حين نكتشفُ حقيقة تبديل المصطلحات، فإذا بالدين تطرّف، وإذا بالجهاد إرهاب، وإذا بالضعف عقل، وإذا بالخلاعة فن، واحتلال البلدان جلب للعدل والحرية، والتفجير وترويع الآمنين إصلاح، وغير ذلك من لَبس الحق بالباطل. نعم –إخوتي-: حين تنكشف حقيقة هؤلاء الصليبيين، فيحاولون حجبها وتشويهها بمحاربة بعض القنواتِ الإخبارية العربية التي تحاول عرضَ الحقيقةِ على الناس. حين تنكشفُ الحقيقةُ الديمقراطية الزائفة، فإذا هي...
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، وتوبوا إليه.
وقد ظهرت فما تخفى على أحدٍ *** إلا على أحدٍ لا يعرف القمرا
ما أقبحهم حين تُكتَشَف حقيقتهم! وما أظلمهم عندما يطالبون بالحقّ!.
هذه حالُ أمريكا الصليبيةِ –إخوتي-، والحقائقُ تظهَرُ كلَّ يوم، والفظائع -إخوتي- تزداد بإخواننا تزداد، ليس في العراق فحسب، بل في كل مكان، فهل يفقه من يدافع عنها في الصحف والقنوات؟! يضعون لأفعالها التبريرات والتأويلات! فكيف يُدافعون عمَّن رَكب الصعب والذلول في عداوة بلادنا والمسلمين؟! فكيف نُؤوِّلُ هجماتهم علينا صباح مساء قادةً وشعبًا، تعليمًا وجمعيات، شبابا ونساءً؟!
لكنها الفضيحة الكبرى -بحمد لله- لهؤلاء الصليبيين ولمن والاهم على المسلمين، ونراهم بأسماء كأحمد وجلال وسعدٍ وعثمان، ولكنَّهم متأمرِكون أكثر من الأمريكيين حين يتخلّون عن بلادهم التي عاشوا فيها، وأخذوا من خيرها، وينبرون للدفاع المستميت عنْهم وعن ظلمهم الذي وَضَحَ لكلِّ أحدٍ، ويهاجمون من إخوانهم وعلمائهم للنيل منهم: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء: 141].
هذا هو الواقع المهين حين نكتشف الحقيقة في العراق، فنرى صورَ التعذيب لإخواننا في السجون بأسلاك الكهرباء، وتعريتهم من ملابسهم، وترى منع النساء والأطفال خلف الأسلاك الشائكة عن الوصول إلى منازلهم التي هدِمت في الفلوجة، والقتل العشوائي للمدنيين، وسرقة الثروات جهارًا، وتعيين الموالين لهم حكامًا، ثم ترى من يبرّر لهم اعتداءاتهم.
حين تنكشفُ الحقيقةُ في فلسطين عن دعمٍ صليبي، وموالاةٍ للصهاينةِ؛ على حساب المسلمين، وتسخيرِ القراراتِ والمنظّمات والهيئات الدولية لمصلحتهم.
حين تنكشفُ الحقيقة في أفغانستان، فإذا بهم يزيلون دولةً اختارها الشعبُ ورضيَ بها، ثم يعيدون السرقة واختلال الأمن وزراعة المخدّرات إليها بعد أن اختفى ذلك زمانًا.
حين تنكشفُ الحقيقة عن تاريخٍ أمريكيّ صليبي دامي خلال حوالي خمسين سنة، ليس مع المسلمين فحسب، بل في اليابان وكوريا وفيتنام، وغيرها من البلاد.
حين نكتشفُ الحقيقة عن واقعهم في بلادهم، فإذا هم شركاءُ في أحداثِ هدم المراكز التجارية وإن لم يشرفوا على إعدادها لمِا تعودُ عليهم من مصلحةِ، وإذا بقصةِ أسلحة الدمار الشامل كذبةٌ كبرى أرادوا من خلالها تحقيق أهدافهم المتطرفة.
حين تنكشفُ الحقيقة عن مأساةٍ عظيمة لدول الإسلام وشعوبه في خذلان إخوانهم، فلا تراهم حتى يستنكرون ما حدث للأسرى وما يحدث في فلسطين، فأين الغيرة والحمية؟! ما بالها ذهبت في هذا العصر؟!
حين تنكشف الحقيقة عن بعض المسلمين ممّن سخّر نفسه لتشجيعهم على غزو بلاد الإسلام ودعمهم بالمال وموالاتهم ضد المسلمين على حساب قضاياهم، فأصبحوا سماسرة يسوّقون قضايا الصليبيين لشعوبهم.
حين تنكشف الحقيقة عن عهدٍ حرّ وسلام جديد لأهلنا في العراق وأفغانستان، فإذا بالحرية سجون في جواتنامو لا تليق بالحيوان وتُهَم تلقى جزافًا وباطلاً.
إذا بالحرية تعذيب بالكهرباء، وممارسات شاذّة على إخواننا في المعتقلات مع الافتخار بذلك، وتصويره في مشاهد مخزِية، حين يظهرونهم وهم عراة، ويلقون بأوساخهم عليهم -أخزاهم الله-، ويلقون بهم من السيارات، ويحجَزون بلا تهَمٍ -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
إذا الحرية الموعودةُ إهانةٌ للمساجدِ والمشايخ، وخطف للعلماء البارزين وتهديد، فأيّ حرية هذه؟!
أمّا السلام الموعودُ منهم فهو احتلالٌ للبلاد، ودماءٌ تنزف، وقنابلُ تُقْذف، وكوارث إنسانية، وعدوٌ أراد مسحَ عارِ خيبتِه وهزيمته بثقل قنابله الغبيّة المدمّرة، لما جبن عن مقابلة الرجال جعل حنقه على الأطفال، وصبّ غضبه على المدنيّين!.
أما السلامُ المدعوم من قبلهم في فلسطين، فلقد رأيناه اغتيالاً للقادةِ والمشايخ، ونهبًا للأراضي، وحرقًا للأشجار، وإقامةً لجدارٍ عنصريً فاصل لا يليق إلا بفِكرهم الصهيونيّ الصليبي، وإن كانوا يعلنون صباح مساء حرصهم على السلام: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [آل عمران: 167].
حين نكتشفُ حقيقة تبديل المصطلحات، فإذا بالدين تطرّف، وإذا بالجهاد إرهاب، وإذا بالضعف عقل، وإذا بالخلاعة فن، واحتلال البلدان جلب للعدل والحرية، والتفجير وترويع الآمنين إصلاح، وغير ذلك من لَبس الحق بالباطل.
نعم –إخوتي-: حين تنكشف حقيقة هؤلاء الصليبيين، فيحاولون حجبها وتشويهها بمحاربة بعض القنواتِ الإخبارية العربية التي تحاول عرضَ الحقيقةِ على الناس.
حين تنكشفُ الحقيقةُ الديمقراطية الزائفة، فإذا هي دكتاتوريةٌ مطلَقة كمنطقِ فرعون مصر: (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى) [غافر: 29].
ومنطق فرعون أمريكا الحالي: "إمّا معنا وإما ضدّنا".
حين تكشفُ مزاعم حقوق الإنسان، فإذا هي كذبةٌ كبرى وشعاراتٌ مهترئة، هم أسرعُ الناس إلى نقضها وانتهاكها، وتنكشف حقيقةُ فكرهم لبلادنا وسائر بلاد المسلمين، مكرهم بالشباب، مكرهم للتعليم، مكرهم للمرأة: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].
حين تنكشف الحقيقة ليتّخذوا من أحداث سبتمبر سببًا لتعميم التهمة على العالم الإسلامي بدينه ودوَلِه وشعوبه، وجمعياتِ الخير فيه، بينما تراهم يطالبوننا بأن نعتبر تعذيب الجنود لإخواننا شذوذًا لا يمثل جيشهم، ويقدم لنا رئيسهم الاعتذارَ عنه بعد أن صمتوا عنه أكثر من خمسة أشهر، فأيّ باطلٍ هذا؟! أيّ باطلٍ يفعله؟! وأيّ اعتذارٍ يقدّمه وهو الذي لم يترك شيئًا في الإسلام إلا وتكلّم فيه، وجعله سببًا لكل بلاء؟!
حين تنكشف حقيقة شعوبنا المسلمة، فإذا هي تعيش خطرًا داهمًا يهدّد أخلاقها ومبادئها، حين تحيط بها صور الباطل من اختلاطٍ نسائي، وعار فضائي، ويُتركُ فيها مروِّجو الفساد والعهر في قنواتهم ليُفسِدوا المجتمعات، ويتخذوا من الفنانين والفنانات واللاعبين قدوات، في حقيقةٍ مرة لا نستطيع التعامي عنها.
أيها المسلمون: هذه هي الحقائق، وما كان غيرها مما يعلنُ فهو كذب، وهذا طبعُ أهل الكتاب حين يلبسون الحق بالباطل، ويكتمون الحق وهم يعلون!.
وإذا كان كلّ هذا كذبًا -إخوتي- فأين الحقيقة؟! نعم أين الحقيقةُ في هذا الزمان؟!
إن الحقيقة -إخوتي- قريبةٌ لمن أرادها، واضحةٌ لمن قرأها، فهي في كتاب مسطَّر لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميد.
إنه القرآن الكريم الذي أوضح لنا -وما زالَ- كثيرًا من مكْرِهم، بين لنا باطلَهم، فكلما رجعنا إليه حقًا وقرأناه صِدْقًا نرى الحقيقة المماثلة لنا عن هؤلاء، والتي لا يستطيع أحدٌ حجبها بصداقته معهم، أو بتقليدِ قنواتهم وأخلاقهم.
الحقيقة عنهم نراها في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51].
فتعالوا بنا نستعرض الحقائق.
عباد الله: إن أُولى الحقائق: أنَّ هذه الحربَ ليست على العراق وفلسطين، كلا –والله-، وإنما هي على الإسلام وعلى دول الإسلام في صراعٍ قدّره الله بين أهل الحق والباطل، وسنةُ الله ماضية: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 62].
الحقيقةُ: أن حَربهم هذه مستمرةٌ دائمةٌ لهدفٍ واحدٍ عنَدهم: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217].
الحقيقةُ: أن أهل الكتاب يمتلكون تاريخًا من الصراع معنا لم يضعف، وما ذلك إلا لما تحمله قلوبهم من غيظ على المسلمين ورعبٍ من الإسلام، فهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، مما يجول في نفوسهم من حقدٍ وحسدٍ علينا: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ) [البقرة: 109].
الحقيقةُ: أن المرض يسري في بعض قلوبنا، أمراضٌ؛ كالتعلُقِ بالدنيا بشهواتها ومناصبها، أمراضٌ؛ كالفكر السطحي البعيد عن الفهم، والوعي لواقع الأمة، وما يتهددها، وعدم معرفةِ الأهداف، وإدراك الأبعاد لحروب الأعداء، بل تنطلي علينا مخطّطاتُه وتغريره بنا، ولرُبَّما انبرى منَّا من يُبِّرُر حرْبَهم ويعتبرها مقبولةً خشيةً على دنياه الزائلة: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة: 52].
الحقيقة: أن أعداءَ الإسلام جادّون غير هازلين في حربهم ومخططاتهم لفتنةِ المسلمين، وصدِّهم عن دينهم، وطرح مناهج أخرى، ومبادراتِ إصلاح وهي إفساد، فلا بد من الحذر: (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49].
الحقيقةُ: أن الدافع الأساس لما نراه من صفاقةٍ غير متناهية، وتناسٍ للأعراف والحقوق والمواثيق هو دافعٌ عقدي، يحركه تحالف صهيوني صليبي، شاء المدافعون عنه أم أبوا، وما تصريحات زعيمهم ووزير دفاعهم والآخرين بأنها حربٌ صليبيةٌ بخطأ لفظي، فلقد أثبتت الممارسات صحة أقوالهم، وتجنّي معتقداتهم.
الحقيقة: أن كذبة حقوق الإنسان إنما دعوا إليها لمصلحتهم وحدهم، وأن نور الله لن يطفئوه بأفواههم، فالله متم نوره ولو كره الكافرون، وكلمتنا هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
ثم إن الحقيقة -إخوتي-: أن الله -سبحانه وتعالى-، ومن خلال هذه الأحداث سيميّز الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ فيركمه جميعًا فيجعله في جهنم.
الحقيقةُ -إخوتي-: أنهم سينفقون أموالهم، ويشحذون أسلحتهم، ثم ستكون -بإذن الله- عليهم حسرةً ثم يغلبون.
الحقيقةُ: أن الغلبة لله ولرسله وللمؤمنين: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء: 141].
نعم، إننا منصورون -بإذن الله-: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].
الحقيقة: أن كيدهم هذا لن يضرّنا -بإذن الله- إلا أذى جسديًا، وسوف يولّون الأدبار ثم لا ينصَرون.
فلا نتعامى عن الحقيقة: أن الأمة لا زالت إلى خير، يثبت ذلك المقاومةُ الباسلة للرجال والنساء في فلوجة العراقِ وبغدادِ، في فلسطينَ والشيشان، كلهم استطاعوا أن يثبتوا أن الإيمان مع قلة السلاح يفعل العجائب أمام أعتى القوى وأمضى الأسلحة: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج: 39-40].
الحقيقة -إخوتي-: أننا بالشعور بمصاب إخواننا في بلدانهم، ومعرفة حالهم؛ نحيِي مواتَ قلوبنا، ونعيد تذكّر أمجادنا، ولا ندعُ التخاذل يصيدنا، ونقوم بأقل الواجب حماية لبلداننا من أن يصيبنا ما أصابهم بعد أن تركنا نصرتهم، والدفاع عنهم، فإن ما رأيناه من صور تعذيب المعتقلين، وتلك المشاهد اليومية للنساء والمنازل المهدمة، تلقي علينا –والله- مسؤولية عظمى، بواجب نصرتهم، وعدم التخلي عنهم.
الحقيقةُ: أننا بدعمهم بالمال نقوّيهم، وبالدعاء ننصرهم، وأن نستجيب لربنا، ونخفف مصابنا، ونخذل الكافرين والمنافقين.
الحقيقةُ: أنَّنا بتوحيد الكلمة نستطيعُ مقاومتَهم، وردَّ بأسِهم، لكنَّنا بالفرقةِ والتنازع نفشلُ وتذهبَ ريحنا أمامَهم.
الحقيقة: نعم الحقيقةُ أنَنا بنبذ أمراض التطرُّف والغلو والحذر من ممارسات العنف، نبرّئ ساحة ديننا، ونعلي كلمتنا، وندفع عنا تشويه المغرضين، ونقد المرجفين.
الحقيقةُ: أننا نقاومهم بالعزائم الجادّة، والإرادات القوّية، لا بالتلهي بالتّرَّهات والأباطيل، لا بالغناء والرقص، وليس بالكرة والإعلام الهابط، وإنما بإعلامٍ يرفعُ اهتمامات الأمة، ويعزها ولا يذلها.
عباد الله: إنها حقائق دافعةٌ واضحةٌ، لا لبسَ فيها ولا تشويه، حقائقُ ينبغي لنا استحضارها والاستشهاد بها، ونحن نرى ما آل إليه الحال في صراعنا مع هؤلاء الكفار في عددٍ من بلادِ الإسلام وثغوره، كفارٌ يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق.
إنها حقائق من الخطأ والإجرام التعامي عنها والتهاون بها تحت أيّ ذريعةٍ، فماذا بعدَ الحق إلا الضلال؟! ولنحذر من الذين يجادلون في الحق بعدما تبين.
إنها حقائق لا خلاف عليها، فهي منطوق كتاب الله لمن أراد الدليل لشرعه والمصلحة لبلده والرفعة لدينه: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) [الرعد: 17].
فإذا كان هذا هو الحق فأين نحن منه؟! وما دوري وما دورك في إظهاره وإعلائه؟!
ولم نَرَ الباطل منتفشًا، والحقّ منزويًا، إلا بتقصير أهله، فارفعوا بالحقّ رؤوسكم عاليةً -إخوة الإيمان-واعلموا أن باطلهم ينكشف مع الأيام، وإن ما ذكرناه من الحق سيزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، فهل يفقه ذلك المؤمنون؟!: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، توبوا إليه.
آياتٌ خلقها الله في السماوات والأرض: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد: 4].
نعم -أيُّها الأحبة-: كيف رفع الله هذه السماوات بقوته، وأمسكها بقدرته ورحمته، أن تقع على العباد، أحكم بناءَها فما لها من فروج ولا فطور، زينها بالمصابيح وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرا، كلٌ في فلك يسبحون، في نظامٍ دقيق عجيبٍ رتبه بحكمتهِ، وهو القويُّ العزيز، سخَّر سبحانه وتعالى الشمس والقمر بحسبان دائبين: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل: 88].
فأين ما يصنعُه الإنسانُ ويعلمهُ من عظمةِ صنعِ اللهِ اللطيف الخبير؟!
عباد الله: حين كانت الشمس والقمرُ آيتين من آيات الله ينكسفان بأمره، فإذا أراد الله أن ينذر عباده من عاقبة معاصيهم ومخالفتهم كسفهما باختفاء ضوئهما كلِّه أو بعضهِ، إنذارًا للعباد وتذكيرًا لهم لعلهم يحدثون توبةً، فيقومون بما يجب عليهم من أوامر ربهم، ويبتعدون عما حرمه عليهم.
هذه الحكمة العظيمةُ التي تناساها الناسُ اليومَ لهذا الأمر الجلل عند حدوثه، ولعلَّ ما خفف مصابه عليهم الإعلانُ عنه قبل وقوعه، فترى في الناس من لا يأبه بحدوثه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ترى بعض الناس يتهاونون بأمر الكسوف فلا يقيمون له وزنًا، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم، وجهلهم بما فعله رسول الله تجاهه، واعتمادهم على ما علم من أسباب الكسوف الطبيعية، وغفلتهم عن الأسباب الشرعية التي يقرّ بها المؤمنون، وينكرها الكافرون، ويتهاون بها ضعيفو الإيمان، فلا يقومون بما أمرهم به رسول الله من الفزع إلى الصلاة، والذكر والدعاء والاستغفار، والصدقة والعتق.
يحصل الكسوف؛ فيخرج عليه الصلاة والسلام فزِعًا يجرّ رداءه وراءه، يدعو الناس: "الصلاة جامعة" ثم يعظهم حتى قال: "والله، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا".
يحدّث بذلك صحابته، فكيف لو رأيتَ حالنا يا رسول الله، وفينا من يجاهر بالمعاصي، وفينا من يدعو إليها ويرعاها ويحمي أصحابها؟! كيف وفينا من يقوم اقتصاده على الربا، وفينا من يوالي الكافرين ويعادي المؤمنين؟! كيف -يا رسول الله- وفينا من يرى هذه الآيات المخوفة التي تتابع ثم لا يحرك لها ساكنا، تراه ساهرًا أمام القنوات الفضائية عابثًا لاهيًا يقدم ورقة يلعب بها أو مباراة يشاهدها على حضور صلاة الكسوف؟!
فتذكروا -يا عباد الله-: العبرة من هذه الآيات، وقوموا بما أوجبه الله عليكم اتجاهها.
نسأل الله -أيها الأحبة-: أن يغفر لنا زللنا وخطئنا، ونسأله جل وعلا توبةً نصوحًا تمحو ما اقترفناه من الذنوب.
فو الله -عباد الله-: إنّ الإنسان ليخاف، ونحن نرى هذه الآيات من كسوف الشمس وخسوف القمر، وكثرة الرياح والأعاصير والغبار، وانقطاع الأمطار، وشحّ المياه الذي يتهدّد بلادنا بقلة موارد الماء، ونقص المياه الجوفية، وغورها في الأرض، وغير ذلك مما ينبغي لنا أن نخشاه ونخافه.
نسأل الله -تعالى- اللطف بنا وبسائر عباده المؤمنين، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي