أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ خُطْبَةَ هَذَا الْيَوْمِ عَنْ دَاءٍ خَطِيرٍ، وَشَرٍّ مُسْتَطِير، إِنَّهُ مَرَضٌ قَتَّالٌ، وَوَبَاءٌ عُضَال، إِنَّهُ يُفْقِدُكَ دِينَكَ وَدُنْيَاك، إِنَّهُ يُفْقِدُكَ عِرْضَكَ وَسُمْعَتَك، إِنَّهُ يَشُلُّ حرَكَتَكَ، وَيَجْعَلُكَ أُلْعُوبَةً فِي أَيْدِي الْمُسْتَهْتِرِين، وَعُرْضَةً لِلشَّامِتِين، إِنَّهُ يُسَوِّدُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ يُحِبُّك، إِنَّهُ يَحْمِلُكَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَإِمَّا يَنْتَهِي بِكَ إِلَى الْمَصَحَّاتِ الْعَقْلِيِّةِ، أَوِ السُّجُونِ الإِصْلَاحِيَّةِ، فَكَمْ مِنَ الأُسَرِ عَانَتْ بِسَبَبِهِ، وَكَمْ مِنَ الْبُيُوتِ خَرِبَتْ لِأَجْلِهِ! إِنَّهُ مَرَضٌ أَوْدَى بِحَيَاةِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ،...
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الأَرَضِينَ السَّبْعِ وَالسَّمَوَاتِ، مَنَعَ الْفَوَاحِشَ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَحَرَّمَ الخُمُورَ وَكُلَّ أَنْوَاعِ الْمُسْكِرَاتِ حِفَاظَاً عَلَى الْأَفْرَادِ وَصِيَانَةً لِلْمُجْتَمَعَاتِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أَحَلَّ الْحَلَالَ وَيَسَّرَه وَحَرَّمَ الْحَرَامَ وَعَظَّمَه.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وعلى الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- وَاحْفَظُوا دِينَكُمْ، وَحَافِظُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنَ الْمُحَرَّمَات، فَإِنَّ اللهَ رَبَّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ مِنَ أَنْفُسِكُمْ فَمَا حَرَّمَ عَلَيكُمْ شَيْئَاً إِلَّا لِمَضَرَّتِهِ، وَمَا مَنَعَ أَمْرَاً إِلَّا لِخُطُورَتِهِ، وَمَا جَعَلَ سَعَادَتَكُمْ وَشِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُم.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ خُطْبَةَ هَذَا الْيَوْمِ عَنْ دَاءٍ خَطِيرٍ، وَشَرٍّ مُسْتَطِير، إِنَّهُ مَرَضٌ قَتَّالٌ، وَوَبَاءٌ عُضَال، إِنَّهُ يُفْقِدُكَ دِينَكَ وَدُنْيَاك، إِنَّهُ يُفْقِدُكَ عِرْضَكَ وَسُمْعَتَك، إِنَّهُ يَشُلُّ حرَكَتَكَ، وَيَجْعَلُكَ أُلْعُوبَةً فِي أَيْدِي الْمُسْتَهْتِرِين، وَعُرْضَةً لِلشَّامِتِين، إِنَّهُ يُسَوِّدُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ يُحِبُّك، إِنَّهُ يَحْمِلُكَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَإِمَّا يَنْتَهِي بِكَ إِلَى الْمَصَحَّاتِ الْعَقْلِيِّةِ، أَوِ السُّجُونِ الإِصْلَاحِيَّةِ، فَكَمْ مِنَ الأُسَرِ عَانَتْ بِسَبَبِهِ، وَكَمْ مِنَ الْبُيُوتِ خَرِبَتْ لِأَجْلِهِ! إِنَّهُ مَرَضٌ أَوْدَى بِحَيَاةِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ، وَقَضَى عَلَى مُسْتَقْبَلِ بَعْضِ مَنْ نَعْرِفُهُمْ مِنَ الأَقَارِبِ وَالأَصْحَاب، إِنَّهَا النَّجَاسَةُ الْحِسِّيَّةُ وَالْقَذَارَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ، إِنَّهَا أُمِّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهَا الْخَمْرُ، إِنَّهَا الْمُسْكِرَات.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: قَدْ تَكَاثَرَتْ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ، وَالْمِلَّةِ الْغَرَّاءِ، عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا، قَالَ اللهُ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة: 90-91].
إِنَّ شَارِبَ الخَمْرِ يَرْتَفِعُ عَنْهُ إِيمَانُه؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
إِنَّ الخَمَرَ أُمُّ الخَبَائِثِ، تَجُرُّ إَلى غَيْرِهَا مِنَ الفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَراتِ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْ لا تُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئَاً وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلا تَتْرُكْ صَلاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدَاً فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدَاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ"[رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: كَيْفَ تُشْرَبُ الْخَمْرُ وَقَدْ لَعَنَهَا اللهُ، وَلَعَنَ كُلَّ مَنِ اقْتَرَبَ مِنْهَا؟ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَ إِلَيْهِ"[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ عُقُوبَةَ شَارِبِ الْخَمْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُطَاقَ، وَأَبْشَعُ مِنْ أَنْ تُتَصَوَّر؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِوٍ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِراً، بُخِسَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ. قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ"[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي].
وَعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُلِّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ -عز وجل- عَهْدَاً لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ" أَوْ "عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
أَيُّهَا الْعَاقِلُ: إِنَّ شُرْبَكَ لِلْخَمْرِ فِي الدُّنْيَا يَحْرِمُكَ جَنَّةَ رَبِّكَ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وعن عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاَثَةٌ قَدْ حَرَّمَ الله -تبارك وتعالى- الْجَنَّةَ عَلَيْهِمْ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الأَلْبَانِيُّ: حَسَنٌ لِغَيْرِهِ].
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلا عَاقٌّ وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ شُعْيُبُ الأَرْنَاؤُوط: حَسَنُ لِغَيْرِهِ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: سُئِلَ بَعْضُ التَّائِبِينَ عَنْ سَبَبِ تَوْبَتِهِ، فَقَالَ: "كُنْتُ أَنْبِشُ الْقُبُورَ فَرَأَيْتُ فِيهَا أَمْوَاتَاً مَصْرُوفِينَ عَنِ الْقِبْلَةِ، فَسَأَلْتُ أَهْلِيهِمْ عَنْهُمْ، فَقَالُوا: كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَمَاتُوا مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ".
وَقَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: "مَاتَ لِي وَلَدٌ صَغِيرٌ فَلَمَّا دَفَنْتُهُ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ وَقَدْ شَابَ رَأْسُهُ، فَقُلْتُ: يَا وَلَدِي دَفَنْتُكَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ فَمَا الذِي شَيَّبَكَ؟ فَقَالَ: يَا أَبَتِي دُفِنَ إِلَى جَانِبِي رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، فَزَفَرَتْ جَهَنَّمُ لِقُدُومِهِ زَفْرَةً لَمْ يَبْقَ مِنْهَا طِفْلٌ إِلَّا شَابَ رَأْسُهُ، مِنْ شِدَّةِ زَفْرَتِهَا".
نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهَا، وَنَسْأَلُ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ مِمَّا يُوجِبُ الْعَذَابَ فِي الآخَرِةَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَمَّا أَضْرَارُ الْخَمْرِ عَلَى الصِّحَّةِ الْبَدَنِيَّةِ؛ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُظْهَر، فَالْخَمْرُ يَفْتِكُ بِالْجِسْمِ فَتْكَ الْمُخَدِّرَاتِ بَلْ أَشَدُّ، حَيْثُ يَمْتَدُّ تَأْثِيرُهُ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْجِسْمِ، وَتَتَرَكَّزُ مُعْظَمُ التَّأْثِيرَاتِ فِي الْجِهَازِ الْعَصَبِّيِّ، فَيُفْقِدُهُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّوَازُنِ، وَتُؤَثِّرُ عَلَى مَرْكَزِ التَّنَفُّسِ فِي الْمُخِّ، وَقَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ.
وَالْخَمْرُ يُسَبِّبُ سَرَطَانَ الْمَرِّيء، وَيُؤَثِّرُ عَلَى الْمَعِدَةِ، فَيُسَبِّبُ احْتِقَانَ الْغِشَاءِ الْمُخَاطِيِّ، وَزِيَادَةَ إِفْرَازِ الأَحْمَاضِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الإِصَابَةِ بِتَقَرُّحَاتٍ مُزْمِنَةٍ مِمَّا قَدْ يُسَبِّبُ فِي النِّهَايَةِ سَرَطَانَ الْمَعِدَةِ، وَعُسْرَ الامْتِصَاصِ بِالنِّسْبَةِ لِلأَمْعَاءِ، وَاضْطِرَابَاتٍ فِي حَرَكَتِهَا.
وَالأَثَرُ الأَكْثَرُ خُطُورَةً عَلَى مَنْ يَتَنَاوَلُ الْمُسْكِرَ نَجِدُهُ فِي الْكَبِدِ حَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى تَسَمُّمِ الْكَبِدِ وَتَضَخُّمِهَا، وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ بِمَعْزِلٍ عَنْ تَأْثِيرِ الْخَمْرِ، حَيْثُ يَظْهَرُ تَأْثِيرُ الْكُحُولِ عَلَى عَضَلَةِ الْقَلْبِ، وَيُؤَدِّي إِلَى اعْتِلَالِهَا، وَيُؤَثِّرُ عَلَى قُدْرَةِ الْقَلْبِ عَلَى الانْقِبَاضِ، وَيُؤَثِّرُ عَلَى الْخَوَاصِ الْكَهْرَبَائِيِّةِ لِلْقَلْبِ، وَيُؤَدِّي تَنَاوُلُ الْكُحُولِ إِلَى اضْطِرَابَاتٍ فِي نُظُمِ الْقَلْبِ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهَا مُمِيتَاً، وَيَنْتُجُ عَنْهَا مَوْتٌ مُفَاجِئٌ عِنْدَ شَارِبِي الْخَمْرِ.
فَهَذِهِ بَعْضُ آثَارِهِ عَلَى الصِّحْةِ، وَبَعْضُ الْمَخْذُولِينَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَجْلِبُ لَهُ السَّعَادَةَ وَالانْبِسَاطَ، وَمَا عَرَفَ أَنَّهُ يَقُودُهُ إَلَى الهَلاكِ والانْحِطَاط!.
فَنَعُوذُ باِللهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّيْطَانِ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَنَا جَمِيعاً مِنْ مَسَالِكِ الهَلاكِ وَالبَوَارِ.
أَقُولُ قَولِي هَذَا، وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأَيُّهَا الْعُقَلاءُ: وَأَمَّا أَثَرُ الْخَمْرِ اجْتِمَاعِيَّاً، فَإِنَّ هَذَا الشَّرَابَ يُؤَثِّرُ عَلَى الْعَلاقَةِ الشَّخْصِيَّةِ لِمتَعَاطِيهِ، وَخَاصَّةً مَعَ أُسْرَتِهِ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالأَوْلادِ، مِمَّا يُؤَدِّي فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ إِلَى الانْفِصَالِ وَتَشَرُّدِ الأَوْلَادِ، وَيُؤَثِّرُ كَذَلِكَ عَلَى عَلاقَاتِ الْمُتَعَاطِي الاجْتِمَاعِيَّةِ فِي مُحِيطِ عَمَلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، قَدْ يُؤَدِّي الإِدْمَانُ لِجَرَائِمَ الْقَتْلِ وَالْعُنْفِ وَحَوَادِثَ السَّيَّارَاتِ، فَكَمْ مِنَ النَّاسِ اقْتَتَلُوا وَسَفَكُوا دِمَاءَ بَعْضِهِمْ بِسَبَبِ السُّكْرِ! وَكَمْ مِنَ النَّاسِ خَسِرُوا ثَرَوَاتِهِمْ فِي الْمُرَاهَنَاتِ تَحْتَ تَأْثِيرِ الْخَمْرِ! وَكَمْ مِنَ النَّاسِ اغْتَصَبُوا أَقْرَبَ النَّاسِ لَهُمْ وَهُمْ تَحْتَ تَأْثِيرِ الْخَمْرِ اللَّعِين!.
وَفِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ الْمَاضِي نَشَرَتْ إِحْدَى الْجَرَائِدِ خَبَرَاً أَنَّ شَابَّاَ مُدْمِنَاً فِي إِحْدَى مُدُنِ الْمَمْلَكَةِ قَتَلَ شَقِيقَهُ الأَكْبَرَ بِإِطْلَاقِ النَّارِ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمُ، ثُمَّ اعْتَدَى بِالضَّرْبِ عَلىَ وَالِدَتِهِ، ثُمَّ انْتَحَرَ وَأَنْهَى حَيَاتَهُ بِطَلْقَةٍ فِي الرَّأْسِ؛ فَتَأَمَّلُوا آثَارَ الخُمُور!.
وَهَذَا خَبَرٌ مُشَابِهٌ، حَيْثُ نَشَرْتَ إِحْدَى الْجَرَائِدِ اللُّبْنَانِيَّةِ خَبَرَاً عَنْ شَابٍّ تَعَاطَى الْخَمْرَ، وَدَخَلَ عَلَى أُمِّهِ وَهُوَ سَكْرَانٌ، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا لِيَفْعَلَ بِهَا الْفَاحِشَةَ فَامْتَنَعَتْ، فَهَدَّدَهَا إِنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، فَتَرَدَّدَتْ ثُمَّ لَمَّا رَأَتْهُ مُصِرَّاً رَضَخَتْ لِمَصِيرِهَا الأَلِيمِ، وَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ هَذَا الْخَاسِرُ كَأَنَّهُ أَحَسَّ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئَاً قَبِيحَاً وَهُوَ سَكْرَانُ، فَسَأَلَ أُمَّهُ وَحَلَّفَهَا بِاللهِ وَأَصَرَّ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَهُ مَاذَا فَعَلَ؟
فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى مَحَطَّةِ وَقَودٍ قَرِيبَةٍ، وَاشْتَرَى جَالُونَ بَنْزِينٍ، وَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَأَغْلَقَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جِسْمِهِ الْبَنْزِينَ، وَأَحْرَقَ نَفْسَهُ حَسْرَةً وَأَلَمَاً عَلَى مَا فَعَلَ بِأُمِّهِ!.
فتأملوا: ثَلاثُةُ ذُنُوبٍ كَبَائِرَ مُتَوَالِيَةٍ، شَرِبَ الخَمْرَ ثُمَّ زَنَى بِأُمِّهِ ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَه! فَهَكَذَا تَفْعَلُ الْمُسْكِرَاتُ بِصَاحِبِهَا، وَهَكَذَا هِيَ مَجَالِسُ الخَمْرِ، وَهَذِهِ نَتِيجَتُهَا، وَهَكَذَا هِيَ ثِمَارُ الانْحِرَافِ عَنْ مَنْهَجِ اللهِ!.
وَأَخِيراً: فَيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ، بَلْ يَا أَيُّهَا الْكِبَارُ التَّوْبَةَ التَّوْبَةَ قَبْلَ النَّدَمِ، وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى بَابِ رَبِّكَ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَكَ الْمَوْتُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ ذُنُوبُكَ فَرَبُّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة، قَالَ اللهُ -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53].
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قُيُّومُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَأَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ، وَأَجْوَدَ الأَجْوَدِينَ، مُنَّ عَلَيْنَا بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ، وَأَصْلِحْ قُلُوبَنَا وَأَعْمَالَنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَمِنْ حِزْبِكَ الْمُفْلِحِينَ.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
(رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ)[آل عمران: 193].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وَصَلْ اللَّهُم وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّد، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي