجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، وليبتعد عن أسباب الشتات والاختلاف والفرقة؛ فإن ذلك من أعظم أسباب النجاة.
ويا عباد الله: كل نعمة تصبحون فيها وتمسون فيها، فإنها هي من الله -عز وجل- وحده، فاشكروه على هذه النعم، صحة وعافية في الأبدان، وأمن في الأوطان، وحياة تعيشونها بلا قتل وبلا تشريد، وبلا خلاف، وبلا فرقة، فإن هذه من أجل النعم وأعظمها التي يجب على المؤمن أن يستشعرها، فيحمد الله -تبارك وتعالى- عليها؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".
وفي رواية: "بحذافيرها".
فقدروا قدر هذه النعمة التي امتن الله -عز وجل- بها عليكم، واحفظوها بالدعوة إلى جمع الكلمة، وتوحيد الصف، والبعد عن الشتات والخلاف والفرقة، وأسبابها، عسى الله -جل وعلا- أن يحفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله: هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرة".
اللهم صل وسلم وبارك...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي