أيها الإخوة المسارعون في الخيرات، الراجون ما عند الله في رفعة الدرجات: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها". وهذا في ركعتي السنة القبلية التي هي آكد السنن الرواتب، ولم يدعها النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا حضراً ولا سفراً!.فما ظنك بفريضة الفجر، والفريضة أعظم من النافلة؟!...
إن الحمد لله...
أما بعد:
فما أكثر نعم الله التي نحن عنها غافلون، ولشدة غفلتنا قد ننسى أنها نعمة!.
أيها الأخ المبارك: يقوم الإنسان من نوم ليله أو نوم نهاره فما معنى هذا القيام؟
إنها حياة بعد موت!.
وهذه الحياة هي مثال لحياة البعث والنشور، وقيام الناس لربهم من رقدة القبور: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)[يــس: 51-52].
ولهذا يسارع المستيقظ فيدعو: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور".
إي والله: أتدري ما معنى أنك قمت من نومك؟ ورد الله لك روحك؟
اسمع الحديث الآخر: "الحمد لله الذي رد إليه روحي، وأذن لي بذكره".
"ردَّ إلي روحي" أين كانت روحك؟
كانت في قبضة الله قبضا غيبيا لا يمكن أن ندركه؛ لأننا لم نحط به علما: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر: 42].
حدث عظيم يتكرر عليك يا ابن آدم، ونعمة كبرى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) [الفرقان: 47].
لعظم لهذا الحدث في دورة الكون، ومراحل حياة الإنسان: أقسم الله بهذه التنقلات القدرية التي تدل على عظمة مقدرها، وسلطان مدبرها؛ يقول الله -تعالى-: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)[التكوير: 17-18].
تنفس ليبدأ مشواراً جديداً في حياة الأحياء، فيطلع الفجر وهو أول لحظات ذلك اليوم الجديد.
ولعظم الفجر أيضاً جاء القسم الآخر: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الفجر: 1-2].
آيات نحن عنها غافلون، قطع الاتعاظ بها تكررها، ومحا هيبتها اعتيادنا لها.
فحتى تبقى للأمور الكونية هيبتها، جاءت الأمور الشرعية تذكر الإنسان، وتربطه بربه، فجعل الله فاتحة اليوم في حياة المسلم عبادة عظيمة، واتصالا مع فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا.
فأول فروضك اليومية اتصال بخالقك في صلاة مشهودة تشهدها ملائكة كرام، موكلون بحضور صلاة الفجر: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78].
ولا تزال الملائكة تتعاقب على بني آدم عروجا ونزولا، وملتقى اجتماع الصاعدين والنازلين في صلاة الفجر وصلاة العصر، في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
فما أعظم بركة يوم افتتحه صاحبه بحضور صلاة الفجر، فشهدته الملائكة، فشهدت له بأداء عبادة ناجى الموفق فيها ربه، فهو فقير إلى الله، لا يدرى ماذا يستقبل في يومه؟
فهو التاجر يسأل الله ربح تجارته.
والموظف والعامل والطالب ومن ليس في عمل واضح وغيرهم كل هؤلاء يسألون الله فتح ذلك اليوم ونصره.
مفتقرين إلى حفظ الله من شياطين الإنس والجن، لا يملكون لأنفسهم حولاً ولا طولاً.
فجائزة هؤلاء ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الفجر فهو في ذمة الله" -أي: في حفظ الله وتوفيقه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء" أي: إن فرطتم بهذه الفريضة العظيمة.
أيها الإخوة: صلاة الفجر وما أدراك ما صلاة الفجر هي إحدى صلاة البردين الموصلتين إلى الجنة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى البردين دخل الجنة".
والبردان هما: الفجر والعصر.
صلاة الفجر وما أدراك ما صلاة الفجر؟!
إن صلاة الفجر هي سبب من أسباب رؤية المؤمن لربه في الآخرة، ورؤية الرب -تعالى- هي أعظم نعيم يكرم الله به أهل الجنة، يقول الله -تعالى-: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) [يونس: 26].
قال صلى الله عليه وسلم: "الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم".
وفي الحديث القدسي: "يقول الله -تعالى-: يا أهل الجنة أزيدكم؟ قالوا: ألم تبيض وجوهنا، وتدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟
فيكشف الرب عن وجهه الكريم، فيرونه فلا يرون نعيماً أعظم من ذلك".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".
أيها الإخوة المسارعون في الخيرات، الراجون ما عند الله في رفعة الدرجات: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
وهذا في ركعتي السنة القبلية التي هي آكد السنن الرواتب، ولم يدعها النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا حضراً ولا سفراً!.
فما ظنك بفريضة الفجر، والفريضة أعظم من النافلة؟!.
فاللهم لا تحرمنا بذنوبنا...
أقول قولي هذا...
أما بعد:
فإن الله جعل هذه الصلوات الخمس ميزاناً ليوم المسلم، تقسم فتراته، حتى حسب تنقلات الشمس فيه، وتغير الأحوال عليه.
والصلاة كتاب موقوت لا يقبل الله صلاة قبل وقتها، ولا بعد وقتها إلا من عذر.
شرع الله نداءً ليذكر الغافل، ويوقظ النائم، ليجتمع المسلمون كلهم في المساجد، خلف إمام واحد، يرجون ما عند ربهم، مهتدين بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تزال جموع المسلمين تغدو وتروح إلى المساجد، محققين صحة إيمانهم، مبعدين شبهة النفاق عن نفوسهم.
يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "من سره أن يلقى الله -تعالى- غدا مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله -تعالى- شرع لنبيكم –صلى الله عليه وسلم- سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".
وحيث كان الحديث عن صلاة الفجر خاصة فمن وفق وأعانه الله على حضورها مع الجماعة فما أقرب إعانة الله له في بقية فروض اليوم، ومن يستعن بالله يعنه الله.
فصلاة الفجر هي صلاة المجاهدين لأنفسهم الذين غلبوها على طاعة الله، والأجر على قدر النصب، فالليل البارد، والفراش الدافئ، ليس عذراً للمتخلف عن صلاة الفجر، فإن كان الليل يقصر فالعمر أيضاً بتقدم الأيام يقصر.
وإن الواحد منا لو كانت له مصلحة من مصالح الدنيا لعمل العجائب، حتى لا تفوته تلك المصلحة، ولو اضطر لئن ينام في مكان المصلحة التي يطلبها.
بل إن بعض هؤلاء المتخلفين عن صلاة الفجر يخرجون لمخيماتهم في زمهرير الليل، ويقصدون الأماكن القارسة ليحضوا بمتعة الرحلة، وأنس المجالسة، فأين تلك الهمم، وهذه المكابدة في صلاة الفجر؟.
أعاننا الله وإياهم! كم نظلم أنفسنا بأنفسنا؟!.
ألا إنَّ نجاتك في الآخرة وسعادتك في الدنيا هي في صلاة الفجر، فانظر ماذا ترى؟
فجاهد نفسك، وكن قدوة في حيك، وبين زملائك، في المحافظة على صلاة الفجر.
ويعظم التخلف عنها من رجل عرف أنه مسؤول في جهة ما، ومن ذوي الوجاهة، أو كان مؤذنا لمسجد، أو إماما فيه.
ثم أمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، وحث أولادك، وكرر إيقاظهم، وتردد عليهم، ولا تمل، ولا تضجر، ولو لم يكن من فائدة ذلك إلا أنك تشعرهم أنهم على خطأ في تكاسلهم.
أكد عليهم ترك السهر، ولو على مباح من أمرهم.
ثم أيقظهم، وأنت تدعو لهم أن يعينهم الله على ذكره، ويقويهم في طاعته، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، فاللطف في المناداة، وعبارات التشجيع.
ثم العتب إن تخلفوا بعد كل هذا بعبارات النصح والإشفاق.
فهذه أسبابنا، والهداية من الله.
وأما فحش القول، وعبارات السب، وتحول لحظات الإيقاظ إلى لحظات توتر بيتي، ورفع أصوات، وضرب، أو محاولة ضرب، فلا أظنها مجدية، خصوصاً إذا تحول الأمر إلى حق شخصي، فصرت تنظر إلى ابنك الذي لا يستجيب لإيقاظك أنه عدو لك، فلا بد أن تظهر منتصراً عليه على كل حال، وقانا الله شرور أنفسنا.
أيها الإخوة: ختام قولنا: تذكير قد يحتاجه البعض حيث يشهد العالم النصراني، ومن تشبه بهم هذه الأيام: احتفالات ما يسمى بنهاية العام الميلادي عيد الكرسمس، والكلام في بطلان هذا العيد تأريخا وتشريعا معلوم -ولله الحمد -، وإنما التذكير في إنكار التهنئة في العام الميلادي، كما نبه على ذلك العلماء قديماً وحديثاً، قال ابن القيم: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات".
وارجع إلى كلامه في أحكام أهل الذمة.
فتبصروا يا من ابتلوا بزملاء عمل من النصارى، قال مشايخنا: "وأعظم من ذلك حضور احتفالاتهم، وتبادل الهدايا معهم، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال".
وحيث إننا في زمن غربة الدين في كثير من أحكامه، فلن يروق هذا الكلام لبعض أناس، وسوف ترى أو تسمع غير ذلك من أبناء المسلمين عبر وسائل الإعلام، أو غيرها.
فاللهم أعز الإسلام والمسلمين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي