الجفافُ العاطفيُ: مُشكلةٌ عَوِيصةٌ يشتكي منها كثيرٌ من الزوجاتِ، فلا تجدْ في قاموسِ الزوجِ أيُ كلمةٍ تُعبِّرُ عن حبِه لزوجتِه التي يُحبُّها حُبَّاً شديداً، ولا في ألفاظِه وصفٌ لجمالِها، حتى ولو كانَ كاذباً، فإن هذا مما يجوزُ فيه الكذبُ، فطبيعةُ المرأةِ أنها تُحبُّ الكلامَ الجميلَ، أما سمِعت إلى قولِ أحمدَ شوقي -رحمه الله تعالى-، حينَ. يقولُ مُستشارٌ أسريٌ: اتصلتْ بي امرأةٌ تشتكي من عَدمِ حُبِّ زوجِها لها، وعَرفتُ من صوتِها أنها...
الحمدُ للهِ القائلِ في كتابِه المبينِ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، حكمَ فقدّر، وشرعَ فيسّرَ.
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه خيرَ زوجٍ وعشيرٍ، وقد قالَ اللهُ -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب: 21].
فصلى اللهُ وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا اللهَ -تعالى-، وتأملوا كيفَ كررَّ اللهُ -تعالى- الأمرَ بتقواه في سورةِ الطلاقِ خمسَ مراتٍ، بما يُعادلُ نصفُ الآياتِ تقريباً، وذلك للعلاقةِ الوطيدةِ بين تقوى اللهِ -تعالى- وبينَ استمرارِ الزوجيةِ، وعدمِ وقوعِ الطلاقِ.
إن الأرقامَ التي تُنشرُ في مُعدلاتِ الطلاقِ في بلادِنا: أرقامٌ مُخيفةٌ، تُنذرُ بأخطارٍ فادحةٍ على الأفرادِ والأُسرةِ والمُجتمعِ، وتنبئُ عن خَللٍ ظاهرٍ في معرفةِ الهديِ النبويِ في علاقتِه مع زوجاتِه عليه الصلاة والسلام، وجَهلٍ بالنصوصِ الشرعيةِ التي بيَّنتْ طبيعةَ العلاقةِ الزوجيةِ، وبيانَ الطريقةِ الصحيحةِ في التعاملِ مع العيوبِ والأخطاءِ.
وقبل أن أبدأَ: سأُخبرُكم بالسببِ الرئيسي؛ خلفَ هذه الأرقامِ الكبيرةِ في الطلاقِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ فَيَلْتَزِمُهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ".
فكلُ شيطانٍ يسعى لهذا المنزلةِ والتكريمِ، فيبذلُ قُصارى جُهدِه لأجلِ أن يأتيَ بهذا العملِ الذميمِ.
ولكم أن تستغربوا هذا الحرصَ من إبليسَ، حتى كانَ الطلاقُ وهو أبغضُ الحلالُ أحبَ إليه من الحرامِ، ولكن تفريقَ أُسرةٍ أحبُ إلى الشيطانِ من معصيةِ فردٍ.
وقد اختصرت خولةُ بنتُ ثعلبةَ نتيجةَ الطلاقِ بقولِها، وهي تُجادلُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في زوجِها الذي ظاهرَ منها: "يا رسولَ اللهِ وإنَّ لي مِنْهُ صِبْيَةً صِغَارًا، إنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإنْ ضَمَمْتُهُمْ إليَّ جَاعُوا".
والضياعُ والجوعُ من أبوابِ الفسادِ والانحرافِ.
عبادَ اللهِ: إن أولَ خُطوةٍ للحياةِ الزوجيةِ السعيدةِ، هو: اختيارُ الزوجِ والزوجةِ.
فيا أيها الباحثُ عن زوجةٍ: اسمعْ لوصيةِ نبيِّكَ وحبيبِكَ؛ كما جاءِ عَنِ أَبي هُريرة -رضيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- عَنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها؛ فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ".
أي التصقتِ بالترابِ من الخسارةِ.
فالأصلُ هو الدينُ، وإذا جاءَ الجمالُ والحَسَبُ والمالُ تَبَعاً فخيرٌ على خيرٍ.
وأنت يا وليَ أمرِ المرأةِ: احرصْ على من جمعَ الدينَ والأخلاقَ، فإنه لن يظلمَها لأن دينَه يمنعُه خوفاً من ربِّه -تعالى-، ولن يُهينَها؛ لأن أخلاقَه تمنعه حياءً منكَ، وقد أكرمتَه وأعطيتَه جوهرتَك المصونةَ؛ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ -أيْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ- قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
فإذا وُجدتْ الموافقةُ المبدئيةُ، فلا بُّد للزوجينِ من أن ينظرَ كِلاهما إلى الآخرِ قبلَ العقدِ، فقد يكونُ في أحدِ الزوجينِ عيبٌ خَلْقي لا يرتضيه الآخرُ، فينتهي الأمرُ في بدايتِه، ولا تتفاقمُ المُشكلةُ بعدَ الزواجِ؛ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَطَبْتُ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لِي: "رَأَيْتَهَا" فَقُلْتُ: لا، قَالَ: "فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا" قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِوَالِدَيْهَا، فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَقُمْتُ، فَخَرَجْتُ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: عَلَى الرَّجُلِ، قَالَ: فَرَجَعْتُ، فَرَفَعَتْ نَاحِيَةَ خِدْرِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَكَ أَنْ تَنْظُرَ، فَانْظُرْ، وَإِلا فَإِنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا، فَتَزَوَّجْتُهَا، فَمَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيَّ وَلا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْهَا".
ولكن لا ينبغي أن يُبالغَ الرجلُ في صفاتِ الجَمالِ المطلوبةِ؛ فيرسمُ له صورةً من صُورِ الفاسقاتِ المُصَبَّغاتِ بالألوانِ، مما يُشاهدُه في الإعلامِ!.
وهذا من أعظمِ أسبابِ المشاكلِ بينَ الزوجينِ، حيثُ يُقلِّبُ الزوجُ عينيه في الشاشاتِ، ولا يغضُّ بصرَه؛ كما أمرَه اللهُ -تعالى-، وقد تسقطُ زوجتُه من عينِه.
واعلموا: أن جمالَ الظاهرِ يذهبُ، ولا يبقى إلا جمالُ الدينِ والأخلاقِ؛ يقولُ أحدُ الدعاةُ: "جاءني رجلٌ بعدَ زواجِه مباشرةً وعلى وجهِه الحُزْنُ، فقالَ لي: إن زوجتَه التي دخلَ بها وهو لم يرَها قبلَ الزواجِ، ليست على مستوى الجمالِ الذي كانَ يتوقَّعهُ، فقالَ له الداعيةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً -أي لا يُبغُضُها- إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ".
فاصبر! فلعلَ اللهَ -تعالى- يُرِيكَ من أخلاقِها ما ترضى، يقولُ: فجاءني بعدَ مدةٍ يسيرةٍ، وهو يقولُ: جزاكَ اللهُ -تعالى- من ناصحٍ خيراً، وصدقَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، لقد رأيتُ من بِرِّها بأمي ما لا أستطيعُه أنا وإخوتي، حتى كأنها أمُّها، تخدِمُها في كلِ وقتٍ، ولا تَملُّ ولا تشتكي!.
وهكذا إذا كرِهَ منها سرعةَ الغضبِ، فقد يرضى منها سرعةَ الرضا، وإذا كرِهَ سُوءَ الطبخِ، فقد يرضى منها الحياءَ والسِترَ، وإذا كرِهَ منها قِصَرَ الْقَامَةِ، فقد يرضى منها القناعةَ بالقليلِ.
وأما الجفافُ العاطفيُ، فمُشكلةٌ عَوِيصةٌ يشتكي منها كثيرٌ من الزوجاتِ، فلا تجدْ في قاموسِ الزوجِ أيُ كلمةٍ تُعبِّرُ عن حبِه لزوجتِه التي يُحبُّها حُبَّاً شديداً، ولا في ألفاظِه وصفٌ لجمالِها، حتى ولو كانَ كاذباً، فإن هذا مما يجوزُ فيه الكذبُ، فطبيعةُ المرأةِ أنها تُحبُّ الكلامَ الجميلَ، أما سمِعت إلى قولِ أحمدَ شوقي -رحمه الله تعالى-، حينَ قالَ:
خَدَعُوهَا بِقَوْلِهِمْ حَسْنَاءُ *** وَالغَوَانِي يَغُرُّهُنَّ الثَّناءُ
فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي قُلُوبِ العَذَارَى *** فَالعَذَارَى قُلُوبُهُنَّ هَواءُ
يقولُ مُستشارٌ أسريٌ: اتصلتْ بي امرأةٌ تشتكي من عَدمِ حُبِّ زوجِها لها، وعَرفتُ من صوتِها أنها من بلادٍ يشتهرُ رجالُها بالكلامِ المعسولِ، وسألتُها عن زوجِها، فأخبرتني أنه من إحدى القبائلِ التي تعيشُ في الباديّةِ، يقولُ: فأخبرتُها أن عادةَ هذه القبائلِ أنهم لا يُعبِّرون عن حُبِّهم بالكلامِ؛ لأنهم لم يعتادونَه، بل قد يكونُ عَيْباً عندَ بعضِهم، وقلتُ لها: اختبري حُبَّه لكِ بما تطلبينَه منه، فإن عطاءَ هذا هو الوسيلةُ الوحيدةُ التي يُعبُّرُ فيها عن حبِّه، يقولُ: فاتصلت بي بعد مدةٍ، وهي تقولُ: لقد ظلمتُ زوجي كثيراً، ولم أكن أتوقعُ أنَه يُحبُّني هذا الحبَّ، واللهِ لو طلبتُ منه الكُرةَ الأرضيَّةَ لغلَّفَها بغلافِ الهدايا، وأهداها لي.
فيا أيُها الأزواجُ: إن كانَ هذه الزوجةُ -وفَّقها اللهُ تعالى- بمن يُرشدُها، فغيرُها كثيرٌ من الزوجاتِ لا تجدْ، وقد يكونُ هذا باباً عظيماً إلى الطلاقِ.
أيها الأزواجُ: هذا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَبَعَثُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ -رضي الله عنه- عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فكأنَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ -رضي الله عنه- ظَنَّ أنَّ لهُ مكانةً خاصةً عندَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ" فما ظَنُكم بعائشةَ -رضي الله عنها- حينَ يصلُها الخبرُ، وأنه يُعلنُ في غيابِها وحتى عندَ غيرِ الأقاربِ، أنها أحبُّ الناسِ إليه.
وها هي تحكي لَه حالَ مجموعةٍ من النساءِ مع أزواجِهم، وهو يُنصتُ لها وقتاً طويلاً، ثم يختارُ أحبَّ زوجٍ إلى زوجتِه، فيقولُ لها: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأِمِّ زَرْعٍ".
فينبغي على الزوجِ: أن يُجاهدَ نفسَه على الكلامِ الجميلِ لزوجتِه، ليرويَ ظمئَها العاطفي، حتى يكونَ ذلك له عادةً، واللهُ -تعالى- يقولُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: 21].
نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ، وبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الكريمِ -صلى الله عليه وسلم-.
أقولُ قولِي هذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفِرُوهُ؛ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَخَاتَمِ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ.
أما بعد:
فيا أيها الأزواجُ: لقد جعلَ اللهُ -تعالى- لكم الطلاقَ، فكنْ أعقلَ وأحزمَ وأحسنَ تصرفاً، وتماسكْ عند الغضبِ، فكم من أسرةٍ تشتتَّ أفرادُها بسببِ لحظةٍ غاضبةٍ، وتصرفاتٍ طائشةٍ، وقد كانَ أبو الدَّرداءِ -رضي الله عنه- يقولُ لأمِّ الدَّرداءِ: "إذا غضبتُ فَرَضِّني، وإذا غضبتِ رضَّيتُكِ، فَمَتَى ما لم يكن هكذا، ما أسرعَ ما نفترقُ".
اسمعْ معي لهذا الموقفِ: بعثتْ أمُ سلمةَ زوجُ النبيِ -صلى الله عليه وسلم- ورضيَ اللهُ عنها بطعامٍ في صَحْفةٍ لها إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِه عندَه ضيوفٌ، وذلك في بيتِ عائشةَ -رضي الله عنها-، فجاءتْ عائشةُ -رضي الله عنها- بحَجرٍ، ففلقتِ به الصَّحْفةَ -أي كسرتْها-، فجمعَ النبيُ -صلى الله عليه وسلم- بين فِلْقَتَيِ الصَّحْفةِ، وقالَ للضيوفِ: "كُلوا غارتْ أُمُّكم، كُلوا غارتْ أُمُّكم".
ثم أخذَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صَحْفةَ عائشةَ، فبعثَ بها إلى أمِ سلمةَ، وأعطى صَحْفةَ أمِ سلمةَ المكسورةَ لعائشةَ!.
وماذا لو أن أحدَنا دعا ضيوفاً إلى العشاءِ، ثم لخلافٍ بينَه وبينَ زوجتِه، قلبتْ صحونَ العشاءِ! وأفسدتْ عليه عشاءَه! وأتركُ لكم الخيالَ فيما قد يحدثُ لها!.
فاصبروا على عيوبِ زوجاتِكم إلا في العِرْضِ، وتركِ الصلاةِ، قِيلَ لأبي عثمانَ النيسابوري -رحمه الله تعالى-: ما أرجى عملِك عندك؟ -أيْ العملُ الذي ترجو به رحمةَ اللهِ- قالَ: كنتُ في صَبوتي يَجتهدُ أهلي أن أتزوجَ فآبى، فجاءتني امرأةٌ فقالتْ: يا أبا عثمانَ إني قد هَويتُكَ، وأنا أسألكُ باللهِ أن تتزوجَني، فأحضرتُ أباها، وكان فقيرًا، فزوجني وفرحَ بذلك، فلما دخلتْ إليّ، رأيتُها عوراءَ عرجاءَ مُشوَهةً، وكانت لمحبتِها ليّ تمنعُني من الخروجِ، فأقعدُ حِفظًا لقلبِها، ولا أُظهرُ لها من البُغضِ شيئًا، وإني على جمرِ الغضا من بُغضِها، فبقيتُ هكذا خمسَ عشرةَ سنةً حتى ماتتْ.
اللهمَّ وفِّقِ بينَ الأزواجِ، واجمعْ بينهم على خيرٍ.
اللهم اجعلْ الزوجاتِ قُرةَ عَينٍ لأزوجهِنَّ، واجعلْ الأزواجَ قُرةَ عَينٍ لأزواجِهم، وارزقهم الذريةَ الصالحةَ.
اللهم اهدِهم لما تُحبُّ، واجعلهم أهلَّ بيتٍ صالحينَ، يا ربَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ كُنْ لِلْمُسْلِمينَ وَالمُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلَّ مَكَانٍ، فَرِّجْ هَمَّهُم، وَنَفِّسْ كَرْبَهُم.
اللَّهُمَّ ارْفَعْ رَايَتَهُم، وَاكْبِتْ عَدُوَّهُمْ، اللَّهُمَّ وَحِّدْ صَفَّهُم، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُم.
اللَّهُمَّ لا أَبَرَّ بِهِم مِنْكَ، وَلا أَرْحَمَ بِهِم مِنْكَ، وَلا أَرْأَفَ بِهِم مِنْكَ، اللَّهُمَّ هُمْ مِنْكَ وَإِلَيكَ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلِ الدَّائِرَةَ لَهُم لا عَلَيهِم وَالنَّصْرَ حَلِيفَهُمْ، يَا رَبَّ العالمينَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي