معاشر المؤمنين: لقد ابتلينا بإعلام مفتوح، ينقل لنا تقاليد الآخرين برمته، ويلقيه بين أظهرنا، ولهذا نلحظ أن الشباب سواء كانوا ذكورا أو إناثا؛ أصبحوا يقلدون المشركين في كثير من عاداتهم!. وإن المتأمل للنصوص الشرعية يلحظ أن من مقاصد الشريعة الإسلامية مخالفة المشركين. ويقصد بقول الفقهاء: أنها من مقاصد الشرع، أن الشرع قصد هذا الأمر، وتتبعه لينفيه من جميع طرقه. عباد الله: سنتطرق لبعض النصوص التي جاءت آمرة بالمخالفة؛ ليتبين لنا عظم الأمر وأهميته، فالتشبه بالكفار طريق للخروج من الدين، و...
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: لقد فضل الله المسلم على غيره، وحذره أن يخنع لغير المسلمين، أو أن يحبهم، أو يرتضي فعالهم، أو يقلدهم، ويتشبه بهم؛ لما يورث ذلك من الذل المتلبس بهم، بل حذر من مجرد الركون لهم من أنه يدخل النار؛ كما قال سبحانه: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود: 113].
ولقد تكاثرت النصوص الشرعية التي تحذر المسلم أن يتشبه بالكافرين، أو أن يحاكي فعالهم.
معاشر المؤمنين: لقد ابتلينا بإعلام مفتوح، ينقل لنا تقاليد الآخرين برمته، ويلقيه بين أظهرنا، ولهذا نلحظ أن الشباب سواء كانوا ذكورا أو إناثا؛ أصبحوا يقلدون المشركين في كثير من عاداتهم!.
وإن المتأمل للنصوص الشرعية يلحظ أن من مقاصد الشريعة الإسلامية مخالفة المشركين.
ويقصد بقول الفقهاء: أنها من مقاصد الشرع، أن الشرع قصد هذا الأمر، وتتبعه لينفيه من جميع طرقه.
عباد الله: سنتطرق لبعض النصوص التي جاءت آمرة بالمخالفة؛ ليتبين لنا عظم الأمر وأهميته، فالتشبه بالكفار طريق للخروج من الدين، و"من تشبه بقوم فهو منهم".
ولهذا جاء الأمر صريحا لنبيه –صلى الله عليه وسلم- أن يعرض عن المشركين، قال تعالى: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام: 106].
وقال تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ)[الحجر: 94].
بل جاء الأمر بصيغة التهديد بالعذاب على مجرد الركون للكافرين، قال تعالى: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا * إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)[الإسراء: 74- 75].
يعني ضاعفنا عليك العقوبة في الدنيا والآخرة، وهذه الآيات وجهت للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهي خطاب للأمة من باب أولى، والآيات كثيرة في هذا الباب.
أما الأحاديث، فقد تواترت الأحاديث في التحذير من مخالفة المشركين؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ".
وفي رواية مسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى".
ومن أمثلة مخالفة النبي -صلى الله عليه وسلم- للمشركين؛ ما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أَنَسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللهُ –تَعَالَى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)[البقرة: 222] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ" فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَلَا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا.
لنتأمل كيف كان واضحا عند الصحابة -رضوان الله عليهم- محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لمخالفة المشركين.
ومن الأمثلة في ذلك؛ ما أخرجه أبو داود في سننه من حديث يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خفافهم".
ومن الأمثلة كذلك؛ تعجيل الإفطار في رمضان؛ لما رواه أبو داود في سننه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ".
وخالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في صيام عاشوراء؛ كما ورد ذلك في الصحيح.
وغيرها كثير مما يدل على أن مخالفة المشركين أصل من أصول الدين.
اللهم وفقنا لهداك ...
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: يظل هذا الدين هو الدين الحق الذي ارتضاه الله –تعالى- لعباده؛ قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19].
فلا دين على الأرض اليوم غير دين الإسلام، ولا ملة وشرعة تصلح لهداية الناس كملة الإسلام وشرعته، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة: 3].
وقال: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
والمتأمل في مشاهد الحج وشعائره يجد مخالفة المشركين، والمجافاة عن طريقهم؛ مقصداً من مقاصد الحج، حتى قال ابن القيّم -رحمه الله تعالى-: "استقرت الشريعة على قصد مخالفة المشركين، لا سيّما في المناسك". ا. هـ.
معاشر المسلمين: إن الناظر في حال شبابنا ونسائنا -إلا من رحم الله- يرى التقليد المقيت للمشركين؛ في لبسهم، وهيئتهم، وكلامهم، وقصة شعورهم، بل في أساليب حياتهم!.
وهذا ينبئك عن قلة الإيمان في قلوبهم، وضعف الانتماء لدينهم، لهذا تركوا دينهم، وبحثوا عن حثالة الغرب.
ولما أحس شيخ الإسلام ابن تيمية خطر التتار على الأمة الإسلامية؛ لأنهم غلبوا المسلمين في كثير من البقاع، وَهَابَهُم القاصي والداني، والمغلوب دائمًا يُقلد غالبه، فأخذ المسلمون يُقلدون من غير وعي هذه الأمة، لذا؛ ألف رحمه الله كتابًا أسماه: "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم" الذي حذر فيه من تشبه المسلمين بغيرهم من أهل الملل والنحل.
وتأملوا هذا الحديث -عباد الله- وهو ما أخرج الطبراني في الأوسط من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَتَسَرْبَلُونَ، وَلَا يَتَّزِرُونَ؟ قَالَ: "تَسَرْبَلُوا أَنْتُمْ، وَاتَّزِرُوا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَحْتَفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ؟ قَالَ: "فَاحْتَفُوا أَنْتُمْ، وَانْتَعِلُوا، خَالِفُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ كُلَّمَا اسْتَطَعْتُمْ".
فجعل المخالفة مطلب لا يسقط إلا بالعجز عنه.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (3/ 112): "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ أَنَّهُمَا وَقْتُ سُجُودِ الْمُشْرِكِينَ لِلشَّمْسِ، وَكَانَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْمُشَابَهَةِ الظَّاهِرَةِ، الَّتِي هِيَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْمُشَابَهَةِ فِي الْقَصْدِ مَعَ بُعْدِ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ، فَكَيْفَ بِالذَّرَائِعِ الْقَرِيبَةِ؟".
عباد الله: إن مخالفة المشركين في هديهم، والحذر من التشبه بهم؛ مطلب شرعي يحتاج كل مسلم أن يأصله في نفسه، ونفس كل من كان تحت يده، فكثيرة جدا هي الأمثلة التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمخالفة المشركين فيها، مما يبرهن للناس أهمية هذا المطلب.
لنتأمل أحوالنا ومدى قربنا من صفات المشركين، فلنهرب من مشابهتهم في أعمالهم وأقوالهم، ولننمي صفات المسلمين في قلوبنا، فبقدر نموها يعظم ديننا، ويهابنا عدونا.
اللهم حبب إلينا السنة وكره إلينا البدعة يا رب العالمين.
اللهم ارفع راية القرآن والسنة في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين...
اللهم استر عوراتنا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي