إن دين الإسلام هو الدين الحق، وهو الدين القوي المحكم، لا يمكن محاربته، ودفع الناس عنه بشكل سافر مباشر، ولهذا السبب يلجأ خصومه إلى طرق ملتوية للنيل من هذا الدين، لا بإعلان رفضه، لا، ولكن بحرب مفهومه، وتنويع أحكامه وتعاليمه، حتى يمنعوها من الهيمنة على الحياة وشؤونها. ولعل آخر متكئ مال إليه القوم لتحقيق مآربهم، هو موضوع: الـ...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن دين الإسلام هو الدين الحق، وهو الدين القوي المحكم، لا يمكن محاربته، ودفع الناس عنه بشكل سافر مباشر، ولهذا السبب يلجأ خصومه إلى طرق ملتوية للنيل من هذا الدين، لا بإعلان رفضه، لا، ولكن بحرب مفهومه، وتنويع أحكامه وتعاليمه، حتى يمنعوها من الهيمنة على الحياة وشؤونها.
ولعل آخر متكئ مال إليه القوم لتحقيق مآربهم، هو موضوع: التسامح، وهم يتكئون لطرحهم للموضوع على تأويلهم الخاص، لبعض النصوص.
وسنعرض اليوم -إن شاء الله- لبعض تلك الشبهات التي يوردونها ويقدمونها للناس من خلال وسائل الإعلام.
التسامح هو: التساهل، والنفس السمحة، هي التي يكون صاحبها هين لين، ينقاد للحق بكل يسر وسهولة.
الإنسان السمح حليم ومعطاء كريم، لا يكاد يرد طلبا.
ولصاحب النفس السمحة علامات أخرى ظاهرة على محياه، وعلى سلوكه؛ منها: طلاقة الوجه والتبسم، ومبادرة الناس بالسلام والصفح، والإغضاء عن الخطأ الواقع في حقه، متمثلا قوله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[الزخرف: 43].
ومن عادة الإنسان السمح في الفقير اليتيم من الأخطاء، ولا يقف عندها، ولا ينقب عنها، قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ، كَالْجَمَلِ الأنِفِ، الَّذِي إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِذَا أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ".
"الجمل الأنف" أي الذي لا يمتنع على صاحبه، [والحديث حسن، رواه ابن المبارك].
جاء في شرح المشكاة: "المؤمنون كلهم من زمان انقيادهم واجتماعهم في سبيل إرضاء مولاهم مثل الجمل الواحد المألوف".
فالسماحة صفة من صفات أهل الحسن، والخلق الحسن من المؤمنين أولئك الذين تسعد النفس بمرافقتهم، والتعامل معهم.
ولذلك دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصاحب هذا الخلق بالرحمة، قائلا: "رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى" [رواه البخاري].
وصفة السماحة هي صفة للشرع ذاته، قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) [الحـج: 78].
وقال أيضا سبحانه: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185].
وقال عليه الصلاة والسلام: "إني أرسلت بحنفية سمحة" فحنفية، أي مائلة عن الباطل إلى الحق، وسمحة، أي خالصة عن الحرج، خفيفة على الآدمي لا رهبانية فيها، بل تراعي غرائزه، وحاجاته الفطرية.
ففي البخاري من حديث أنس –رضي الله عنه-: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا، فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم لما سمع بمقالتهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا ويسروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة" [رواه البخاري].
قال الحافظ في شرحه لمعنى: "سمحة" وهي صفة لشريعة الإسلام" قال: "سمحة" أي بالنسبة إلى الأديان قبله...".
المقصود بالأديان الشرائع، وإلا فإن الدين عند الله الإسلام منذ أن خلق آدم -عليه السلام-.
قال: "سمحة " أي بالنسبة إلى الأديان قبله؛ لأن الله رفع عن هذه الأمّـة الإصر الذي كان على من قبلهم" (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف: 157].
وقال: ليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة أن يكون الطلب بالكمال في العبادة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملل، وهو المقصود بقوله: "واستعينوا بالغدوة" أي استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات النشطة المنشطة، ولا تبالغ في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، كمن بات يصلي الليل كله، ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل، فنام عن صلاة الصبح مع الجماعة.
وقال في مقام آخر: فيه التحذير من الغلو في الديانة، والتنطع في العبادة، بالحمل على النفس فيما لم يأذن فيه الشرع، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما صح في المسند يوم سمح لبني أرفدة: أن يلعبوا بحرابهم في العيد، قال: "لتعلم يهود أن ديننا فيه فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحاء".
هذا هو المقصود بسماحة الإسلام.
فكون الدين سمح في ذاته يحاكي الفطر، ويراعي الحاجات البشرية، بلا تعدي على حد من حدود الله، وبدون تساهل الإنسان في أحكامه العقدية والفقهية بحجة سماحة الدين، هذا شيء وكون أن المسلم يحمل صفة التسامح، ثم يترك واجب من الواجبات، أو يفعل محرم من المحرمات، بحجة السماحة، شيء آخر.
فالسمح حليم واسع الصدر، هين سهل، ينقاد للحق بلا مشقة، ولكنه لا يلين للباطل، ويرضى بالمنكر، ويخنع للفساد، فهذا شيء آخر، والذين يريدون خلط المفاهيم، وتحميل صفة التسامح ما لا تحتمل، إنما يفعلون ابتغاء تحقيق مآربهم في رؤية المجتمع المسلم طليقا من أحكام الشرع، لا هيمنة للدين على ذلك المجتمع، سوى في المسجد، أما خارج المسجد، فهو خاضع للشهوات بلا أدنى قيد.
فالتسامح عند أصحاب هذا الفكر، يعني فك القيود الشرعية، فلا قيود شرعية على تبرج النساء، ولا قيود على الاختلاط، ولا قيود على الفن، ولا قيود شرعية على الإعلام، ولا داعي للتوسع في المناهج الدينية إذاً، ولا داعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن سماحة الدين في مفهومهم تقتضي السماح للآخر بالمجاهرة، بما يشتهيه من منكر، أو كتابة ما يحلو له من باطل، أو الظهور بما يهواه، بلا قيد.
المشكلة أن البعض فعلا يحسبون التسامح في أمور الدين، هكذا، ومطلوب ومستحب على الإطلاق كما يراه أولئك، وهذا خطأ لا يرد إلا عن جهل، أو غرض في النفس.
ليس هذا من هديه صلى الله عليه وسلم وهو السمح صلى الله عليه وسلم، بل هديه الوقوف عند أحكام الشرع واحترامها، بل والدفاع عنها، فلا تسامح في أحكام الشرع، ولا قيد شعرة.
ألم يحذر جل وعلا نبيه -صلى الله عليه وسلم- قائلا: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)[الإسراء: 73- 57]؟
وقال محذرا من الحيدة عن العلم، والتساهل في أمر الدين: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 145].
لا تسامح في حدود الله، ومتى ما عرف المسلم الحق لزمه أن يتبعه، لا مناص في ذلك، ولا منجى من ذلك من الله، ومن عرف الحق، وتعذر بمفهوم التسامح، كان كاليهود، إذ قال الله -تعالى- فيهم: (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 101].
ولقد غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الغضب عندما رغب بعض أهل قريش في أن يتسامح في الحكم على المرأة المخزومية التي سرقت، وقال لأسامة مغضبا: "أتشفع في حد من حدود الله؟!".
قال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49].
إذاً كيف لو أنهم طالبوا بأكثر من ذلك؟!
هذا هو منهج الإسلام في موضوع التسامح، فمعنى التسامح: تسامح المسلم، وامتلاكه لنفسه، في ود وتآلف، تكون نفس المسلم سخية، تعطي الخير، ولا تشح فيه، لينة رحيمة، لا فظة ولا غليظة.
تسامح المسلم، وهو تسامحه فيما يتعلق بخاصة نفسه، لا بدين الله، فلا ينتقم لنفسه، بل يقدم الصفح على الانتقام.
أما إذا انتهكت حدود الله، فإن السمح يغضب لربه، ويذوب عن دينه، ولا ينافي ذلك تسامحه، فالتسامح لا يقلل الغيرة على حدود الله.
وأما معنى سماحة الإسلام، أي أنه بأحكامه يراعي فطرة الإنسان، فلا يأمر بالرهبانية، فيمنعهم من الزواج، ولا ينهاهم عن إظهار الفرح في صورة عفيفة نظيفة، ولا من اللهو المباح بين الحين والآخر، ولا يشق عليه بما لا يحتمل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16].
(لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286].
هذه هي السماحة، معنى سماحة الإسلام: أنه لا يربط العبادات والمعاملات بما يضر الإنسان، أو بما يرهقه: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185].
ويسهل له العبادة في حالات الضرورة؛ كالمرض، والعجز، وفي حالات المشقة؛ كالسفر والجهاد.
بهذا تفسر سماحة الإسلام، لا أن تفسر سماحته بالرضا بالعقائد الفاسدة والبدع، والسكوت عنها، يقول: "دين سماحة، نسكت عن البدع!" لا، ولا بالتساهل في الشبهات، أو التهاون في ارتكاب المحرمات، أو التنازل عن النهي عن المنكر، هذا لا يعتبر تسامحا، بل خورا وضعفا في الدين.
لذلك نرى الإمام الذهبي -رحمه الله- عندما تكلم في تخريجه لأعلام النبلاء، يحذر من التهاون في أمور الدين، ويعتبر التسامح في أمور الدين من الصفات القادحة، فيقول في أبي القاسم هبة الله الهمذاني، قال ابن الدبيثي: "فيه تسامح في الأمور الدينية، ولذا قيل فيه كان غير مرضي السيرة في دينه".
يتسامح في الدين ليس في أموره الخاصة، قال، وقال عنه ابن النجار: "وكان يتعاسر، ويسب أباه الذي سمعه، وفيه قلة دين".
قال أبو نعيم: سئل أبو علي الروذباري عمن يسمع الملاهي، ويقول: "إنه وصل إلى منزلة لا يؤثر فيه اختلاف الأحوال" يعني لا يتأثر إذا سمع الملاهي ما شاء الله إيمان عالي، فقال: "نعم وصل، ولكن إلى سقر".
وقال: من الاغترار أن تسيء، فيحسن إليك، فتترك الإنابة والتوبة توهماً أنك تسامح في الهفوات، وترى أن ذلك من بسط الحق لك.
هذا شيء من الغرور، نسأل الله -تعالى- أن يعافينا منه، وأسأله -تعالى- أن يرينا الحق حقا، ويرزقنا إتباعه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، وسيد المرسلين، نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لا خلاف بأن قضية الدين هي أهم قضايا المسلم، فمن خلال دينه يخط المسلم منهج حياته، ويسير على ضوء ذلك المنهج بارتياح وأمان، وإذا علمنا أن قضايا الدين هي أهم وأعظم القضايا، فمن نقصده كي يفتينا في أصولها وفروعها؛ حتى نسير على منهجها، هل هو كل من هب ودب، أو من نقبل اجتهاده في النظر في نصوص الكتاب والسنة، لاستنباط المواقف السليمة تجاه المستجدات، هل الصحفي؟ الكاتب؟ الفيلسوف؟!.
هذه هي الظاهرة التي نراها اليوم، وهي ظاهرة خطيرة؛ لأنها تؤدي إلى الجرأة على دين الله، والخوض فيما ليس للمتكلم علما في أشد الأمور حساسية، ولا طالما اعتنينا بالاختصاص، فإذا كان الحوار حول الطب، جيء بأهل الاختصاص، وإذا كان الحوار حول اللغة العربية، جاءوا بأهل الاختصاص، وإذا كان الحوار عن الأدب فأيضا أتوا بأهل الاختصاص، وإذا كان الحوار عن قضايا الفن جاءوا بأهل الاختصاص، بل حتى إذا دار الحديث حول شؤون المطبخ جاءوا بأهل الاختصاص.
أما إذا كان الحوار عن قضايا الشرع، ونظرة الإسلام تجاه تلك القضية، فالأمر يختلف، يبدؤوا بالتساهل، فالدين سهل، والدين سمح!.
من يدع إلى الحوار أحيانا أهل الاختصاص؟ قالوا: لا ليس بالضرورة! لماذا نلغي الرأي الآخر؟! يجب أن نجتنب الفكر الإقصائي! ونبتعد عن النظرة الأحادية! فالدين ليس حكرا على أحد!.
هذا ما نقرأه في كثير من الصحف من بعض الكتاب المعروفين، والذين يلتقى بهم في بعض الفضائيات، لماذا نقصي؟!
سبحان الله، أين ذهبت المطالبة بالاختصاص قبل قليل، ثم نطالب بالاختصاص في كل مجال من المجالات، والآن لما جاء الدين، ومسائل الدين، كان الدين كالجدار القصير كل يقفز من فوقه!.
يرد الحديث حول مسألة من مسائل الدين في إحدى وسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة، أو المقروءة، ولنقل مسألة التسامح مثلا التي نحن في صددها، والتي يستوجب على المتحدث فيها ذا علم شرعي، وتجربة دعوية، فمن يستضيفون يا ترى؟ علماء اتفق على سلامة منهجهم؟ طلبة علم ودعاة على هدي الصحابة وتابعيهم؟
كلا، يستضيفون أساتذة اجتماع، أو كتاب، أو صحافيين، لا يملكون مقومات الحديث حول مسائل الدين لا بتخصصهم، ولا حتى في مظهرهم.
ولا هم استضافوا معهم أحدا من طلبة العلم على الأقل، يشارك في الحوار، فيتم النقص الذي لديهم، ويصحح الأخطاء، لا، لا داعي، لا نريد الإقصاء، وأفسحوا للرأي الآخر، ويدور الحوار، وتبدأ الفلسفة، والقول الخطأ، والقول في الدين بلا علم!.
أقول إنها ظاهرة خطيرة يجب أن نتنبه إليها، وأن نحذر من استغلال الإباحيين، وأصحاب الفكر الغربي لهذه الفرص، فيعملون على إثارة الشبهات، واستثمار الفراغ الشرعي في تلك اللقاءات والمنتديات، لتمرير فكرهم على عامة الناس.
أسأل الله -تعالى- أن يحفظنا وإياكم من كل فكر منحرف، وأن يثبتنا على الحق.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي